الخميس، 15 مايو 2008

هل فعلا طويت صفحة انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب؟


 هل فعلا طويت صفحة انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب؟
 كان لعامل الصدفة دوره في العثور على عدد من المقابر الجماعية في المغرب، حيث أن عمليات حفر من أجل تشييد بنايات أو ترميمها أو فتح طريق… أزاح ستار الأتربة عن جرائم ارتكبت في حق الإنسانية في تواريخ متقاربة من زمن المغرب الحديث.
    سمعنا وقرأنا عن طي صفحة الماضي الأليم، وفتح أخرى للمصالحة، ونسيان الماضي بمآسيه والشروع في عهد جديد تُحترم فيه حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، قيل كذلك أن محاكمة المسؤولين عن تلك الفضائع غير ممكن، صدقنا على مضض، مادام المبرر هو أن العدالة الانتقالية تطمح إلى الصفح والتسامح، وليس الانتقام.  
    آخر ما اكتشف من مقابر حدث يوم الثلاثاء 13 ماي 2008 بمدينة الجديدة، إذ عثر على ثماني جماجم مدفونة في أرض تعود لملكية عائلة مسؤول أمني، لتنضاف إلى ما تم الوصول إليه صدفة منذ أسابيع بثكنة للوقاية المدنية بالناظور وقد حُصر عدد الهياكل البشرية في ستة عشر، وفي خضم السنة المنصرمة وقع نفس الشيء بإحدى الحدائق بفاس… وبذلك فتح سجل من قائمة لعدد من المقابر المماثلة انطلق منذ 2003 بثكنة للوقاية المدنية بالدار البيضاء.
 أمام هول هذه الاكتشافات يحق التساؤل عن مصداقية الأقوال التي تتحدث عن المصالحة، إذا كانت فعلا قد وقعت مصالحة فلماذا التستر على هذه الحقائق؟ كيف لضحايا وعائلاتهم قد غفروا وسكنت نفوسهم، ومنهم من أعلن جهارا وعلانية عن عفوه وتسامحه، فلماذا لم تفعل نفس الشيء الأطراف الأخرى؟ أي التي تعلم على الأقل الحقيقة، حقيقة المقابر الجماعية.  
    هذه الاكتشافات المتتالية بفعل عامل الصدفة تثير أكثر من علامة استفهام عن المقابر الأخرى التي ربما ما تزال تنتظر مكتشفا، أو التي سيطويها الزمن والنسيان، وهو العامل الذي عول عليه المنتهكون لحقوق الإنسان.
   ألم يحضر أحد أثناء الدفن؟ أو بالأحرى ردم الضحايا؟ من حمل جثتا آدمية (…) بدون اعتبار لإنسانيتهم في شاحنات أو حاويات، وآتى بآلات الحفر محاولا إسدال صفحة مظلمة على ذاكرة لن تموت أبدا، من قام بكل هذا إذن؟ ويمكن أن تتداعى أسئلة أخرى محيرة دون أن تجد جوابا، من قبيل لماذا مات هؤلاء أصلا؟ كيف يطلق الرصاص على من احتج من أجل الكرامة والخبز؟ ألم يبق إلى الآن واحد حي من هؤلاء اعتقد فعلا بمقولات المصالحة ونزل من برجه أو من مخزنه، أو أنعتق من دماغه المريض، وهو يرتعد من حقائق وجرائم ارتكبت لن يغفرها التاريخ وإن غفرها الضحايا، من يركب الصواب ويقول الحقيقة كل الحقيقة؟ يريح الجميع ويريح ضميره؟ ويعرف الرأي العام والتاريخ كل المقابر حتى تحصى، ويعاد دفن المتوفين من جديد بعد إخبار عائلاتهم، في مقابر حقيقية، وتطوى الصفحة فعلا. من يستطيع فعل ذلك وهو قابع وراء نافذته أو نظارته السوداء أو خياله المريض ويستهزئ بأمة بكاملها صدقت ومن الضروري أن تصدق المصالحة حتى تتحول إلى مرحلة أخرى تكون فيها حقوق الإنسان مقدسة.
    بعد كل هذا يحق إذا لحقوقي مثل محمد الصبار رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف أن يطالب بحفر أرضية جميع ثكنات الوقاية المدنية في المغرب، من يدري قد تكون ببعضها مقابر جماعية، ولكنه لم يضف إليها حفر كل الحدائق والغابات والدهاليز… لماذا لا تتوفر الشجاعة الأدبية لدى بعض المسؤولين كي يُصفُّون بدورهم ذاكرتهم ويفصحوا عما تبقى من الحقيقة، رفعا لكل لبس أو شك من حق الجميع الآن أن يتشبث به.
 كان من اللازم بعد الإعلان عن طي صفحة الماضي وإصدار تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة أن نبدأ فعلا صفحة جديدة، تُحترم فيها حقوق الإنسان كاملة، ويجرم كل فعل مفاده التستر على حقيقة من مثل المقابر الجماعية.
   إن مسؤولية الحكومة ستظل قائمة لطي هذا الملف فعلا، لكن بعد معرفة كل الانتهاكات الجسيمة، وضمان عدم تكرار ما جرى، وحفظ الذاكرة الجماعية الخاصة بهذا الموضوع، أما المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان فقد بدأت بعض الأصابع تشير إليه بعدم الاطمئنان كالمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف منذ تولية أحمد حرزني مسؤولية رئاسته بعد وفاة المرحوم إدريس بن زكري، لكن رغم ذلك فمسؤولية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تبقى قائمة على الأقل على المستوى المعنوي. إذا لم تكن له صلاحيات واسعة في الدفاع عن حقوق الإنسان.
               مصطفى لمودن