الاثنين، 16 مارس 2009

سيدي سليمان أي أولويات للنهوض؟


سيدي سليمان أي أولويات للنهوض؟
121848
                                الحسين الإدريسي
    بعد إرجاع القوات المستنفرة لثكناتها في أعقاب مواجهة كارثة الفيضانات الأخيرة بسيدي سليمان وبعد تراجع مستوى المياه إلى مجاريها العادية وبعد إقناع المنكوبين بمغادرة المآوي المؤقتة التي وضعت رهن إشارتهم في انتظار الانفراج، بدأت تطرح وبإلحاح أسئلة ما العمل؟؟ 
    هل هذه المتغيرات التي مست الساحة السليمانية تجعل كل واحد يركن إلى راحة المحارب ظنا أن المهمة قد انتهت وأن العود إلى ترك الأمور تسير وفق المقولة المنثورة "كل شئ بخير وعلى خير"، هو النهج الصحيح حسب البعض والحال أن الكارثة قد حركت العزائم و استنهضت الطاقات وعبأت القوى الحية وغير الحية للقيام بالواجب، أو على الأقل لتسجيل الحضور في ساحة الكارثة طبعا، إذا فلا مبرر لإبقاء دار لقمان على حالها.
       من حسنات الفيضانات أنها عرت على الاختلالات التي لحقت بالمدينة في ظل الإهمال والتهميش على خلفية التراجعات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة (إغلاق غالبية الوحدات الإنتاجية تسريح العمال )التي لم يعر لها المسؤولون أي اهتمام يذكر، رغم التنبيهات العديدة من طرف قوى اليسار بجانب المتضررين المباشرين في أكثر من مناسبة وتظاهرة… مع ذلك تم تغليب الإهمال على التبصر و الحزم في مواجهة أمور الشأن المحلي، بدل إتاحة الفرصة للفيضانات حتى تفضح المفضحات (فضيحة السكان بدون مأوى لائق والرشوة والمحسوبية). ولا شك فالفيضانات الأخيرة قد شكلت حافزا حقيقيا لتغيير التصورات بصدد التدبير والتسيير، بل مناسبة لإعادة النظر في السياسات المتبعة لمعالجة قضايا المدينة من ألفها إلى يائها.
         فكم من مواطن أدرك أنه يعيش بجانب خطر لا تعطى له العناية الكافية في المراقبة والتدبير اليومي، وكم من مسؤول عن تدبير شؤون المواطنين موظف كان أو منتخب أدرك أنه مشارك في الإهمال، لتتحول الفيضانات الطبيعية ومظاهر الفساد الأخرى إلى كارثة لا يعرف أحد حدودها لولا توقف الأمطار وتراجع منسوب المياه ببهت و سبو… ألم تكن هذه لحظة النقد والنقد الذاتي والمحاسبة، لأن الواقع يفرض ذلك بل يتطلب المواجهة والمعالجة العاجلة. فالمفكر والمخطط والمسؤول والمؤمّن على مصالح المواطنين محليا مطالب بتقديم إجراءات عملية، وفق ما يمليه عليه واجب المواطنة وتصوره للبناء المستقبلي وليس واجب الانتهاز والاتجار حتى بأرواح المواطنين في مثل هذه النكبة التي عاشتها المدينة، فالمطلوب إذن هو التفكير بجد في مصير المدينة حتى تخرج من براثين العزلة و التدهور الاقتصادي والاجتماعي، حتى تتبوأ مكانتها الطبيعية ضمن الحواضر التي ارتقت إلى صف العمالات على امتداد وطننا. إن مدينة سيدي سليمان لفي حاجة ماسة إلى رؤية جديدة في التفكير و التدبير والتسيير، لتكون في مستوى طموحات المواطنين والمواطنات، كمدينة ذات إشعاع اقتصادي و اجتماعي على الدائرة الترابية للعمالة، على الأقل إعمالا بشعار المرحلة لما بعد الفيضانات "مدينة طموحة في خدمة ديناميكية  الجهة "                          
    إن شروطا موضوعية وذاتية لحاضرة بقوة، قمينة بفتح المجال واسعا للنهوض بأحوال المدينة، وهذا ما لا يجب إهماله في الظرفية التي نجتازها والمتسمة بالمرور بتجربة صعبة في ظل إحلال الأزمة المالية في قلب العولمة النيوليبرالية. هذا رهان الساعة مباشرة بعد تدبير كارثة الفيضانات بسيدي سليمان والغرب عموما، والآن وقد تهادنت الوضعية المقلقة، فإن الواقع السليماني ليطالب بالعمل على وجه الاستعجال بدرء الاختلال ومعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من منظور التنمية البشرية، بتحديد الأولويات - وإن كان من الصعب التمييز ما بين المشاريع المرتقبة لأنها كلها تدخل في صنف الأولويات ما دام أنها من المستعجلات…- في مخطط استعجالي بمداخل ثلاث:
 المدخل التنظيمي و المدخل الاقتصادي والمدخل الاجتماعي .             
       1- على المستوى التنظيمي تطرح بشكل استعجالي إخراج التهيئة الحضرية،  جوابا عن الفوضى التي طالت توسع المدينة وعملية التعمير والسكن، ألم تبين الفيضانات الأخيرة خطورة البناء بعدة أماكن من مدينتنا؟ فكل تأخر للعمل بالمخطط المديري لن يجعل المدينة إلا عرضة للتسيب وانتعاش المافيا العقارية والمزيد من التردي.   
          2- على مستوى الاقتصادي من المطلوب انتعاش التصنيع الذي دشنته المدينة في الستينيات من القرن الماضي، في اتجاه إعادة فتح المعامل التي أغلقت في السنوات الأخيرة وإحداث أخرى، وذلك لاستيعاب المئات بل آلاف من المعطلين بكل الأوساط، وفي اتجاه تشجيع المقاولات الصغرى و هيكلة المهن الحرة بما يخدم المواطن بكل المرافق                
          3-على المستوى الاجتماعي؛ القضايا عديدة بارتباط مع تدني الخدمات في كل المرافق العمومية، وخاصة بالنسبة لدوي الدخل المحدود أو المعدمين، الشيء الذي يتطلب وضع برنامج شامل يساهم في النهوض بمختلف القطاعات ضمانا لحق المواطنين في التطبيب الجيد والتعليم العمومي المنتج وفي الإعلام المجاني والحق في الماء والنظافة وبالمناسبة من الضروري إحداث مراكز لدوي الحاجيات الخاصة بجانب مراكز الثقافة والشباب
           الآن وقد انتفت كل مبررات الهروب إلى الأمام، أصبح لزاما على كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، وعلى ذوي القرار وبكل المستويات الإسراع في الانطلاق، لإطلاق المبادرة التنموية الشاملة للمدينة التي لا يمكن أن تظل تنتظر…
المواطن الحسين الادريسي
13/03/2009