السبت، 19 سبتمبر 2009

الأمــــــــازيـــغـيـة: بين المقاربة الدستورية والتناول التربوي.


الأمــــــــازيـــغـيـة:
بين المقاربة الدستورية والتناول التربوي.

  ذ. حميد هيمة(*)  
Hamid.hisgeo@gmail.com
على سبيل التقديم:
على الرغم من البعد المجالي للمغرب عن المهد المفترض للإنسانية، فإنه مع ذلك لم يكن بمنأى عن حركية الجماعات البشرية المختلفة؛ التي استوطنت مجاله الترابي واتخذته مستقرا لها، ثم اغتنت بروافد عرقية وثقافية أخرى. تعايشت فيما بينها ثقافيا وامتزجت بيولوجيا، ونحتت هوية تاريخية مشتركة وتراثا حضاريا، وصنعت تاريخا مجيدا: امتد شرقا إلى مصر وشمالا إلى عمق أوربا، كما تشهد على ذلك الشواهد الحضارية والتاريخية.
 لكن، ومنذ ستينيات القرن المنصرم، وفي سياق دولي وإقليمي معقد، وديناميكية سياسية وجمعوية داخلية؛ انبثقت "الحركة الثقافية الأمازيغية"، التي دعت إلى الاهتمام والعناية بالأمازيغية ثقافة وتاريخا، على أساس أنها مكون أساسي من مكونات الهوية التاريخية والحضارية للبلاد ، وفجرت نقاشا واسعا استقطب فعاليات أكاديمية وإعلامية، وأفرز تجاذبا حادا وتدافعا سياسيا، عنوانه: "حرب الهوية بالمغرب، هل تقع؟" لم تنته امتدادات هذا الصراع إلا بتدخل حاسم للسلطات العليا في البلاد وإقرارها تأسيس "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية "بموجب الخطاب الملكي لأجدير.
 وبعد أن بطل مفعول الصراع وتبددت غيوم التوتر وساد الهدوء، نتساءل اليوم عن دور المدرسة في قلب النقاش حول الأمازيغية:  هل التزمت المدرسة العمومية بتأسيس قواعد الاختلاف السعيد للتنوع الثقافي والحضاري للهوية المغربية المركبة ؟
إن الدور المركزي للمدرسة والمقاربة التربوية، عموما ، هو الانفلات بهذا التنوع من منطق الصراع إلى منطق التعايش والتساكن؛ فلم تعد المدرسة منطوية على ذاتها، بل  فاض دورها للانفتاح ولاستيعاب تموجات المجتمع وتعبيراته وتوجيه حركيته وعقلنة اختلافه الثقافي والعرقي بما يخدم المسيرة الارتقائية لبلدنا. فهل كسبت المدرسة العمومية هذا الرهان ؟ التحليل المتواضع  أسفله يحاول
 رسم  ملامح عناصر الإجابة.
  1الأمازيغية على  أنظار الدساتير المغربية:إن مشروعية تناولنا للمسألة الأمازيغية في علاقتها بالدساتير المغربية المتعاقبة ،"علاقة النفي أو الاستيعاب"، أملته اعتبارات منهجية وعلمية؛ أبرزها أن النشاط التربوي يعكس الاختيارات الأخلاقية والسياسية، ولأن هذه الأخيرة  - السياسة -  هي "مصدر اختيار الأهداف التربوية واشتقاقها"(1)، لذلك سنعمل على تقديم قراءة أولية في الدساتير المغربية؛ باعتبارها معبرا شفافا عن السياسة الرسمية التي تبلور أهداف التربية والتعليم.
بعد ذلك، نشير إلى أن انطلاق الظاهرة الدستورية بالمغرب ترجع جذورها إلى سنة 1908م؛ حينما نشرت أسبوعية "لسان المغرب"(2)مشروع دستور مغربي. وبغض النظر عن سياق وملابسات اللحظة التاريخية التي تحكمت في صياغة الدستور المذكور – فإنه يلاحظ خلوه، من خلال 56 مادة، من أية إشارة إلى التركيب الثقافي والعرقي للإيالة الشريفة. ولذلك مبرراته، فصياغة ونشر مشروع دستور 1908 هو سابق، من حيث الترتيب الكرونولوجي، على المخاض الذي عاشه المغرب غداة إقدام سلطات الحماية على إصدار الظهير السيئ الذكر في 16 ماي 1930 "الظهير البربري"(3). والذي رمت، من خلاله، سلطات الحماية ترويض أبناء الأمازيغ وقولبة تفكيرهم بما يتماشى والإستراتيجية الامبريالية – الفرنسية الهادفة إلى تأبيد سيطرتها على المغرب وامتصاص خيراته. وقد شكل إدماج أبناء الأمازيغ بــ"المدارس الفرنسية البربرية" مدخلا مناسبا لبلورة وعي جديد لديهم حول الهوية والقومية،،،الخ. والواقع أن عددا كبيرا من التلاميذ المتخرجين من تلك المدارس، شكلوا لاحقا، النواة الأولى لانطلاق "الحركة الثقافية الأمازيغية". ولعل الأكاديمي والباحث "محمد شفيق"(4) نموذج حي على ذلك.
أما دستور المغرب المستقل – أي دستور 1962- فقد نص على أن اللغة الرسمية "للمملكة المغربية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب الكبير" (5). في حين اكتفى دستور 1970 باستنساخ حرفي لما نص عليه الدستور السابق؛ دونما إحداث أي تعديل يستوعب الحركية الجمعوية التي أفرزت انبثاق عدد من الجمعيات الثقافية الأمازيغية. تزامن ذلك مع الهزيمة العسكرية للجيوش العربية أمام الكيان الصهيوني مدعوما بالامبريالية الأمريكية، مع ما رافق ذلك من بداية تراجع المد البعثي/ القومي/ الوحدوي مفسحا المجال لتنامي مطالب المجموعات والأقليات بحقوقها.
بعد الإجماع الشعبي والرسمي في شأن قضية الصحراء المغربية، وانفتاح الدولة إزاء الممارسة السياسية والفعل الجمعوي، في مطلع تسعينيات القرن السابق، ستحقق الحركة الثقافية الأمازيغية (ث م "
MCA”) انتشارا تنظيميا لافتا وتراكما مطلبيا ونوعيا. لكن الدستور المراجع لسنة 1992 لم يستوعب هذه الحركية بإقراره البعد الهوياتي الأحادي لشمال إفريقيا، باعتماده صيغة “المغرب العربي الكبير” بذل المغرب الكبير متجاهلا المكون الأمازيغي. نفس التعاطي سيتمثله دستور 1996. وعلق على هذا التجاهل د. “الحسن وعزي” بقوله إن الدساتير المغربية “لم تعر… منذ أول دستور صدر سنة 1962 حتى آخر دستور سنة 1996 أي اهتمام للبعد الأمازيغي للمغرب سواء تعلق الأمر باللغة أو بالثقافة أو بالهوية” (6)، وأضاف أن إعلان دستوري 1992 و1996 انتماء المغرب إلى المغرب العربي يعد نفيا ضمنيا وصريحا لأمازيغية شمال إفريقيا”.
غير أن المسألة الأمازيغية ستجد لها حيزا في أجندة اهتمام "العهد الجديد" بإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتفويض عمادته "لًًمحمد شفيق"، واستدراج عدد من الفعاليات الجمعوية للعمل تحت سقفه،،،الخ . فهل سيلتفت "العهد الجديد" للتطورات الراهنة التي تمر منها المسألة الأمازيغية بتنصيصه الدستوري على أنها مكون من مكونات الهوية المغربية؛ بعدما تنامى الحديث عن تعديلات دستورية مرتقبة ؟!  في انتظار أن تجيب الأيام المقبلة على هذا التساؤل ننتقل إلى المحور الموالي لقياس منسوب ونوعية تعاطي المدرسة المغربية مع الأمازيغية.
2التاريخ والثقافة الأمازيغية في ضوء الوثائق والتوجيهات التربوية:
تهدف هذه القراءة الأولية  لنماذج من الوثائق والتوجيهات التربوية إلى رسم الصورة التي عكستها للبعد الأمازيغي كرافد أساسي للهوية المغربية المركبة. فهل استحضرت الوثائق والتوجيهات التربوية العمق التاريخي للمغرب وتنوعه الثقافي؟ أم أنها قفزت عن معطيات التاريخ والواقع المجتمعي في مقاربتها لمسألة الهوية؟ في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة نقدم القراءة التالية  في الوثائق والتوجيهات التربوية التالية :
1.2وثيقة البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة الاجتماعيات بالتعليم الثانوي 1994(7):
نصت هذه الوثيقة على ضرورة "اكتساب المتعلم معطيات متعمقة نسبيا حول أوضاع العالم… فيما يعرف بما قبل التاريخ"(8)، دون أن تفرد المغرب بامتياز التعرف على أهم المميزات الحضارية لمغرب ما قبل التاريخ. زيادة على أن الكتاب المدرسي(9) جاء منسجما مع التوجيهات التربوية: فلجنة التأليف لم تركز على العمق والامتداد التاريخي للمغرب القديم واكتفت بتقديم معطيات عامة وسطحية، بل إنها اجتهدت في صياغة التاريخ الوطني القديم بشكل يجانب الوقائع والأحداث التاريخية ورسمته " في صورة أرض تفتح، تستغل… تاريخها تاريخا سلبيا، غير إيجابي… يبدو فيها المغرب كمجال لمبادرات الغير، فلا نراه إلا من خلال فاتحيه الأجانب"(10).
فهل يستقيم علميا وتربويا اعتماد أحكام القيمة والإيديولوجية الكولونيالية وتحويلها إلى مسلمات معرفية وبتها في  المقررات المدرسية ؟
 من جانب آخر، ركزت نفس الوثيقة على ضرورة دفع التلميذ إلى “تقدير قيمة الحضارة العربية الإسلامية” ودورها “في إتمام الوحدة المغاربية وبناء الوحدة العربية الشاملة”(11)، وهو ما يدفعنا لطرح السؤال التالي: هل تبخيس التاريخ الوطني القديم كان بهدف “إقناع (المتعلم)… بالوحدة العربية الشاملة باعتبارها الإطار الأمثل لتقدم وازدهار الشعوب العربية” ؟ وهل تهدف هذه الوثيقة إلى إفهامنا من هذه الفقرات المتكررة - والتكرار يفيد التأكيد - على أن المنفذ الوحيد للانفلات من “العطب التاريخي”  الذي يتخبط فيه المعرب يتمثل في الالتحام بالوحدة العربية؟ وإذ  تشدد وجهات نظر عريضة على ضرورة وملحاحية إنجاز هذه الوحدة العربية وتتمنى تفعيلها على أرض الواقع؛ غير أنها ترفض، في نفس الآن، أن تتأسس هذه الوحدة على حساب تعدديتنا الثقافية، وهذا رأي أغلب الفعاليات الثقافية الأمازيغية الديمقراطية .

2.2وثيقة "البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة الاجتماعيات بالجذوع المشتركة..2005 (12) 
الملاحظ ، أن هذه الوثيقة لم تتضمن أي إشارة للبعد الهوياتي الأمازيغي بسبب تشطيب محاور التاريخ القديم من مقررات الجذع المشترك. والسؤال المطروح: هل ستعمل الوزارة الوصية على القطاع التعليمي على تعويض مواد دروس التاريخ القديم في السنة الأولى أو الثانية باكالوريا انسجاما مع التدابير والقرارات السياسية الرسمية الهادفة إلى المصالحة مع الهوية المركبة للمغرب وبما يتطابق مع الحقائق التاريخية؟

2.3"الميثاق الوطني للتربية والتكوين"يناير 2000 (15)  
قبل افتحاص الميثاق الوطني للتربية والتكوين، نعرج على السياق التاريخي والسياسي الذي أطره؛ والمتميز بفتح قوس سياسي تمثل في إدماج المعارضة السياسية السابقة في إطار حكومة "التناوب التوافقي" لـ1998، مع ما رافق ذلك من "دينامية سياسية وانفراجا اجتماعيا لا يستهان بهما، الأمر الذي شحن الخطاب السياسي بحمولات ومضامين،،، عديدة،،، وتدشين مسلسلات التغيير،،، والتوافق حول مواثيق الإصلاح(16)" ،وفي هذا السياق تأسست "اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين"، وأسندت رئاستها إلى السيد "عبد العزيز مزيان بلفقيه"، وضمت في عضويتها ممثلين عن الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية البرلمانية إلى جانب ممثلين للعلماء والفعاليات الاقتصادية وشخصيات أخرى رأت الدولة ضرورة مساهمتها في إعداد الميثاق دون تمثيل الحركة الثقافية الأمازيغية!
وعموما،  فقد كثف "ع. الكريم غريب" الخطابات الصريحة والضمنية" للميثاق الوطني…" في  مقصدين/ غايتين اثنتين:
1)  مقصد تربوي تكويني: يتوخى تأهيل ،، المجتمع ،، للتمكن من الكفايات الضرورية، للقدرة على التكيف مع محيطه المحلي والعالمي؛
2)  مقصد اجتماعي: ويسعى فيه (الميثاق) إلى المساهمة في بناء مشروع مجتمعي حداثي،،،" (17).
 أما شكل تعاطي الميثاق الوطني مع مسألة الهوية، فقد حدد في "قسم المرتكزات الثابتة" الإطار المرجعي الذي يغترف منه نظام التربية والتكوين، والمتمثل في المقدسات الدينية "الإيمان بالله" والثوابت الوطنية" حب الوطن، الملكية الدستورية". ثم أشار في فقرة يتيمة "للروافد الثقافية الجهوية" دون تسمية هذه الروافد ودورها في بناء شخصية المتعلم المغربي؛ خصوصا وأن هذه الروافد الجهوية لها جذور عميقة في التاريخ. و الحال أن عددا من الفعاليات راهنت على أن الميثاق سيعمل على استيعاب هذه الروافد بما يجعل المدرسة المغربية ملزمة بالحفاظ عليها – الروافد.
                    
4.2-  وثيقة "مراجعة المناهج التربوية: الكتاب الأبيض"(13):
تناولت وثيقة "مراجعة المناهج التربوية: الكتاب الأبيض" مسألة الهوية الحضارية والثقافية للمغرب بشكل ينسجم مع باقي الوثائق المعروضة سابقا، بحيث دعت إلى ترسيخ الهوية المغربية الحضارية والوعي بتنوع وتفاعل وتكامل روافدها"(14)، غير أنها، هي الأخرى، استنكفت عن تحديد هذه الهوية الحضارية المتنوعة والغنية.  ثم استدركت بإضافة الهوية الإسلامية والحضارية، وهذا الاستدراك لم يشمل المكون الأمازيغي. فكيف، إذن،  نكرس حب الوطن وتعزيز الرغبة في خدمته "وهذا الوطن لا يعترف بشق أساسي من البعد الهوياتي لقطاع واسع من المواطنين؟
ــــــــــــ
(*) أستاذ مادة الاجتماعيات – مشرع بلقصيري.

ـــــــــــــ
الهـــوامــــش 
 1) محمد الدريج، التدريس الهادف، مساهمة في التأسيس العلمي لنمودج التدريس بالأهداف التربوية، مطبعة النجاح،1990 ص 165-151.
2) نشر بجريدة لسان المغرب ،صدرت بطنجة تحت إشراف وسؤولية السيد "فرج الله تمور" في أربعة أعداد متتالية 56 - 57- 58- 59. أنظر: دساتير المغرب العربي، سلسلة نصوص ووثائق ص 131- 140.
3) للمزيد من المعطيات حول سياقات هذا الظهير المشؤوم وخلفياته، وأبعاده. أنظر على سبيل المثال: محمد ظريف، الأحزاب السياسية المغربية… 1934- 1999، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع 2001 الصفحات 24- 25- 26.
 4) للاقتراب أكثر من حياة محمد شفيق ومساره الأكاديمي والنضالي، أنظر مثلا: رشيد نجيب سيفاو، محمد شفيق عميد الثقافة الأماريغية، جريدة الصحراء المغربية، العدد 6129 تاريخ 31 أكتوبر 2005 ص 16.
5) دساتير دول المغرب العربي… مرجع سابق ص 141. 
6) الحسن وعزي، هل الحماية الدستورية مدخل للنضال الهوياتي الأمازيغي أم نتيجة له، منشورات  
AMERC  ج م ت  ث ص 8
7) و-ت-و/ قسم البرامج، البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس الاجتماعيات بالتعليم الثانوي، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط 1994.
8) و-ت-و/ قسم البرامج، البرامج والتوجيهات التربوية…1994 المرجع نفسه ص 9.
9) قصدنا به الكتاب المدرسي لمادة التاريخ السنة الأولى ثانوي سابقا، نشر مكتبة المعارف الرباط 1994.
10) عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب، ج 
I، المركز الثقافي  العربي، البيضاء،2001 ص34.
(11) و- ت- و، وثيقة البرامج والتوجيهات…1994مرجع سابق ص8.                                                                 
  (12) و-ت-و/ مديرية المناهج، البرامج التوجيهات التربوية الخاصة بتدريس مادة الاجتماعيات بالجذوع المشتركة للتعليم الثانوي التأهيلي، مارس 2005.
 (13) لجان مراجعة المناهج التربوية المغربية… مراجعة المنهاج التربوية: الكتاب الأبيض 6أجزاء.
(14) نفس
 المرجع ص 6-36.