الخميس، 15 أكتوبر 2009

الخادمات في "مباشرة معكم"


الخادمات في "مباشرة معكم"

أهم استنتاج خرجت به بعد مشاهدة آخر حلقة من برنامج "مباشرة معكم" الذي تبثه القناة الثانية المغربية هو أن الموضوع لم يعد طابوها، لكن يجب الآن الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي التحسيس ومواجهة الظاهرةومحاربتها في العمق كما قال عبد الرحيم العطري، أي أن المشكل في فقر الأسر التي تبعث بناتها للاشتغال... لكن هناك كذلك مشكل الوعي بخطورة القضية، وبالتالي لا تكفي القوانين كما قال رئيس جمعية "حقوق الناس"، بل في نفس الوقت يجب التركيز على مسألة الوعي، والتحسيس بمختلف عواقب تشغيل الفتيات… وهو ما يتطلب كذلك إعمال النصوص القانوينة الخاصة بالموضوع، وإشعار السلطات المعنية بضرورة القيام بواجبها، ومن ذلك اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب، ومدونة الشغل التي تجرم تشغيل من هو/هي في أقل من 15 سنة، وكذلك قانون إجبارية تدريس الأطفال… رغم بعض العوائق التي تحول دون ذلك، كما قالت ممثلة "جمعية إنصاف" وهي تتحدث عن تجارب لجمعيتها تعمل في إقليم شيشاوة من أجل دمج الفتيات في الدراسة ومواجهة الفقر، وقد دعت إلى عمل تشاركي بين مختلف الفاعلين بما فيهم الجهات الرسمية.. كما عُـرض ربورتاج خارجي عن حالة فتاة من إقليم الجديدة انتشلتها الجمعية المذكورة من براثن التشغيل لتدمج من جديد في مسار التعليم، لكن العملية مهددة منقبل فقر الأسرة، وهي مجرد حالة من الآلاف.

بقي ممثلا الجهات الرسمية في موقع المدافع أثناء تقديم حلقة يوم الأربعاء 14 أكتوبر 2009، فممثل وزارة التشغيل يبرز دور الوزارة في إعداد قانون خاص بتشغيل الخادمات (لم ير النور بعد)، قال عنه إنه قد راع في تحديد أجر مناسب بقية المساعدات التي تتلقاها الخامدة (يتحدث عن من هي فوق 15 سنة) من مأكل وملبس! وقد عقدت من أجل ذلك اجتماعات مطولة كما وضح! الغرض منها التقليل من الأجر حسب ما يبدو! أما ممثل "وزارة التنمية الاجتماعية" فقد استرسل في سرد خطاب خشبي غير مقنع، مما أثار حفيظ الباحث في القضايا الاجتماعية عبد الرحيم العطري فانبرى موضحا خطورة الارتكان إلى المناظرات والأقوال التي تلتهم الكثير من الميزانيات دون طائل.

وإن كنت شخصيا أشكر الصحفي المقتدر جامع كولحسن على مبادرته، وعلى تنويع مواضيع برنامجه المباشر، مادامت تكاد تنعدم مثل هذه الحوارات حول مختلف قضايا الشعب المغرب، لكن لدي ملاحظات أتمنى أن يتقبلها الأخ جامع بصدر رحب، من ذلك تأخر القناة الثانية باستمرار عن طرح قضايا ذات ملحاحية مستعجلة، (فعلا هو ليس المسؤول الأول عن البرمجة)، ولا تثير بعض المواضيع إلا لما تكون الصحافة المكتوبة قد استهلكتها بما يكفي، فهل لا تستطيع القناة الثانية العمومية خلق السبق؟ أم أنها تتمهل حتى تقدر كل ردود الفعل؟ وكم هي مسؤولية الصحافيين في ذلك؟ (ونحن نطرح ما يشبه اللوم، مستحضرين أخبار الاحتكاك الذي جرى بين عبد الصمد بنشريف ورئيسة قسم الأخبار) ثم يرى المشاهدون كيف تسير الحلقة على سجيتها دون ضبط، بل نشعر أنها غير منظمة على شكل فقرات يحددها المسير مسبقا ويتفق فيها مع الضيوف، حتى تكون ممنهجة ومفيدة، نحس كأننا أمام جماعة من المتحدثين في محل عام كل واحد يتكلم كما يريد ومتى يشاء… لولا بعض الفقرات التي تحدث بعض الانعراج في الحلقة، مثل عرض تحقيق أو الاستماع إلى تساؤلات أو شهادات مواطنين. لكن لا يتم استغلا ذلك بشكل جيد ليثري النقاش ويحفز الحاضرين على المزيد، فيكتفي المسير بطلب رأي الحاضرين دفعة واحدة، دون وضع ضوابط وتساؤلات معينة لكل ضيف حسب توجه واختصاصه. كما لا أحد يلتفت لأسئلة المشاهدين التي تعرض في شريط أسفل الشاشة، وهي غالبا ما تثير قضايا جد مهمة تحتاج إلى توضيح أو جواب، ولا أحد يعرف المبتغى من تلك الرسائل إذا كانت لا تؤخذ بعين الاعتبار، هل فقط للزيادة في موارد القناة؟

برنامج جامع كولحسن من آخر ما بقي من برامج تفاعلية جادة، نتمنى تحسينه باستمرار، وتنظيم فقراته، وتحفيز الضيوف على المزيد من النقاش.

أما موضوع الخادمات فإشكالية وطنية، تحتاج إلى تدخل المشرع لسن قوانين مناسبة، منها إزالة الفجوة الموجودة ما بين القوانين الدولية والوطنية حول السن المسموح به للتشغيل (15 /18)  وإلى حزم القضاء لزجر المخالفين، وإلى توعية الأسر المانحة لبناتها بخطورة هكذا إجراء على مستقبلهن، والتأثير النفسي الرهيب الذي يحدث لهن جراء المعاملات المهينة التي يتعرضن لها، مع ضرورة مواجهة الفقر والحاجة، وإفهام الأسر " المستقبلة" للخادمات الصغيرات بفداحة هذا التصرف ومخالفته للقوانين، لكن في نفس الوقت يجب تنظيم سوق الشغل بما يضمن حقوق النساء العاملات ضمن رؤية شاملة تراعي كامل حقوق المشتغلين من عمال وعاملات في عدد من القطاعات منها المهيكل وغير ذلك، قاسمها المشترك الاستغلال وتدني الأجور. لكن نحن من جهة أخرى أمام الارتفاع المتزايد في الطلب على "الخادمات"، حتى أنه قد دخلته عاملات من شرق ووسط آسيا.  

مصطفى لمودن