الجمعة، 8 يوليو 2011

الولادة المتجددة لـ"20 فبراير".


  الولادة المتجددة لـ"20 فبراير".
   
بقلم حميد هيمة
 توارى صوت التخوين أمام اندفاع أصوات الخبز والحرية، وانكسرت نظرية المؤامرة على صخرة العزيمة والوطنية، وانهزمت عقيدة القمع، أمام صلابة الإيمان بالتغيير. وبالتالي، فشلت محاولة وأد المولود الفبرايري في مهده الافتراضي، كما فشلت عملية خنقه بـ"البيعة الدستورية"، وخرج، بعد ثلاثة أيام من استفتاء 98.50 لـ"نعم"، في مسيرات حاشدة بعدة مدن مغربية.
ما الذي يؤمن الولادة المتجددة ل"حركة 20 فبراير"؟

أولا- تجاوز الإجماع الدستوري لـ1 يوليوز.
نجحت الحركة العشرينية في اجتياز اختبار نتائج الاستفتاء ثلاثة أيام على إجرائه في مسيرات شعبية، 3 يوليوز، طالبت بـ"إسقاط الدستور" الحائز على أكثر من 98 في المائة! وضع جديد خلق ارتباكا ذهنيا للمواطن-ة العادي حول نسب الاستفتاء الدستوري الأخير. وتعززت عوامل الشك بعد تواتر حالات من الخروقات، حسب تقارير ذات صلة، شابت عمليات الاقتراع؛ فضلا عن الملاحظات، وهي للنخبة الحزبية، التي تمس سلامة العملية الانتخابية برمتها.
كما أن غياب إجراءات عملية وملموسة للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، الذي يمس المعيش اليومي للمواطن-ة، واستمرار نفس السلوكات في مرافق الإدارة العمومية، المتهمة، حسب شعارات "20 فبراير"، باحتضان الفساد والرشوة والمحسوبية(…)، أهل الحركة لاستقبال فئات اجتماعية كانت مترددة. هذا النموذج تمثله حالة مؤلمة، لم ينفعها مركزها العلمي، لأستاذ جامعي مع حراك "20 فبراير"، يقول أستاذنا، في مقال/ شهادة/ شكوى، بعنوان" كيف أصبحت عشرينيا؟ .. ولماذا لابد أن أظل عشرينيا؟ "، توسل فيها بلغة مؤثرة تعتصر الحزن، لنتابع شهادته: " قبل خمسة أشهر لم أكن مساندا لعشرين فبراير رغم حضوري يومئذ في ساحة الحمام بالبيضاء كمشاهد مهتم بقضايا الوطن والتغيير، كما يُلزمه تخصصه العلمي بمتابعة أحداث المجتمع والناس… حينها، عاتبني شخصان: أولهما زوجتي التي ناقشتُ الأمر معها… كنت ملحا أن المغرب استثناء…(و) كان موقفها مخالفا إذ رأت أن الاستبداد والفساد في السلطة…(…) يوم الجمعة 11 مارس، نقلت زوجتي… إلى مستشفى ابن رشد.. لقد اكتشفتُ أن زوجتي تعرضت لإهمال طبي واضح.. وتأكدت في الحال أن المواطن العادي غير مسموح له بالمرض… سُرقت كل ملابس زوجتي لحظة دخولها إلى المستعجلات… لقد دفعت حياتها ثمنا كي أقتنع عمليا بوجهة نظرها: الفساد مازال قائما، وأننا ندفع ثمن وجوده بالتقسيط، في الصحة، وفي الشغل، وفي السكن، وفي التعليم..". بعد سرده للفصول المؤلمة لقصته الحزينة، توصل إلى أنه: ليس إلا مثال مكرر لآلاف الحالات اليومية في هذه البلاد… (و).. أن صمته كان يعني انتظار الدوْر..(و).. أن المسؤول على ما حدث هي وزيرة الصحة والذي وافق على توزيرها… (و)..أن حركة عشرين فبراير الصيغة الوحيدة القادرة على تغيير الوضع في المغرب الراهن...".
من المهم، هنا، الإشارة إلى أن استمرار الحركة على سلميتها، واستقرار مواقفها ومطالبها، المرفوعة من طرف شباب متعلم، متحفز وغير متورط في فساد السياسة، رفع من منسوب ثقة المواطن المغربي بشرعية الحركة ومشروعية مطالبها. 
ثانيا- عمق "حركة 20 فبراير".
للحركة العشرينية، ذات الروح الشبيبية، جذور في الأدوار التي اضطلعت  بها الشبيبة المغربية، وخصوصا المتعلمة، في تاريخنا الراهن. كما أن شروط ميلاد الحركة وتصلبها تستند إلى عوامل عميقة، يتركب فيها السياسي بالاقتصادي والاجتماعي. عوامل تؤمن تغذية مستمرة ل"حركة 20 فبراير ". 
أ- حلقات نضال الشبيبة المغربية. 
بعد هزيمة المقاومة القبلية المسلحة، نهاية النصف الأول من الثلاثينيات، في مواجهة الاحتلال الاستعماري، انبثقت مقاومة سياسية بالمدن المغربية، في إطار تنظيمات الحركة الوطنية، قادها شباب متعلم، بروافد ثقافية سلفية وليبرالية، من أجل استرجاع سيادة الوطن. إن جرد رموز، ما يمكن تسميته بشباب النضال الاستقلالي، سيمكننا من الانتباه إلى انتمائهم العمري لفئة الشباب؛ الذي نجح في تحقيق استقلال 1956، لكنه فشل في استحقاق الديمقراطية.
غياب الديمقراطية، في المغرب المستقل، كان مبررا، لشبيبة السبعينيات، في مقاومة هذا الوضع والنضال من أجل مغرب مستقل وديمقراطي. واعتنق شباب مناهضة الاستبداد مرجعية جديدة متمردة عن مرجعية شباب الاستقلال، كما انتظموا في حركات سياسية انعطفت يسار تنظيمات شباب الأمس. غير أن الشبيبة المتعلمة، لمرحلة السبعينيات، جوبهت بحملات قمع رهيبة، لا زالت أثارها موشومة على ذاكرة وعينا الجمعي: الاعتقالات في السجون، التصفيات الجسدية، المحاكمات الصورية،،، فتأجل، إلى موعد  لاحق، تحقيق الديمقراطية بالمغرب.
على امتداد عقد الثمانينيات، بعد شروع المغرب في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي، وأثارها البنيوية على أوضاع قاعدة الشعب المغربي؛ كما ستكشف في التسعينيات، ظهرت حركة شبيبية جديدة بمعطف المطالب الاجتماعية، إنها شبيبة النضال الاجتماعي؛ التي ستلف قطاع واسع من معطلات ومعطلي المغرب في جمعية وطنية للدفاع عن حقوق هذه الفئة. غير أن خلف المطالب الاجتماعية، كانت مواقف سياسية تؤمن النضال من أجل الديمقراطية الاجتماعية.
تهاوت جدران السياسة والايدولوجيا، كما تهاوى الخوف والرعب الذي استحكم في الشعوب العربية جراء تسلط أنظمتها. وتقوى نفوذ قيم الحقوق وثقافة رفض اغتصابها أو خرقها، في أوساط فئات شبابية لم تعش ألام الأمس، لكنها تتطلع لأمال المستقبل. تمردت على ثقافة الخنوع القهر، وأمنت، بعمق، بشعار الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؛ فقررت تصريف شعاراتها في شوارع وساحات المدن والقرى، في 20 فبراير من السنة الجارية، معلنة عن ميلاد حركة شبيبية تناضل من أجل الديمقراطية هنا والآن. وبذلك، فمطالب "حركة 20 فبراير" هي تركيب للشعارات المؤجلة؛ التي حملتها شبيبات الأمس.
إن استعادة هذه اللحظات، في وقت تحول الشباب إلى أغلبية في المجتمع، يمكن أن يسعفنا في فهم حلقات تطور نضال الشبيبة المغربية، ودورها الثابت والأصيل في الفعل السياسي المغربي الراهن. 
ب- أزمة مركبة لمجتمع مركب.
يجر المغرب أزمته السياسية من طبيعة النظام الموروث عن المرحلة الاستعمارية، حيث يتعايش فيه، بشكل هجين، التقليد و"التحديث" الكولونيالي(تمييزا للحداثة). فشلت الحركة الديمقراطية والتقدمية، بمختلف فصائلها، في فك هذا التحالف لفائدة الحداثة والتنمية الحقيقية بما يؤمن الانتقال المبكر للمغرب إلى صف الدول الديمقراطية. انتهى الصراع بين قوى التقليد/ المخزن وجزء مهم من قوى التقدم/ الحركة الديمقراطية، على أعتاب "توافق" سياسي لم يحل الأزمة الموروثة، لكنه عزز من قوة التقليد.
إن مبرر قيام "حركة20 فبراير" هي انحراف المغرب عن طريق الديمقراطية. وبالتالي، ف"20 فبراير"، كقوة إصلاحية دافعة، هي حركة تصحيحية لمسار منحرف.
   تتفاقم الأوضاع الاجتماعية، لعموم المغاربة، رغم التحسن النسبي في بعض القطاعات، وانحدار مستوى الخدمات، وتعقد شروط ومتطلبات العيش الكريم، واتساع مؤشرات الهشاشة الاجتماعية، حسب شهادات رسمية وأجنبية، في القرى والمدن. فالمغرب الاجتماعي، يسير وفق وثيرتين مختلفتين: أقلية من المغاربة تعيش في ترف، و قاعدة المجتمع، التي تعززت بانحدار أوضاع الطبقة الوسطى، تعاني من صعوبات في العيش الكريم.
إن مبرر قيام واستمرار "حركة20 فبراير"هو تحقيق الإنصاف الاجتماعي والمجالي.
أما الوضعية الهشة للاقتصاد المغربي، المتأثر بتداعيات الأزمة المالية، يعكسها تدبدب مؤشراته. فالمغرب لم يؤهل اقتصاده لإنتاج الثروة في بلد تعوزه الثورة، كما يرهقه ثقل القضايا الاجتماعية الضاغطة. اقتصاد ريعي، تحتكر موارده بورجوازية بدون خلفية ليبرالية، استكانت لقربها من السلطة، كموقف سياسي، مقابل منافع اقتصادية ريعية.
إن مبرر قيام واستمرار "حركة 20 فبراير" هو محاربة اقتصاد الريع كمقدمة لبناء اقتصاد منتج. 
ج- فضاء الحرية في العوالم الافتراضية.

إذا كانت مساحة الحرية تنكمش وتتمدد في الواقع السياسي المعيش، وإذا كانت التنظيمات لا تحتمل"شغب" المواطنة عند أعضائها، ويضيق صدر الزعماء برأي مخالف، فإن شباب اليوم، أبناء الثورة الصناعية الثالثة، اكتشفوا شساعة مساحة الحرية في الفضاء الرقمي، و"شنقوا" الزعيم/ الشيخ. فتحرروا من وصايته، و فجروا طاقة الإبداع، تحث ضغط التطلع للحرية؛ كقيمة إنسانية وكونية.
إن مقرات الفضاء الرقمي، من مدونات ومنتديات اجتماعية وغرف الدردشة، توفر السرعة في نشر الخبر والمعلومة دون الالتزام بفروض سلطة الرقابة. مرونة في النشر، وحرية في التعبير عن الذات وتطلعاتها، وتنوع المنتوج المعروض. في هذا العالم تصنع قرارات الحرية، وترسم خطط التغيير، وتشحذ همم أنصار العدالة و الكرامة.   
ليس ضروريا، إذا، أن تمتلك بطاقة العضوية، فيكفي نقرة زر للانخراط في النقاش والسجال الملامس لكل القضايا والمنفتح على خلاصات التغيير. 
  ثالثا- شعوب تتحرك نحو الحرية.
 حفزت حركات التغيير، التي تعم العالم العربي، خلال السنة الجارية، شباب المغرب للانتظام في "حركة 20 فبراير". وانجذبت الشعوب لمضمون التغيير الجاري في الإقليم العربي، تحث يافطة قيم كونية، يعتبر تحققها شرط انتمائنا الإنساني. "بنعلي هرب… الشعب التونسي حر"، وتنحى مبارك من السلطة التنفيذية  ليجلس أمام سلطة القضاء، وانتهت مدة صلاحية حكام اليمن وليبيا وسوريا…الخ.  
زحف الربيع العربي بياسمين الحرية وأزهار العدالة والكرامة.
إن استمرار قيام هذه الأوضاع، على الأقل في شرطها المحلي، هو ما يؤمن استمرار نضال "حركة 20 فبراير ".
 *********************************

 ذ.حميد هيمة أستاذ الاجتماعيات بالثانوي التأهيلي