الأحد، 21 أغسطس 2011

رسالة الصديق كبوري من سجن وجدة: بأي حال عدت يا عيد؟


رسالة الصديق كبوري من سجن وجدة: بأي حال عدت يا عيد؟  
 
يقبع المناضل الصديق كبوري والمناضل المحجوب شنو في سجن وجدة في ظل ظروف لا إنسانية،بعدما حوكما على خلفيات الاحتجاجات السلمية والبطولية التي عرفتها مدينة بوعرفة دفاعا عن الكرامة والعيش الكريم، وقد حوكما استئنافيا بسنتين سجنا نافذا، فيهذه الشروط جاءت رسالة كبوري التالية:


ستعد المدارس المغربية لفتح الأبواب معلنة استقبال موسم دراسي جديد.
سيتم الاحتفال بعيد المدرسة يوم 14 شتنبر تحت شعار "جميعا من أجل مدرسة النجاح".
كل مكون من مكونات المدرسة يحضر لهذا الدخول، ولكل مكون أجندته وأولوياته وحساباته.
فالوزارة ستستغل الدخول المدرسي لتبشر بما هو آت، وبما تحقق من إنجازات وما حصل من تراكم في ظل المخطط الاستعجالي، مزهوة بنسبة النجاح التي تحققت نهاية السنة المنصرمة والتي كانت حافلة بالإضرابات إلى حد التخمة، مما جعلها قاب قوسين أو أدنى من البياض.
الشغيلة التعليمية ستنشغل بجدول العطل وحساب الزيادات الهزيلة في الأجور، ونتائج الترقية المهنية، وانتقاد أعطاب واختلالات المدرسة العمومية وأمور أخرى
التلاميذ سيلجون حجرات الدرس ومظاهر الفرحة تعلو وجوههم، والبسمات مرسومة على الشفاه والثغور البريئة غير عابئين بما تخبئه ثنايا المستقبل.
الآباء والأولياء سيستقبلون الموسم الدراسي بالشكوى، فالأجور هزيلة، والأسعار ملتهبة، والمصاريف لا تنتهي ولا يراد لمعاناتهم أن تنتهي
أما أنا فسأكون خارج المشهد لأنني سأستقبل الموسم الدراسي وراء القضبان تلفحني لسعات الرطوبة داخل الزنزانة، مسلوب الحرية، وأنا العاشق للحرية حد الهيام، أتناول طعاما رديئا، أستنشق هواء رديئا، وأسمع كلاما رديئا، وأشاهد مسلسلات رديئة، وأنام في مكان بضيق القبر، عرضه أربعون سنتيمترا بالتمام والكمال كما يريده الساهرون على سير المؤسسة السجنية
أتساكن داخل نفس الفضاء مع الحشرات والفطريات والجرذان
اعتقلت في نهاية الموسم الدراسي الفارط وأنا أهم بمغادرة المحكمة الابتدائية ببوعرفة، بعد الانتهاء من مهمة حقوقية تتجسد في متابعة محاكمة تسعة شبان قدموا للمحاكمة على خلفية الأحداث الاجتماعية التي عرفتها بوعرفةفيما سميناه بالأربعاء الأسود.
لا أدري هل أتحدث هل أتحدث عن حسن الصدف أم مكرها، فقد كان آخر درس قدمته لتلاميذي حول الظلم وعواقبه، وقد استفضت في تعريف الظلم وبيان موقف الشرائع منه، دون إغفال نتائجه التي منها العنف والكراهية، كما شرحت بإسهاب مضامين أحاديث نبوية شريفة وقدسية مصاحبة للدرس.
(الظلم ظلمات يوم القيامة) (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا).
شاءت الظروف أن أكون أول ضحايا الظلم بعد الدرس المعهود، ولم أستطع توفير الحماية لنفسي منه.

ظلمت من أجهزة موكول إليها حماية القوانين، والسهر على احترام الناس وضمان أمنهم وسلامتهم.
اعتقلوني وانتزعوني من بين تلاميذي انتزاعا فظا، فحرموني من الإشراف على الامتحانات النهائية، حرموني من فرصة الاحتفال بنهاية السنة بعد موسم حافل بالجد والعطاء، غير مكترثين لتحضيرات نفوس بريئة، حرموني من رحلة كنت أستعد لتنظيمها رفقة تلاميذي فيإطار الأنشطة الموازية.
وجهوا لي تهما ملفقة ومحبوكة وقالوا إنها العصيان المسلح وإهانة موظفين عموميين والمشاركة في مسيرة بدون ترخيص… أنا المشبع بقيم الحرية والكرامة والحوار والتسامح والمشاركة والتضامن، وهي القيم التي أسعىفي كل المناسبات إلى جعل التلاميذ يتمثلونها سواء عبر الدروس في المواد الحاملة لهذه القيم أو من خلال الأنشطة الموازية.
لقد أقبل العيد، فكل دخول مدرسي وأنتم بخير لكن لا تنسوا:
أن خلف القضبان الموصدة وخلف الأسوار المتينة بالإسمنت والحديد المسلح يقبع بريء يسعى لرفع الظلم وحب الناس وفعل الخير.
يقبع إنسان مارس السياسة كما عرفها فيمحاورات أفلاطون وكتب أرسطو وروسو والفارابي، أي السياسة كقيمة نبيلة تهدف فيإطار ممارسة الشأن العام إلى التغيير وتحقيق الأصلح.
يقبع إنسان مارس العمل النقابي المكافح والشريف للدفاع عن المأجورين والعمال، للتصدي لجشع الباطرونا وتواطؤ المؤسسات الرسمية للحماية بعيدا عن الانتهازية أو التوافقات التي تتم تحت الطاولة.
يقبع إنسان دافع عن حقوق الإنسان في كليتها وشموليتها ولم يتوان ولو لحظة عن التعريف بها وحمايتها وفضح منتهكيها.
يقبع أستاذ دائم الانتصار لقيم الحداثة والمواطنة، أستاذ يعتبر العقل منهجا، والإنسانية مذهبا، وحب الوطن ديدنا. أستاذ يؤدي ضريبة الانتماء للوطن، فاكتوى بلظى الظلم ولسعته نيرانه المحترقة
يقبع أب خلف وراءه أطفالا في عمر العصافير وأسرة بحاجة لمن يسندها.
يقبع إنسان اعتقد بشكل مطلق بعدالة الأرض، فانتهى إلى أن نواميسها صروح صنعها البشر على المقاس.

سجن وجدة 12 ـ 8 ـ 2011