الأربعاء، 17 يونيو 2009

جدلية الصراع الانتخابي بسيدي سليمان انتفاء الرجة وإحلال المطبوخ المبتذل


جدلية الصراع الانتخابي بسيدي سليمان 
انتفاء الرجة وإحلال المطبوخ المبتذل 
   إعداد : الإدريسي الحسين 
وأخيرا نزلت بالساحة السياسية لسيدي سليمان النتائج الخاصة بالانتخابات الجماعية صبيحة 13 يونيو 2009، بعد حرب اللوائح بين الأحزاب المعروفة والمستحدثة، وبعد الحملة الانتخابية الصاخبة وبعد الاحتكام لصناديق الاقتراع ليوم 12-6-2009… ظهرت النتائج لتفتح باب النقاشات والتحليلات على مصراعيها بكل المستويات: الشارع- المقاهي – الأحزاب… على خلفية الانتصار أو الهزيمة أو الإهمال والعزوف، طبعا حول حصاد الاستحقاقات الجماعية الأخيرة عربونا عن الانخراط الواسع في ما اصطلح على تسميته خطأ باللعبة  في سوق التصويت، فكيف يمكن قراءة الأرقام المقدمة؟ ماذا تعكس سياسيا وسوسيولوجيا؟ ما هي معالم المجلس الجديد المطالب بالإجابة عن تطلعات المواطنين محليا في إطار الرهانات والتحديات الجماعية في أفق مواجهة الأوضاع المتدهورة بالمدينة في ظل مخلفات الأزمة الاقتصادية العالمية؟
 لقد جاءت الحصيلة على الشكل التالي ليبدأ معها العد العكسي لتشكيل مكتب المجلس بكل ما يحتمل ذلك من تخمينات ومفاوضات:
جدول 1 : الأصوات والمقاعد حسب الأحزاب بسيدي سليمان

رتبة
الحزب
الأصوات
%
المقاعد
%
رتبة
الحزب
الأصوات
%
المقاعد
%
1
الاتحاد الاشتراكي
2273
17.8
8
22.85
10
الحركة الشعبية
364
4.6
0
00
2
الاتحاد الدستوري
2075
16.7
8
22.85
11
العهد
268
2.10
0
00
3
الاستقلال
1282
10.05
5
14.28
12
التنمية المستدامة
264
2.07
0
00
4
الوحدة والديمقراطية
1269
9.97
4
11.42
13
التقدم والاشتراكية
192
1.5
0
00
5
الديمقراطية الاجتماعي
961
7.09
4
11.42
14
الأحرار
188
1.47
0
-
6
العدالة والتنمية
919
7.24
3
8.57
15
العمالي
152
1.19
0
-
7
الليبرالي المغربي
766
6.01
3
8.57
16
التحالف
150
1.17
0
-
8
الأصالة والمعاصرة
740
5.81
0
00
17
النحلة
139
1.09
0
-
9
جبهة القوى
635
4.9
0
00
18
التجديد والإنصاف
99
0.007
0
-

جدول 2 : حصيلة الانتخابات الجماعية بسيدي سليمان  (للاسئناس)
                               
المجموع المعبر عنه
الملغاة
المصوتون
العزوف
المسجلون
12736
2275
15011
31236
46247
 
قراءة أولية في الأرقام، عدة ملاحظات أهمها:
* تقارب النتائج في الصدارة ما بين الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري، وهي حصيلة تخالف بالتأكيد ما كان متوقعا – قبل التصويت وفي بداية الحملة الانتخابية- سواء بالنسبة لحزب الوردة أو بالنسبة لحزب الفرس، لتحقيق رهاناتهما  لرئاسة المجلس البلدي في تجربة 2009-2015، فكلاهما يطمح إلى الحصول على أغلبية مريحة (+ 15 مقعدا) تلافيا للمشكل الذي ظهر في بداية تجربة 2003 والذي لم يحسم إلا بتدخل عبد الواحد الراضي (نائب الكاتب الأول آنذاك لحزب الاتحاد الاشتراكي) على حساب الاتحاد الدستوري وبالتعاقد مع العدالة والتنمية. فالحصول على نفس النتائج (8-8) يعيد طرح المشكل وإن كان بصيغة جديدة وفي ظرفية مخالفة تماما، مع أنه من المستحيلات الوصول إلى الأغلبية الحزبية المريحة في إطار نظام اللوائح، فالحصول على ثمانية لكلا الحزبين يمكن اعتباره إنجازا مخيبا للأمل ويضع الحزبين وجها لوجه.

كيف يمكن تفسير هذه النتيجة المعقدة والناجمة عن منافسة قوية على الساحة السياسية المحلية ما بين18 حزبا(مختلفة الثقل السياسي و التنطيمي) المعتمدة على أساليب ومخططات متباينة بالتأكيد في عملها وممارستها، فمنها تلك المعتمدة على الحسابات السياسية البرغمائية التي لا تخلو من مناورات (الاتحاد الاشتراكي) وأخرى تعتمد على الحسابات المالية والعلاقات الاجتماعية، غير منظمة…( الاتحاد الدستوري مثلا)
والجدير بالذكر أن الحملة الانتخابية قد قسمت التنظيمات السياسية الى مجموعتين متفاوتتين في النشاط والحضور بالمدينة.
المجموعة الأولى تتكون من: الاتحاد الاشتراكي + الاستقلال + التحالف+التقدم والاشتراكية؛ الهيآت السياسية ذات تواجد في الساحة السياسية والنقابية والجمعوية، وبمقراتها، وكلها دخلت إلى المنافسة والحراك الانتخابي على خلفية محاربة الفساد والمفسدين وتعزيز مكانتها في ممارسة الشأن المحلي بناء على سياسة القرب مما يؤهلها منطقيا لكسب رهان الانتخابات الجماعية محليا.

المجموعة الثانية (ومنهاا المستحدثة: الوحدة والديمقراطية، التجديد والإنصاف، الأصالة والمعاصرة..) دخلت غمار الانتخابات الجماعية وهي تراهن على المال وعلى كسب  الأصوات بالأحياء المهمشة التي دكتها مشاكل هذه السنة: الفيضانات وعواقب الأزمة الاقتصادية العالمية (لم ينشر لها أي منشور حزبي … غريب…)مجندة لذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لإفساد خطة الاتحاد الاشتراكي أساسا.
مكنت الطريقتان من إفراز نتيجتين متفاوتيتن، لكن مع ملاحظة أن الاتحاد الاشتراكي قد ربح  بعض الأجزاء من المائة على حساب الاتحاد الدستوري، وهذا ما يظهر من مقارنة في النتائج بإرجاعها إلى حصيلة 2003.
جدول3 :مقارنة بين نتائج 2003 و2009 

تجربة 2003
الحصيلة الحالية
الاتجاه
USFP
7
22.5
8
22.8
ربح طفيف
UC
8
25.8
8
22.8
تراجع طفيف
IS
4
12.9
5
14.28
ربح طفيف
PJD
4
12.9
3
8.57
تراجع كبير
RESTE
8
25.8
11
31.4



المجموع


31

100
36
100


الاتحاد الاشتراكي تمكن وبصعوبة من الحصول على ثمانية مقاعد لكنه لم يصل إلى 12 وحتى 10 الذي روج له مع بداية الحملة الانتخابية الجماعية، ومع ذلك فإنه انتصار مهم  للصف الديمقراطي.
* وأما الاتحاد الدستوري فهو يعد من الرابحين بتجاوز كما يقال فهو.
* لم يحقق الحد الأقصى الذي دعا إليه لضمان الأغلبية (+12 مقعد)
*لم يستفد من شرائح اجتماعية بالأحياء الفقيرة المحسوبة عليه أصلا قبل الدخول المفاجئ لحزب الوحدة والديمقراطية، الشئ الذي بعثر الأوراق وطعن في الخلف حزب الفرس كما أربك حساب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال معا.

* وعلاوة على ذلك فإن هذا الحزب لم يستفد من عدة أصوات والتي كانت ملغاة على حد تصريح أحد رؤساء مكاتب الانتخاب ليكتفي بالمرتبة الثانية بعد الاتحاد الاشتراكي.
* حزب الوحدة والديمقراطية كان من الرابحين الصغار في المعركة الانتخابية بحصوله على 4 مقاعد في المشاركة الأولى، وهذا شبيه بما تحصل عليه الاحزاب المسماة بالإدارية بدل المخزنية سابقا، رغم عدم التوفر على رصيد نضالي ومقر ومنخرطين. فكيف حصل على 4 مقاعد يتساءل المتتبعون؟ الإجابة واضحة : الاعتماد على المآل  لاختزال المحطات (التنظيمية –النضالية –البرمجة كل عوامل "فريع الرأسمال" كما يقول أحد المناضلين !!! ) ألم يقل أن كل الطرق بما فيها طريق المال تؤدي إلى صناديق الاقتراع !
* لا يفوتنا هنا أن نسجل أن الرابح أيضا هو "الحزب الليبرالي" الذي دخل إلى غمار المعركة بفضل استقالات من الاستقلال ليحصل على 3 مقاعد، مسجلا تحديا في المشهد السياسي والحزبي بمدينة سيدي سليمان كمخرج للصراعات الداخلية في الاحزاب الوطنية الديمقراطية.
 أفرزت النتائج أيضا متضررين:  حزبي الاستقلال – العدالة والتنمية .
- حزب الاستقلال الذي هيأ حملته بشكل كبير على أمل التناوب على رئاسة المجلس، أخفق الهدف وحصل فقط على 5 مقاعد، ويمكن تفسير ذلك بالصراعات الداخلية وتشبث الدواجي خطأ بوكالة اللائحة مما تسبب في انسحاب عدة مناضلين للدخول في لوائح أخرى، وسحب عدة مصوتين لصالحهم.
- أما العدالة والتنمية فقد جنت ثمار أخطائها: مرض الدعاية الدينية في الوسط الجماهيري، والتراجع التنظيمي بعد 16 ماي واللعب على الحبلين، حصل حزب العدالة والتنمية على 3 مقاعد في خضم الدخول في تحالفات هشة لمواجهة رئاسة المجلس سابقا، في أعقاب الوظائف المشبوهة وفك الارتباط مع الاتحاد الاشتراكي والدعاية الملغومة في الحملات الانتخابية في إطار الانتخابات التشريعية ل2007.
- الخاسرون: أول خاسر هو الحركة الشعبية بسقوط وكيل لائحتها الذي كان يفوز دائما بمقعد على الأقل في المجالس الجماعية السابقة، أما أحزاب اليسار (التحالف، التقدم والاشتراكية) فهي مطالبة بالتجديد واسترجاع المبادرة واستثمار  رصيدها النضالي وإمكانياتها الذاتية والسياسية في تمتين علاقتها مع المواطنين، وذلك بالخروج من التقوقع التنظيمي، ولمواجهة هيمنة مافيوزيي المال الحرام في الانتخابات والدخول إلى المعركة  بخلق آليات تنسيقية قمينة بفك العزلة عليها. فأكبر أخطائها هو الدخول بالتردد وبالمشاكل التنطيمية العميقة، خسارة تتطلب التفكير والعمل المستعجلين لتدارك ما فات من محطات تاريخية صعبة ، عوض السقوط في جلد الذات والبكاء على الأطلال.
  أما باقي الأحزاب الخاسرة ( جدول 1) فتبقى مشاركتها شكلية من أجل أهداف لا يعرفها إلا وكلاء لوائحها، ولهم فرصة أخرى لتحقيق أغراضهم بتلك الاطارات أو بأخرى. ليحسبوا كيف ما أرادوا، الاطارات معروضة للركوب فليحسنوا الاختيار .  
في نهاية المطاف يمكن القول إن الانتخابات الجماعية لم تأت بجديد، بل كرست الواقع الجماعي بمختلف تلاوينه واختلافاته الظاهرة والباطنة، وكأن المدينة لم تتمكن من إفراز إلا ما أفرزته صناديق الاقتراع.
 يمكن إرجاع الربح الطفيف لدى الاتحاد الاشتراكي الى إدخال العنصر النسوي (اللائحة المضافة) وإلى الحملة القوية وإلى تحريك المرشحين للعلاقات الاجتماعية (فالمسألة ليست سياسة تنظيمية، كما يمكن أن يعتقد) لأن الحزب محليا يعاني من صعوبات ويتعرض لهجومات قوية من العدالة والتنمية منذ 2007، ومن أطراف أخرى كانت متحالفة معه (جبهة القوى..) بصدد التوظيفات (الصحافة )، السلوكات المشبوهة،  وسوء التدبير والتسيير للمجلس السابق (المالية/توزيع الرخص/الإنفراد بالقرار) كلها سلبيات حدت من وزن الوردة محليا وهددت ربح الرهان (تهديد من الاستقلال المعتمد على سياسة "مولا نوبا" للتناوب على رئاسة المجلس، وتهديد من الاتحاد الدستوري والوافدين الجدد الذين يستغلون أخطاء الرئيس لاستقطاب أصوات الناخبين  والمشجعين على العزوف.) فمن هذه الزاوية يمكن اعتبار أن الاتحاد الاشتراكي خرج من الرجة السياسية بأقل ضرر و إن أثار ذلك انتقادات لاذعة في صفوف الاتحاديين أنفسهم.
 
 
 (يتبع)

الأحد، 14 يونيو 2009

نتائج الانتخابات الجماعية بوزان


   نتائج الانتخابات الجماعية بوزان 

  وزان: محمد حمضي
  مجموع الهيأة الناخبة:29541
  المصوتون:14196
 الأصوات الملغاة:  2212
 الأصوات المعبر عنها:11984
 نسبة المشاركة دون احتساب الأصوات الملغاة:48.05 في المئة
نسبة المشاركة باحتساب الأصوات الملغاة:40.56 في المائة
     
          نتائج بعض الأحزاب المشاركة
الحزب                      عدد الأصوات      عدد المقاعد
الإتحاد الاشتراكي           857                  3
العدالة والتنمية               2219                8
التجمع الوطني الأحرار     3015              11
حزب الاستقلال                1313             5
 الحركة الشعبية                ——             3 
الاتحاد الدستوري              ——             5  
  الحزب العمالي               231              0
تحالف اليسار الديمقراطي       194            0

  يذكر بأن تحالف اليسار الديمقراطي بوزان مثله الحزب الاشتراكي الموحد  واحتل المرتبة الأخيرة بعد التنافس مع 14 حزبا مشاركا.   
   وقد جرت الانتخابات يوم الجمعة 12 يونيو 2009.

السبت، 13 يونيو 2009

أطــــــــــــــفال لا يخيــمــــــــــــون


في أول بادرة من نوعها اتفق أعضاء "تجمع المدونين المغاربة " على إطلاق أول حملة إعلامية تدوينية موحدة، وقد تم اختيار التطرق لموضوع" أطفال لا يخيمون"، ينشر كل عضو مساهمته في مدونته، ويشار لها في المدونة المشتركة للتجمع، ويتم الترويج لذلك على نــــــــــــطــــــــــاق واســـــــــــــــــــــــع. 
أطــــــــــــــفال لا يخيــمــــــــــــون 
   
  تهون معضلة "أطفال لا يخيمون" أمام أطفال لا يدرسون، لكن تصبح الظاهرة أخطر أمام أطفال يشتغلون، وما أكثرهم، لتوضع على المحك مسؤولية الجميع بما فيهم الجهات الرسمية الموكول لها تطبيق مجمل اتفاقية "حقوق الطفل" التي صادق عليها المغرب، وكذلك بقية التشريعات الوطنية التي تحمي الطفولة. لا يعقل أن يشتغل طفل ليعيل عائلتين، عائلته وعائلة مشغله، منتهى الظلم.
هل كل الأطفال يخيمون؟ 
هل كل الأطفال يروحون عن أنفسهم بعد موسم دراسي طويل؟
هل كل الأطفال يروحون إلى الجبل أو الشاطئ أو أي مكان آخر ليسوا متعودين على العيش فيه لقضاء لحظات استجمام؟ هل كل أطفال المغرب يتركون وراءهم ذويهم وأصدقائهم وزنقتهم وحيهم لينطلقوا نحو الآفاق؟ نحو فتح علاقات إنسانية جديدة، وأصدقاء جدد، وفضاء أرحب لممارسة شغب طفولي جميل تكون ضوابط الامتثال نادرة فيه أو منعدمة؟
 وهل أصلا كل الأطفال يدرسون؟
  تلك حكاية أخرى، جرحها أعمق من عدم التخييم.
  دفعتني للكتابة في الموضوع الرغبة المشتركة العارمة في إبداع "حملات إعلامية تدوينية" بين رواد التدوين المغاربة، وخاصة أعضاء "تجمع المدونين المغاربة"، وأكيد أنها ستتلوها حملات أخرى، لمواضيع أخرى، كما سيتم تحسين مثل هذه "الخرجات الإعلامية" باستمرار.
   لكن دافعي الشخصي للكتابة في هذا الموضوع بالضبط هو معاناة كل تلاميذي الذين أدرسهم، عند كل بداية مشوار دراسي جديد، أطرح أسئلة عليهم حول الأماكن التي زارها كل طفل أثناء العطلة الصيفية الطويلة، يدخل ذلك في إطار الحوار الذي يجب أن يلجأ إليه المدرس (ة) باستمرار، لخلق جو من الألفة والتقارب، وكذلك سبر الأوضاع الاجتماعية والنفسية لكل متعلم(ة)… لن أنسى إطلاقا جواب أصغر تلميذ أجابني حول نفس السؤال في بداية السنة الدراسية 2008/09، فقد ذكر أنه لم يزر إطلاقا حتى أقرب مدينة صغيرة تبعد عن قريته بعشرين كيلومتر وهو في سن الإثنى عشر!  
   تتفاوت إجابات بعضهم، منهم من يزور أقارب له لمدد معينة، إما في قرى مجاورة، أو في مدن، تكون أسباب الزيارات في الغالبة عائلية محضة، كحضور حفلة عرس مثلا، وهناك من يقضي بضعة أيام عند أفراد من الأسر، وغالبا ما يدخل ذلك في إطار تبادل الزيارات لا غير، ويفضل القرويون رد الدين لأقاربهم الساكنين بالمدن في فصل الربيع حينما تزهر الحقول ويعتدل الجو ويحلى التجوال في البوادي، فتستقبل الأسر القروية ضيوفها بكامل الترحاب والمودة.  
   أعرف أن أغلب أطفال القرى ينغمسون في أعمال مختلفة أثناء عطلة الصيف الطويلة، هناك من يرعى الماشية من طلوع الفجر، إلى رسو الشمس في كبد السماء، ومرة ثانية  في نفس اليوم من الزوال إلى غروب الشمس، الأبقار والأغنام لا تشبع أبدا، والأطفال وراءها يلهثون طول النهار. كل الأسر تعتبر فصل الصيف للعمل وجمع المحاصيل وليس "للعب واللهو" والاصطياف! كل أفرادها يتعاونون من أجل توفير القوت والمعيشة، وكل يوم فيه عمل، وللطفل دور في ذلك ينتظره.  
   لا أحد من الجهات الرسمية يفكر في حق أطفال القرى وأطفال الفقراء في التخييم، لا يدخل في "همّ" الجماعات المحلية "المنتخبة" ذلك، بل هذه الجماعات وحسب ما تتوفر عليه من مستشارين أميين وأشباه أميين، في الغالب لا تفكر في أي جانب ثقافي وترفيهي للساكنة، فبالأحرى أن يسترعي انتباها تخييم الأطفال، النيابة التعليمية التي أشتغل ضمن مجالها الإداري أخبرتنا على غرار بقية النيابات المتواجدة في كل إقليم، عبر مذكرة رسمية أن إحدى المخيمات خصصت لأطفال الإقليم خمسين مقعدا! وبالمقابل طبعا، ودون الحديث عن التنقل وغيره، وهم يعلمون مسبقا أن مذكرتهم مجرد "صيحة في واد ليس له قرار".
    مرة حاولت أن أبادر لنفك عن بعض الأطفال العزلة المقنتة/البغيضة التي تلفهم، فعقدت اتصالا مع إحدى الجمعيات الناشطة بأقرب مدينة قصد ضم بعض الأطفال من العالم القروي إلى صفوف روادها، لكن استجابة الآباء كانت منعدمة، والسبب معروف، بالإضافة إلى تشغيل الأطفال، هناك عامل نقص التجربة لديهم، وعدم شعورهم بجدوى التخييم، وقد حاولت أن أطمئن الآباء، وأخبرتهم بحرصي على سلامة أبنائهم والمساهمة في تنقيلهم من القرية إلى المدينة، وإعادتهم إليها حالة رجوعهم من المخيم، لكن لا أحد استجاب رغم إعلان الرغبة القوية للأطفال في ذلك.  
   ما يثير الانتباه في مسألة التخييم:
   ـ قيام الدولة في السنوات الماضية المنصرمة بجهود واضحة من حيث الرفع من عدد الأطفال المستفيدين من المخيمات. 
   ـ ما زال الاعتماد قائما في تنظيم وتأطير المخيمات على مساهمة جمعيات مختلفة المشارب والتوجهات، وعدم قدرة الجهات الرسمية على القيام بذلك بنسبة مهمة مادام ذلك يدخل في إطار مهامها.
ـ ضعف التجهيزات في غالبية المخيمات الصيفية، مما قد يعرض صحة وحياة بعض المخيمين للخطر.
ـ حصول تمييز غير مقبول بين أطفال المغرب، بين الفقراء وسكان البوادي، وبين فئات اجتماعية أخرى تجد الفرصة ليخيم أبناؤها.
 ـ توفر بعض المؤسسات العمومية والخاصة على مركبات سياحية يخيم فيها أبناء الموظفين والمستخدمين فقط، ولا ينفتحون على جزء من أبناء الوطن الآخرين كمساهمة رمزية من جانبهم، على الأقل سينمو أبناؤهم على التعايش مع مختلف الفئات الاجتماعية.
 ـ لا يجب أن نعتبر المخيمات الحضرية تخييما بكل ما في الكلمة من معنى، ليس انتقال أطفال محرومين كل يوم من منازلهم لمؤسسة عمومية في نفس مدينتهم "مخيما"! هو نوع من "السجن" للمحرومين وغبنا في حقهم، به تضخم الجهات المسؤولة أرقام الأطفال المستفيدين.
 ـ بقدر ما تساهم الجمعيات في تخفيف الضغط عن الجهات المسؤولة والنيابة عنها، مما يؤكد عدم تحملها مسؤوليتها كاملة، بقدر ما تعتبر بعض تلك الجمعيات العملية مناسبة سنوية لجمع أرباح، والاقتصاد من ميزانية التغذية لنفس الغرض، مما يضر بالأهداف النبيلة للعمل الجمعوي.  
   ـ ضعف التأطير والتنشيط على العموم؛ ليس التنشيط هو إتعاب الأطفال بمهام صعبة سواء من أجل المساهمة في بعض الأشغال، أو تكليفهم ببعض "المهام" التنشيطية أمام  الفراغ الذي يجد المشاركون أنفسهم فيه، فيلقنهم بعض " المنشطين" أناشيد وأغاني تافهة المحتوى، مما يفرض الاجتهاد لوضع أنشطة مختلفة، وضرورة إنجاز الجمعيات المساهمة لأغلبها، مع الحرص من رفع مستوى تلك الأنشطة، علما أن الوقت للاستجمام وليس لتلقين دروس إضافية.   
  ـ أن تضع الجهات المسؤولة "دفتر تحملات" يتضمن توفر الشروط الضرورية، الخاصة بكل جمعية حتى تقبل مساهمتها، في انتظار أن تتحمل الدولة مسؤوليتها كاملة.
 ـ ضرورة مساهمة كل الإدارات العمومية في التخييم، كل من موقع مسؤوليتها، الجهاز الطبي للمراقبة الصحية المجانية، السكك الحديدة للنقل بثمن رمزي وإعفاء أبناء الفقراء من ذلك، الجماعات المحلية تساهم لصالح الأطفال بما تستطيع… الوزارات المعنية توفر اللوجستيك المطلوب. 
    ـ ضرورة انخراط كافة جمعيات "الأعمال الاجتماعية" التي يساهم فيها الموظفون والمستخدمون والأجراء بقسط من أجورهم، كما تحصل بعض هذه الجمعيات على مساعدات حكومية أحيانا، لكن مساهمة بعضها يبقى جد ضعيف، كما هو عليه الشأن بالنسبة ل"مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية" الخاص بموظفي التعليم والتكوين المهني.
  خاتمة: المخيم ليس ترفا، ومطلبا زائدا لا رجاء من ورائه ولا طائل، إنه إعادة الحيوية للأطفال بعد سنة دراسية متعبة، إنه فضاء للمعرفة والتعارف والتعود على تحمل المسؤولية، المخيم حلم ينتظره الأطفال بشغف، وذكرى لن تنمحي لمن أتيحت لهم فرص المشاركة، لا يمكن أن نسكت عن الإجحاف الذي يمارس ضد فئة اجتماعية تعاني قهرا مضاعفا، لنساهم في رفع الغطاء عن الأطفال المحرومين، ونحيي بالمناسبة أعضاء من "تجمع المدونين المغاربة" الذين بادروا للكتابة في الموضوع، وتأكيدهم على تأطير أنشطة "لأطفال لا يخيمون" أثناء هذه العطلة.
  حتى لا ننسى، في بحر هذه السنة زار التلميذ النجيب الأصغر في القسم الخامس الابتدائي أقرب مدينة لسكن أسرته، وذلك لأول مرة في حياته، بعدما بلغ سن الثالثة عشر،  لكنه أكيد سيقضي سحابة صيفه وراء قطيع الغنم، إلا إذا حدثت معجزة.
                              مصطفى لمودن  

الخميس، 11 يونيو 2009

مقـــاربة لإشـكالية الـتنمية المحلية والانتــخابات الجماعية


مقـــاربة لإشـكالية الـتنمية المحلية والانتــخابات الجماعية
 إعداد نجاة الراضي (*)
أصبحت إشكالية التنمية المحلية تحظى اليوم بأولوية كبرى في النقاشات العمومية في المغرب بالنظر إلى مجموعة من الاعتبارات.
-الاعتبار الأول: موعد الانتخابات الجماعية بحكم ارتباطها بالمحلي
-الاعتبار الثاني: ظهور العديد من المنظمات الدولية التي تهتم بالتنمية المحلية ومكوناتها.
-الاعتبار الثالث: صدور العديد من التقارير الدولية عن المغرب تشير إلى مؤشرات التنمية المحلية، حيث أن هاته التقارير بالرغم مع أنها غير بريئة إلى أن بعضها يتجاوز التشخيص، ويذهب بعيدا عن ذلك.
  وذلك عبر صياغة العديد من المقترحات تطالب الدولة بتطبيقها مرتبطة بإشكالية التنمية الإنسانية بصفة عامة والتنمية المحلية بصفة خاصة ( تقارير البنك الدولي، تقارير برنامج الأمم المتحدة للإنماء الاقتصادي والاجتماعي)
  بالإضافة إلى أن هاته الاعتبارات أصبحت المناداة بالاهتمام بالتنمية المحلية بحكم التهميش والفقر الذي يطال أغلبية الشعب المغربي، وبالأخص العالم القروي الذي تنتعش فيه أبشع أنواع الإقصاء والتهميش والأمية والفقر.
والتنمية المحلية كمفهوم جاء نتيجة سياق تاريخي ارتبط بظهور الثورات الصناعية والتمدن.
حيث تفنيد المقاربة التحتية للتنمية بحكم أن التنمية المحلية هي تحقيق التقدم والازدهار في مجال جغرافي محدد.
ومع تطور الديمقراطية المعاصرة، وتفعيل دولة الجهات، أصبح لهذا المفهوم قيمته الحقيقة.
حيث أن بعض الدول أصبحت تنادي بعبادة المحلي     localismeوتطالب المواطنين بالاهتمام بالمحلي سواء منهما الأحزاب أو الجمعيات.
ومفهوم التنمية المحلية يحمل في طياته عدة مكونات، من أهمها نجد المكون الاجتماعي الذي يحمل عدة مؤشرات مرتبطة بالصحة والتعليم…
ومكون اقتصادي يرتبط بالدخل والتشغيل بمختلف أصنافه.
  ومكون سياسي يرتكز على الحكم الديمقراطي والحكامة الجيدة.
بالإضافة إلى أن الخدمات العمومية هي العمود الفقري للتنمية المحلية، وإذا كانت الجماعة المحلية كوحدة ترابية لها اختصاصات ذاتية واستشارية وقابلة للنقل ولها أدوار تنموية في مجال التنمية الاجتماعية و الاقتصادية، فإنها تعتبر القاطرة التي يمكن تحقيق التنمية داخلها حيث أنه في  الجماعة المحلية يمكن تحقيق التنمية المحلية، والميثاق الجماعي الجديد يحدد في بعض مواده أنه يجب على ممثلي أي جماعة أن يحددوا مخططا للتنمية المحلية في برامج مجالسهم، والسؤال الذي يطرح انطلاقا مما سبق .
إذا كانت هناك علاقة وطيدة بين التنمية المحلية والجماعة المحلية فهل الانتخابات الجماعية التي يشهد  المغرب نهاية حملتها الانتخابية أحزابها السياسية تشكل التنمية المحلية إحدى محاور برامجها الانتخابية؟ حيث نجد  انطلاقا من سلسلة الانتخابات التشريعية و الجماعية التي عرفها المغرب، عرفا غيابا لبرامج انتخابية ترتبط بالتنمية المحلية. وإذا كانت انتخابات 2002 اعتبرت كمؤشر على التقدم التدريجي في هذا المجال، حيث تم اعتبارها أكثر انفتاحا وتقدما في تاريخ المغرب، بالرغم من استمرار بعض الممارسات التي ندد بها الملاحظون المغاربة، خاصة فيما يتعلق بدور المال والنقص الحاصل على مستوى الشفافية في نشر النتائج، ومنذ 1984 ظلت مواضيع كل من الدستور والحريات العامة المحار التي تحرك التحركات السياسية لمختلف الأحزاب، لكن بعد انتخابات 2002 أضيفت أشياء جديدة. الكوطا النسائية والتمثيلية النسائية، إعداد مخطط للتنمية المحلية يستجيب لمتطلبات الساكنة .
هاته المستجدات جاءت نتيجة المتغيرات الدولية المعقدة التي جاءت بها العولمة النيوليبرالية.
وتعتبر الانتخابات الجماعية الحالية محكا حقيقيا لتداول القضايا المرتبطة بالجغرافية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجال المحلي للساكنة بالمغرب.
 حيث أنها توحي بأشياء عديدة من أهمها أن بعض المرشحين في بعض المناطق لم يهتموا برهانات التنمية المحلية ومجالاتها ومكوناتها، بقدر ما اهتموا بمحاربة الفساد والرشوة. باستثناء مناضلي أحزاب اليسار الديمقراطي.
 إن التنمية المحلية هي المدخل الأساسي لبناء الدولة الديمقراطية الحداثية يجب إعطاؤها أهمية كبرى وبناؤها يتطلب نضالا ديموقراطيا نوعيا.
 —————-  
(*) باحثة في علم الاجتماع.

الأربعاء، 10 يونيو 2009

الأحزاب السياسية وإشكالية البرنامجية


الأحزاب السياسية وإشكالية البرنامجية
إعداد نجاة الراضي (*) 
مع بداية الحملة الانتخابية للانتخابات الجماعية لسنة 2009 أضحت إشكالية البرنامجية تطفو إلى السطح من جديد، حيث أنه وإذا كانت الانتخابات التشريعية لسنة 2007 عرضت مجموعة من الملاحظات في هذا الشأن. كما أكدت تقارير الملاحظين الوطنية لكل من المنظمات التي رصدت الانتخابات  ( النسيج الجمعوي  لرصد الانتخابات، المنظمة المغربية لحقوق الانسان، المنتدى المدني الديمقراطي ، المعهد الوطني للشؤون الدولية…) حيث ثم تسجيل العديد من الملاحظات في هذا الشأن من أهمها.
1- الخلط الذي انتاب البرامج الانتخابية حيث أن أغلبية الأحزاب كانت برامجها متشابهة
2-أثناء الحملة الانتخابية لم يتم الاهتمام بالبرامج بقدر ما كان الاهتمام بالأشخاص
3-أغلبية الأحزاب لم تعط للبرنامج الانتخابي قيمته الحقيقية باستثناء بعد أحزاب اليسار الديمقراطي.
4-كان الاهتمام باللوائح الانتخابية والتسابق حول وكلاء لوائح الترشيح .
    والأسباب  كما أكدت التقارير كثيرة من أهمها.
السبب الأول: هيمنة أباطرة الفساد على الأحزاب السياسية.
السبب الثاني: أن الأحزاب السياسية في المغرب لم تهتم بمسألة البرامج والتجديد الفكري لمواجهة المتغيرات المعقدة التي يشهدها العالم الآن.
السبب الثالث: أن أغلبية الأحزاب بحكم هيمنة سلطة النفوذ والمال على مرشيحها لم تعط قيمة للبرامج وكان التسويق لأشخاص وليس لبرامج، باستثناء طبعا بعض أحزاب اليسار الديمقراطي التي تؤمن بأهمية البرنامج، باعتبار أنها أحزاب لها تاريخ نضالي يرتكز على وضوح إيديولوجي مبني على مبادئ الجماهيرية والتقدمية والديمقراطية .
وتبقى هاته الأحزاب التي ترشح مناضليها أحزاب نوعية، تعاني من عدة عراقيل وصعوبات بحكم الوضع السياسي غير اللائق في الأحزاب وإفراغ السياسة من محتواها.
إن التغيير الحقيقي يتطلب ثقافة سياسية جادة مبنية على برامج حزبية لها مشروع مجتمعي يستجيب لمتطلبات الشعب المغربي وطموحاته.
——————
(*) باحثة في علم الاجتماع.