قصة:
لكل لعبة قانون
منذ قرّرْنا نـحْن أطفال حيّ الرحمة تكوينَ فريقٍ لِكرة القدَم ونـحْن نُجري مقابلاتٍ حماسيةً في الملعب المجاور لحيّنا، ننتظر بشغف حلول يوم العطلة الأسبوعي، أو أي عطلة أخرى… بعد الانتهاء من كل الواجبات الدراسية وبعض الأعمال الأخرى التي يقوم بها بعضُنا لصالح الأسر… نُسرع جميعا إلى الأرض الخلاء المجاورة للحي، نُعَينّ ُمكان المرمى بأحجارٍ بارزة، نُقسّم العددَ الحاضر منّا إلى فرقينْ ِونَشرَعُ في التنافُس إلى أن نُـحسّ بالعياء قَدْ هَدّ أجسادنا الصغيرةَ، نَعْتبرُ ذلك تدريبا شاقّا اسْتعدادًا لكل تنافُسٍ مُــحْتمَلٍ مع فِرَقِ المدينة، رغم التّعَبِ لا نرْغَبُ في ترك المكان والكرة…
قلتُ الكرةَ؟
هل تعرفون كيف حصّلْنا على كرة؟
اقْتنَيْناها بالتّشارك فيما بيننا، كلّ طفل له رغبة في اللعب أحضر بضعة دراهم، وهكذا اقتنينا كرةً نَـمْلكها جميعُنا، نَلْعب بها كلُّنا، اتّفقْنا أن نستعملها بَعْدَ حُضور أغْلبِ أعضاءِ الفريق المُشاركِ في أيّ موْعد نتّفِق عليه.
آخِرُ كرةٍ اقْتنيْناها لم تَدُمْ طويلا، فقد تـمزّقت من كثْرة الرَّكْل والرّفس، بَقينا بدون كرة. في صَبيحةِ يوْمِ العُطلة الأسبوعيّ حَضَر إلى حيّنا أطفالٌ من حيّ الوحْدة المجاوِر، بدوْرهم كوّنوا فريقا يلْعب كرةَ القدم، كُلّ فرَق الأحْياء بالمدينة تَـهابُنا، لدينا فريقٌ قويٌّ، ولاعبون مَهرَةٌ… كلما لعبنا مع فريق نَنْتصرُ عليه.
عَلِمَ أطفال حيّ الوحدة المجاور لِـحيّنا أنّنا أصْبحْنا بدون كرةٍ، ولم نجمعْ بَعْدُ نقودا لشراء أخْرى، عَرضُوا عليْنا أنْ نَلْعب معهم، أن نُـجْري معهم مقابلةً في كرة القدم، وذلك في الملعب المجاوِر لـحيّنا، لكنّهم اقترحوا علينا شروطا غايةً في الغَرابَة…
بما أنهم يعرفون قُوّتنا، وهم مُتيَقّنون مُسْبَقًا أنَّ مرماهم ستدخُلُه الكرةُ عِدّةَ مرّات، وبما أنّــهم يتوفرون على كرة ونـحن لا نتوفر عليها، فقدِ اعْتقدوا أنفُسَهم في موْقعِ قُوّةٍ ليَفْرضوا عليْنا ما يريدون، حتى يـحقّقوا نصْرا على فريقنا، كَمْ تَـمنّوا أن يَنالوه، سيَظلّون يفْتخرون به طول الوقْت.
فماذا اقترحوا؟
لقدِ اقترحوا أن يُغيّـروا قانون لُعبةِ كرة القدم لصالـحهم، حيْث من حقهم لَـمْسُ الكرةَ باليد وحَـمْلها والجريُ بها! ونحن لا يَـحقّ لنا ذلك، ليس من حقّ حارسِ مرمانا اعتراضُ الكرة بيده! يُعيّنون حَكَمًا مِنْ اختيارهم! إذا أخْرجوا الكرةَ مِنَ الملعب يُـمْكنهم تسلّمها مِن جديد! أما نحن فنردها لهم!…
قالوا هذا والكرةُ بين ذِراعَيْ أحدِهم، يُشيرون إليها ويعتبرونها أداةَ قُوّتهم…
مِن جانبا رفضنا كل هذه الاقتراحات، قلنا لهم أن للعبة قانونا عالميا يجب أن يـحْترمه الجميع، لا يمكن أن نلعب معكم دون قانون عادل، يحترمه الجميع ويوافق عليه الجميع، قلنا لهم كذلك أن ما تقترحونه يسمى قانون الغاب، كأننا في غابة تسكنها الوحوش، القويّ فيها يفرض قانونه على الضعفاء، ليفعل بهم ما يريد، هذا ليس عدلا، لا يمكن أن نلعب معكم بهذه الطريقة…
ارتفعت الأصوات من الجانبين، كَثُرَ اللّغط، بدأ يطل بعض الكبار من نوافذ منازلهم، لقد تحول حوارنا إلى ضجيج يزعج، لم يعد حوارا بل خصاما…
هل سنتحول من فريقين يريدان لَعب كرة القدم إلى ما يُشبه جيشين متناحريْن؟
وإذا بأستاذنا إدريس يـمرّ بـجانبنا، لفت انتباهه صياحُنا وتدافُعنا، اقترب منا، هَدَأْنَا جميعُنا، كلّنا نعرفه حتى أطفالُ حي الوحدة، منهم من يتعلم عنده بالمدرسة القريبة، أو سبق أن درّسه، أو على الأقل يعرفه، فهو مدرس يحترمه الجميع…
كدنا نتفرّق كل واحدٍ إلى حال سبيله، لكنه استوْقفنا فاستجبنا جميعا لأمره، حكيْنا له عن سبب إثارة صخبنا الذي أثار انتباه الكبار من داخل منازلهم.
فقال: ـ إن لكل لعبة قانَونها الذي يجب أن يعمل بمقتضاه الجميع، ولا يكون أيّ قانون عادلا، ويحترمه الجميع، إلا إذا تـمّتِ الموافقةُ عليه من طرف الكل، ولا يحس أي طرف أنه متضررٌ عُنْوَةً مِن وضْع هذا القانون، إلا مَن أصرّ على مُـخالفته، حينها يكون قد وَضَعَ نفسَه في موْقع من يجب أن ينال عِقابا حسب نوع المخالفة… كلّكم تعرفون رَكلةَ الجزاء، إنها عقوبة ضد الفريق الذي ارتكب خطأ فادحا أمام مرماه، أو منع بطريقة غير قانونية خصمه من تسجيل هدف.
أما رغبة أطفال حي الوحدة في الانتصار حسب قوله، فذلك يقتضي شيءً آخر، وهو الاستعداد والتدريب، وإجراء مقابلات متعددة حتى يقع الانسجام بين جميع عناصر الفريق، وبعدها يُـمْكنكم أن تنتصروا، ويكون لانتصاركم طعمٌ صادقٌ، بِدون غِشّ أو إكراهِ الخصْم بالقوة غير المشروعة على الانهزام، إن ذلك لن يسمى انتصارا حقيقيا، وإذا كانت الكرة الآن تعود لملكيتكم ـ وهو يتوجه بالحديث إلى أطفال حي الوحدة ـ ففي وقت لاحق ستتمزق بدورها، وتصبحون أنتم كذلك بدون كرة، حينها قد يكون فريق الرحمة قد توفر على كرة جديدة، يمكنهم بعدها أن يشركوكم معهم في اللعب، على أي لن ينسوا معروفكم تـجاههم، لكن عليكم جميعُكم ألاّ تنسوا مراجعة دروسكم…
أنْصتنا باهتمام لحديث الأستاذ، وقد اقتنع كل الأطفال بما قال، وبذلك عرفنا أن القانون العادل حينما يوضع يجب أن يحترمه الجميع، ولا يتم تغيير بنوده إلا باتفاق الجميع…
غادَرَنا الأستاذُ بعدما اختار لنا من بين الأطفال حَكَمًا يُشْهَد له بالصّدق والأمانة والاطّلاع على قانون لعبة كرة القدم.
مصطفى لمودن
ملحوظة: إن أي إبداع كيفما كان مستواه، هو نتيجة جهد مضن من طرف منتجه، على الأقل يجب الحفاظ على حقوقه في نسب كل إبداع إلى صاحبه.
رجاء: أتمنى أن يشاركني هذا الركن الخاص بالطفولة رسام يوشح النصوص برسوماته، ويوقعها باسمه طبعا خدمة للطفولة.