الاثنين، 11 مايو 2009

الشباب و السياسة بالمغرب: عزوف أم تعصب؟


الشباب و السياسة بالمغرب:

عزوف أم تعصب؟
 



إنجاز: أمين جوطي

     تقديـــــــم:
       تطرح إشكالية " الشباب والعزوف عن السياسة" نفسها كإحدى القضايا الشائكة في المجتمع المغربي، فهذه الإشكالية التي استحالت أو قد تستحيل مشكلة، تستوجب تفكيرا سياسيا عميقا وأن تطرح بجدية بالغة ، وعلى نحو مستمر من لدن الباحثين الجامعيين والمفكرين على تنوع مشاربهم المعرفية والمنهجية ، لما لهذا الموضوع من حساسية بالغة، فعزوف الشباب المغربي الذي يمثل الشريحة العمرية الأوسع في الهرم السكاني عن مجال السياسات العامة ، سيؤدي إلى اتساع فضاء اللاتسيس مما يضعف درجة التعبئة والتوعية وحس المواطنة، الشيء الذي ينجم عنه ضعف مؤسسات الدولة ،  ويسم المجتمع بالشهامة والتضعضع.
إن اتساع فضاء اللاتسيس قد يخضع لعملية مد وجزر في كل المجتمعات، حسب الظرفيات السياسية والإقتصادية، وتتبين ملامحه من خلال عدد المنخرطين في المنظمات السياسية أو المساهمة في الحملات الإنتخابية أو القيام بواجب التصويت، هذه العناصر الثلاثة الأخيرة كمظاهر للممارسة السياسية الديموقراطية، عرفت بالمغرب تراجعا ملحوظا، وكانت أبرز سماته نسبة التصويت الضعيفة في الإنتخابات التشريعية لـ : 9  سبتنمر 2007.
       ويمكن القول  بأن نتائج هذه الإنتخابات والتي جاءت في مرحلة تاريخية حاسمة يمر بها المغرب ، جاءت لتظهر ملامح لخطر الطلاق الذي لا رجعة فيه بين الشباب والسياسة، ولتبين حجم النفور الكبير للمواطن المغربي من " السياسة وأخواتها ".
       وإذا كان العديد من متتبعي الشأن السياسي المغربي ، سواء كانوا مغاربة أو أجانب، يشهدون بأن شروط الممارسة السياسية الديموقراطية أصبحت أكثر توافرا: خفض سن التصويت إلى 18 سنة، اتساع مجال الحريات العامة، فسحة أكبر لحرية التعبير، مناخ يوفر أكثر فأكثر حظوظا متساوية لجميع الأطياف السياسية لتحمل مسؤوليات الشأن العام …. إلخ ، إلا أن نسبة التصويت الضعيفة تطرح على الفاعلين السياسيين، وعلى كل مهتم بشؤون الوطن أكثر من علامة استفهام عن أسباب النفور من عملية التصويت .
       فهل السبب لا يتعدى كون أنه جاء في سياق زمني يعانق كل من العطلة الصيفية ومرحلة الدخول المدرسي واقتراب حلول شهر رمضان ؟ أم ان الأمر الأكثر تعقيدا من ذلك ويستوجب طرح أسئلة أكثر عمقا وجرأة ؟ 
       أفلا يجدر بنا عوضا عن تطمين الذات بتقديم تبريرات وأجوبة سهلة، لحدث قد لا يكون عابرا، كالنفور الذي حصل في انتخابات 2007، أن نفتح باب القراءة لإحتمالات أخرى؟  فلماذا لا نقول بأن ما حصل وقد يكون له سوابقه ولواحقه، جاء يحمل مؤشرات تومض بنور غير خافت ينذر بخطر اتساع رقعة اللامبالاة السياسية للمواطنين بالمغرب ؟ وإن كان الأمر كذلك  فما هي الأسباب التي استبعدت المواطنين، وبخاصة منهم الشباب من ميدان المشاركة السياسية ؟ أليس من الممكن الحديث عن تكون اتجاه يتسم بتعصبه ضد السياسة ؟
لن أختار اتجاه تطمين الذات، وسأحاول طرح المسألة كظاهرة إجتماعية ذات طبيعة مركبة تتداخل  فيها السياسية مع الإقتصاد مع الثقافة ، وما لتفاعل المكونات السابقة من آثار نفسية وذهنية على الفرد وعلى الجماعة.
       فبما أن شهادات عديدة للأحزاب المغربية وللملاحظين الدوليين تؤكد على أن الإنتخابات السابقة هي الأنزه في تاريخ المغرب ، فإنه بإمكاننا اتخاذها مقياسا لحجم اللاتسيس بين المغاربة ، ومطلبا لإستقراء الأسباب الكامنة وراء ذلك بطريقة بانورامية وغير مغدقة في التفاصيل في آن معا.
       إن استقراء موضوعيا لهذه المسألة من شأنه أن يوضح الأمور، ويرفع اللبس الذي يلف واقع علاقة المواطن بالممارسة السياسية، كما من شأنه أن يظهر الجهات التي تتحمل مسؤولية هذا الإبتعاد عن الشأن العام، هل هي الدولة وحدها ؟ هل هي الأحزاب فقط ؟ وأي أحزاب ؟ هل تلك التي أطلق عليها إسم " الأحزاب الإدارية ؟ أم أن الأحزاب جميعها في خانة واحدة في نظر المواطن ؟ أو لا يتحمل المواطن بدوره جزءا من المسؤولية ؟ أم أن هناك عوائق اجتماعية تحول بينه وبين المشاركة السياسية ؟
       تلك أسئلة من بين أخرى نطرحها لكي يتحمل كل طرف عند الحاجة نصيبه من المسؤولية، وسأقدم تفسيري لإبتعاد المغاربة، والشباب منهم على وجه الخصوص من ساحة الشأن العام معتمدا عدة مداخل، هي :
الفصل الأول :   مدخل التنشئة الإجتماعية : واقع تاريخي وتكريس ذهنية .
الفصل الثاني :  المدخل الاقتصادي :  عوائق إجتماعية وآثار نفسية .
الفصل الثالث :   مصادر التعصب ضد السياسة .

الفصل الأول : مدخل التنشئة الاجتماعية: واقع تاريخي وتكريس ذهنية.
       رغم أن الدولة المغربية قامت بمجهودات جبارة لطي صفحة الماضي السياسي المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة  لحقوق الإنسان، والاعتقالات السياسية الناجمة عن صراعات حادة بين بعض القوى السياسية بالبلاد وبين المخزن، وكانت الدولة جريئة عندما قررت البحث في هذا الماضي لأجل المكاشفة والمصارحة وإنصاف المتضررين أو ذويهم مما لحقهم من تعسفات ومن تم المصالحة مع الماضي ، للاتجاه قدما لتكريس مفهوم جديد للسلطة، ورغم ما سبق ذلك من إصلاحات وتعديلات سياسية للوصول إلى إجماع وطني بين الدولة والأحزاب السياسية الديموقراطية والفاعلين الأساسيين في المجمتع المدني، بدأت بدستور 1996 وكللت بحكومة التناوب التي عرفت مشاركة أحزاب سياسية معارضة، وذلك سنة 1998 ، فإن عدد لا بأس به من المغاربة لم يستطع التخلص من فكرة أن السياسة مجال خطر، تلفه صراعات وتحركه المصالح الشخصية، طالقين العنان للتعميم.
زاد طين تصور المغربي  للسياسة بلة، ما ساد من فساد في تسيير شؤون الجماعات المحلية من لدن أفراد اشتطوا في استغلال السلطة ونهبوا المال العام، إضافة إلى الإنشقاقات الحزبية وتفريخ الأحزاب.
كل ما حدث وتفاصيله عديدة ومتشعبة، كان يؤثر بشكل كبير في المواطنين ليكون لدى المغاربة فكرة خاطئة عن السياسة بتقديمها بوصفها لوثة تفسد كل من يقترب منها، ومجالا للألاعيب والمؤامرات والأفخاخ ، وهو ما يتغلغل عبر التنشئة الاجتماعية في أوساط الأجيال اللاحقة. وهذا ما يوصلنا إلى طرق باب عوامل التنشئة الإجتماعية التي   تفسر الابتعاد عن المشاركة السياسية.

- التنشئــة الإجتماعيــــة:
       لكل مجتمع سماته التي تميزه من قيم ومعتقدات ومثل … تتعلق بالحياة في شتى جوانبها، والحياة السياسية كجزء هام منها، ونخص بالذكر القيم والرموز الخاصة بالنظام السياسي، وكيف يفترض أن يعمل، وحول ما قد تفعله الحكومة، وحول نظرة الشعب إلى السلطة والتزاماته إزاءها – والأمور السابقة تشكل ما نسميه بالثقافة السياسية – وهي تختلف بشكل ملحوظ من أمه إلى أخرى، وتكون جزءا مما نكون على وعي به أو على غير وعي.
تلكم السمات، وإن كانت قابلة للتغيير، فتغييرها يتسم بالبطئ. وهي تنتقل من جيل إلى جيل عبر احتكاك الأفراد خلال نموههم بمجموعة من المؤسسات الاجتماعية والسياسية،  حيث يكتسبون كثيرا من الأفكار والاتجاهات والقيم تمكنهم من لعب أدوار اجتماعية بالطريقة التي تتماشى مع المعايير المجتمعية.
       وأعتقد أن عملية التنشئة الاجتماعية بالمغرب لم تلعب دوارا إيجابيا في تكوين ناشئة تنظر إلى السياسة بعين الرضا، و لنبدأ بأهم مؤسسة اجتماعية وهي الأسرة .

أ‌-  الأســــــــــــــــــرة:
   ورثت الأسرة المغربية نظرتها للسياسة المختلجة بالريبة والخوف والشك لأبنائها، وأسقطت بذلك وبشكل غير واع الماضي على الحاضر . وهو أحد أسباب اضمحلال عدد المنخرطين بالأحزاب ، بل وسبب في نفور المواطن عن السياسة . هذا النفور كرسه وساهم في امتداده بشكل كبير ، الموجة الجديدة للصحافة .

ب- الإعـــــــــــــــــــلام:
   يدخل الإعلام في عصرنا الحالي كأحد أهم أقطاب التنشئة الاجتماعية، خاصة بعد الطفرة التكنولوجية المذهلة التي حدثت ولا زالت تحدث لتجعل من العالم قرية فعلا. حيث يمكن اعتبار الثورة المعلوماتية التي يقوم بها الإعلام عبر أرجاء المعمورة فصلا رئيسا من تاريخنا المعاصر.
   وقد سمحت هذه الثورة الإعلامية عبر جميع وسائطها الاتصالية من اتساع موجة الديموقراطية اختلفت سرعتها  و وظيفتها حسب كل مجتمع ، وذلك مع إقرار حرية التعبير وحرية النشر وإنشاء القنوات الفضائية.
   وإذا كان للإعلام دور هام في كل مجتمع فإنه لا ينجو بدوره من منزلقات قد يكون السبب من ورائها مصالح شخصية، والاستفاضة في موضوع الإعلام مسألة هامة، غير أنها لا تجد لها مقاما هنا إلا بقدر ما ترتبط بمجال التنشئة الاجتماعية السياسية ، وفي بلد كالمغرب.
اختار المغرب طريق الإنفتاح والسير قدما في مسار تجسيد الديموقراطية ، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في السنوات الأخيرة ، إذ اتسعت فسحة الحريات العامة وعلى رأسها حرية التعبير ، ويقدم لنا عدد الجرائد المتعددة الأطياف والاتجاهات دليلا على ذلك ، كما يقدم تحرير المجال السمعي البصري حجة أخرى دامغة على أن المغرب عازم كل العزم على إتمام جميع أوراشه الديموقراطية.
إلا أن فتح مجال الحرية لكل أطياف المجتمع كي تعبر عن آرائها  لم يسلم من منزلقات، حيث ظهرت مجموعة من الجرائد سمت نفسها مستقلة، واستغلت دمقرطة الفضاء الإعلامي لخدمة مصالحها الذاتية، وذلك عن طريق خلق مواضيع للإثارة لا هدف لها إلا الربح التجاري. متناسية دورها الحقيقي المتجلي تنمية الإدراك والوعي السياسي لدى الأفراد، وزرع حس المواطنة، وتجنيد المواطنين للمشاركة السياسية، وتقديم اقتراحات وبدائل مبنية على الموضوعية والعقلانية. غير أنها وللأسف ساهمت بشكل كبير في رسم صورة بشعة للسياسة وأهلها، فانهالت بازدراءاتها لكل مبادرة ، وتحقيرها لكل مجهود.
إن ما سبق حرك في الأفراد ما يسميه علماء النفس بالمجال العدواني للإنسان، إذ يتم تغييب التحليل المنطقي مقابل إعلاء اللاجدوى والنظرة العدمية والظلامية ، وهو ما يدفع إلى تكوين اتجاهات تعصبية ضد السياسة وأخواتها.
إن الدور السيئ الذي تقوم به بعض الصحف يشوه معنى الأشياء، وإذا كنا كتقدميين ديموقراطيين قد تضررنا فيما مضى بما سميناه بالصحافة الصفراء، فاننا اليوم كتقدميين ديمواقراطيين نعاني بما يمكن أن نطلق عليه : الصحافة السوداء ، التي يمتد تأثيرها السلبي في التنشئة الاجتماعية مع عامل آخر يسهم في عملية التطبيع الاجتماعي ، وهو ما يسمى القابلية  للاستهواء .

ج- القابليــة للاستهـــواء:
   ويقصد بها سرعة تصديق الفرد وتقبله للآراء والأفكار دون نقد أو مناقشة أو تمحيص، خاصة إذا كانت صادرة من منبر إعلامي، أو من شخصية معروفة، وتأخذ مصداقيتها من خلال التداول بين الأفراد.
   وهكذا فالجماعة تتشرب دون قصد أو نقد أو تحليل، العديد من الاتجاهات والآراء عن طريق القابلية للإستهواء، والتي تزيد حدة تأثيرها في المجتمعات كلما كان مستوى الوعي ناقصا ونسبة الأمية مرتفعة.
وتسهم القابلية للإستهواء من خلال التفاعل الاجتماعي لأعضاء المجتمع في تكوين نواتج اجتماعية، من ضمنها بعض الأفكار النمطية اتجاه الجماعات والموضوعات ، وللأسف ، يبدو أن السياسة كفن نبيل هدفه تحقيق مصلحة المجمتع وتسيير أموره العامة تحقيقا للخير العام ، قد تعرضت، وتتعرض في بلادنا إلى تنميط صورتها من خلال العوامل السابقة لتصبح في لا وعي الكثير فضاء لصراع المصالح الذاتوية وللوعود التي يتبعها جحود،  وللضحك على أذقان المواطنين . كما أن تنميط الصورة ذاك وضع عند البعض جميع الساسة والأطياف السياسة التي ينتمون إليها في خندق واحد…

الفصل الثاني: المدخل السوسيو ثقافي:

عوائق اجتماعية وآثار نفسية 
لا شك في أن السنوات الأخيرة التي يمر بها عالمنا المعاصر، وخاصة بعد سقوط جدار برلين أتت وهي تتدفق  بسرعة، حاملة معها تغييرات ضخمة وغير عادية، لتداهمنا بزخم من الأحداث خرافية السرعة، متعددة الاتجاهات، صعبة الاستيعاب، لتبقى الأحداث بذلك متقدمة زمنيا على تفكيرنا وتفسيراتنا.
ورغم أن التغييرات المتلاحقة خلفت تقدما على مستوى الصناعة أدى إلى نمو الاستهلاك، وازدهار في الشغل، وتعدد في مجالاته، إلا أن المكننة وتطور التكنولوجيا أديا إلى الاستغناء أو التقليل من الاعتماد على اليد العاملة، مما ساهم في تفاقم درجة البطالة، وكرس ظاهرة الفقر كما أدى النظام الرأسمالي بشكله المتوحش إلى تكدس الثروة في يد فئة قليلة داخل كل مجتمع، (بل وبين الدول الغنية والدول الفقيرة).
ويشهد علماء الاجتماع بأن الفقر والبطالة، إضافة إلى الأمية وسوء الأحوال الصحية، وانعدام شروط السكن اللائق هي عوائق اجتماعية تؤدي إلى استبعاد الأفراد الذين تحيق بهم من المشاركة في الحياة العامة، فكيف إذا ما اجتمعت كل هذه العوائق الاجتماعية وبشكل كبير في بلد يواجه تحديات جسيمة كالمغرب؟
يعيش عدد كبير من المغاربة تحت عتبة الفقر، مما يجعلهم يفتقدون لشروط العيش الكريم، يعانون حرمانا ماديا  يتجلى في عدم قدرتهم تحصيل متطلبات معيشتهم اليومية من غذاء وكساء وسكن لائق، مما يجعلهم يدورون في دوامة من القلق وانعدام الاطمئنان النفسي، وعدم الإحساس بالأمن الاجتماعي، الشيء الذي يؤثر على صحتهم الجسدية والنفسية، وكذا على سلوكهم وتفكيرهم، حيث أن الإحساس بالحرمان يرفع الإحساس بالقلق والتوتر النفسي، ويدفع إلا الاكتئاب والإحباط واليأس، فيتجه الفقراء بالتالي إلى الابتعاد عن المجتمع وقضاياه العامة.
يمكن إذن اعتبار الفقر نذيرا مبكرا للاستبعاد الاجتماعي، فالعلاقة الديالكتية بينه وبين العوائق الاجتماعية الأخرى جلية جدا، فالفقر لا يعطي للفرد إمكانية الاستفادة من سكن لائق، وعدم توفر هذا الأخير يسبب مشاكل صحية، كما يؤثر على الأسرة بحيث تعاني من مشاكل عائلية متعددة، مما يؤثر بدوره على التحصيل الدراسي، وبالتالي فالأفراد الذين يعيشون في كنف ظروف صعبة إما تتوقف مسيرتهم الدراسية مبكرا، أو يتخرجون من الدراسة بمستويات منخفضة، وهو ما يجعلهم عرضة للبطالة أو للعمل المنخفض الأجر، مما يعني تكريسا لحالة الفقر وتوسيعا لقاعدته، وبالتالي المزيد من الابتعاد عن المشاركة الفاعلة داخل المجتمع،  بل سيخلق في نفسية الأفراد إحساسا بالنقمة الاجتماعية.
ولا يمكن أن يفوتنا القول بأن الدولة المغربية بذلت في السنوات الأخيرة مجهودات كبيرة للحد من العوائق الاجتماعية التي سبق ذكرها، إلا أن الوضع الاجتماعي لا زال في حاجة إلى المزيد من الجهد والسرعة، للقضاء على آفة الأمية، وتكييف التعليم مع سوق الشغل، مع تطبيق عادل لمفهوم المساواة في كليهما –أي التعليم والشغل- على حد سواء، وكذا لتوفير الخدمات الطبية والعلاجية بتكلفة معقولة، وأن تنتشر مراكز الخدمات العلاجية بشكل متكافئ في كافة مناطق المملكة… إلى غير ذلك من سياسات اجتماعية فعالة، وذلك لأجل خلق مجتمع متوازن وسوي، قادر على التواصل الخلاق بين أفراده وجماعاته، منخرط في صلب الشؤون السياسية العامة.
ذلك أن اتحاد عامل التنشئة الاجتماعية الذي تمت الإشارة إليه في الفصل الأول، مع مجموعة العوائق الاجتماعية التي وردت في هذا الفصل، من شأنها أن تخلف آثارا نفسية حادة، هذه الأخيرة تفرز لنا بدورها أنواعا من السلوكات التعصبية في مجتمعنا، لعل "التعصب ضد السياسة" هو أحد هذه الاتجاهات التعصبية التي ربما بدأت تتجسد في بلادنا.
وسأحاول أن أوضح ارتباط ما سبق بنشوء السلوك التعصبي، معتمدا على نظريات علم النفس الاجتماعي المستندة إلى بحوث تجريبية.


الفصل الثالث: مصدر التعصب ضد السياسة
يمكن تعريف التعصب على أنه مرض اجتماعي يولد  الكراهية والعداوة في العلاقات الاجتماعية والشخصية، حيث يمد التعصب صاحبه بأسباب وهمية تفوت عليه فرصة حل إشكالاته ومشاكله بطريقة واقعية.
وقد عرفت البشرية عبر التاريخ بروز صور للتعصب، مما شكل أساسا لحلقات من الصراع كانت مصدرا لتعاسة البشر، وحاجزا للتفاهم بينهم، فالتعصب ونظرا لما يخلقه من صعوبات نفسية واجتماعية، فإنه يعوق النمو النفسي للأفراد ويدفعهم إلى الاضطراب، وهو ما دفع غالبية علماء  النفس الاجتماعي  إلى الاتفاق على أن: "صاحب الشخصية التعصبية هو نفسه صاحب الشخصية المضطربة".
ونادرا ما نجد سببا مسؤولا عن التعصب بمفرده، فهو يرجع لعوامل متشابكة ومتداخلة، لهذا  فمن المهم تبني رؤية شمولية تأخذ في اعتبارها جميع النظريات المفسرة للتعصب.
ينظر إلى التعصب بشكل عام على أنه اتجاه سلبي غير منطقي تجاه جماعة أو اتجاه أعضاء هذه الجماعة، ومن مكوناته بالإضافة إلى التفكير غير المنطقي الجمود، والتعميم المفرط، والظلم، وسيادة الأفكار النمطية، هذه الأخيرة التي تعتبر تطبيقا أتوماتيكيا للتعصب تجاه أعضاء الجماعة التي  تخصها هذه الأفكار النمطية. ومن وظائف التعصب أن المتعصب يجعل له "احتياطيا اجتماعيا" يتمثل في المتعصب ضده، ينسب إليه كل المفاسد ويحمله مسؤولية كل المصائب.
وأعتقد أن ما يفسر ابتعاد المواطنين عامة، والشباب خاصة عن مجال الممارسة السياسية بالمغرب، هو تعصبهم  ضد السياسة، ما يبرهن ذلك ليس هو نسبة العزوف عن التصويت في الانتخابات التشريعية الأخيرة (2007) فقط، بل أيضا الابتعاد الكبير عن جميع أشكال المشاركة السياسية.
وإذا ما أسقطنا تعريف التعصب ونظرياته على الواقع المغربي فإن الخلاصة ربما تقربنا من أن العديد من المغاربة متعصبون ضد السياسة.
ولنبدأ أولا بالتعريف، مقارنين إياه بواقع الحال، جاء في التعريف أن التعصب:
- اتجاه سلبي  غير منطقي اتجاه جماعة أو أعضاء هذه الجماعة؛ ولعل الامتناع عن التصويت الانتخابي، وعدم الانخراط اليومي في الفعل السياسي يشكل موقفا سلبيا، من السياسة وجماعة السياسيين، وهو الأمر الحاصل في المغرب، حيث نسبة الانخراط تبدو ضعيفة جدا بالأحزاب السياسية.
- يتسم بالتعميم المفرط والظلم؛ وهو ما يفسر أن النفور يشمل جل الأحزاب السياسية وأعضاء الجماعات السياسية، دون فرق بين هذا وذاك، بدون قراءة لتاريخ الأحزاب ونضالاتها، دون قراءة للواقع وممكناته… وهو ما يؤدي إلى ظلم البعض على حساب البعض الآخر، كما أن التعميم  المفرط يتجلى في عدم التفاعل والتجاوب من قبل المواطنين مع أي مبادرة تقدمها أية جماعة سياسية بالشكل الذي يجعلها فعالة ومنتجة لثمار إيجابية داخل المجتمع.
- يطبق ويمارس عن طريق أفكار نمطية، وهذه الأفكار النمطية هي صورة عقلية مفرطة في التبسيط تتكون عن بعض فئات من الأشخاص أو المؤسسات أو الأحداث التي يشارك في ملامحها الأساسية عدد كبير من الناس.
فأمام تعقد الأحداث على الساحة العالمية وتأثيراتها على الساحة الوطنية، يلجأ الأفراد إلى التبسيط المفرط، حيث يضعون السياسة وأهلها في "قفص الاتهام"، ليسقطوا عليها كل المشاكل الاجتماعية والفردية التي تواجههم. هذا الإسقاط هو أحد الحيل الدفاعية التي أشار إليها رائد مدرسة التحليل النفسي "سيجموند فرويد"، والإسقاط هو حيلة لا شعورية تتلخص في أن ينسب الفرد عيوبه ومناقصه إلى غيره من الناس أو الأشياء أو الأقدار، تنزيها لنفسه وتخفيفا لما يشعر به من قلق أو نقص. ويتسم هذا النوع من الحيل الدفاعية بطابع الهجوم والاعتداء والقذف.
لكن كيف يتكون التعصب لدى الأفراد حسب نظريات علم النفس الاجتماعي؟
بصفة عامة، يمكن حصر مسألة تكون التعصب في عاملين إثنين:
أولا: التنشئة الاجتماعية:
إذ ترى بعض المدارس بأن التعصب بوصفه اتجاها سلبيا يتكون لدى الفرد من محصلة تجارب وخبرات وتفاعلات اجتماعية تزوده بها عملية التنشئة الاجتماعية، فمن البديهي أن الأطفال لا يولدون ولديهم كراهية لأفراد ينتمون إلى جماعات معينة، لكنهم يكتسبونها من آبائهم وأمهاتهم خلال عمليات التعلم الرئيسية التي يمرون بها. وهو الأمر الذي رأينا في الفصل الأول كيف أن العديد من الأسر المغربية قامت به، إذ كرست لدى الناشئة تخوفا وكرها للسياسة.
كان إلى جانب الأسرة في تكريس هذا الاتجاه التعصبي، العديد من الجرائد التي وجدت في انفتاح المغرب على الديموقراطية بشتى أشكالها مبتغاها، لتسخر أقلامها لا لتملأ الصحف مدادا أسودا، بل لتملأها فكرا أسودا، ضاربة بقدر ما تستطيع كل الرموز السياسية دون تمييز، منتقدة بشكل هدام كل مبادرة يكون مصدرها من أي طيف سياسي، لتكسر كل جسور الثقة بين المواطن والسياسة. وهي تقوم بذلك متاجرة بألم المغاربة، لا لشيء سوى لخدمة مصالحها ومصالح من يرعاها.
إن ما سبق يؤدي حسب كثير من علماء النفس الاجتماعي إلى خلق قيم مشتركة تؤدي إلى تقوية التعصب، الذي سيتفاقم من خلال عملية الاستهواء الاجتماعي، فعندما يكون هناك تشجيع ثقافي واجتماعي للتعصب، سيصر كثير  من الأفراد على اتخاذ الموقف المتعصب سلوكا لهم، كي يجاروا الآخرين.
ثانيا: العوائق الاجتماعية:
جاء في الفصل الثاني أن العوائق الاجتماعية كالفقر والأمية وانعدام السكن اللائق وانتشار البطالة، تؤدي إلى القلق والشعور بعدم الأمان والتوتر وعدم الاستقرار الوجداني لدى من يواجهون تلك المشاكل، وهو ما يوصلهم إلى مستوى عال من الإحساس بالإحباط، الشيء الذي يدفعهم إلى البحث عن كبش فداء ليحملوه مسؤولية ما يعانوه من مشاكل، وهو الأمر الذي تتميز به الشخصية التعصبية.
وتفسر نظرية الصراع الواقعي التعصب على أنه ناجم على المنافسة على المصادر النادرة، خاصة المصادر الاقتصادية وعدم العدالة في توزيع هذه المصادر. أما نظرية الحرمان النسبي فإنها ترى أن المشاعر الوجدانية للواقع والحياة المليئين بالحرمان تكون مصدرا للعداء الاجتماعي وللتعصب.  وأيا ما كان الانحطاط أو الضعف الاجتماعي فرديا يميل الفرد الذي ينتمي إلى طبقة اجتماعية ضعيفة على تكوين تعصبات ضد الجماعات التي ينسب إليها المسؤولية عن انحطاطه أو ضعفه.
وانطلاقا من ملاحظات عديدة فإن عددا مهما من المواطنين المغاربة اختاروا الأحزاب السياسية كي ينسبوا إليها جميع ما يعانوه من مشاكل، ناظرين إلى الأعضاء المنضوين ضمن تلك الأحزاب والذين تمكنوا من تبوء مناصب معينة بعين النقمة الاجتماعية، ليصنفوهم جميعا ودون تمييز ضمن خانة الوصوليين.
و هكذا سيقف التعصب ضد السياسة حاجزا كبيرا أمام أبواب الممارسة الواسعة و الفاعلة في ميدان الشؤون العامة، و ستضمحل نسبة المشاركة في كل ما له علاقة بالسياسة ، الامر الذي لن يؤدي إلى حل المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية و غيرها ، فعلى العكس من ذلك سيدفع على المزيد من التشاحن و الصراع داخل المجتمع ، سيكسر الثقة و يؤدي الى التباعد الاجتماعي، فيصبح المجتمع هشا. وهو ما يعبر عنه "ابن خلدون" عندما يقول : }عندما تضعف الأواصر الاجتماعية تقط المدينة{.
و بالتالي فإنه يبقى لزاما علينا مقاومة هذا التعصب و علاجه ،و ذلك اعتمادا على بعض الاساليب و منها :
1. الاتصال المباشر بين الجماعات و الافراد: يرى كثير من علماء النفس أن الاتصال المباشر بين الافرا د و الجماعات من الوسائل الهامة لخفض التعصب، بحيث ان دراسات عديدة أثبتث أنه كلما زادت معرفة الفرد بالحقائق و المعلومات عن الجماعات التي يتعصب ضدها قل التعصب، و تزيد فعالية مواجهة  التعصب إذا ما اتسم التصال مع المتعصبين بالتعاون والاعتماد المتبادل من أجل تحقيق أهداف مشتركة ، و أيضا إذا ما  تم  الاتصال معهم بشكل غير رسمي ، فالتعارف الذي يحدث بشك تلقائي بين الأفراد عنصر أساسي في الانصال.
2. البرامج التربوية : إذا كانت الأفكار النمطية و المعتقدات الخاطئة التي تمثل جوهر التعصب ، قائمة على الخطأ وتشويه للمعرفة، فإن التعرف على الوقائع ربما يساعد في عملية تغيير التعصب ، على الاقل لدى المستويات التعليمية المرتفعة.
3. التزود بالمعلومات عن مصادر الافكار النمطية: وهو ما قد يشكل أنجع الطرق بحيث يتم تعليم الناس أن يكونوا أكثر وعيا للخصائص الإيجابية عند تعاملهم مع الآخرين، بدلا من التركيز على الجوانب السلبية، كما يتم تعليمهم أن تبني موقف الاكتراث بالأمور والوقائع قد يعطي ثمارا أفضل من تلك التي يظنون أنهم سيجدونها من تبني موقف اللامبالاة.
و إذا كانت الأساليب السابقة تعتبر من الخطط العملية للاستراتيجيات الطويلة و المتوسطة المدى، فما هي نقطة الانطلاق التي يمكن البدء منها لمقاومة التعصب وبناء مناخ الثقة و التعامل المتبادل؟
إن ما سبق سرده في هذه الصفحات، يحدد لنا بعض معالم البيئةالسياسية و الاجتماعية التي نعمل فيها ، و التي تبين مدى التحديات الجسام التي تواجه العمل السياسي بالمغرب ، تنضاف إلى تلكم التحديات عوامل أخرى تقف حائلا  دون توسيع مجال المشاركة السياسية ، و لايسع المقام هنا لذكرها كاملة و التطرق إليها بشيء من التحليل، كالغزو الاعلامي الغربي ذو الثقافة الاستهلاكية، وانتشار موجات التطرف والتشدد الديني……إلخ.
إن معرفة البيئة التي نعمل فيها سيدفعنا إلى طرح السؤال التالي: "  مع من سنعمل في المرحلة الأولى؟"


الأحد، 10 مايو 2009

الجمعية المغربية لحقوق الانسان في عرض بسلا


الجمعية المغربية لحقوق الانسان في عرض بسلا
سميرة كناني تعرض للمبررات الواهية وراء طرد العمال والمكتب المحلي بسلا يسطر برنامجا نضاليا تضامنيا معهم  
   سلا: عبد الإله عسول
في إطار حملته التضامنية مع العاملات والعمال ضحايا الطرد التعسفي والتسريح والاغلاق وعدم تنفيذ الاحكام القضائية، نظم فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسلا (ج-م-ح-ا) بسلا يوم الجمعة 9ماي 2009، ندوة في موضوع "حقوق الانسان وحقوق العمال"، أطرتها الناشطة الحقوقية سميرة كناني عضو المكتب المركزي للجمعية الحقوقية المذكورة، وقد قامت بتفنيد اطروحات الباطرونا والراسمالية المتوحشة، التي تربط بين الازمة العالمية ومبررات طرد وتسريح العمال والعاملات، وهو ما يتأتى لها عبر ما تضمنه مدونة الشغل من فصول تتعلق "بمرونة الشغل"…

                                                                                سميرة كناني
من جهة أخرى ، تطرقت مداخلة كناني إلى الحرب الشرسة التي تتعرض لها الحريات النقابية خصوصا بالقطاع الخاص(مثل اللجوء للفصل 288 لتجريم العمل النقابي ومحاكمة النقابيين وطردهم من العمال …)، بالإضافة لما يستهدف القطاع العام من مشاريع تتغيى خوصصته واخضاع التوظيف الى آلية "العقدة المحدودة المدة "..
وأكدت في الأخير، على ضرورة النضال من أجل مواجهة الهجوم على مكتسبات الطبقة العاملة، وهو ما لن يتاتى الا باعادة الاعتبار للعمل النقابي ووحدة نضاله..
مداخلة سميرة كناني شكلت أرضية لنقاش غني، استعرض فيه مناضلو الجمعية والحضور الواقع المرير للطبقة العاملة بالمدينة حيث  تعاني من مسلسل فظيع للتسريح ومحاربة العمل النقابي وعدم تنفيذ الاحكام القضائية لصالح العمال والعاملات، وهو ما سيشكل موضوع "ندوة صحفية "، يعتزم الفرع تنظينها في إطار حملته التضامنية الحالية..

الخميس، 7 مايو 2009

سـلا: الشغيلة تخلد فاتح ماي2009


سـلا      الشغيلة تخلد فاتح ماي2009
استنكار التضييق على العمل النقابي وعدم احترام مدونة الشغل، والمطالبة بالزيادة في الأجور..
الاتحاد المحلي ل-كدش- يدين بشدة خرجات المدعو شباط وتطاوله على الرمز العالمي الشهيد المهدي بنبركة..
سلا: عبد الإله عسول 

بالكاد، احتفلت مركزيتان نقابيتان (واحدة منهما لها تمثيلية وهي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل -كدش) والثانية لها امتداد في قطاع سيارات الاجرة الكبيرة، المنظمة الديمقراطية للشغالين المتحدين… فيما التحق منخرطو النقابات الأخرى بالرباط العاصمة لحضور تظاهراتها (مثل الفدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد المغربي للشغل، المنظمة الديمقراطية للشغل، الاتحاد الوطني للشغل…)
 تظاهرة الاتحاد المحلي لكدش بسلا، والتي تابعنا أطوارها، انطلقت من المنصة التي تم نصبها بباب الخميس والتي شهدت تلاوة كلمة الاتحاد المحلي بالمناسبة، وقفت على الحالة المزرية التي تعيشها الطبقة العاملة بالمدينة سواء بالقطاع العام أو الخاص:
حيث التضييق على حرية  العمل النقابي (حالات شركة fruit of the loom، تعاونية الحليب كوباك، نيابة التعليم، الشبيبة والرياضة، مودليك..)

الكلمة التي كانت تتخللها شعارات قومية ومطلبية، تطرقت لعدد من النقط منها الوطني؛ الدفاع عن وحدة التراب الوطني وشجب التحرشات الاستعمارية للجارة الجزائر، العزوف الانتخابي وعدم ثقة الناخب(ة) بسبب دخول لوبيات جديدة هجينة، البرنامج الاستعجالي لقطاع التعليم والذي صاغه مكتب دراسات بخلفية مقاولاتية بعيدا عن اشراك الممارسين وممثليهم والحوار الاجتماعي الذي لم يستجب لمطالب الشغيلة …
كما تم التطرق الى قضايا محلية، لامست حال المدينة والمستوى الهش لتدبير شؤونها في العديد من القطاعات مثل التعليم، الصحة، صيانة الطرقات، ارتفاع الإجرام، البطالة والمضاربة العقارية …
من جهة أخرى، انتظم المشاركون في مسيرة، جابت أحد شوارع المدينة إلى قرب نيابة التعليم مرورا بعمالة سلا … (انظر الصور )
 
              منصة ك.د.ش
                                      مناضلة تطالب بغد أفضل
 أعضاء نقابيون من "كوباك" وقد تعرض بعضهم للطرد
                      مسيرة الشغالين المتحدين بسلا
التطاهرة الثانية، نظمتها "المنظمة الديمقراطية للشغالين المتحدين "بدأت بمهرجان خطابي أمام بريد تابريكت، وتلتها مسيرة تتقدمها "عشرات من سيارات الأجرة الكبيرة "، مرت من نفس مسار مسيرة الكدش…
للاشارة،عرفت  المسيرتان انزالا امنيا مكثفا، ومتابعة مصورة من مختلف الزوايا دون تسجيل أي حادث أو تصادم… 
—————

الأربعاء، 6 مايو 2009

الطفل والمدينة



الطفل والمدينة
  أمين جوطي (*)

كان التاويون يحكمون آسيا في القرن الثاني قبل الميلاد، ولأنهم مارسوا فن الحكم، فقد وضعوا بين يدي البشرية تراثا مهما من الحكم السياسية، تقول إحداها: "إذا وضعتم قردا في قفص فإنه سيتحول إلى خنزير، السبب لا يكمن في عدم ذكائه وحذاقته، بل في انعدام الفضاء الذي يسمح له بإعمال قدراته بسرعة".

تعكس هذه القولة بجلاء العلاقة بين الكائن من جهة، والحيز المكاني والإمكانيات المتاحة له من جهة ثانية، وهذه العلاقة بالذات هي سبب استشهادي، غير أني أود تغيير طرفي العلاقة، لأضع الطفل كطرف أول، والمدينة كطرف ثان، فإذا ما ربينا طفلا في "مدينة" تنعدم فيها الفضاءات والمرافق التي تسمح له بتفجير ما يمكن فيه من طاقات وقدرات، فإننا نكون مارسنا عليه حيفا شدايد، يتمثل في إفقار شخصيته وسلبه الظروف المواتية لإغنائها، بمعنى أننا نحرمه من تحقيق أحلامه، ذلك أنه لا يمكننا أن نحلم بشيء خارج المدينة.
نعم لا يمكن لفرد أن يحقق أحلامه خارج المدينة، وإذا اتفقنا مع كبار علماء النفس بأن السنوات الأولى من عمر الطفل هي الأكثر تأثيرا في تكوين شخصيته، فإننا سنستطيع القول بأن الكثير من أحلام الطفل تنبثق وتتشكل مما تمنحه المدينة له في تلك المرحلة العمرية. 
وإذا كان سر الحياة الخطير يكمن في القدرة على الاستمرار، فإن سر الاستمرار الخطير يكمن بالدرجة الأولى في الطفل، لذا فإنه إذا ما أردنا أن ننظر إلى المستقبل وننظر له، فمن الأجدى أن نضع مخططات لمدينة تتيح للأطفال عبر مراحل نموهم إمكانية تحقيق أحلامهم، والحلم هنا ليس ضربا من الرومانسية بل قوة لصيرورتنا، ولصورتنا التي نريد أن نكونها في المستقبل.
يولد الطفل في مدينة تشكل مسرحا جاهزا، تعطيه مجالا للحركة تحددها أو تحد منها، تمنحه انتماء أو ترمي به إلى الهامش ليعاني من الإقصاء، تولد فيه حسا اجتماعيا وتوفر له أمنا اجتماعيا أو ترمي به في بؤرة الاغتراب… هكذا تستطيع المدينة كمسرح حافل بالأحداث تشكيل ذاكرة الأفراد وصياغة وجدانهم، فتسيطر بالتالي على طريقة تفكيرهم، ومن هنا ينبثق سؤال عريض هو: كيف سيتسنى لتفكير الطفل أن يزدهر ولشخصيته أن تنمو دخل مدينة ترسف أي أغلال الجهل والحرمان الاجتماعي، يتهددها الفقر، يسمها الركود الاقتصادي، وتنعدم فيها الفضاءات الأساسية للعمل التربوي والثقافي والرياضي ؟
يضعنا السؤال السابق في مواجهة سؤال جدلي هام: هل الإنسان هو الذي يصنع المدينة أم أن هذه الأخيرة هي التي تصنع الإنسان؟ 
إن التفاعل والتأثير المتبادلين بين الاثنين أمر بديهي، غير أن صاحب الإرادة هو من يتحمل المسؤولية، مهما كانت حدود تلك الإرادة، والمسؤولية ترتبط حين الحديث عن "المدينة" أي عن الشأن العام، بطرفين أساسيتين: المثقف والسياسي، فهما مطالبان في مشاريعهما وخططهما ونظرياتهما… بوضع الإنسان كهدف ووسيلة في آن معا، لأجله توظف كل الإمكانات، وبه تتحقق كل السياسات والخطط التنموية.
وإذا كان غد المدينة، بل وغد الوطن، مرتبطا بغد الطفل فإن دخول هذا الغد من باب مشرق يجد مفتاحه في سياسة عمرانية حداثية، رشيدة وشاملة، موسومة بطابع إنساني لأن أيا من شروط العيش الإنساني الجوهرية بالنسبة للطفل ستندثر في غياب سياسة عمرانية، فحتى أمام ما تنص عليه اتفاقية حقوق الطفل، من حق كل طفل في تكوين الجمعيات والاجتماع السلمي (المادة 15)، وفي مستوى عيش ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي (المادة 27)، وفي الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه، والمشاركة الحرة في الحياة الثقافية (المادة 31)، فإن أيا من تلكم الحقوق لن تحترم في غياب تخطيط عمراني.
إن تشكل العمران وهندسة المكان يؤثران بشدة في تشكيل الفعل اليومي للأفراد، ويفرضان عليهم إيقاعا معينا يصبح مع توالي الأيام، وبفعل التكرار الإجباري، منبعا لسلطة العادة، التي تهبنا إحساسا وهميا بالألفة، قد يؤدي مع مرور الوقت إلى تلبد في الذهن والوجدان معا. كما تؤدي رداءة المنظر العام لوجهات المباني والشوارع والحدائق… إلى تأثيرات سلبية على نفسية الأفراد، قد تسم شخصياتهم بصفات سلبية: كاللامبالاة والقلق والتوترات النفسية الحادة…
والحل يمكن في رؤية عقلانية نقدية، تبنى على ضوء معرفة مستنيرة تخلخل حالة الاستسلام لهيمنة العادة، وتمنح الذات إمكانية للتفوق الدائم على الذات، من خلال الآلية الجدلية المستمرة للعلاقة الوجودية للذات مع محيطها وبيئتها، اعتمادا على سياسة عمرانية ذكية، ذات تطلعات مستقبلية، تراعي معايير الجودة والجمالية، ولا تغفل شروط الحداثة وحركيتها الدائمة، وذلك لنفسح للطفل مساحات أرحب للفعل والحركة والنمو السليم، في بيئة تفتح أمامه إمكانيات أكثر للاندماج الفعال، وفرصا للخلق والابتكار.
————————–

(*) أمين الجوطي، ناشط سياسي وجمعوي، ابن سيدي سليمان، وقد افتقدته المدينة بحكم عمله الجديد، نتمنى له التوفيق.
وتجدر  الإشارة أن أمين الجوطي صدر له كتاب "مغتربون في مغرب واحد" عن دار النشر المغربية، من تقديم ذ. إسماعيل العلوي. 



      غلاف الكتاب
يدور موضوع  الكتاب - حسب تعريف توصلت به المدونة- حول "مسألة التواصل، بحيث يحاول إلقاء الضوء على الأسباب الرئيسة لأزمة التواصل داخل مجتمعنا المغربي.
وتتطرق فصول الكتاب إلى ذلك في إطار النقد الايجابي الموضوعي، البعيد عن الهجومية و الإطلاقية في المواقف.
يتناول القسم الأول من الكتاب الأسس المهمة لتكوين الشخصية التواصلية، و المهارات التي تساعد على تواصل إنساني عميق.
في حين يتناول القسم الثاني المؤسسات المنوط بها مسؤولية التربية على التواصل: الأسرة، المدرسة، الدولة…
و ذلك من أجل بناء علاقات سليمة، نصل بواسطتها إلى مجتمع منتج، مجتمع أكثر نضجا و سموا في تواصله، ذلك أن التواصل هو مفتاح الحياة الاجتماعية المشتركة."

الاثنين، 4 مايو 2009

"اطاك" تنظم عرضا بسيدي سليمان الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها على الاقتصاد المغربي


"اطاك" تنظم عرضا بسيدي سليمان
الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها على الاقتصاد المغربي 
تمحور العرض الذي تقدم به ميمون الرحماني حول تحليل أسس ومسببات الأزمة المالية العالمية، وتأثيراتها السلبية على المغرب، والإجراءات المتخذة من قبل الحكومة، وفي النهاية بعض الحلول لمواجهة العولمةالليبرالية…
في مستهل عرضه اعتبر ميمون الرحماني عضو السكرتارية "لأطاك" أن الأزمة عامة وشاملة ومن الخطأ الاعتقاد أنها مالية أو تهم الأبناك والبورصات تحديدا، ولكنها مست الاقتصاد في جميع جوانبه، وهي تأتي في سياق أزمة النظام الرأسمالي… وتشبه الانهيار الكبير الذي وقع ما بين 1870 و 1896، وكذلك ما حدث بعد 1929، واستمر ما يقارب عشرين سنة… 
     ميمون الرحماني
 قصد فهم ما وقع:
     لفهم الأسباب الكامنة وراء الأزمة الحالية لابد من الرجوع إلى الظرفية التي ميزت الاقتصاد العالمي منذ 2004 إلى 2008، فقد تميزت هذه المرحلة بالارتفاع المهول في أثمنة المواد الأولية بصفة عامة كالبترول، وهو ما أدى إلى ارتفاع الاحتياطات من العملة الصعبة لدى الدول النامية، فقد أصبح هذا الاحتياط 4600 مليار دولار لدى 166 دولة، بينما كان ثلث هذا الرقم لدى الدول المتقدمة. 

    ميمون الرحماني إبراهيم المحمدي عبد السلام العبيسي
   وهو ما دفع إلى شراء سندات الخزينة من الولايات المتحدة الأمريكية بلغت قيمتها 700 مليار دولار، وسعت الدول المصدرة للبترول إلى شراء الشركات المفلسة، ودول أخرى قامت بسداد ديونها الخارجية قبل الآجال المحددة، وسعت أخرى إلى اقتناء الأسلحة بكيات كبيرة… ولم تستعمل هذه الاحتياطات في الاستجابة لحاجيات المواطنين، رغم ظهور بعض المحاولات لذلك كما وقع في أمريكا الجنوبية لما سعت بعض الدول إلى تأسيس "بنك الجنوب"، لكن المشروع لقي صعوبات.
   في نفس الفترة ظهرت دول كبيرة كالصين ولكنها تعمل في إطار الاقتصاد المعولم، ودول أخرى سلكت خيارات لخدمة المواطنين وتأميم بعض الشركات كما وقع في بوليفيا…
الأسباب البنيوية للأزمة العالمية: 
  عرف العالم فائضا في الإنتاج لكن بالمقابل نقصا في الاستهلاك، وهناك دول التجأت إلى الاستدانة، ونفس الشيء بالنسبة للأفراد وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعرف بكثرة الاستهلاك والتبذير عن طريق المديونية.
    وغزت المضاربات الأسواق العالمية، وقد عرفت سيولة قدرت بأكثر من 200 مليار في الأسواق المالية، مما كان يهدد بحدوث أزمة مالية مماثلة لما عرفته آسيا في 1997 -98.
    وترجع أسباب الأزمة حسب المحاضر في الولايات المتحدة الأمريكية إلى عجز الادخار الداخلي والعجز التجاري الخارجي، ومعروف عن اقتصاد أكبر دولة رأسمالية أنه يعيش على العجز وما تفرزه الأزمات الاقتصادية الخارجية، وهي تبني اقتصادها على المستوى المالي والمضارباتي، مما يحقق أرباحا مالية ضخمة دون مجهود، ودون أن يلبي ذلك الحاجيات الفعلية والضرورية للمواطنين.
   ويتميز النظام البنكي الأمريكي بكثرة مَنح القروض دون أن يتم التأكد من قدرة المستدينين على دفع ما بذمتهم، في السنوات الأولى يكون السعر ضعيفا، وبعد ذلك يتم التفاوض على سعر فائدة أعلى يفوق 20%، ثم تحول القروض إلى سندات وتروج في دول أخرى، ولهذا وصل أثر الأزمة المالية إلى دول متعددة كما هو عليه الحال في أوربا.
    في الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن أحد ينتظر أن ينزل العقار، وهو قد أعتبر ضمانا للقروض، التي تعطى حسب القيمة الآنية للعقار، وافتراض ارتفاع قيمته مع مرور الوقت، وبالتالي تسلم قروض جديدة على ما يعتقد أنه إضافة جديدة في قيمة العقار! ولكن لما انخفض هذا الأخير ولم يعد المواطن قادرا على الدفع والديون قد تراكمت عليه، وهو ما أثر بشكل مباشر على الأبناك والبورصة وانتشر ذلك بسرعة إلى بقية الدول التي تقتني مؤسساتها السندات.  
  عند انهيار البورصة انهار الاستثمار وارتفع عدد العاطلين، وتدهورت القدرة الشرائية لدى المستهلكين، مما جعل عدد العاطلين يصل في الدول المتقدمة 190 مليون، وقد ينضاف 51 مليون عاطل جديد، منهم 3.6 مليون في الولايات المتحدة الأمريكية، و17.5 مليون عاطل في أوربا… والمغرب بدوره يعرف أزيد من 1.6 مليون عاطل، وقد صُرح بتسريح 50 ألف في قطاع النسيج وحده… هذه الدوامة أدت إلى ارتفعا حجم المديونية في أغلب الدول وانعكاسات سلبية على أوضاع السكان.
  في دول الجنوب انخفضت قيمة المواد الأولية كالبترول الذي تحول من 144 دولار للبرميل إلى 35 دولار في شهر أبريل (09)، ومن المرتقب في أحسن الأحوال أن يبقى سعره في حدود 50 دولار.
  وقد تراجعت احتياطات الصرف لدى الدول النامية، مما دفعها إلى البحث عن مزيد من التصدير وبكميات كبيرة من أجل الحصول على العملة، وهو ما يؤدي إلى استنزاف الثروات، كما ارتفع سعر الفائدة في دول الجنوب بسبب طلب قروض جديدة، ومن المحتمل أن ينتج عن ذلك تفاقم المديونية وخلق أزمة إضافية أخرى.
  الوضع في المغرب:
   فيما يخص المغرب يقول ميمون الرحماني أركز على القطاعات التي تدعم الاقتصاد المغربي، كالفلاحة التي تساهم ب 15% في الناتج الداخلي الخام، والسياحة كمورد أساسي ب 58.6 مليار درهم، أي 9.8% من الناتج الداخلي الخام في 2007، وتحويلات العمال المغاربة بالخارج  55.1 مليا ر درهم، ما يمثل 7.89% من الناتج الخام، لكن عرفت هذه التحويلات انخفاضا في السنة الموالية 2008 إلى 53.7 مليار درهم… أما فيما يخص الصادرات، أهمها الفوسفاط الذي أذر على الخزينة 37.5 مليار درهم من يناير إلى غشت 2008، وفي 8 أشهر الأخيرة وصلت إلى 167.4 مليار درهم، أي ما يمثل 25% من الناتج الداخلي الخام، وقد ارتفعت الأسعار في هذه المادة ثلاث مرات بالمقارنة مع فترات سابقة، لكنها تعرف الآن تراجعا، مداخيل الجبايات في سنة 2008 بلغت 167 مليار درهم، وهو ما يمثل 24.56% من الناتج الداخلي الخام (ن.د.خ)، وقد ارتفعت ب 23.6% عن 2007، دون الحديث عن الإعفاءات الضريبية التي وصلت في سنة 2008 إلى 26.94 مليار درهم، مسجلة ارتفاعا ب 14% مقارنة مع السنة السابقة (07)، وقد عرف الميزان التجاري عجزا في سنة 2007 وصل إلى 40.7%، ما يمثل 20% من (ن.د.خ.)، وقد ارتفع عجز في المبادلات الخارجية في 2008  وصل إلى  167.8 مليار درهم، أي ما نسبته من (ن.د.خ.) 23.5%. وقد وصلت مديونية المغرب في 2008 400.5 مليار درهم حسب التقارير الصادرة في شهر مارس الأخير، مسجلة ارتفاعا وصل إلى 0.93%، وهو ما يمثل 58.88% من (ن.د.خ.)، ويتوزع الدين إلى قسمين، الدين الداخلي مقداره 134.2 مليار درهم، والخارجي 16.6 مليار دولار، بزيادة 10% عن 2007، ما نسبته 20% من (ن.د.خ.)، وإذا كان الدين الخارجي قد انخفض قبل سنتين حيث توقف عند 13.6 مليار دولار بخلاف الدين الداخلي، فلماذا هذا الارتفاع؟ يتساءل المحاضر، وقد أرد ذلك إلى ارتفاع فاتورة النفط المستورد في مرحلة أوج ارتفاع أثمانه، وأمام ارتفاع الدين الداخلي الذي يتم تحويله إلى سندات الخزينة تباع إلى شركات وخواص، وقد بلغت قيمته سن 2008 266.3 مليار درهم، وهو ما يؤكد هشاشة الاقتصاد الوطني حسب عضو "أطاك" المغررب، ويشكك في صحة  القول بانخفاض الديون بنسبة 6% حسب الجهات الرسمية، إذ لم تحتسب حسبه كل الديون وخدمة الدين سنويا، فقد كانت الدولة تترقب  أداء 58 مليار درهم، لكن ذلك وصل إلى 93.36 عند نهاية 2008، ما نسبته 36.78% من الميزانية العامة لخدمة الديون، وهو ما يساوي 10 مرات ميزانية الصحة، أو 2.5% من ميزانية التعليم بكل أسلاكه، أو ما يفوق المداخيل الجبائية ب 55.57%.
   التأثير التي مست الاقتصاد المغرب:
   لقد أدت التأثيرات السيكولوجية وحدها في البداية على تراجع مؤشر البورصة ب 13.5% بالنسبة لمؤشر مازي، .13.4 لماديكس (الأول عام، والثاني يهم الشركات الأكثر تداولا)، وانخفضت رأسمالة البورصة ب9.9%، بمقدار مالي وصل إلى 55.7 مليار درهم.
    وقد أثرت الأزمة المالية العالمية على الاستثمارات والبورصة والبنوك في المغرب، ومن الانعكاسات المباشرة تراجع الطلب على الصادرات المغربية كالفوسفاط (- 59.5%) والمواد الغذائية، فقد انخفضت مجمل الصادرات ب 31.8% في شهري يناير وفبراير (08) بالمقارنة مع نفس الفترة في السنة المنصرمة (07)، أي ما مقداره 94.6 مليار درهم كضرر حسب ما نشره "مكتب الصرف المغربي"، وانخفضت قيمة السلع الكهربائية والإلكترونية ب 47.5%، وكذلك تصدير المنتوجات الجلدية والنسيج، ونقصت عائدات السياحة ب 3.5%، وتعرف هذه الفترة تراجعا ملحوظا في الإقبال السياحي يقدره المهنيون ما بين 20 و 40%، وانخفضت تحويلات العمال المغاربة المقيمين بالخارج ب 2.4% سن 2008 بالمقارن مع 2007، وانخفضت أكثر في الشهور الأولى من 2009 ب14.8%، بسبب تضرر دول أوربا بالأزمة المالية وخاصة إسبانيا الذي فاق فيها عدد العاطلين 17% حسب آخر إحصائيات، مما يهدد العمال المغاربة بعدم تجديد بطائق الإقامة والتهديد بالطرد.
   وحسب بنك المغرب فقد تراجعت الاستثمارات الأجنبية ب 28.7%، وانسحبت مقاولات معروفة من بعض المشاريع كما وقع بالنسبة لمشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق…، وانخفضت احتياطات الصرف ب 3.4%، بحيث انحدرت إلى 181.5 مليار درهم، تغطي واردات 6 أو 7 أشهر، بينما في السابق كانت هناك احتياطات تكفي لتسعة أشهر، ويعرف المختصون أن النزول إل مستوى 3 أشهر هو دق لناقوس الخطر.
   وأكيد أن هذه الأزمات يضيف المحاضر لها فاتورة اجتماعية على مستوى ازدياد عدد العاطلين وتوسع التهميش وتدهور القدرة الشرائية… نسبة التضخم وصلت على 3.9% سنة 2008، رغم أن الأسلوب المتبع في الإحصاء فيه نقاش، وتستعد المفوضية العليا للتخطيط قصد إعادة النظر في المؤشرات المعتمدة لتحديد كلفة المعيشة، ومن المرتقب أن تصدر أرقام غير سارة حول الأزمة الاقتصادية وتكلفتها الاجتماعية
  ماذا فعل المغرب؟:
     السؤال الذي حاول ميمون الرحماني الإجابة عنه يقوله أن الحكومة المغربية لم تأخذ كل المستجدات بعين الاعتبار عند إعداد قانون المالية الساري مفعوله حاليا، رغم توفر الوقت الكافي لإعداده ومناقشته في مجلس النواب بغرفتيه، وقد وضع القانون المالي على أساس اقتناء البترول ب 100 دولار للبرميل، لكن المشكل هو تكاليف الدين التي ارتفعت كما سبق الإشارة إلى ذلك بخلاف التوقعات، وانخفاض الاستثمارات التي انحصرت في 45 مليار درهم، وليس 135 كما يقول المسؤولون، وهم يخلطون بين كل أنواع الاستثمارات.
    ويضيف، في الوقت الذي يتم فيه الحديث على أن السوق يحدث  التوازنات يقع التراجع عن ذلك على مستوى واسع، أي مراقبة الاقتصاد، لكن بالمقابل المغرب لا يكترث لذلك وما زال في انتظار خوصصة المزيد من القطاعات كالسكك الحديدة والطرق السيارة…
 واتخذ المغرب بعض الإجراءات في إطار مخطط استعجالي، يهم ثلاث قطاعات هي النسيج والجلد والسيارات، ففي الجانب الاجتماعي تتحمل الدولة 30% من مساهمات الشركات المتضررة في الضمان الاجتماعي لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد، وذلك ابتداء من يناير 2009، بشرط الحفاظ على الشغل مع السماح بتخفيض عدد العمال لا يزيد عن 5%، ودفع المقاولات حدا أدنى من الأجر للعمال يسمح لهم من الاستفادة من خدمات الضمان الاجتماعي، وذلك إلى حدود 60% من الدخل.
   وفي الجانب المالي، تضمن الدولة في إطار صندوق ضمان الاستهلاك 65% من القروض الخاصة بالشركات في حدود 2 مليون درهم في حالة العجز عن الأداء.
في مجال التصدير، تتكفل الشركة المغربية لتأمين الصادرات فقط، بينما تتحمل الدولة 80% من التكلفة، وقامت إدارة الجمارك بإجراءات أخرى منها تعجيل إجراءات إعادة التصدير بالنسبة للشركات التي عندها مشاكل، أوالتمديد في آجال الاستيراد المؤقت، مع إمكانية تحويل سلعها إلى السوق الداخلي في حدود 5%.
    وقد لاحظ المتحدث إلى جمهور لا بأس به حج إلى الخزانة البلدية أنه رغم كل الإجراءات فهناك تجاهل للعمال والمرودين من الشغل، بينما هناك خدمات مقدمة فقط لأصاحب الشركات.
  الحلول:
     يرى المحاضر بأن الحلول يجب أن تكون شاملة، منها وقف مسلسل الخوصصة، مراقبة حركة رؤوس الأموال، فرض ضريبة على المعاملات المالية في أسواق البورصة، وقف شراء سندات الخزينة خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، تأميم الأبناك التي تعرف مشاكل، خلق حركة اندماجية على مستوى اقتصاديات الجنوب، خلق كارتيلات من قبل الدول المصدرة للمواد الأولية حفاظا على استقرار الأثمان، الانسحاب من المؤسسات المالية الدولية، لأنها هي المسبب للأزمات بتوصيتها غير المناسبة، خلق مؤسسات بديلة كبنك الجنوب بأمريكا اللاتينية  رغم أن ذلك يحتاج على حكومات ديمقراطية، تفعيل دور الحركات الاجتماعية وعموم الشعب ووضع قطيعة مع النظام الرأسمالي، ومناقشة مشروع جديد للاشتراكية الجديدة خاصة بالقرن 21، وتجاوز اشتراكية القرن 18 و 19 حسب المحاضر. 
   وقد أغنى عدد من المتدخلين الموضوع بمداخلاتهم في ختام العرض، وقد تمحورت أهم المداخلات في نقد النظام الرأسمالي، ولجوءه إلى المضاربات والبحث عن الربح السريع وتخريب البيئة ونهج سلوك استهلاكي تبذيري يقضي عل الثروات، كما تطرق البعض لمقولات تطفو أحيانا على السطح كنهاية التاريخ كتعبير عن غلبة النظام الرأسمالي، ونزوع البعض إلى ضرب العمل الحزبي والسياسي الذي لا يمكن أن تكون الجمعيات بديلا عنه، في إطار عدد من الأطروحات "المتطرفة" الأخرى كما ذكر البعض، وقد توقفت مداخلات أخرى حول تشتت اليسار وتأثيره السلبي من أجل وضع بدائل.  

   جانب من الحضور المتتبع للعرض
      وقد ظهر من خلال الموضوع المناقش اطلاع مستفيض عن مقومات الرأسمالية، وتتبع دقيق لحركات البورصات والقيم والسندات، وتحليل لتوجهات السياسات النقدية والبنكية… لكن عند ذكر البدائل الممكنة للخروج من النفق، غالبا ما يتم قلب المعطى السلبي وذكر مقابله كحل، دون الوصول إلى عمق الإشكالية، ولهذا اقترح متدخل أن يتم البحث عن القنوات الممكنة لمخاطبة الرأي العام الغربي، وتحسيسه بالمصير المشترك للإنسانية،  وضرورة تخليه عن تعاليه المفرط والمرضي أحيانا.
   أدار الندوة الثانية التي تنظمها اللجنة التحضيرية "لأطاك" بسيدي سليمان في يوم الأحد  25 أبريل 2009 إبراهيم المحمدي، استهل العرض مذكرا بأزمة 1929 وتأثيراتها الخطيرة على "الرأسمالية"، واعتبر أنه لولا بعض الظروف المساعدة لكانت ضربة قاضية لها. وقد ذكر كذلك  أن اللجنة التحضيرية التي هو أحد أعضائها ستدعو إلى جمع عام قصد تأسيس فرع لجمعيته بسيدي سليمان في غضون شهر ماي.
   تعرف "أطاك" بمواجهة  العولمة الليبرالية، وقد تأسست في فرنسا سن1998، من أجل فرض ضريبة على المعاملات المالية وإعادة الأموال المحصلة لتلبية الحاجيات الأساسية لسكان البلدان الفقيرة، وسرعان ما توسعت الفكرة ووجدت احتضانا لتشمل عدد من دول العالم، وقد فاقت عدد فروعها الدولية الخمسين، وانطلقت في المغرب ابتداء من 2000، وتجد ترحيبا من قبل الشباب وبعض المثقفين.  
إعداد مصطفى لمودن

=============================
    مراجع للاستفاضة
     


الأحد، 3 مايو 2009

نيني يهزأ من مدرس الفلسفة


  نيني يهزأ من مدرس الفلسفة 

       غالبا ما تجد عنوان عمود رشيد نيني الذي ينشر في جريدة "المساء" له (أي العنوان) علاقة ضعيفة بمجمل الموضوع، أو فقط مرتبط بمجرد جملة أو كلمة محشوة في المقالة أو نهايتها، ولا رابط بين فقرات الموضوع بمجمله، بحيث يمكن أن يتنقل الكاتب من موضوع لآخر في قفزات مثيرة… 
قبل  التطرق للموضوع الذي نحن بصدده، يجب أن أقول كم من مرة أتمم مقالة رشيد نيني  بحديث مهموس يلخص موقفي كأنني أخاطب أحدا: "عظيم". في تقدير لشجاعة الرجل وجرأته، لكن لا يمكن كذلك أن نتفق معه حول كل ما يكتب. فماذا خط صاحب أشهر عمود في الصحافة المعاصرة بالمغرب حتى حفزنا على الكتابة؟
  عودة إلى القفزات المثير نشير إلى  ما وقع في عدد السبت والأحد  6/7 ماي (09) في المقالة التي تحمل عنوان "عام الحلوف"، بحيث يحشو الكاتب بين طيات "عمدوه" ما أراد، بشكل غريب ومريب، فإذا كان العنوان المشار إليه يظهر أن الموضوع له علاقة بآخر حدث دولي شد إليه الرأي العام العالمي، وأثار مخاوف البشرية جميعها، ومن الضروري أن تطرح تسؤلات عن الإجراءات التي تتخذها كل دولة لمواجهة الفيروس القاتل الذي قد يسبب انتشاره في وباء يحصد الأرواح وكارثة للجميع…
   لكن ما دخـل أستاذ الفلسفة الذي أثار هزؤ وقدح رشيد نيني بدون سبب معقول وظاهري لا يمكن تفسيره إلا بالرجوع إلى علماء النفس، فهم وحدهم ربما من قد يوضحون الدافع الحقيقي وراء ذلك، وبدون تطويل ننقل ما جاء بالضبط في العدد 813 من مؤخر "المساء": " وهنا أتذكر اليوم الذي كنا فيه داخل أحد أقسام التربية الإسلامية ندرس نظرية الفيض، فإذا بالأستاذ الذي كان ماركسيا انتهى به حظه العاتر بعد إلغاء عز الدين العراقي وزير التعليم الاستقلالي لمادة الفلسفة من برامج التعليم، إلى تدريس القرآن والأحاديث النبوية مكان نظرية الشك، يخرج عن الموضوع وينتهي محاضرا حول نظرية أصل الأنواع لداروين، وعندما سألنا عن أصلنا قلنا له جميعا إن أصلنا من آدم عليه السلام، فضحك إلى أن ظهرت أسنانه التي نخرها " الروج" و"فافوريط" وقال لنا مستهزئا إن أصلنا جميعا هو القرد، فوقف أحد التلاميذ المشهورين بصمتهم طوال السنة وقال بهدوء للأستاذ:
   -" هضر على راسك اسي، إلى أنت باك فايت ليه كان قرد حنا راه عارفين شكون هو بانا" (انتهى)  
   واضح للجميع أن رشيد نيني يصفي حساباته، وإذا كان قد سمح لنفسه أن ينتقد الجميع، وهذا من حقه كصحفي، خاصة تجاه من يتحملون مسؤولية تدبيرية في إطار الشأن العام، لكن عليه أن يتريث عند كل كلمة يمكن أن تسيء إلى "الصفات" كصفة الأستاذ أو البناء أو السائق… بدون وجه حق.
  لقد أظهر الكاتب أستاذ الفلسفة في أبشع صورة حسب اعتقادنا، فهو المغلوب على أمره، المستسلم لواقعه، بحيث لم يفعل شيئا عند تغيير البرامج، وأصبح كالمسترزق يدرس مادة ليست من اختصاصه، علما أن مادة الفلسفة في الفترة التي يشير إليها الكاتب بقيت تدرس، لكن أدمجت مع "الفكر الإسلامي"، وربما نيني نفسه يتذكر ما استفاده من مآثر الكندي والفارابي وابن رشد وابن خلدون والمعتزلة وبقية علماء الكلام… بل حتى الأشعرية يمكن أن تخرج منها ببعض الحكم والفائدة، فلماذا لا يطلع أبناء المغرب على مثل هؤلاء ومحاولاتهم في مجال التـأصيل أو الاجتهاد أو الدمج أوالتلفيق أوالمثاقفة ؟ إلى جانب كانت وهيكل وماركس والجابري..؟ وأنا لا أدافع هنا عن العهد غير المأسوف عليه لعز الدين العراقي وتوابعه وما أسسوا له من كوارث أساءت إلى التعليم والوطن، ولكن للحق والتاريخ لم تحذف الفلسفة بالمطلق، بل حوصرت لغرض في النفوس المتجبرة.
  لقد وضع نيني أستاذ الفلسفة في وضعية الحرباء التي تتلون بدون موقف محدد، فهو يحور الدروس حسب هواه، ليقفز على ما هو مقرر حسب زعم الكاتب ويدخل مع التلاميذ في "ترهات" (حسب تصوير نيني)، فيقول للتلاميذ "حقيقة" وضعها الكاتب من خياله، وهي أن أصل الإنسان قرد (هكذا) ببساطة، ومحاولة الأستاذ فرض ذلك على التلاميذ، هنا نسأل "الأستاذ" نيني؛ هل يجزم ويؤكد ويثبت بأن الإنسان الحالي هو نسخة طبق الأصل في كل شيء من الإنسان القديم؟  نترك له الفرصة للبحث أو أن تمده "جهة" ما مساعدة له بذلك.
      لقد صور نيني أستاذ الفلسفة في أبشع صورة، فأسنانه مسوسة، يدخن أرخص سيجارة ويدمن شرب الخمر، وبالتالي فأفكاره وشخصيته مهزوزة، ويمكن أن يأتي أقبح الأفعال ويقول بالهبل، إلى درجة اعتراضه من قبل اصمت وأهدأ تلميذ (ربما أكسلهم حسب نيني وحسب نكت سوقية رائجة)، إلى درجة توجيه سب مباشر للأستاذ كرد على قوله طبعا، واعتباره هو (أي الأستاذ) من ينحدر من سلالة القرود، إن هذا الموقف من أستاذالفلسفة وهو واجهة مادته الدراسية وحامل لوائها بما تعنيه من قوة التفكير والتمحيص والروية والرؤية والتأمل… يريد من ورائها (عن قصد أو بدونه) أن يوافق من يدعو إلى إلغاء الفلسفة أو تقزيمها وتشويهها، وبالتالي مناصرة قرارات الوزير السابق المذكور وكل من يعادي العقل والتفكير المنطقين، فهل يمكن اعتبار رشيد نيني ضمن هؤلاء؟ أريد أن أقرأ يوما الجواب عنه هو مقرونا باعتذار لكل مدرسي الفلسفة(وأنا لست منهم).  


                           مصطفى لمودن