الأحد، 14 أكتوبر 2007

لماذا شاركت إسبانيا في غزو العراق؟


     لماذا شاركت إسبانيا في غزو العراق؟  
  
هذه المقالة نشرت في شتنبر 2004، لكنها ما تزال تحتفظ بجدها، مادامت ترتبط بالعدوان على العراق، وبالجارة الشمالية إسبانيا، ثم الإطلاع على بعض ما يرشح حول طريقة التحالفات على المستوى الدولي، وإن كانت المصلحة هي الدافع الأساسي في ذلك، لكن ما تزال هناك دوافع ذات طابع إيديولوجي أو فكري، أو على الأقل تشابه في التوجهات، فمن ينكر مثلا وجود حركة للإخوان المسلمين تنسق عملها على مستوى العالم بأسره؟ ومن يتجاهل دور الأممية الاشتراكية في دعم الأحزاب ذات نفس التوجه؟ وكيف ينسق الرأسماليون مواقفهم في مؤتمر "دافوس" السنوي الذي ينعقد في متم السنة الميلادية بسويسرا، وأقرب حدث إلينا له علاقة بالموضوع هو تقلي الاستقلالي عباس الفاسي التهنئة من أحزاب اليمين في عدد من الدول، إثر تبؤ حزبه المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كما فعل معه زعيم الحزب الشعبي الإسباني… إذا هل على كل فرد أن ينضم عمليا أو فكريا لاتجاه معين على المستوى العالمي المعولم؟ أم يظل محايدا؟ يكتفي بالعيش والمراقبة؟ لنطلع قليلا على كيفية عقد الصفقات السياسية على المستوى الدولي ونقرأ ما يلي:
 
   قد لا يختلف اثنان حول تحديد الدوافع الظاهرة والخفية لشن الولايات المتحدة الأمريكية لحرب ضروس على العراق، وقد يسعفنا قليل من الفهم والتحري لنتوضح دوافع المساندة اللامشروطة لانجلترا، برآسة « العمالي » توني بلير! لكن لماذا دخلت إسبانيا كحليف قوي لأمريكا من أجل إسقاط النظام البعثي العراقي؟ هل من أجل النفط وغنائم الحرب؟ هل لتأكيد وترسيخ دور قوي في الحلف الأطلسي، الذي انضمت إليه في وقت متأخر ( ثمانينات القرن الماضي) قياسا إلى بداية تأسيسية؟ أم وراء ذلك رغبة في تبوء زعامة جهوية تلائم موقع إسبانيا الإستراتيجي في المدخل الغربي لحوض البحر الأبيض المتوسط، وهي التي أصبحت تتوفر على أهم قاعدة بحرية بالحلف الأطلسي بين المتوسط والمحيط الأطلنطي؟ وليوافق ذلك طفرتها الاقتصادية الملحوظة…أو استغلالا لفرصة تاريخية متاحة، اقتنصها الساسة الحاكمون من أجل تثبيت مكانة مناسبة في مواجهة الأنداد الكبار داخل الإتحاد الأوربي؟ خاصة أنها تسعى لبسط سيطرتها على صخرة جبل طارق، وتأبيد تواجدها في المدينتين المغربيتين المحتلتين سبتتة ومليلية…قد تكون بعض هذه الأسباب أو هي مجتمعة، هي الدافع الظاهر لمساندة «التحالف» المزعوم، غير أن قراءة أخرى أنبأتنا«بخبر يقين» قد يكون النقطة التي أفاضت كأس ركوب المغامرة، إذ أن إسبانيا شاركت في الحرب لرد «دين» ثمين وقديم على الأحزاب اليمينية في إسبانيا، وأجلّ اعتراف بهذا الدين هو شن الحرب بالنيابة عن« المدنين» الذين لا يمكن نسيان جميلهم.
        لقد ذكر الصحافي المخضرم محمد حسنين هيكل، في الحلقة الخامسة من برنامجه المفيد «مع هيكل» الذي تبثه «قناة الجزيرة»القطرية، ذكر أنه اطلع حديثا على كتاب نشره أحد مساعدي شاه إيران المطاح به، من قبل ثورة شعبية عارمة، قادها الخميني وآخرون، يتضمن الكتاب وثيقة تاريخية، توضح خلفية مشاركة إسبانيا في الحرب على العراق.
      الوثيقة المشار إليها، أرسلت إلى شاه إيران أثناء حكمه، من طرف عاهل إسبانيا الجديد خوان كارلوس، الذي اعتلى سدة الملكية في إسبانيا، بعد وفاة الديكتاتور فرانكو، ونهاية نظامه بحتمية تاريخية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ودخول إسبانيا في عهد جديد، متمثل في ممارسة ديمقراطية حقيقية، تتسم بالحرية والتعددية الحزبية، وممارسة الشعب لاختيار ممثليه في مختلف المؤسسات التي لها سلطة تدبير أمور المواطنين…كانت إسبانيا حينها تعيش مرحلة انتقالية صعبة، يتداخل فيها تضارب المصالح بين مختلف الفئات الاجتماعية، في تفاعل مع المحيط الجهوي والدولي، علما أن أوار الحرب الباردة بين الشرق والغرب كان ما يزال متقدا، من اجل امتلاك موقع قدم في كل بقعة من الكرة الأرضية، والبحث عن الأتباع أو خلقهم من عدم.
      في بداية عهد ممارسة الديمقراطية، احتدم التنافس من أجل الوصول إلى الحكم بين قطبين أساسين، أحدهما أحزاب اليمين، والآخر أحزاب اليسار، تمثل خاصة في الحزب العمالي «الاشتراكي»، الذي كان يجمع تحالفا موسعا، قاد معارضة بأشكال مختلفة ضد فرانكو، سواء في الداخل أو في المهجر، مما وفر للاشتراكيين علاقات واسعة خاصة ضمن«الأممية الاشتراكية»       
           وسط هذا الخضم المحتدم، ارتأى خوان كارلوس عاهل إسبانيا ضمن ملكية متجددة مساندة أحزاب اليمين، وقد بعث برسالة خطية إلى شاه إيران، يلتمس منه تقديم مساعدة مالية تقدر بعشرة ملايين دولار، ليمول اليمين حملته الانتخابية، في مواجهة «إعصار» اليسار، وقد اعتقد العاهل الإسباني أو أوحي إليه بذلك، أن اليسار المساند من قبل الاشتراكيين والشيوعيين من مختلف بقاع العالم، قد يهدد صرح الملكية الفتية الإسبانية.
        يقول محمد حسنين هيكل وحسب ما اطلع عليه في الوثيقة المذكورة، أن الشاه لم يرفض الطلب، ولكنه لم يستسغ الطريقة، وقال لمبعوث ملك إسبانيا إن مثل هذا الكلام لا يكتب في ورقة، وأضاف أنه سينظر في موضوع طلب المساعدة المالية، أخبر محمد حسنين هيكل أن الشاه جمع الأموال الوافرة من حكام الخليج، الذين لا يترددون في مثل هذه «الملمّات» بسخاء وافر. لهذا لم ينس اليمين الإسباني كرم الخليجيين، وجاءت الحرب ضد العراق لتدخلها إسبانيا بالنيابة عنهم، قصد الإطاحة بحكم صدام، الجار العنيد والمناوئ، وأردف حسنين هيكل معلومة حديثة، حيث ذكر أن الاستثمارات الخليجية في إسبانيا قدرت بالملايير أثناء حكم اليمين الإسباني المتمثل في الحزب الشعبي وزعيمه أثنار، خاصة في المجال السياحي، وهو ما يعني بشكل واضح المساندة والتلاحم القائمين بين اليمين الإسباني وحكام الخليج العربي.
        حكم إسبانيا الاشتراكيون العماليون لأكثر من عشر سنوات، وانخرطوا في الحلف الأطلسي، إثر استفتاء شعبي، وانضموا إلى السوق الأوربية المشتركة( الإتحاد الأوربي لاحقا)، ولم يلمسوا نظام الحكم الملكي الدستوري بسوء، بل إن فئات أخرى كانت ما تزال تحن إلى عهد فرانكو، هي من ناوأت، فقد رأى العالم على شاشة التلفزة كيف احتل ضابط عسكري رفقة زملائه مقر البرلمان، وكيف صعد المنصة بمسدسه في محاولة يائسة من أجل توقيف عجلة التاريخ، وقد جاءت واقعة التفجيرات الإرهابية لقطار مدريد، لتعيد مرة أخرى الحزب العمالي إلى سدة الحكم، وهو ما اعتبر معاقبة من قبل الناخبين للحزب الشعبي، الذي دخل الحرب ضد العراق، فكان أول قرار أصدره الوزير الأول الجديد وتنفيذا لوعده، هو إرجاع الجنود الأسبان من العراق إلى ثكناتهم، فهل ستكون كذلك الحرب على العراق بمثابة لعنة تصيب الحزب الجمهوري الأمريكي بدوره؟ خاصة أمام تفاقم الأوضاع الأمنية بالعراق، وارتفاع عدد «أكياس جثت» العائدين إلى أمريكا لعناصر من الجيش الأمريكي  
               مصطفى لمودن
 
     نشرت بجريدة " اليسار الموحد" عدد 63 بتاريخ 24 شتنبر2004