الجمعة، 18 يناير 2008

مراجعة أوضاع المراكز الفلاحية إنقاذ لممتلكات عمومية ومساهمة في التشغيل والتنمية


 مراجعة أوضاع المراكز الفلاحية    
 إنقاذ لممتلكات عمومية ومساهمة في التشغيل والتنمية
 ( نموذج مصور عن إحدى المراكز)  
     إعداد مصطفى لمودن
   الموضوع الذي نقترحه عليكم، سبق أن نشر في إحدى الجرائد الوطنية سنة 1998، نعيد إدراجه كما هو( باستثناء حذف بسيط لمعطيات لم تعد هناك فائدة من ذكرها)  تعميما للفائدة واستنكارا لوضعية مأساوية تتفاقم يوما عن آخر، أبرز معالمها إهمال الملك العام، وتخلي الدولة عن مهامها في تأطير الفلاحة…ونجد أن بعض المعطيات الواردة في الموضوع تحتاج لتحديث، لكن في الاتجاه الأسوأ، سنعلن عن ذلك في آخر الموضوع . 
  دأبت السلطات المغربية منذ الاستقلال على استرجاع الأراضي المستصلحة من طرف المعمرين الأجانب، وقامت بتوزيع جزء منها على صغار الفلاحين، وتم تنظيم بعضهم في تعاونيات فلاحية… كل ذلك ضمن خطط " الإصلاح الزراعي"،التي كان من أولوياتها دعم إنتاج الوطني الفلاحي، بواسطة بناء السدود ومد قنوات الري، وتأطير الفلاحين، مما حتم خلق المراكز الفلاحية بشكل مكثف، خاصة في مناطق السهول الخصبة كالغرب مثلا، وذلك كجزء من بنية المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي، وأنفقت على ذلك أموال طائلة، من أجل تهيئ كل البنى الضرورية لهذه المراكز الفلاحية، من طرق معبدة، وماء وكهرباء، ومكاتب للإدارة، ومرائب، وآليات، ومخازن، ومساكن، وموظفين…الخ. دون أن تستفيد البادية والسكان من شيء، فأصبحت هذه المراكز كواحات يانعة في صحراء من القرى المهمشة، لكن ظروف الاستعجال وعدم وضوح الرؤية، لم توفر للمراكز المذكورة شروط الإحساس والنهوض بالمسؤولية، وبالدور الاستراتيجي لفلاحة عصرية بالنسبة لمستقبل الشعب المغربي، كل ذلك وغيره جعل المراكز إياها تدخل في دوامة من الرتابة والبيروقراطية، وعدم الكفاءة، فبيعت الآليات الفلاحية من جرارات وغيرها في ظروف غير واضحة من حيث الجدوى الاقتصادية، وتدنى الإرشاد الفلاحي إلى أضعف مستوى له، وأصبح الفلاحون بعفويتهم وتجربتهم البسيطة قادرين على "تأطير" مرشدي المراكز الفلاحية، الذين لم يستفيدوا من أي تكوين جدي، أو إضافة خبرة أطر جديدة، وأضحت المراكز الفلاحية تقوم فقط بالمساهمة في تنظيم الري والمزروعات الصناعية كالشمندر السكري(٭)، وتخزين وتوزيع الأسمدة نيابة عن شركة وطنية، وتمد هذه المراكز الوزارة الوصية بإحصائيات سطحية عن الاحتمالات المنتظرة أو التقديرات الحاصلة فيما يخص الأراضي المزروعة ومنتوجاتها، إلى أن استغنت الوزارة عن ذلك بالاعتماد على صور الأقمار الاصطناعية. وهكذا أفقدت هذه المراكز الفلاحية مبرر وجودها واستمرارها في بلد فلاحي، مازالت فلاحته متخلفة، ومردود الأراضي جد متدني، مثلا معدل الإنتاج الوطني في الهكتار الواحد لا يتعدى سبعة عشر قنطارا في الهكتار (17ق/ه)، بينما يصل في فرنسا إلى سبعين قنطارا في الهكتار (70ق/ه)، كما أن الفلاحين لم يعودوا قادرين على فهم طبيعة الفلاحة العصرية التي تعتمد المكننة والأسمدة والأدوية والمبيدات… وغالبا ما يشتكي الفلاحون من عدم فعالية ما يستخدمون من مبيدات وغيرها، لعدم فهمهم كيفية وظروف الاستعمال.
     وحتى لا يبقى كلامنا معمما، نورد مثالا واحدا، عن المراكز الفلاحية التي تم إغلاقها، كما نقترح بعض المشاريع الممكن انجازها في المركز الآتي ذكره، مادام يتوفر على كل المتطلبات الضرورية ليساهم في الإنتاج، ويوفر مناصب شغل.  
    المركز الفلاحي المعني هو مركز "تيجينا" رقم 246، الكائن بتراب جماعة دار العسلوجي، دائرة مشرع بلقصيري، إقليم سيدي قاسم، مساحته تربو على ثلاث هكتارات، تحيط به بقع فارغة، منها خمس هكتارات تكتريها التعاونية الفلاحية المجاورة "مشرع أرضم"، يقع بين الحقول بجانب نهر " أرضم"، تصله الطريق المعبدة من جهة الشرق، (لم تعد صالحة للاستعمال رغم ترميمها بالحجارة قبل سنوات) يتوفر على الكهرباء والماء الصالح للشرب، الذي يضخ بواسطة مضخة كهربائية في خزان لا بأس به، من بئر مياهه كافية، وقد حفرت مصالح التجهيز التابعة للدولة بئرا آخر بقربه (…)، به عشرة منازل صالحة للسكن سوى واحد به شقوق عميقة، وبه غرف ضمن إقامة مشتركة خاصة بالعزاب، ومكاتب من أربع حجرات، ومرأب لإصلاح الآليات، ومخزن لقطع الغيار، ومخزن ضخم للمنتوجات الفلاحية والأسمدة (انتشلت أجزاء من سقفه)، وموقف كبير مغطى للآليات، وموقف آخر مغطى للسيارات، وتوابع أخرى.
     إن المركز الفلاحي "تيجينا" رقم 246، معلمة تتوفر على كل متطلبات الاستثمار والتنمية، في وسط قروي بئيس بضعف تجهيزاته، المطلوب الآن باستعجال هو صيانة هذا المركز من عوادي الدهر، كالأمطار والرياح… ومن عوادي البشر كالنهب والإهمال، خاصة بعد إغلاقه وتحويل الموظفين إلى جهات أخرى (…)
   ولغيرتنا على ممتلكات الدولة التي مولت من جهد وعرق الشعب المغربي، نقترح عدة حلول لاستغلال المركز الفلاحي المذكور.

          1 ـ تعاونية لتربية المواشي  
ا ـ تُمنح البناية للتعاونية الفلاحية " مشرع الرضم" المجاورة للمركز الفلاحي، في إطار رخصة كراء أو شراكة، ضمن دفتر تحملات يقتضي ضمان عدة إجراءات من توظيفات، ودفع واجبات الدولة من أرباح، وذلك من أجل تربية الأبقار وتسمين العجول… وهي عملية مفيدة جدا، مادامت شروط نجاحها متوفرة، كالأراضي الشاسعة لإنتاج الكلأ، إذ أن أعضاء التعاونية الاثنين والعشرين ( قبل تقسيمات الورثة) يتوفرون على ثماني هكتار للواحد، تسقى من النهر أو من الآبار، وينتظرون توزيع شبكة الري لتشملهم، كما يكترون خمس هكتارات من ممتلكات الدولة، وهناك أراض أخرى لا تستغل، ولإخراج المشروع إلى الوجود، لا بد من محاور يقنع الفلاحين بالجدوى، مع ضمان المساعدة المادية لتحويل المخازن إلى اصطبلات، وبناء أخرى، وإعداد آليات تبريد الحليب، وتوفير التأطير الناجح، من خلال أطر كفأة، كبيطري ومتصرف مالي، ولنا اليقين أن التوظيفات ستتوسع بعد ذلك، والأرباح ستتزايد، ويعرف الجميع مستوى الطلب على الحليب ومشتقاته واللحم وتوابعه.  
    ب ـ تعاونية خاصة بالمعطلين: يُمنح المركز الفلاحي في إطار شروط متفق عليها، تضمن حقوق الدولة وحقوق المستفيدين، خاصة من الأطر الفلاحية المعطلة، من أجل تربية المواشي، لتكن أبقارا أو غنما، أو دجاجا أو كلها مجتمعة، مادامت البنية متوفرة، ولا تحتاج إلا  لبعض الإصلاحات والتحويلات والإضافات، فقط يمكن تحويل أراضي الدولة المكترية من طرف التعاونية الفلاحية إلى المستفيدين من المركز الفلاحي، وإضافة التوابع الأرضية الأخرى، لتوفير الكلأ للماشية، ويجب ضمان قروض ومساعدة مادية وتقنية من أجل الانطلاقة. 
        2ـ كراء المركز وتحويله إلى مخازن خاصة
   يمكن كراء المركز أو تفويته وفق شروط معقولة للجانبين، للدولة والخواص، من أجل تربية المواشي، أو تحويله إلى مخازن مكيفة (مبردات) للخضر والفواكه أو فقط لخزن الحبوب والقطاني، مع إمكانية إضافة خدمات تجارية للمواد الفلاحية، من بذور وأسمدة وأدوية وآليات… وسيضمن أرباحا مهمة خاصة إذا توسعت الطرق غربا قاطعة نهر أرضم، وشمالا في اتجاه دوار الكبارتة، وهذا التوسع الطرقي لا يتعدى الخمس كيلومترات في كل اتجاه، ليوصل إلى الشبكة الطرقية، وتعم الفائدة الجميع.
      3 ـ إرجاع المركز الفلاحي إلى سالف عهده
يمكن أن يرجع المركز الفلاحي إلى سالف عهده لتقديم خدماته إلى الفلاحين، ضمن خطة جديدة، تسعى لتوفير المردودية الإنتاجية، وتحسين خبرة الفلاحين، عبر توظيف الكفاءات المهنية، وتقديم عروض نظرية وتطبيقية مستمرة، والمتابعة الدائمة للنشاط الفلاحي، من بدايته إلى جمع الحصيلة، وذلك بالتشاور والتشارك مع الفلاحين، ضمن جمعيات حقيقية للتأطير والتعاون، بعيدا عن أساليب الاستغلال والتضليل ( وحتى شركات مساهمة).
     كم نتأسف لضياع مثل هذه الفرص السانحة للتنمية والتشغيل، وكم يحزننا أن نرى ممتلكات الدولة تُتلف وتتلاشى، عوض الاستفادة منها، نتمنى أن يُنظر إلى المركز الفلاحي المذكور بعين التبصر والمسؤولية، وتحويل محيطه إلى مركز اقتصادي واجتماعي حيوي، ببناء مرافق إدارية وصحية وتكوينية… والاعتناء بالمدرسة المهملة المجاورة (…)
    إننا مطالبون جميعا بالتفكير وحسن التدبير من أجل التنمية الاقتصادية والتقليل من العطالة المستفحلة.
  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر الموضوع بجريدة " المنظمة" التي خلّفت " أنوال" عدد 399، بتاريخ 12 شتنبر 1998.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
 إضافات:  
     ـ مع مرور الوقت تفاقمت أوضاع المركز الفلاحي أكثر، تخربت بناياته يوما عن آخر، ولم يعد الآن يقدم أي خدمة، وللغرابة أنه الآن بدون أي حارس!
     (٭) ـ تأطير زراعة الشمندر وقصب السكر أصبحت من "تأطير" شركة كوزيمار، بعدما تخلت الدولة عن مهامها في ذلك.
   ـ الخزان التابع للمركز الفلاحي، أصبح موردا مائيا لخمس قرى محيطة بالمركز، تحت مسؤولية الجماعة القروية لدار العسلوجي، وقد بني على مقربة منه خزان وبئر آخر، وقد شرع هذا الأخير في تزويد الساكنة بالماء، لكنه أغلق، لما تأكد أن ماءه غير صالح، فأخذت منه المضخة لاتجاه غير معلوم، المشكل هي أين كل التحاليل التي أجريت في البداية، قبل إنجاز كل التجهيزات؟ ولماذا لم يستعمل الخزان الموجود منذ البداية في المركز الفلاحي؟ عبث وهدر للمال يحتاج إلى تحقيق. 
ـ جرت محاولة ملتبسة في بداية الألفية الثانية قصد استغلاله من قبل مقاولة خاصة في تلفيف الخضر لكنها توقفت قبل الانطلاق.
   ـ بعد كل ما ذكرت، وبعد الاطلاع على أوضاع المركز الفلاحي كما هي عليه الآن، والمستقبل الأكثر مأساوية الذي ينتظره، أتمنى أن يفوت بالمجان، لمن أراد استغلاله في مشروع اقتصادي.
                                مصطفى لمودن 
صور عن المركز الفلاحي " تجينا" رقم 246
     
الطريق الوحيدة من جهة الشرق
  
الطريق لم تعد صالحة للاستعمال بل معرقلة للحركة

 
 من الجهة الشمالية
 
 خزان من الحجم الكبير

  
   

الإدارة من واجهتين 
 فضاءات رحبة من المركز الفلاحي
 
مساحة كانت مغطات من بقايا العهد الاستعماري ( أما المركزفهو مستحدث في جانب من ضيعة للمعمرين كانت تسمى رزيما)
   
   


 


 الخزان المائي التابع للمركز
   
 الخزان الجديد الذي أغلق بئره لأن مياهه غير صالحة للشرب!
منصة حمل الآليات

 
ما تبقى من آليات ضخ الوقود
 
 
البقية التي سلمت من التفويت أو النهب
     
 

  
غرف للإقامة كانت تسمى في عرف المستخدمين " لوطيل".
 

منزل من العهد الإستعماري، ظل صامدا وجاء عهد زواله
أسفله نماذج عن المساكن التي تتعرض للخراب
  

 

   
نماذج من الخراب والتخريب
 

 
مخزن قطع الغيار، ومرأب إصلاح الآليات
 

  
داخل محل الإصلاحات الميكانيكية سابقا
    حفرة الميكانيكي
 
جانب من المخزن الذي كان
 
هنا كانت ترقد الملفات والإحصائيات ..
  
   
إحدى الغرف التي تحولت في زمن لاحق إلى مسيد يقيم فيه فقيه يؤم المستخدمين ويعلم صغارهم 

      

 

 المراحيض لم يبق إلا هيكلها
هذه الصور تذكر بما وقع لعدد من المنشآت بعد انهيار الإتحاد السوفياتي سابقا، والتي تسابقت عدد من القنوات التلفزية لنقلها كتشفٍ، الآن روسيا  تعيش نهضتها الجديدة، هل سنفيق نحن من كبوتنا؟