الاثنين، 27 أكتوبر 2008

الاحتجاجات ضد الاستغلال الرأسمالي


     الاحتجاجات ضد الاستغلال الرأسمالي 
              nouvel 
                      بقلم: ذ .الحسين الإدريسي 
تناولت الأبحاث ظاهرة الاحتجاجات وتابعتها الصحافة لتطرح على الأقل سؤال السبب والمتسبب،خاصة وأن جغرافيا هذا الوطن قد سجلت انتشارا واضحا وواسعا لحركة الاحتجاحات الجماهيرية كما سجلت تمركزا جليا لذلك بالمدن وفي مقدمتها المدن الصغيرة، رغم الاختلاف في تاريخ حدوثها وكأننا نتواجد أمام حركة مدينية بامتياز. وفي سياق هذه التساؤلات خلصت الأبحاث و القراءات إلى أن الاحتجاجات الاجتماعية تجسد ضمن ما تجسده تجليات واضحة المعالم للازمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العالم في ظل العولمة المتوحشة، التي ما فتئ البعض يلفها بالتطمينات المخدومة إعلاميا إخفاء لحدة الصراع الطبقي القائم. فما علاقة هذه الاحتجاجات بأوضاعنا.؟
 تؤكد الشعارات و اللافتات المرفوعة والندوات المنظمة )آخرها الندوة التي نظمها فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسيدي سليمان يوم الأحد 19/10/2008 ببلدية سيدي سليمان.( أن سبب احتجاج المواطنين بالمغرب - و بقية العالم أيضا – يرجع في أصله إلى الاحتجاج ضد الظروف الاقتصادية المتردية التي تجتازها البلاد من جراء استغلال الرأسمال المحلي و الدولي للخيرات الوطنية؛ البشرية والمعدنية و الفلاحية، والاستغلال هنا لصالح الرأسمال الكبير (المعولم) على حساب غالبية المواطنين التواقين إلى الاستفادة من ثرواتهم الطبيعية وممارسة حقهم في الشغل والعيش الكريم…
غالبا ما تُرجع بعض الجهات الانتفاضات (صفرو- بوعرفة – سيدي إفني …) إلى تواجد جمعيات ( و في مقدمتها المنسقيات لمناهضة ارتفاع الآثمان… ) التي تندد بالأوضاع القاهرة و المطالبة بالتراجع عن ارتفاع الأسعار وتحسين مستوى الخدمات، بينما يصل البعض الآخر إلى الإقرار بتواجد أياد خفية تستهدف الوحدة الترابية (بوليساريو الداخل ) وذلك - بشكل مجازف - لإضفاء طابع سياسي على التحرك الجماهيري و تبرير بالتالي التدخل العنيف وإطلاق سيرورة القمع والتنكيل والاعتقال والمحاكمات… على العموم الأسباب المقدمة كلاسيكية، مغلفة تارة بمبررات اقتصادية، وتارة بمبررات تنظيمية وأخري سياسية و أمنية حتى. لكن هل هي مقنعة في أخر المطاف؟
واقع الأمر أن الاحتجاجات كانت تواجه الرأسمال في شكله المعولم الذي يمتاز في وضعها الحالي بما يلي.
- بالتقليص من القوة العاملة خلال صيرورة الإنتاج باعتماد آليات متطورة و تكنولوجيا دقيقة ( الثورة التكنولوجية و المعلوماتية ) بدل استيعاب نسب مهمة من البطالة المستشرية بكل القطاعات الإنتاجية وبالبوادي والمدن ويترتب عن ذلك توسيع دائرة الفقر وخلق دواعي التوتر داخل المجتمع
- بالتهافت على الربح السريع : بالتأثير على ظروف الاستغلال والتلاعب على القانون وتوزيع الرشاوى (نموذج معمل ليساسفة والمحرقة التي نتجت عنه ) لتتكون مقاولات في غالبيتها لا تختلف شكلا وبنية عن معتقلات للعمال بأجر يكاد تكون زهيدا مما يتسبب في تعميق التمايز الطبقي واحتدام الصراع الذي يتخذ كل الأشكال الممكنة ويزعزع الاستقرار الضروري لضمان إقلاع اقتصادي تنموي شامل .
- باستغلال نظام اقتصاد الريع واستغلال للثروات الوطنية بدون رقيب أو تحت رقابة منظمة مغلفة، وهذا ما ظهر في سرقة الرمال بأكثر من شاطئ واستغلال المعادن والأسماك بأعالي البحار- نموذج سيدي افني والانتفاضة الأولى والثانية  كرد فعل على النهب الممنهج-… مما يفوت على الدولة عائدات مهمة قادرة على لعب دور مهم في التنمية المستدامة وعلى الجهات فرصة الانعتاق  والخروج من التهميش والتفقير.
في ظل هذا الاستغلال الرأسمالي البشع ألم يكن من حق المواطنين المقهورين الدفاع عن حقهم المشروع في العيش الكريم والمطالبة بالتوزيع العادل للثروات؟ ففي كل محطة نضالية تتوجه أصابعالاتهام إلى الشركات القوية الاحتكارية التي لا تعرف حدودا للاستغلال وانتهاك للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل عمق حقوق الإنسان.
فالشركات التي تضطلع بهذا الاستغلال تتحرك تحت مظلة اقتصاد الريع المتجذر  لدينا مند الستينيات، متحكمة في القطاعات الاقتصادية الحيوية (النسيج، الفوسفاط، الصيد البحري، المعادن… بجانب القطاعات العالية التكنولوجيا والتصدير والاستيراد و السياحة)،إذ كانت كل السياسات التنموية تعمل لصالحها سواء في التركيز والتمركز لدرجة أن مكنتها من احتلال المراتب الأولى ضمن الشركات القوية (مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، اتصالات المغرب و أونا ) التي اكتسبت مع الزمن طابعها الاحتكاري مما جعلها تفرض توجهها بتحريك كل الآليات التشريعية والسلطوية بما فيها القمعية.
إن الجماهير الشعبية المتضررة من أوضاع قاسية  تترتب عن الاستغلال وسوء التدبير تتحدى الصبر لتخرج تلقائيا إلى الشارع لتعبر بصوت عال عن غضبها واحتجاجها، إلا أن آليات القمع الوحشي تصادر هذا الحق الطبيعي في التعبير، لقد حققت الخطوة الأولى بكل جرأة وإن كانت غالية الثمن، لتتجه نحو البحث عن تنظيم ذاتها لابتكار أساليب نضالية كفيلة بصيانة مكاسبها وإيصالها إلى تحقيق طموحها في العيش الكريم .
                                                               
سيدي سليمان في 20 اكتوبر2008