الجمعة، 4 ديسمبر 2009

حـــــالـــة 1


حـــــالـــة 1

مصطفى لمودن
مرات قليلة تستغفلك شمس الصباح فتتلصص عليك بأشعتها من كوة على جدار غرفتك، لتجد جفونك مضمومة، أنت تطلع يوميا من فراشك قبل بزوغها هي مشرئبة من شرق دائم ثابت في مكانه، ليس لأنك تؤمن بمقولة" النواض بكري بالذهب مشري"، وليس لأنك تسابق شمسا اعتادت على نفس التوقيت منذ الأزل، ولكن، لأنك ببساطة لا تستطيع ذلك، أنت مرغم، ينتظرك عمل يومي عبره توفر قوتك وخبز عيالك، تعرف أنك لو بقيت يوما واحدا مستدفئا في سريرك الواطئ، فذلك سيكون على حساب حاجيات ضرورية وملحة بالكاد تحصل عليها، أو على جزء منها… أجرتك هزيلة رغم كل سنوات العمر التي قضيتها في أشغال مختلفة، تناوبت على أعمال عديدة، أو بالأحرى هي التي تناوبت عليك، منذ بداية شبابك تصلب عودك، لم تعرف الراحة إليك سبيلا، لم تفكر في عطلة قصيرة، أو إجازة تقضيها بعيدا عن سكناك، قليلا ما تسافر إلا لحاجة ملحة، ليس من حقك أن تمرض، إذا تصادف ووقع ذلك ستكون النهاية كما تردد دائما مع نفسك ومع مقربيك، ومن أين لك بنفقات الاستشفاء والدواء؟ تسمعهم يتحدثون عن الضمان الاجتماعي والتقاعد ومنْح العطل والتعويض عليها و… تعظ على شفتيك وتجذب نفسا عميقا من هواء ما زال مجانيا يحيط بك، وتتذكر كل من تعرفهم من أمثالك.
تجد نفسك كل يوم في معارك لا تنتهي مع الدقيق والزيت والسكر… تعتقد أن هذه الضروريات البسيطة لبقائك أنت وأسرتك الصغيرة كأنها تجري بسرعة فائقة، كأنها تغالب الرياح وتقفز كل الحواجز، وأنت المنهك تتبعها، تلوّح علّها تنتظرك، لكنها تبتعد وتبتعد، أحيانا تلتفت فتلاحظ أسنانها المكشرة وابتسامتها الهازئة… غالبا ما يراودك هذا الحلم المزعج، تفيق مذعورا، تفرك جفنيك، وتتحسس أطرافك، وتنعل الشيطان والزمن، وتعود لنومك… قبل سنوات انضاف إلى قائمة الحاجيات الضرورية الماء والكهرباء… لا غنى عنهما كما تعرف وكما تذكرك الزوجة عند حلول الفاتورة، بالإضافة إلى نفقات طفليك، تحبها كثيرا، تراهما يكبران يوميا كشجرة مباركة، فتحس فعلا بأنهما قطعتان من كيانك يمشيان، تنعشك رعايتهما، تسر كثيرا وأنت تراهما يروحان محملين بمحفظتيهما نحو المدرسة، وتفرح أكثر بنتائجهما الدراسية الجيدة، تقول مع نفسك هذا أهم تعويض عن تعبي وشقائي، وتزداد حماسا للعمل والقيام المبكر وتحمّل العناء الذي ينتظرك يوميا.
ـ يتبع ـ