الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

حول الوضع السياسي بالمغرب، الانتخابات، الأحزاب، دور اليسار…


حول الوضع السياسي بالمغرب، الانتخابات، الأحزاب، دور اليسار… 
عبد الرحيم الوالي(*) الصحفي بوكالة الأنباء الدولية آي بي إس يجري حوارا مع مصطفى لمودن

1 ـ في أول انتخابات شهدها المغرب سنة 1963 "فاز" حزب مستشار الملك وصديقه أحمد رضا اكديرة. وفي سنة 1977 أسس أحمد عصمان، صهر الملك وصديقه وزميل دراسته، "التجمع الوطني للأحرار" الذي التحق به 141 نائبا برلمانيا، وفي سنة 1984 تكرر السيناريو نفسه مع حزب الاتحاد الدستوري الذي أسسه الوزير الأول آنذاك المعطي بوعبيد، ونفس السيناريو يتكرر الآن مع حزب الأصالة والمعاصرة.
أي قراءة يمكنكم تقديمها لهذا المسار منذ سنة 1963؟
هل يمكن القول إن المؤسسة الملكية كانت و ما تزال تلجأ إلى اصطناع أحزاب للتحكم في الأغلبية البرلمانية وفي تشكيل الحكومات المتعاقبة؟
هذا هو المؤكد، بما أن الظرف الزمني يقتضي إتباع« الديمقراطية» وجعلها أسلوبا في الحكم، أي أن تكون هناك انتخابات وأحزاب وصحافة… حتى نعطي انطباعا مناسبا للخارج، ونجعل الشركاء الاقتصاديين الخارجيين والحلفاء في المجال السياسي والدبلوماسي يحصلون على مبرر المساندة لنا (حفاظا على مصالحهم) أمام شعوبهم وبقية مؤسساتهم التي تراقب وتحاسب على كل صغيرة وكبيرة، بمعنى أن اللعبة الديمقراطية في المغرب موجهة أساسا لحاجة خارجية، ثم لسحب المشروعية «النضالية» من بعض الفئات، والتي كان يمثلها إلى وقت قريب الحركة الوطنية، ثم اليسار السبعيني، وقد زورت الانتخابات باستمرار، وانتهجت كل السبل الممكنة حتى لا يحصل هؤلاء على أي نسبة مهمة من أصوات الناخبين، وبالتالي يحصلون على «شرعية تمثيلية» قد تدفعهم إلى رفع سقف مطالبهم، من أجل ديمقراطية حقيقية، والتحول إلى دولة المؤسسات… فعلا التاريخ يكرر نفسه بشكل سيء، لكن خسائر المغرب جراء ذلك لا تحصى.

2 ـ ما هي في نظركم أسباب تراجع اليسار المغربي على مستوى نتائج الانتخابات؟
لقد عبر اليسار المغربي باستمرار عن حسن نيته ورغبته في المشاركة من أجل صالح البلد، باستثناء بعض الفترات القليلة، خاصة عندما أغلقت كل الأبواب في فترات معينة من تاريخ المغرب الحديث، فاختار البعض توجها أكثر راديكالية. المشاركة في الانتخابات بدافع الإيمان بأن الحكم يجب أن ينطلق من صناديق الاقتراع، ورغم عدم توفر ضمانات نزاهة تامة للانتخابات، بدأت بالتتابع تفضل فصائل اليسار الانخراط، وقد كان الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية سباقين إلى ذلك، والتحقت بعد ذلك منظمة العمل الديمقراطي الشعبي… لكن لم يحدث أن حقق اليسار في المغرب نتائج باهرة، بحيث لا يمكن وقوع ذلك في ظل شروط الانتخابات في المغرب، المتسمة بالتزوير، وشراء ذمم بعض الفئات الناخبة، وضعف تغلغل اليسار في البادية… لكن يجب التأكيد كذلك على تشرذم «الأسرة اليسارية»، هناك على الأقل سبعة أحزاب يسارية تنافست فيما بينها خلال الانتخابات الأخيرة، كما يجب ألا ننسى مشاركة الاتحاد الاشتراكي (أهم حزب يساري) في الحكومات الأخيرة منذ سنة 1998، والحصيلة غير المقنعة التي ترتبت عن ذلك، بالإضافة إلى حرقه لماضيه «النضالي» دون حصوله على ضمانات دستورية بعد سنوات طويلة من شحذ الهمم، وتقديم التضحيات الجسام، ورغم ذلك سيذكر التاريخ بأن مناضلا مثل ذ. عبد الرحمان اليوسفي قد ضحى من أجل وطنه، لكن تمت «التضحية» بحزبه، وببعض تألق فكرة اليسار عموما. على اليسار أن يعود لارتباطه بالجماهير ويوحد صفوفه، ويبدع آليات تواصل حديثة.

3 ـ بعد أن ظهر واضحا تقدم حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات الأخيرة وصار من الوارد تزعمه للحكومة في المستقبل، ما هي في نظركم الخيارات المفتوحة أمام أحزاب اليسار المغربي؟
كما سبق أن ذكرت، التوحد، الاحتكام إلى الديمقراطية في تسيير دواليبه الداخلية، الارتباط بهموم الجماهير الشعبية، خلق آليات تواصل مقنعة، خاصة على مستوى الشبكة العنكبوتية والفضائيات التلفزية، توحيد المنظمات الجماهيرية الموازية، التركيز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع، وخلق آليات تكافل اجتماعي… لكن كل ذلك يتطلب توضيح الرؤية، والصدق في الفعل والقول، ومواجهة كل أشكال الانتهازية.

4 ـ شهدت مرحلة ما بعد الانتخابات توترا كبيرا بين حزب الأصالة و المعاصرة من جهة، وحزب العدالة والتنمية من جهة أخرى. ما هي في نظركم أسباب هذا التوتر؟ و هل يرتقب أن يجري الصراع السياسي في المستقبل القريب بين الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية في غياب تام لليسار؟
التوتر حصل حول التنافس على استقطاب الأعيان، ثم حول تشكيل المكاتب في مجالس المدن والجماعات الحضرية، وقد فطن منذ البداية حزب العدالة والتنمية إلى  أنه هو المستهدف أساسا من إخراج حزب الهمة إلى الوجود (الأصالة والمعاصرة)، فأمام الفراغ الحزبي الذي وقع في الساحة السياسية بفعل مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومات، وأمام تشبث الناس العاديين بالجديد ومن له «الطهارة» السياسية بسبب عدم مشاركته سابقا في التسيير، وإعطاء الإحساس بأن هناك أمل في التغيير، خاصة بالنسبة لمن يمزج بين «الدعوة» والدعاية، ويخلط الدين بالسياسة… من جهة ثانية لا تريد الدولة أن تقصي أحدا بالقوة في هذه الظروف الحالية، لكن في نفس الوقت تسعى بكل السبل حتى لا يحصل أي طرف على أغلبية، خاصة من قبل حزب إسلامي، مما قد يغير نظرة الشركاء الخارجيين إلى المغرب، ويهدد تعاونهم مع المغرب، رغم كل رسائل الاطمئنان التي قدمها حزب العدالة والتنمية، لهذا خططت الدولة وسعت إلى إعادة تجربة الماضي، وشكل أحد المقربين من القصر حزبا، يجمع بين أطياف ذات انتماء يساري سابق وأخرى يمينية مغرقة في التهافت على المناصب. وبحسب خبرة المؤسس الفعلي للحزب المذكور أثناء  تسييره دواليب وزارة الداخلية، فقد كان اللجوء إلى ترشيح الأعيان خيار لابد منه لتحقيق نتائج جيدة خاصة في العالم القروي.

5 ـ عرفت الانتخابات المحلية الأخيرة ـ حسب الأرقام الرسمية ـ ارتفاعا بالمقارنة مع انتخابات البرلمان في شتنبر 2007. كيف تقرؤون هذا الارتفاع في نسبة المشاركة؟
أولا لا يمكن دائما تصديق الأرقام التي تدلي بها الجهات الرسمية، ثانيا الانتخابات المحلية لها طابع خاص، بحيث تكون نتائجها على سبيل الافتراض لها علاقة بحياة المواطنين في محل سكناهم، ثم تدخل العلاقة الأسرية والقبلية في التنافس بين المترشحين، فيكون واضحا عامل مساندة أخي على ابن عمي، وابن عمي على الجار…الخ، دون ذكر نتيجة خيوط الانتفاع التي ينسجها بعض المستشارين من موقع المسؤولية  مع منتهزي الفرص ومحصلي منافع في المدن والقرى، من منح رخص، وغض الطرف عن استغلال الملك العام… مما يضمن للمستشارين نسبة قارة من المصوتين باستمرار، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية أو النتائج المحصل عليها. لكن نحن نحبذ ارتفاع نسبة المشاركة وندعو لها، فقط على الأطراف المتحكمة في«اللعبة» أن تراعي الصالح العام أساسا، وليس صالح فئات قليلة، وأهم حاضن للديمقراطية هم المقتنعون بها حقيقة.

6 ـ هل يمكن القول إن قوى المعارضة البرلمانية اليسارية السابقة كانت ضحية مسلسل التناوب التوافقي؟
أكيد، هذا ما وضحته سابقا. خاصة عندما وقعت على صك أبيض، وقد رأينا كيف كان اليوسفي الوزير الأول آنذاك يشتكي من جيوب المقاومة، بل ولم يسمح له حتى بعقد اجتماع مع الولاة والعمال، إلا بشروط خاصة… لقد ساهم ذلك في «انتقال سلسل للحكم» كما يقال بعد وفاة الحسن الثاني، وبعد ذلك تم الرجوع لسابق السلوكات، مثل تأسيس حزب في آخر لحظة وحصوله على الأغلبية.

7 ـ ما دور غياب الديمقراطية الداخلية في أحزاب اليسار في تراجع شعبية وأداء هذه الأخيرة؟
ليس بالضروري القول بأن هناك غياب تام للديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب، المؤتمرات تكون بشكل ديمقراطي، الانتدابات وانتخاب الأجهزة، ومناقشة الأوراق والمقررات… كل ذلك تاركمات إيجابية حققها اليسار منذ البداية قبل أحزاب أخرى، أحيانا تقع بعض الهفوات على مستوى التنفيذ، مثل الخيارات التي أقدم عليها محمد اليازغي عندما كان كاتبا لحزب الاتحاد الاشتراكي فرشح أعضاء  من حزبه للحكومة دون استشارة بقية أعضاء المكتب السياسي، وقد أدى الثمن غاليا على ذلك، على العموم تعرف جل أحزاب اليسار ديمقراطية داخلية حقيقية، من يقول العكس لم يعش التجربة. أما تراجع الشعبية فله عوامل أخرى ذكرنا بعضها سابقا. مشكلة أحزاب اليسار هي كيفية تدبير الخلافات دون اللجوء إلى انسحاب أطراف وتكوين أحزاب جديدة عند كل خلاف.
8 ـ إلى أي حد يمكن الحديث عن مسلسل ديموقراطي فعلي بالمغرب في ظل استمرار صنع الأحزاب من طرف الدولة؟
مادام ليس هناك إصلاح دستوري يقر بفصل السلط، ويعطي صلاحيات فعلية للحكومة، ويقر بجهوية ذات صلاحيات موسعة، ويجعل الناخب مقتنعا بأن صوته سيكون له تأثير على صنع القرار، فغير ذلك لن يجدي نفعا في الإقناع بحصول ديمقراطية.

9 ـ ما هي انعكاسات هذا التحكم من طرف المؤسسة الملكية في المشهد الحزبي على مصداقية العمل السياسي جماهيرياً؟
هناك حملة ضد مفهوم الحزبية، ضد الحزب الفاعل والنشيط والمقترح والمشارك في الحكم… تشارك في هذه الحملة للأسف حتى بعض الجرائد التي تتبع أسلوب الشعبوية وبعض الأقلام التي تغمس حبرها من مداد الانتهازية واهتبال الفرص… لم يعد ضروريا أن يناضل المواطن (ة) داخل حزب سياسي محترم، ليصل إلى مواقع المسؤولية، ذلك يتطلب منه عناء وتفادي مزالق في الطريق قد تكون عاقبتها وخيمة، لأن أغلب الأحزاب ليست حتى سيدة قراراتها، قد يتم استوزار البعض باسمها، قد يطلب منها الدخول أو الخروج من الحكومة في أي وقت فتستجيب حتى دون توضيح ذلك للرأي العام، هناك أحزاب تبعث رسائل ضمنية باستمرار إلى المواطنين بأنها تظم جماعة من الانتهازيين، وكل من رغب في تحمل نفس الصفة عليه الالتحاق ببعضها، حتى يتسنى له قضاء مآربه بدون مشاكل. لهذا تعرف هذه الأحزاب منتمين لها ينقلبون عليها في أول منعطف تظهر لهم فيها فرص أوفر… وكل هذا ليس بريئا، لقد رأينا كيف تم التراجع عن تطبيق القانون الذي أقره الجميع لمنع «ترحال » النواب، كما تنص على ذلك المادة الخامسة من قانون الأحزاب، عندما ظهر أن حزب الأصالة والمعاصرة سيكون أول المتضررين بسبب رفض ترشيح هؤلاء الرحل في لوائحه الانتخابية… فكيف بعد كل هذا يصدق الناس تواجد ديمقراطية في المغرب؟

10 ـ هل يمكن القول إن الانتخابات في المغرب، منذ سنة 1963، أشبه بالخدعة البصرية؟
لم يعد الآن من المستساغ إعادة تلك التجارب، ذلك يسيء إلى المغرب كثيرا، ويجعل نخبا كثيرة منه تفضل الانزواء عوض أن تشارك في بناء المغرب، ولكل واحد أن يلاحظ مستوى أغلبية المستشارين بالجماعات المنتخبة، بل وحتى مجلس النواب بغرفتيه، لم نعد في زمن الحرب الباردة، ودواليب الدولة أصبحت أقوى، ولن يخشى عليها من سوء، لكن الإشكالية الموجودة هي أن نخبة مستفيدة من موقع المسؤولية أو المقربة من الإدارة هي التي تقف حائلا ضد المشاركة الشعبية في صنع القرارات على المستوى المحلي والجهوي والوطني خوفا على مصالحها، وعلى ما راكمه البعض من ثروات مشبوهة.


—————————
(*) نص المراسلة التي توصل بها مصطفى لمودن المشرف على مدونة سيدي سليمان، وقد جرى الحوار عقب الانتخابات الجماعية الأخيرة وتشكيل "المجالس".
الصديق العزيز الأستاذ مصطفى لمودن،
تحية طيبة،
صدر لكم بتاريخ 12 يونيو 2009 مقال حول موضوع: " رهانات الانتخابات الجماعية ل 12 يونيو 2009 في المغرب" بموقع الحوار المتمدن.
و نتشرف في وكالة الأنباء الدولية آي بي إس أن نلتمس من كريم عنايتكم التفضل بإجراء حوار صحفي حول نفس الموضوع علاقة بمقالكم المذكور.
و وكالة الأنباء الدولية آي بي إس وكالة أنباء مستقلة، يوجد مقرها الرئيسي بالعاصمة الإيطالية روما، و يشرف على عملها في منطقة البحر الأبيض المتوسط مكتبها الإقليمي الأورومتوسطي من العاصمة الألمانية برلين.
و تأسست الوكالة سنة 1964، و يصدر إنتاجها بأزيد من عشرين لغة عالمية، و يوزع الإنتاج على أزيد من 800 صحيفة و مجلة عبر العالم تروج ما مجموعه أزيد من 5 ملايين نسخة.
مزيد من المعلومات عن الوكالة على موقع مصلحتنا الدولية:

أو على موقعنا:

أو عبر موقعي الشخصي:

و في انتظار ذلك أرجوكم أن تتقبلوا فائق التقدير و الاحترام.
عبد الرحيم الوالي
مراسل الوكالة بالمغرب