الجمعة، 11 ديسمبر 2009

أسئلة غرباوة، فمن يجيب ؟


أسئلة غرباوة، فمن يجيب ؟
 
حميد هيمة

يحمل واقع حال منطقة الغرب، بشكل عام، مفارقة غريبة: أولا، فهي المنطقة السهلية؛ التي تنفرد بخصائص طبيعية متكاملة ومنسجمة وظيفيا. وثانيا، منطقة موشوم على جسدها، المثخن بالجراح، كل عاهات الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي؛ وكأنها تحمل لعنة أسطورية، ولنقل بلغتنا "التابعة "، تطاردها في حاضرها كما طاردتها في ماضيها المقبور. منطقة أريد لها أن تسير وفق إيقاعات زمنية مجرورة إلى الوراء ضدا على قانون التدفق الزمني نحو المستقبل. والمحصلة، تربع جهة الغرب الشراردة بني أحسن على المواقع المتأخرة، بشهادة رسمية مصادق عليها، في ترتيب الجهات المغربية على قاعدة أبعاد مؤشرات التنمية البشرية.
كيف يمكن لأبناء الغرب أن يستوعبوا هذا التناقض الصارخ؟ منطقة غنية طبيعيا، و لكنها على حافة التنمية. إنه السؤال الذي يتملك أذهان كل أبناء المنطقة. فبمجرد انطلاق أي نقاش بين الساكنة الغرباوية، في سياق عائلي أو اجتماعي أو مهني، حتى يتدفق سيل من الأسئلة الملتهبة: لماذا منطقة الغرب تعيش هذا "القدر" البئيس؟ من المسؤول عن صناعة بؤس المنطقة؟ و كيف يمكن اليوم للمنطقة الانفلات من قدر البؤس المكتوب عليها في "حجاب" السياسة الراهنة؟
قد لا يتفق العديد من القراء أو المتتبعين على منسوب الصياغة التعبيرية لهذه الأسئلة / القلق النابع من عمق الشعور بالغبن، لكن الإجماع مؤكد و ثابت في شأن الإقصاء التنموي لمنطقة الغربن فواقع الحال لا يرتفع.
هذا الواقع هو الذي حول أبناء الغرب كمعاول بشرية تمتهن أعمال عضلية شاقة، فحيثما اتجهت في المغرب أو خارجه ستجد غرباوة يتأبطون الفؤوس والمعاول لشق الأساسات الأرضية للبنايات؛ بعد أن لفظتهم أقسام تعليمية نائية في دواوير تفتقر لأبسط شروط الكرامة الإنسانية. دواوير تعيش على إيقاع الزمن الماضي الموغل في القدم، حيث تنعدم أدنى الخدمات الاجتماعية الأساسية، دواوير تحت رحمة وشفقة الطبيعة؛ وعندما تغضب هذه الأخيرة، وتعلن عن رجوعها إلى "الوطن الأم" ( بحكم أن المنطقة كانت عبارة عن مستنقعات وضايات، عملت السلطات الاستعمارية على تجفيفها وتحويلها إلى استغلاليات فلاحية ).  
فيضانات فبراير 2009 التي عمت سهل الغرب
و يرفع غرباوة صوتهم احتجاجا  على الطبيعة أو السياسة، يتعرضون لكل أشكال الاعتداء والضرب ( حالة الخنيشات نموذجا).
إن جهات عديدة تستفيد من تأبيد الوضع القائم في منطقة الغرب: جهات تنهش الثروة وتمتلك النفوذ السياسي اللازم لتغطية عملية النهب. جهات تستفيد من "عدم" وجود نخب  محلية ملتزمة، وغير متساكنة أو متصالحة مع الوضع القائم. يحز في نفسي، كما يحز في نفوس كل أحرار المنطقة والوطن، حالة التردي التي وصلت إليها المنطقة. هذه الحالة، التي تعطل أي تطور تنموي للوطن ككل.
أعتقد، أن الدولة مرهقة بخطابات التجميل. فكل الجهات المسؤولة جهويا تكرر، بشكل ببغاوي، لازمة " العام زين" حفاظا على مصالحها الأنانية. في حين أن واقع المنطقة، كما تشهد بذلك تقارير رسمية، واقع سيء على كافة الصعد والأوجه؛ انعدام البنيات التحتية هذا ما تفضحه سنويا الفيضانات، غياب المشاريع التنموية في الصحة، التعليم، التشغيل ،،، الخ. هذا الواقع غير المشرف للمنطقة، بات معروفا عند الجميع باستثناء من صنعوه أو المستفيدين منه. واقع يتأسف عليه البعيد قبل القريب. أذكر أن أحد أصدقائي، ينحدر من إقليم الرشيدية، ارتسمت في ذهنه نفس المفارقة التي أشرنا إليها منذ البداية، لكنه أضاف بعدا أكثر عمقا، يستحق أن أشارككم فيه. قال:" ممكن أن أتفهم تردي  وضعية منطقة الراشيدية، بحكم انعدام الموارد وشح الطبيعة وإقصاء السياسة ووجود المنطقة في قلب "المغرب غير النافع".  لكنني لا أفهم أسباب وخلفيات  – يضيف صديقنا - تردي أوضاع منطقة الغرب، بحكم وفرة الموارد ونعمة الطبيعة وتوطن المنطقة في قلب المغرب النافع". وعطفا على ذلك نتساءل: كيف تحولت منطقة الغرب الغنية إلى منطقة فقيرة؟ من المسؤول عن ذلك؟ ما حدود مسؤولية السلطات و النخب الجهوية ،،، ؟
هذه بعض من الأسئلة التي يطرحها غرباوة يوميا، فمن يجيب؟