الاثنين، 12 يوليو 2010

في إطار تخليد الذكرى (31) لتأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان قراءة في نتائج المؤتمر التاسع: الالتباسات المرجعية والأزمة التنظيمية الخانقة للجمعية.


في إطار تخليد الذكرى (31) لتأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
قراءة في نتائج المؤتمر التاسع:
الالتباسات المرجعية والأزمة التنظيمية الخانقة للجمعية. 
محمد الصابر، حميد هيمة، خالد كوي، محمد السكتاوي
القنيطرة : حميد هيمة.
نظم الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة القنيطرة، مساء  يوم الخميس 08/07/2010 بقاعة غرفة التجارة والصناعة والخدمات،  ندوة لتسليط الضوء على نتائج المؤتمر التاسع للجمعية المغربية لحقوق الإنسان. باعتباره مؤتمرا أثار جدلا واسعا في صفوف المناضلين وفي محيط الجمعية، وهو ما دفع الفرع المحلي بمدينة القنيطرة، كما أشار المسير، لتنظيم هذه الندوة لتوضيح ظروف وملابسات ونتائج هذا المؤتمر. وقد حضر في هذه الندوة الحقوقية عدة هيأت حزبية ومنظمات شبيبية ومركزيات نقابية.

1- الأستاذ محمد السكتاوي : الإنسان قبل السياسة.
- أسس رئيس أمنستي – المغرب عرضه المتمحور حول " قواعد الحياد والاستقلالية في الهيآت الحقوقية "، بتفكيك مفهومي الحياد والاستقلالية في الهيآت الناشطة في المجال الحقوقي؛ باعتبارهما شرطين أساسين للفعل الحقوقي الموضوعي  الذي ينحاز ل "الإنسان قبل السياسة ". ثم انتقل لاقتراح وطرح عدة آليات إجرائية تساهم، حسب الأستاذ السكتاوي، في تحصين المنظمات الحقوقية من الانحراف عن مبدأ الحياد أو السقوط في تبعية حزبية أو سياسية تضرب في العمق استقلالية المنظمة الحقوقية. وتناول العرض بالتحليل، من الناحية المنهجية، شروط الحياد والاستقلالية وآليات بلورتهما في صياغة وبناء المواقف الحقوقية. فيما يلي أهم خلاصات العرض:

أ-  تفكيك مفاهيمي للحياد و الاستقلالية.
- إذا كان الحياد، حسب رئيس فرع امنستي - المغرب، هو مقاربة القضايا المختلفة بروح الانفتاح و بدون تحيز مسبق أو ذاتية أو خلفية معينة، بما يمكن من إصدار القرارات، فقط، على أرضية وقيم حقوق الإنسان الكونية؛ فإن الاستقلالية، هي أن تكون المنظمة قادرة على بلورة المواقف خارج أية وصاية أو تأثير خارجي لأية سلطة سياسية أو مالية أو عقائدية ،،، الخ.

ب-  مجالات تطبيق قواعد الحياد و الاستقلالية.
- حصر الأستاذ " محمد السكتاوي "، مجالات تطبيق قواعد الحياد والاستقلالية في ثلاث مجالات، وهي : مجال تقصي الحقائق المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان، مجال الأبحاث واتخاذ القرار، مجال تنظيم الحملات والأنشطة الإعلامية والنضالية.  وتتفرع عن كل مجال عدة أنشطة تفصيلية، اقترح، من خلالها الأستاذ " السكتاوي محمد "، آليات إجرائية لتأمين حياد واستقلالية المنظمات الحقوقية. وفي ختام مداخلته، أكد المحاضر على ضرورة التزام الجمعيات الحقوقية بقاعدتين ذهبيتين، وهما: أولا، عدم تأييد أو معارضة الحكومات والأنظمة السياسية. ثانيا ،عدم تأييد أو معارضة أراء الضحايا. كما شدد على أن النضال الحقوقي يجب أن يركز على قضايا حقوق الإنسان بعيدا عن أي اديولوجيات الحكومة أو معتقدات الضحايا: الإنسان قبل السياسة. 
2- الأستاذ محمد الصبار: الجمعية تعاني من التباسات مرجعية وأزمة تنظيمية خانقة.
 - في بداية مداخلته، أكد الأستاذ " محمد الصبار "، القيادي السابق في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، على ضرورة الدفاع عن هذا الإطار الحقوقي من منطلق كفاحي، تعددي وديمقراطي. لكنه، أضاف أن الانتساب للجمعية لا يعفي مناضليها ومناضلاتها من مناقشة وتدارس الأزمة التنظيمية والالتباس الفكري للجمعية، كمحصلة لممارسات هيمينة وغير ديمقراطية. وقد شكل المؤتمر التاسع للجمعية لحظة إعلان عن هذه الأزمة المركبة، لكن الوجه الإيجابي لهذه الأزمة هو تحرير النقاش ونزع القدسية عن هذا الإطار الحقوقي المناضل، وإشراك المجتمع في مناقشة قضاياه الداخلية. كما نبه إلى أن الانكباب على تدارس مشاكل الجمعية لا يروم تبخيس الفعل الحقوقي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان. وقد تركزت مداخلة الأستاذ "محمد الصبار " حول القضايا التالية: حيثيات ونتائج المؤتمر التاسع، مظاهر الأزمة المركبة، الحصيلة… فيما يلي تركيز لأهم مضامين المداخلة:

أ-  المؤتمر التاسع  : نجاح شكلي و فشل المضمون الديمقراطي. 
- اعتبر الأستاذ "محمد الصبار " أن المؤتمر الأخير للجمعية عرف نجاحا شكليا، من حيث احترامه لبعض المقتضيات الشكلية: انعقاده في الزمن المحدد واستيفاؤه لجدول الأعمال وانتخاب اللجنة الإدارية والمكتب المركزي، إلا أن المؤتمر أفرغ من مضمونه الديمقراطي على خلفية عجزه / فشله في تدبير الاختلاف في عدة قضايا خلافية ( العلمانية، الأزمة التنظيمية، الصحراء المغربية ،،،)، ومصادرة تقارير اللجان وإحالتها، كأول سابقة في مؤتمرات الجمعية، إلى اللجنة الإدارية التي لم يراع في انتخابها احترام نمط الاقتراع السري أو لجنة الترشيحات، وهو ما يشكل خرقا قانونيا  وتنظيميا. إن طريقة فرز "الأجهزة " المنبثقة عن المؤتمر، يضيف الصبار، تحكم فيها هاجس الهيمنة العددية للتيار المهيمن، وهو ما  أدى إلى إقبار وتصفية التنوع الفكري والسياسي والعقائدي …الخ.

ب- الالتباسات الفكرية و المرجعية:
- تتعدد مظاهر الضبابية والالتباس الفكري والانحرافات التنظيمية للجمعية، على عهد القيادة الحالية، ويمكن الإشارة إلى مظاهرها، على سبيل الذكر لا على سبيل الحصر، في قضايا العلمانية والجماهيرية والتباس الهوية والأزمة التنظيمية وتغليب الموقف السياسي على التعاطي الحقوقي،  كأعطاب بنيوية ناجمة عن انحرفات مسترسلة للتيار المهيمن، فيما يلي تركيز لأهم أوجه وتجليات الأزمة التي تتخبط فيها الجمعية:

*سؤال العلمانية:  هل العلمانية مطلب حقوقي أم وصفة سياسية؟
إن العلمانية ليست مطلبا حقوقيا وإنما هي، حسب الأستاذ محمد الصبار،  وصفة سياسية، على اعتبار انعدام أي نص أو صك أممي في الشرعة الدولية يتضمن مبدأ العلمانية. وهذه الأخيرة ليست "معيارا" قاطعا لتحديد الطبيعة الديمقراطية لنظام معين من عدمه: ففي تركيا، خلال المرحلة السابقة، وفي اسبانيا الفرنكاوية كان نظامهما يقوم على فصل الدين عن الدولة، لكنهما لم تكونا دولتين ديمقراطيتين، بل دولتين استبداديتين. إن المطالبة بالعلمانية، واستدماجها في المطالب الحقوقية للجمعية، يؤشر، إلى جانب التباسات مرجعية أخرى، على ضبابية  في تحديد أولويات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على عهد القيادة الحالية، ويؤكد الالتباس الحاصل في القاموس الحقوقي ( الامبريالية، الدولة المخزنية ،،،الخ) غير المنسجم مع المرجعيات الحقوقية؛ الذي يعانيه التيار المهيمن على قيادة الجمعية.

*الجمعية بين طموح الجماهيرية و السقوط في  التجييش العددي:
ميز الناشط الحقوقي " محمد الصبار"  بين " الجماهيرية" والتجييش في الفعل الاستقطابي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حيث اعتبر الأولى، الجماهيرية، تقاس بمدى تأثير المنظمة الحقوقية في محيطها في سياق نضالها من أجل تنميط  وعي الجمهور وتشريبه الثقافة الحقوقية. وأوضح الصبار أن الجمعية سقطت ضحية للتجييش الكمي  في غياب البنيات الاستقبالية  وضعف التأطير والتكوين الحقوقي. بالمقابل، فالجمعيات الحقوقية هي قوة معنوية وليست قوة عددية.  واعتبر أن هذا التجييش العددي الخاضع لولاءات قبلية يوظفه التيار المهيمن على أجهزة الجمعية ل "حسم " القضايا الخلافية في إطار ديمقراطية شكلية تجهز على تنوع الحساسيات الفكرية والمقارباتية، وتؤسس لسيادة رأي وموقف وحيد للاتجاه المهيمن عدديا في المؤتمر الأخير للجمعية. وفي مقابل هذا التجييش الكمي، فإن الجمعية عجزت عن استقطاب نخب وأطر جديدة تعزز الموارد البشرية لهذا الإطار الحقوقي المناضل. 

* سؤال الهوية : هل الجمعية  منظمة ثورية أم حركة إصلاحية؟
- مهد الرفيق "محمد الصبار " جوابه عن السؤال المطروح في شأن هوية الجمعية بالتأكيد على أن دور المنظمات الحقوقية ليس هو الثورة على الأنظمة القائمة، وإنما ينحصر عملها في التمهيد لنضال الحركات الاجتماعية وتأطير الضحايا للدفاع عن حقوقهم وإشاعة الثقافة الحقوقية… وهو ما يجعل من المنظمات الحقوقية، وضمنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ضمن حركات إصلاح وتدرج تساهم في خلق فضاءات من الحرية ليتمتع الناس بحقوقهم. إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، على عهد التيار المهيمن عدديا، يشرح القيادي السابق في الجمعية ذاتها، يراد لها أن تتحمل فوق طاقتها وأن تقوم مقام الأحزاب والنقابات، كمظهر من مظاهر الانفلات في هوية وأدوار الفعل الحقوقي. وخلص المحاضر، إلى أن مهام الجمعيات الحقوقية ليست هي تحطيم الاستغلال، بل تلطيف هذا الاستغلال؛ باعتبار أن التغيير هو من مهام الأحزاب والحركات السياسية.
 
 
* قواعد العمل الحقوقي : هل التزمت الجمعية موقف الحياد في قضية الصحراء؟
- أسس الأستاذ " محمد صبار" مقاربته لهذا المحور، بالتأكيد على خلاصات العرض الذي قدمه الأستاذ " السكتاوي " في شأن قواعد الحياد والاستقلالية في العمل الحقوقي، حيث تساءل: هل الجمعية التزمت موقف الحياد في قضية الصحراء المغربية؟ وفي سياق إجابته عن السؤال المطروح، أكد المتدخل على ضرورة اضطلاع الجمعية بمهامها في فضح كل مظاهر الانتهاكات مهما كان مصدرها في الصحراء المغربية. واستغرب، في هذا الصدد، للصمت المطبق للجمعية، على عهد القيادة المهيمنة عدديا، إزاء العديد من الخروقات والانتهاكات الجسيمة الممارسة في مخيمات تندوف؛ والتي، أي الخروقات بمخيمات تندوف، تتعرض للإدانة من طرف العديد من المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان.  بالمقابل، نبه إلى السرعة في بلورة الجمعية لمواقف متسرعة، وذات خلفية سياسية، إزاء العديد من الأحداث في الأقاليم الجنوبية. وهو ما يعني، بالنتيجة، انعدام حياد الجمعية في هذه القضية.

ج –  انفجار الأزمة التنظيمية لحظة المؤتمر:
- شكل المؤتمر التاسع للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لحظة إعلان / انفجار الأزمة الكامنة في الجمعية. وهي أزمة مركبة، اتخذت عدة مظاهر، استحضر منها الأستاذ "محمد الصبار " الآتي: دلالة عدد المتحفظين / ات والمعارضين للتقارير الأدبية والمالية المعروضة على المؤتمر، الانسحاب من المؤتمر لمكونات معتبرة ووازنة داخل الجمعية، التراشق الإعلامي والصراع في الواجهات الالكترونية بين مكونات وحساسيات الجمعية، التفريط / الإجهاز على الديمقراطية النسبية، انتخاب جهاز مبتور وتخصيص مقاعد شاغرة للمنسحبين والمنسحبات، تعرض الجمعية لهجوم من طرف قوى معادية لحقوق الإنسان ،،، الخ. وأكد "محمد الصبار"، في معرض تسليطه الضوء على الأزمة الكامنة في الجمعية قبل المؤتمر، التي عدد منها: ضعف الحضور في الندوات الوطنية، ضعف الحضور في الجموع العامة للفروع، ضعف فاعلية العديد من الأعضاء ضمن (10000) عضو(ة) مبطق(ة)، مركزة مفرطة للقرار من طرف المكتب المركزي باعتباره صانع للقرار ومنفذ له في نفس الآن. وأشار المتدخل إلى سوء التدبير المالي من خلال تضخم في فواتير الهاتف، والإصرار على إصدار جريدة " التضامن "، كنشرة غير مقروءة حتى من لدن أعضاء الجمعية، وهو ما يستنزف ماليتها.

د- حصيلة حركية و فقر التراكم الفكري:
- أمام الالتباس الحاصل في إدراك هوية ودور الجمعيات الحقوقية، وبلورة مواقف حقوقية محكومة بخلفيات سياسية مسبقة، فإن حصيلة  الجمعية ضعيفة على المستوى التراكم الفكري قياسا إلى الإنتاج الفكري لبعض المنظمات الحقوقية الوطنية؛ حيث يلاحظ ، مثلا، غياب التقارير الموضوعاتية، الدراسات الحقوقية، التقارير الموازية ،،،الخ . وحدد الرفيق "محمد الصبار" طبيعة الحصيلة بكونها حصيلة "حركية " يغلب عليها الوقفات الاحتجاجية والقوافل التضامنية ،،، الخ.  

3- شهادات بدون قيود حول المؤتمر التاسع:
- هل نجح المؤتمر أم فشل؟ سؤال يكثف أهم التدخلات التي أعقبت العرضين الذين تقدما بهما الأستاذين "محمد السكتاوي" و" محمد الصبار".  فبالنسبة للعديد من التدخلات، اعتبرت أن المؤتمر التاسع كان ناجحا لعدة اعتبارات. من جانب أخر، نددت تدخلات أخرى بالهجوم الذي تتعرض له الجمعية من طرف قوى معادية لحقوق الإنسان، والتمست تأسيس لجنة للتضامن مع الجمعية. هذا وقد شددت العديد من المداخلات على فشل المؤتمر التاسع؛ بالنظر للانزلاقات التي تعرفها الجمعية وللالتباس الفكري والمرجعي. والانحراف في بناء مواقف حقوقية ذات أجندة سياسية في التعاطي مع قضية الصحراء والعلمانية…الخ. كما أثار المتدخلون مظاهر الأزمة التنظيمية التي تنخر الجمعية، والتي تمظهرت في الالحاقية الحزبية للجمعية، كممارسات غير ديمقراطية،  وتصفية الاختلاف بالاستناد على أغلبية كمية.