الأربعاء، 1 سبتمبر 2010


بأي حال تكون العودة إلى المدارس؟
 


قبل التلاميذ بأسبوعين تقريبا غدا يلتحق المدرسون والمدرسات بالمؤسسات التعليمية التي يشتغلون فيها، وذلك لتوقيع محضر العودة بعد عطلة صيفية بلغت ما يقل عن شهرين متتابعين. تكون العودة إلى العمل مشبعة بتثاقل وبطء، بل هناك من يشعر كأنه مكره على الرجوع… ليس هربا من العمل، وليس رغبة في المزيد من العطلة، ولكن لاعتبارات أخرى.
في هذا النطاق سأتحدث عن قطاع أعرفه، وهو التعليم الابتدائي بالعالم القروي.
أول عقبة كأداء تنظر المدرسين والمدرسات هو النقل والتنقل:
ـ غدا ستنتظر المعلمين والمعلمات آلاف سيارات الأجرة وسيارات النقل المزدوج وسيارات النقل السري والشاحنات.. كل أصحاب هذه العربات القانونية وغير القانونية، المناسبة والمتوفرة على حد أدنى من التجهيزات وشبه المعطوبة التي تسير بصعوبة… سيرفعون من دخلهم من جديد بعد عطلة كانت طويلة بالنسبة لهم.
غدا سيجد كثير من المدرسات والمدرسين، نفس السائقين، ونفس الأوساخ المتراكمة على الكراسي والمقاعد الخشبية بعربات النقل المزدوج، ونفس الحفر والمنعرجات الخطيرة التي "تزخر" بها طرق العالم القروي وقد استفحلت حالتها من سيء إلى أسوأ.
 ـ غدا سيستمع المدرسون والمدرسات لخطبة مملة يلقيها عليهم مدير المدرسة، رئيسهم المباشر وهو يحاول جهد ما استطاع نقل ما سمعه من خطب بالنيابة التعليمية، وما تحمله مضامين مذكرات وزارية وأكاديمية ونيابية خرساء بعيدة بآلاف الفراسخ عن واقع مزري بالمدرسة القروية.  
ـ غدا ستلفح حرارة فصلية قاسية وجوه المدرسات والمدرسين، وكثير منهم سيكمل مشواره الطويل مشيا على الأقدام للالتحاق بالمركزية، غدا سيتصبب "مشاة "التعليم عرقا، غدا سيتمنى بعض المدرسين والمدرسات الموت غرقا في نهر كبير عوض الحصول على هكذا تعيين كأنه يقود إلى باب جهنم.
ـ غدا سيتسلم المدرسون والمدرسات بعض الوثائق القليلة، كلائحة تلاميذ الفصل ودفتر التغيبات، وربما علبة طباشير أبيض، والمحظوظون سيحصلون على مسطرة طويلة وبركار. طبعا لن يتسلموا وسائل وأدوات تساعدهم في عملهم، والتي يسميها المنظرون ـ وما أكثرهم ـ الأدوات الديداكتيكية، لن تعطاهم كتب المراجع، لن يعطاهم حاسوب بمطبعته، لن يعطاهم عارض أفلام وصور، لن تعطاهم كرات ووسائل الرياضة التي يسمونها في مصطلحاتهم"التربية البدينة"، بل لن يتسلموا حتى أوراقا بيضاء تكفيهم وزر الأشغال المضنية التي تنتظرهم هذه السنة مع ما يسمى "التقويم الإدماجي"، بينما في الدول التي تقدر التعليم توفر لكل مستوى دراسي ميزانية خاصة به للوسائل التعليمية.
ـ غدا سيزور المدرسون والمدرسات مؤسسات التعليم بالعالم القروي ليجدونها في وضعية يرثى لها،  إذا لم تكن زارتها المواشي طيلة الصيف مخلفة بها كل أشكال الروث، فعلى الأقل ستكون بها أعشاش لا تحصى للعناكب، وكميات وافرة من الغبار، على المدرسة والمدرس إزالة ذلك في غالب الأحيان، وقد يجدان بعض العون من جيران المدرسة أو بضعة تلاميذ دفعهم حب الاستطلاع ليقعوا في الشرك.
ـ غدا كل عيون المغاربة ستكون مشرئبة نحو هذه "المدرسة" التي تذكر التقارير أنها تعيش وضعا استثنائيا، بحيث يكاد أن يكون الإجماع على فشل منظومة التدريس وكساد أفقها، غدا من جديد ستثار قضايا الميزانيات والتعيينات والمجهود المبذول.. لكن من الناذر أن يلتفت هؤلاء لمضمون ما يدرس، للمناهج والمقررات، لطول المقرر وضعف الفترات الزمنية المخصصة لكل مادة، لنوعية المدارس، ولانعدام توفر أدنى شروط ممارسة التدريس.. رغم كل محاولات الإصلاح والإنقاذ البطيء والمستعجل، لكن وضع البلسم على الجرح الحقيقي لا يتحدث عنه إلا قلة… وكل سنة وتلاميذتنا ومدرسيهم طيبون.

إشارة: هناك مدارس في العالم القروي تتوفر على نسبة مقبولة مما يطلب، وغالبا ما تكون هذه المدراس على جوانب الطرق الرئيسية أو داخل مراكز قروية