الثلاثاء، 5 أبريل 2011

د. المهدي لحلو أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط


د. المهدي لحلو
أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط 
الديمقراطية الناشئة في جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط كفيلة بخلق علاقات جديدة ومتجانسة ومتكاملة ومتوازنة مع دول الشمال.

 د. المهدي لحلو
أجرى الحوار مصطفى لمودن

 سؤال: ـ ما هي الانتظارات التي يمكن أن يترقبها المغرب ودول شمال إفريقيا من الاتحاد الأوربي؟
المهدي لحلو  يمر العالم العربي ومنطقة شمال إفريقيا على الخصوص بمرحلة غير مشهودة في تاريخهما، حيث تقذف ثورات الشباب بنظم دكتاتورية سواء في تونس أو مصر أو ليبيا، ليبزغ عهد جديد، يريد منه الجميع أن يكون عهد الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك عهد التطور الاقتصادي والنمو والانفتاح على المجتمع بكل مكوناته.
كل هذا فتح الطريق نحو بلدان أخرى في المنطقة للمطالبة بالديمقراطية وبحريات أكبر، وكذلك بنظام اقتصادي واجتماعي أكثر توازنا.
بارتباط مع هذا، وبما أن هناك علاقة وطيدة تربط الاتحاد الأوربي بشكل عام، وكل هذه الدول، يتبين من خلال المرحلة التي نعيشها أن هناك انتظارات جديدة خصوصا من طرف دول المغرب العربي، وهذه الانتظارات تكمن أساسا في أن تساعد دول الاتحاد الأوربي في بناء هذه الديمقراطية الفتية في دول شمال إفريقيا، و كذا أن تساعد في إعادة التوازن الاقتصادي والمالي والسياسي ما بين شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وأن تساهم بشكل أو بآخر، سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، في بناء دولة الحق والقانون في دول شمال إفريقيا، وكذلك في بناء اقتصاد متماسك، اقتصاد متطور، إلى جانب بناء قطاعات اقتصادية واجتماعية تخدم فعلا مصلحة المجتمعات في هذا الجانب من البحر الأبيض المتوسط. 
سؤال:ـ مباشرة بعد سقوط النظام التونسي والمصري، نرى هناك نية صريحة من الدول الغربية ومن أوربا بالخصوص من أجل الاستثمار في هاذين البلدين، هل هذا الشرط "الديمقراطي" بعد قيام الثورة هو كفيل بجلب الاستثمارات والمساعدة الأجنبية، خاصة من الاتحاد الأوربي؟    
المهدي لحلو من هذا المنطلق يظهر أن بناء الديمقراطية في دول شمال إفريقيا يبتغي توازنا جديدا ما بين المجموعتين الأوربية وشمال إفريقيا، بحيث أننا حتى الآن، كنا في تبادل غير متوازن مابين نظم ديمقراطية وهي الأوروبية وأخرى غير ديمقراطية وهي النظم العربية والشمال الإفريقية، والحال أن بناء الديمقراطية في الدول العربية وشمال إفريقيا على الخصوص يجعلنا نتحدث من الآن فصاعدا بنفس اللغة، وهي لغة الديمقراطية، وبالتالي هذا سيسهل التعامل فيما بيننا، على اعتبار أنه سيكون تعاملا مبنيا على المؤسسات وعلى دولة الحق والقانون، وهذا الذي سيعطي الانطباع بأن هناك استقرارا فعليا في بلداننا، مما سيجعل الاستثمارات الخارجية ترجع وترتفع في المنطقة، كما سيساهم في خلق إمكانيات جديدة للتبادل الاقتصادي والمالي ما بين  مجموعة الدول العربية وشمال إفريقيا والدول الأوربية. 
سؤال: ـ في نظركم، هل يفضل الاتحاد الأوربي أن يتعامل مع دول جنوب البحر الأبيض المتوسط بشكل منفرد أم يجب أن تكون هناك سياسات مندمجة؟ أي أن يتعامل مع اتحادات اقتصادية وسياسية كالمغرب العربي أو غيره، ما هي الطريقة الأفضل للاتحاد الأوربي؟  
المهدي لحلو:ـ  إلى جانب كل هذا كان هناك اعتقاد أن عدم التوازن الذي كان حاصلا حتى الآن بين دول الاتحاد الأوربي ودول شمال إفريقيا مصدره الأساسي أن دول الاتحاد الأوربي كانت تفاوض وتتعامل مع دول شمال إفريقيا بشكل أوحادي، مع كل دولة على حدة، وكان هذا نتيجة عدم تمكن دول شمال إفريقيا من بناء اقتصاد متكامل، كما أنها لم تفلح في بناء مجموعة اقتصادية ومالية وسياسية متكاملة عكس ما هو عليه الحال بالنسبة للاتحاد الأوربي، لاعتبار أساسي هو غياب الديمقراطية في هذه الدول.
التاريخ يشير إلى أن بناء الاتحاد الأوربي إرتبط ببناء الديمقراطية ودخول دول جديدة إلى الاتحاد الأوربي كالبرتغال واسبانيا واليونان، ارتبط كذلك بالبناء الديمقراطي في هذه الدول، وبالتالي البناء الديمقراطي الداخلي أساسي في أي منطقة من العالم كانت.
واعتقادنا هو أن ما يقع اليوم في العالم العربي سيسمح بقيام مجموعات اقتصادية ومالية متجانسة ومتكاملة، وهذا التجانس والتكامل هو الذي سيؤدي مستقبلا إلى البناء الفعلي لمجموعة اقتصادية في شمال إفريقيا،  وسيساعد على بناء علاقات جديدة ما بين شمال إفريقيا والاتحاد الأوربي، كما سيؤدي إلى الرقي بالعلاقات الأحادية الموجودة الآن، إلى علاقات ما بين مجموعتين لها شروط سياسية واقتصادية متجانسة، وبالتالي سيقوي من التواصل السياسي والاجتماعي بين المجموعتين، كما سيرفع من إمكانيات التبادل الاقتصادي و التجاري بين جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط وشماله…
 وبالتالي فالتوجه نحو الديمقراطية سيساعد بدون شك في بناء مجموعة اقتصادية واجتماعية متجانسة…
سؤال: ـ هل الغرب والاتحاد الأوربي خصوصا يرغب في قيام ديمقراطية حقيقية جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط؟ ونعطي مثلا بما صرحت به وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة ميشال أليو ماري في البرلمان الفرنسي حيث أنها اقترحت على النظام التونسي السابق مساعدة لقمع المظاهرات؟ وأخيرا كانت فرنسا وحدها تحلق خارج سرب الاتحاد الأوربي فيما يخص التعامل مع ليبيا، هل تظن أن هناك تصور واضح لمساعدة الديمقراطية الناشئة في دول جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط؟ 

المهدي لحلو: ـ إذا عدنا إلى هذا البناء الديمقراطي وهذه الثورة العربية التي ابتدأت مع نهاية سنة 2010، الظاهر أن المفاجأة كانت كبيرة بالنسبة لغالبية دول العالم، والمفاجأة كانت أكبر بالنسبة لدول الاتحاد الأوربي، بما فيها دول قريبة منا كإيطاليا واسبانيا وفرسنا على اعتبار العلاقات المتميزة التي كانت تربط ولا زالت بين كل هذه الدول والعالم العربي.
ما وقع هو أن دول الاتحاد الأوربي في مجملها تعاملت في أول الأمر بكثير من الانتظارية مع كل ما كان يحصل منذ أواخر 2010 في تونس أو في مصر. وبالتالي كان الانطباع هو أن بعض الدول كإيطاليا أو فرنسا لم تكن تحبذ هذا الانتقال الديمقراطي كما حصل.
أما الآن الواقع كذب كل التكهنات فيما يتعلق بانتصار الثورة التونسية والمصرية، وهذا ما جعل الدول الأوربية أمام خيار واحد وليس اثنين، وهو فعلا الاعتراف بالمد الديمقراطي في دول شمال إفريقيا والتعامل مع الشعوب والمجتمعات الديمقراطية في هذه الدول، وبالتالي وجب عليها تغيير النظرة في تعاملها مع دولنا.
هذا التعامل لن يكون مستقبلا مع أشخاص، بل سيكون مع مجتمعات ومع شعوب ومع مؤسسات.
الآن ما يقع في ليبيا هو شيء آخر، والذي ظهر أن النظام الليبي كان توجهه مختلفا عما عبر عنه النظام التونسي أو المصري السابق. حيث إنه حين رفضت الشعوب التونسية والمصرية الديكتاتورية غادر الديكتاتوريان هاذين البلدين. في ليبيا وقع تعنت من طرف النظام الليبي، وهذا آل إلى الوضع الذي نعرفه، وهو وضع في الحقيقية أكثر تشعبا من تونس ومن مصر، على اعتبار أن لبيبا دولة من بين المنتجين الكبار للبترول والغاز الطبيعي، وعلى اعتبار كذلك أن الوضع الداخلي والسياسي الليبي لم يكن بالوضوح الذي ظهرت به الثورة التونسية والثورة المصرية، وبالتالي وقع اضطراب في الموقف الأوربي، هذا الاضطراب دفع مثلا بفرنسا إلى أخذ موقف متقدم وهو الاعتراف ب"المجلس الوطني الانتقالي الليبي"، كما بادرت فرنسا في وقت معين ودعت إلى ضرورة الهجوم على ليبيا، وهذا ما وقع بعد إصدار القرار 1973  من طرف مجلس الأمن.
بارتباط مع كل هذه التحولات العميقة من الطبيعي الآن أن تطالب قوى التحرر والديمقراطية  والتقدمية في دول شمال إفريقيا من الاتحاد الأوربي أن يعيد النظر في تعامله مع شعوبنا، و أن يكون هذا التعامل متكاملا ومتوازنا في خدمة الاقتصادات والشعوب الأوربية، طبعا، ولكن أن يكون كذلك في خدمة المجتمعات وخدمة التنمية المستدامة داخل دول شمال إفريقيا، وليس تعاملا مبنيا على المصالح الخاصة والأحادية لدول الاتحاد الأوربي أو على مصالح بعض الأشخاص أو الحكومات في دول شمال إفريقيا. والحال أنه بالرغم من الخطابات التي كان يدلي بها المسؤولون في الدول الأوربية وفي الاتحاد الأوربي، وبالرغم مما تم الاتفاق عليه عند التوقيع على مسلسل برشلونة انطلاقا من سنة 1995، أو ما سمي سنة 2008 بالاتحاد من أجل المتوسط، إلى آخره… الذي كان ملاحظا من طرف الجميع عندنا هو أن العلاقات بين دول الاتحاد الأوربي وبين دول شمال إفريقيا كانت في غالبتيها علاقات جزئية أكثر منها اقتصادية ومالية وتجارية، وكانت علاقات غير متوازنة، بحيث أنه كان الميزان فيها يميل أكثر بشكل كبير لصالح دول الاتحاد الأوربي.
هذا إلى جانب أن دول الاتحاد الأوربي ترفض أن يكون بالنسبة لدول شمال إفريقيا تعامل بالمثل خصوصا فيما يتعلق بحرية تنقل الأفراد.
سؤال: ـ قد يتساءل البعض عما تقصدونه بالعلاقات الأكثر توازنا، سواء داخل الدول أو فيما يتعلق بعلاقة الدول مع بعضها البعض؟  
المهدي لحلو: ـ الديمقراطية الداخلية وبناء اقتصاد متماسك بين دول شمال إفريقيا سيؤدي لا محالة إلى هذا التوازن الذي نطلبه، وهذا المنحى سيمكن من بناء علاقات إنسانية جديدة مرتكزة على الخصوص على مبدأ حرية تنقل الأفراد بين شمال وجنوب البحر البيض المتوسط، وكذلك ما بين جنوب وشمال حوض البحر الأبيض المتوسط. من هذا المنطلق، من الممكن التأكيد أن التوازن الفعلي سيحصل حين يتم الاعتراف بالنسبة للمجتمعات في شمال إفريقيا بحرية تنقل الأفراد من الجنوب نحو الشمال، كما هو الوضع بالنسبة لتنقل الأفراد من الشمال نحو الجنوب.
و التوازن هنا يقصد منه علاقة الدول مع بعضها، وكذا أن تكون هذه العلاقة أساسا في خدمة مصالح الشعوب والمجتمعات. إن العلاقات التجارية والمالية والصناعية والسياسية التي كانت قائمة حتى الآن ما بين دول الاتحاد الأوربي ودولنا، كانت في غالبيتها لصالح الأسواق الأوربية ولفائدة الشركات الأوربية، على اعتبار أن هذه الشركات هي الأكثر تواجدا في التجارة المتوسطية والعالمية ، ونظرا كذلك لأن جزءا كبيرا من القطاعات الاقتصادية في بلداننا مملوك لشركات أوربية.
يمكن فعلا أن نتحدث عن العديد من القطاعات في المغرب وتونس ومصر.. التي تحتكرها  رؤوس أموال أوربية، وهذا الذي لا نجده بالنسبة لرؤوس الأموال الشمال إفريقية في دول الاتحاد الأوربي. لذا التوازن معناه أن تكون العلاقات المالية والاقتصادية فيما ذات ربح مشترك، وألا يستمر هذا الربح فقط لصالح من يمتلك رؤوس الأموال، والحال أن من يمتلكها اليوم هي الشركات الأوربية.

سؤالـ ماذا يغري الدول الأوربية في شمال إفريقيا؟ ما هي المشاريع التي يمكن أن تثير اهتمام الأوربيين، ويمكن أن يقع فيها التعامل المشترك؟
المهدي لحلو: ـ إن بناء علاقات متوازنة ممكنة لأن هناك تكاملا كبيرا ما بين الاقتصادات الأوربية والوضع الذي توجد عليه الاقتصادات في شمال إفريقيا، أوربا تحتاج إلى الغاز والبترول المتواجد في الجزائر وليبيا ومصر وحتى تونس و لو بنسبة أقل.. الفلاحة في أوربا تحتاج الآن إلى الرفع من إنتاجيتها، على اعتبار الأزمة الغذائية العالمية، وللمغرب موارد كبيرة من مادة الفوسفات التي تساهم في إغناء الأرض من أجل الرفع من مردودها.. وكذلك الحال في مجال الطاقة، وما يقع اليوم في اليابان يؤكد على ذلك، لا محيد اليوم عن طاقات جديدة ومتجددة ستسمح مستقبلا العدول عن استعمال الطاقة النووية، وفي دول شمال إفريقيا هناك طاقة جديدة ومتجددة ونقية، وهي الطاقة الشمسية، وقد بدأ الاستثمار في هذا القطاع على الخصوص في المغرب منذ أواخر سنة 2009.
إلى جانب هذا  يظهر أن هناك قطاعا يجب أن يبدأ فيه بناء متوازن مابين دول الاتحاد الإفريقي وشمال إفريقيا، وهو قطاع الماء  - كجزء من المجال البيئي - إلا أن البناء في قطاع الماء يجب، بالنسبة إلينا نحن قوى اليسار والقوى التقدمية في المغرب ودول أخرى في شمال إفريقيا، أن يكون على أساس اعتبار أن الماء ليس سلعة يمكن تبادلها في السوق، بل هو ملك مشترك، وهذا الملك المشترك هو لكل المجتمعات الموجودة على ضفتي البحر البيض المتوسط. من هنا يجب أن تستغل وتستعمل الموارد والإمكانيات المائية الموجودة بين الدول الأوربية ودول شمال إفريقيا في إطار يسمح فعلا بتلبية حاجيات السكان الأساسية انطلاقا من المبدأ السالف الذكر وهو الملكية العامة للماء..
إلى جانب كل هذا هناك قطاعات ستسمح بتبادل إيجابي ومؤثر في المستقبل، هذا التبادل سيكون مرتبطا بقطاعات التعليم والبحث العلمي، نظرا لأنه توجد في بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط طاقات شابة كثيرة، لها إمكانيات مرتفعة في الإنتاج وفي التعليم وفي البحث، وما ينقصنا هو تواجد بنية مؤسساتية وكذلك هيئات جامعية كافية للبحث العملي، تسمح فعلا باستغلال هذه الطاقات الشابة التي ستكون مستقبلا في خدمة علاقات متجددة وجديدة بين دول أوربا وشمال إفريقيا.
كما تجب الإشارة هنا إلى عنصر أساسي حاليا ومستقبلا  وهو الديموغرافية. فالمجتمعات شاخت بشكل عام في أوربا ، وأصبحت مكونة من فئات عمرية يقل فيها الشباب.
والحال أن مستقبل الشعوب رهين بأعداد  طاقات الخلق لدى شبابها، ودول شمال إفريقيا فيها شباب، ما ينقصه هو إمكانية التكوين والبحث وتوسيع التبادل على المستوى الإقليمي والعالمي لاستخراج كل مواهبه واستغلالها بشكل يخدم مستقبلا تنمية العلاقات بين دولنا.
كما أن هناك مجالا آخر يشكل بدون شك مجالا من أجل التكامل بين ضفتي المتوسط ألا وهو القطاع الفلاحي، أو ما نسميه قطاع الاقتصاد الأخضر. فإنتاج الفلاحة الأوربية يجد له سوقا واسعة في شمال إفريقيا وهذه المنطقة لها منافذ في الأسواق الأوروبية وبالتالي هناك فرص واسعة لتبادل التجارب والخبرات إلى جانب تبادل المنتوجات الفلاحية في أسواق الطرفين.
في القطاع الفلاحي هناك مجال ممكن للتعاون فيه، قد نسميه تعاونا ثلاثيا بين شمال إفريقيا وأوربا ودول الاتحاد الإفريقي لإخراج العديد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء من الأزمة الغذائية والأزمة الاقتصادية الشاملة التي تعرفها، بحيث أن دول المغرب العربي يمكن أن تساهم بمواردها البشرية وكذلك بتجربتها، أما الدول الأوربية فستساهم بمواردها المالية وكذلك بخبرتها في العديد من المجالات، وهاتين المجموعتين ستساهمان مع دول كالنيجر أو مالي أو السنغال أو بوركينافاسو… في بناء اقتصادات هذه المناطق وهيكلة قطاعاتها المنتجة بشكل يسمح كذلك بالتقليص بكيفية هيكلية من المد الهجروي المتصاعد، والذي تخافه اليوم أوربا بشكل كبير.
هذه باختصار القطاعات الكبرى الممكن التعامل فيها ما بين دول شمال إفريقيا ودول الاتحاد الأوربي. وكلها مجالات استراتيجية ستخدم لا محالة مستقبل المجموعتين وتساهم في بناء تكاملها.

سؤال: ـ لنتحدث عن الإطار، بعدما فشل "الاتحاد من أجل المتوسط" الذي كانت فرنسا أكثر حماسة له، هل يمكن أن يكون هناك إطار بديل؟ علما أن ألمانيا كانت هي المتوجسة أكثر من ذلك، ولا ترغب في أن يكون هناك امتداد لفرنسا وحدها، ثم في نفس الإطار، ألا ترى بأن تواجد إسرائيل بعدوانيتها في المنطقة تشوش على كل تعاون بين الضفتين؟
المهدي لحلو: ـ بالفعل، الحديث عن إطار جديد في العلاقات ما بين دول الاتحاد الأوربي ودول شمال إفريقيا، انطلاقا من القطاعات التي تم الحديث عنها، يجرنا إلى أخذ العبرة مما وقع حول ما يتعلق بمسلسل برشلونة، وكذلك أخذ العبرة على الخصوص بما يتعلق بالمسلسل الذي اقترحه الرئيس الفرنسي، وهو مسلسل "الاتحاد من أجل المتوسط".
هذان المسلسلان تم إفشالهما وفشلهما لاعتبارين أساسيين، الأول هو أنه لا يمكن أن يكون هناك بناء متكامل مابين مجموعتين غير متجانستين، خصوصا على المستوى السياسي، بحيث أن أوربا هي مجموعة تعتبر بشكل عام ديمقراطية ومبنية على مبدأ الديمقراطية والسيادة للشعوب، في حين أن دول شمال إفريقيا، كانت حتى الآن مبنية على غياب الديمقراطية وعلى نظم ديكتاتورية أو شبه ديكتاتورية. والعائق الثاني هي عدوانية إسرائيل، خصوصا منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، هذه العدوانية تأكدت مع الحرب التي خاضتها الدولة العبرية ضد الشعب الفلسطيني في غزة سنة 2009،  وهذه الحرب هي التي أدت في آخر المطاف إلى التوقف النهائي "للاتحاد من أجل المتوسط".
الآن المقترح الذي يمكن أن يذكر في هذا المجال هو أن هناك إمكانية بناء نظام جديد في العلاقات ما بين دول الاتحاد الأوربي ودول شمال إفريقيا، على اعتبار أن هذه الدول أصبحت شبه ديمقراطية، في انتظار بقية التغيرات التي قد تحدث في كل دول شمال إفريقيا، وأعتقد أن المغرب قد يتغير سريعا، وكذلك بقية الدول الشمال إفريقية… وهذا ما سيسمح ببناء مجموعة شبه متجانسة، قد تخلق اتحادا أو منظومة جديدة ستجمع الدول الأوربية ودول شمال إفريقيا، من المغرب إلى مصر، في إطار قد يكون"المنظومة الأوروشمال إفريقيا "، وهي المنظومة التي ستسمح لا محالة بالبناء الديمقراطي الجديد، سيمكن من التوصل إلى تنفيذ المشاريع الكبرى المرتبطة بالقطاعات التي تم الحديث عنها في هذا الحوار المقتضب.   
 ــــــــــــــــ 
نشر ب: