‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوار. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوار. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 11 يونيو 2014

حوار حول المسرح/ عباس جدة: الممارسة المسرحية عندنا كانت ولا زالت هاوية

حوار حول المسرحعباس جدة: الممارسة المسرحية عندنا كانت ولا زالت هاوية



كما وعدت قراءها الكرام، جريدة "الخط الأحمر" تقدم الحوار المسرحي الذي أجرته مع الكاتب والفنان العباس جدة، الذي يضع يده على واقع الممارسة المسرحية بالمغرب والعالم العربي، الآفاق والمعيقات.
 - أصدرت مؤخرا كتابا بعنوان "في ظلمة الليل" حدثنا عنه.
 --- يتألف هذا الكتاب من خمس نصوص مسرحية وهي: درس في التاريخ، في ظلمة الليل، القرية الموحشة، روح في مهب الريح والرحلة." درس في التاريخ" نص مسرحي يعود إلى سنة1984، وهو أول محاولة لي في مجال الكتابة المسرحية. وقد استلهمت هذا النص من تجربتي المهنية كمدرس لمادة الفلسفة، محاولا التأمل والتفكير في واقع رجل التعليم بصفة عامة. هذا الواقع الذي يشهد مفارقة غريبة بين ما هو كائن وبين ما ينبغي أن يكون، والتي تنعكس على سلوك المدرس ومشاعره ونظرته للواقع التعليمي والتربوي. وأعود مرة أخرى إلى مشكلة التعليم ببلادنا في مسرحية "في ظلمة الليل" حيث يعيش المدرس ازدواجية أو بالأحرى تمزقا عنيفا بين ما يسعى إليه من قيم تربوية وإنسانية نبيلة وبين عبثية واقعه التعليمي وترديه. أما "روح في مهب الريح" فتحاول مقاربة هموم الفنان المسرحي والصعوبات المفتعلة التي تعترضه، في ظل مجتمع لا يعترف بالفن  ويستخف بالممثل والثقافة والفنون، وبالتالي ذاك التذمر والإحساس بالإحباط الدفين اللذان يلازمان الفنان المغربي ويقتلان فيه القدرة على التعبير والإبداع. وتطرح "القرية الموحشة" إشكالية الحداثة وما تتضمنه من مفارقات وصراع بين ما هو قديم ومتحجر وبين ما هو حداثي ومتجدد. وأخيرا هنا ك مسرحية الرحلة التي يمكن إدراجها ضمن ما يعرف بمسرح " العبث"، وهي تحكي علاقة رجل أعمى برجل مقعد، يرحلان من مكان لآخر، دون أن يتمكنا من معرفة المكان الذي انطلقا منه ولا المكان الذي يقصدانه ولا الزمن الذي استغرقته الرحلة، فلا منطقا ولا هدفا ولا مكانا ولا زمانا.
      -لماذا الكتابة؟ وخاصة الكتابة المسرحية؟
--- الحاجة إلى  التعبير ضرورة حيوية في الإنسان. فقد يتم التعبير باللون أو بالصورة أو بالحركة أو بالنحت على الخشب أو الصخرة، إلى غير ذلك من أشكال التعبير التي ابتدعها الإنسان للإفصاح عن مشاعره وللتواصل مع الغير. وقد اخترت الكتابة المسرحية أو المسرح لأني عشقت هذا الفن وفتنت به منذ أن كنت تلميذا بالإعدادي. فكنت أقبل على مشاهدة العروض المسرحية، حيث كان المسرح  يشهد حركية في بداية السبعينات وكنت أحلم حينئذ بأن أصبح كاتبا مسرحيا كأحمد الطيب لعلج ومخرجا كالطيب الصديقي وممثلا كمحـمد سعيد عفيفي. فالمسرح يسكنني منذ أن بدأت رحلة الوعي بالذات إلى اليوم، ولا أعرف شيئا يمكن أن يهزني ويسترعي انتباهي ويستحوذ على انشغالاتي غير شغفي بهذا الفن.
-لماذا التركيز على النص المسرحي في حين أن هناك اتجاهات في المسرح ترى بأن المخرج هو سيد العرض في المسرح المعاصر؟
 --- يلعب النص المسرحي المكتوب- في تقديري- دورا مركزيا في العرض. وأنا لا أوافق الرأي الذي يذهب إلى القول بإمكانية الاستغناء على النص، على الأقل في المسرح العربي والمغربي على حد سواء. لماذا؟ لأن تهميش النص يستلزم مخرجا مبدعا وممثلين متمرسين وأكفاء، ومسرحيونا لا يتقنون فن المسرح ولا يمتلكون أدواته وعاجزون على خلق الفرجة المسرحية والفنية المنشودة. والحال يتعين علينا الإستيناد إلى النص المسرحي والإنطلاق منه، غير أن مأساة المسرح عندنا هي أننا لا نتوفر على كتاب مسرحيين حقيقيين. ففي الغالب ما نشاهد نصوصا مسرحية ضعيفة  يغلب عليها الخطاب المباشر والتقريرية. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نوازي أو حتى أن نتجرأ على أن نقارن أو نقارب مثلا بين كاتب مسرحي عربي بأي كاتب غربي أو أمريكي أو ياباني أو روسي، كيونسكو الفرنسي أو هارولد بينتر الأنجليزي أو تينسي ويليامس الأمريكي... إن الكتابة المسرحية ببلادنا تخلو من الإبداع وينقصها الخيال الخلاق ولا ترقى إلى مستوى الخطاب الفني الجميل. فهي كتابات لا زال يغلب عليها البعد الخطابي والإيديولوجي وتطغى عليها المباشرة والسطحية والفولكلورية والواقعية الفجة.

-ما هو واقع المسرح بالمغرب؟
--- المسرح ببلادنا، عروضا وممارسة وتنظيرا ونقدا، يعيش أزمة ويعاني من بؤس شديد. أركز هنا على الإنتاج والإبداع ، على الكم والكيف. فرغم الدعم المادي والمهرجانات ومعهد للتكوين، فإن سوق الفرجة المسرحية كاسد ويفتقر للحركية والتجديد والإمتاع الفني والروحي ويكاد يخلو من تجارب مسرحية أصيلة أو على الأقل من عروض مسرحية مقنعة.
 -لماذا الواقع المسرحي مظلم إلى هذه الدرجة ؟ والى من تحملون المسؤولية ؟
 --- من المؤكد أن الدولة تتحمل مسؤولية انحصار الفن والثقافة وبؤسهما في بلادنا؛ ولا نختلف أيضا في إهمال وزارة الثقافة للمسرحيين وعدم الاضطلاع بمهمتها في النهوض بقطاع الثقافة باكتشاف الكفاءات ودعمها وتشجيع المثقفين. لكن لكي لا نوجه اللوم للآخر فقط ، بهدف تبرير عجزنا وعيوبنا، أكون ملزما بالإقرار إلى أن العاملين في هذا القطاع أو ما يعرف بالمسرحيين، يعملون بفوضوية وارتجالية. فلا أحد من هؤلاء يشتغل على مشروع مسرحي محدد أو ينطلق من رؤية فنية واضحة. إن الممارسة المسرحية عندنا كانت ولا زالت هاوية، ولم يسبق لها أن ارتقت إلى مستوى العمل الاحترافي والمهنية، بما تفترضه المهنية من كفاءة وعمل منظم وتكوين فني وعمق فكري ومسؤولية والتزام. وعلى العكس من ذلك، فان الارتجال والمزاجية والعفوية الساذجة  ونقص في التكوين الفني والثقافي، هذا فضلا عن الزبونية والولاءات وادعاء المعرفة والعجرفة والغرور... هو الذي يسود ويحكم الممارسة المسرحية والعلاقات بين المسرحيين المغاربة.
-باسم قراء "الخط الأحمر" نشكرك على صراحتك ونتمنى لك دوام الصحة الفنية.
حاوره عبد النبي أوخطو.
----------------------
 أمد مدونة سيدي سليمان الكاتب المسرحي الأستاذ عباس جدة..


الأربعاء، 15 يناير 2014

عبد الله العروي: لم تكن لدي أبدا رؤية اندماجية للمغرب الكبير.. في حوار عن مجلة "زمان".

عبد الله العروي: لم تكن لدي أبدا رؤية اندماجية للمغرب الكبير، المغرب الكبير هو إمكانية بعيدة..
كان الحسن الثاني يتصرف بناء على حدسه
 

حوار شامل مع المفكر المغربي عبد الله العروي في هذا الحوار الذي أجراه الأساتذة مصطفى بوعزيز، المعطي منجب، وسليمان بنشيخ، لمجلة «زمان»، يتحدث المفكر والمؤرخ عبد الله العروي عن قضايا راهنةٍ: عن الملكية والإسلام السياسي وحركة 20 فبراير والمغرب الكبير.

  ـ كتابك «L’Histoire du Maghreb»، هل كان رد فعلٍ على تسمية شمال إفريقيا، التي أطلقها المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان؟ من ناحية أخرى هل كانت رؤيتك للمغرب هي تلك الرؤية الفدرالية التي كان يحملها الطلبة المغاربيون في فرنسا، أم كانت رؤيةً اندماجيةً من قبيل تلك التي كانت سائدةً في القاهرة؟
ـ لإزالة كل التباس، أؤكد بأنه لو طلب مني اليوم كتابة تاريخ المغرب الكبير سأرفض، بل سأتحدث عن المغرب وحده، تاركاً للآخرين أن يتحدثوا عن بلدانهم. لماذا مثل هذا الاختيار اليوم؟ لأن فكرة إقامة مغرب عربي متحد، والرغبة في ذلك، والدعوة إلى إقامة الوحدة، كل هذا لا يثبت وجود مغرب عربي في الوقائع، ولا يجعل المغربي يتحدث عن الجزائر وتونس كما يمكن أن يتحدث عنهما جزائري أو تونسي. غالباً ما نخلط بين تجانس نخبة معينة وبين تجانس الشعوب. هذا صحيح بالنسبة إلى مناطق أخرى وليس بالنسبة إلى المغرب الكبير. انظروا إلى ما يحدث في أوروبا اليوم. الخطاب الأوروبي للنخب السياسية أصبح مطعوناً فيه في كل مكان، لأسباب معقولة أو غير معقولة، من قبل الشعوب. أنا مثلاً يمكنني أن أحس بأنني أقرب إلى مثقف تونسي، لأننا قمنا بدراسات مقارنةً، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن يحس شخص من مدينة آسفي بنفسه قريباً من مدينة سوسة التونسية. لطالما تأسفت لعدم توفرنا على سوسيولوجيا حقيقية تعنى بالنخب المغاربية. إذ كان من الممكن أن تقوم بتنوير رجال السياسة عندنا. لكن الفضاء المغاربي الذي تتحدث عنه لم يكن مغلقاً. إذ كان بالإمكان التنقل داخله بكل حرية. هذه هي الصورة التي يحلو لنا أن نعطيها لأنفسنا. في الواقع، في الوقت الذي كان ليوطي، لم تكن الحدود بين المغرب والجزائر سهلة العبور. ليوطي الذي سبق أن اشتغل في الجزائر، وكان عارفاً بشهية المستوطنين في وهران، قام بكل شيء ليبقي المغرب معزولاً. وعندما تم استبدال ليوطي بحاكم عام سابق للجزائر، تيودور ستيك، الذي أراد تسوية الوضعية المغربية، بمعنى جعل المغرب جزائرياً، وجد الكثير من عدم الرغبة عند فرنسيي المغرب. نحن شاهدون على أن الحدود مع الجزائر لم تكن أبدا حدوداً، بل كانت هناك علاقات ومصالح مشتركة من الجانبين. لنكن أكثر تحديداً، فلم تكن التنقلات مراقبة.  نعم، لكن هذا لا يعني شيئاً. حتى يومنا هذا فالتنقلات غير مراقبة. لكن في تلك الفترة لم يكن عبور الحدود يعتبر تسللاً؟ هذا لا علاقة له بالواقع السياسي. يمكننا أن نتخذ قراراً سياسياً دون أن نكون قادرين، ميدانياً، على مراقبة ما يحدث. الوضعية نفسها توجد على الحدود مع موريتانيا. حتى نختم هذه المقدمة الصغيرة، أؤكد أن الإطار الذي كتبت فيه كتابي عن المغرب العربي، سنة 1969، كان مختلفاً تماماً عما هو عليه اليوم. الدول الوطنية لم تكن مهيكلة بشكل قوي.
ـ هل تظن أن وطنية الدولة تساهم في تطوير الرؤى حول الهوية المغاربية؟
ـ فكروا في هذا الواقع البسيط؛ هل يمكن أن تكون لنا نفس الرؤية عن أنفسنا وعن الآخرين في نفس البلد حينما ينخفض معدل الأمية من 70 في المائة إلى 30 في المائة؟ البلد كان يبدو أكثر استقراراً وتجانساً في الحالة الأولى. كما كانت فكرة الوحدة مع شعوب أخرى أكثر انتشاراً. هذا هو السبب، حسب رأيي المتواضع، في ضعف المثال النموذجي العربي. الأمر نفسه عند الفلامانيين. إذ حينما كانوا أقل تعلماً كانوا يقولون عن أنفسهم بكل عفوية إنهم بلجيكيون. بالتعليم يدرك الناس الفروق بينهم وبين الآخرين. يقولون إذن إنهم يعيدون اكتشاف هويتهم. في وضعية الأمية، تكون الأسطورة ملِكاً. هذه حجة للاعتراض على ما قاله المؤرخ الفرنسي جاك لوغوف. في القرون الوسطى لم يكن الأوروبيون يحسون بأنفسهم أوروبيين، بل كانوا يحسون بأنفسهم مسيحيين، لأن المعتقد المسيحي كان ثقافتهم الوحيدة. عندما يقال إن فكرة المغرب الكبير نابعة من الشعب، أتساءل: في أي وسط يوجد هذا؟ الإبقاء على علاقات متواصلة في شعاع ممتد على 30 كيلومتراً على جانبي الحدود لا يعني وجود رؤية موحدة للمستقبل. هذه ظاهرة تتسم بها كل الحدود؟ بالفعل. مخافة أن نقع في التكرار أؤكد مرة أخرى بأنني إذا كنت كتبت كتابي حول المغرب الكبير في سياق معين، فإن هذا السياق تغير تماماً اليوم... هذا مفهوم. المغرب الكبير كان في تلك الفترة ممكناً في التاريخ.
ـ ما الذي كان يمثله بالنسبة إليك في تلك الفترة؟ عندما نقرأ عن مواقفك المتعلقة بالتعريب، نفهم أنها كانت تندرج ضمن إطار رؤية عالم عربي متحد، حيث لغة التواصل هي العربية الكلاسيكية. ما هي الرؤية السياسية التي تقف خلف هذا التصور؟ وهل رؤيتك اندماجية أم فدرالية؟
ـ لم تكن لدي أبدا رؤية اندماجية للمغرب الكبير. في تلك الفترة كانت مثاليتي الوحدوية، عربية أو مغاربية، أقلّوية، (minoritaire) كانت رغبة، وتوجها شخصياً. تمنيت تلك الوحدة، لكنني لم أناضل من أجل تحقيقها. ككل جيلي، كنت واعياً بالسياسة التي ينبغي اتباعها حتى نتمكن من تحقيق رغباتنا، وفي نفس الوقت كنا نعلم بأن الواقع كان ضدنا، وكان اختيار المحافظة مريحاً أكثر. كان الأمر يستدعي إذن إرادة. كان يجب تعنيف الواقع. ومن هنا كان انتظارنا لقائد. أما فيما يخص التعريب، فقد كنت أدافع عنه لأنني كنت أفكر بأنه الطريق الأقصر لمحاربة الأمية وسط الساكنة؛ ولهذا كنت أطلب كذلك تبسيطاً، على جميع المستويات، لهذه اللغة المشتركة السيارة غير أنه، حتى في هذا المستوى، كنت أتوقع أنه في مرحلة معينة ستؤدي محاربة الأمية تلقائياً إلى خلق تنوع ما، وأن اللغة العربية المغربية ستصبح مختلفة عن مثيلاتها العربية. بعد ذلك تم اتخاذ اختيارات أخرى خلال أربعين سنة. اختيارات كانت لها عواقب ينبغي الحكم عليها بناء على ما تستحقه، وليس بناء على النتائج الافتراضية التي كانت ستنتج اختياراتنا المفضلة. الاختيارات التي تم اتخاذها كانت تحت ضغط عوامل داخلية وأخرى خارجية بالأساس. أنا أتحفظ على إعطاء حكم لأنني واع تمام الوعي بهذه العوامل الخارجية. ولكن الأمور أخذت مجراها...  
ـ هل الحركات الإسلامية، التي صعد نجمها في بلدنا المغرب الكبير، تؤكد أن مجتمعاتنا المغاربية متقاربة وتتطور في نفس الاتجاه؟
لكن، ماهي مميزات هذه الحركات الإسلامية، كل واحدة في إطارها الوطني؟ إلى حدود الآن لا أرى أي شيء إسلامي في أداء الحكومة المغربية، التي يجب التذكير بأنها نتاج تحالف. لقد ارتكبنا نفس الخطأ الذي ارتكبناه تجاه حكومة اليوسفي، حينما نسينا بأنها هي الأخرى مشكلة من تحالف. يجب الحكم على هذه الحكومة بناء على أدائها وليس بناء على ما تقوله أو ما قالته في الماضي. ينبغي الاحتراس من الخطابات المهيمنة. لنأخذ كمثال؛ خلال حكم بورقيبة، عندما كنت أزور تونس، كان لدي انطباع بأن المغربيات، من الناحية النفسية، أكثر تحرراً من التونسيات. مع أن الكل كانوا يقولون إن التونسيات كن الأكثر تحرراً ضمن النساء العربيات. أنا أقتصر على مراقبة الوقائع والأفعال. هذا ليس تواضعاً زائفاً، لكنني أعترف بأنه في كل حدث يقع في المغرب أكون متفاجئاً. فخلال كل هذه السنوات التي كنت أحاول فيها فهم النظام (le système) لازلت في كل مرة أجدني مندهشا. هذا هو ما يصنع التاريخ. التاريخ موجود لأن لا شيء متوقع.
ـ هل تقول كذلك إنك متفاجئ بقرارات الدولة؟
نعم، في كل مرة أجدني مندهشا بسرعة اتخاذ القرارات. مثلاً، تتبعت خطوة بخطوة، على الأقل، النصف الثاني من حكم الحسن الثاني، الذي كان يتصرف بناء على حدسه. وليس هناك واحد من أفعال الحسن الثاني لم يثر اندهاشي، بسبب أنه لم يكن متوقعاً. هل تشكل ملكية الدولة عائقا أمام بناء مغرب كبير موحد، بالمعنى الذي يتم فيه النظر إلى الملكية كوريث لنوع من السيطرة؟ إذا كان جيراننا يفكرون هكذا، لا يمكننا أن نغير رأيهم. الآن المغرب الكبير يتقدم حسب السرعة التي تسير بها الدول التي تشكله. كل بلد عليه أن يلتزم بجدليته الخاصة. فيما يتعلق بالمغرب، في وضعيته الحالية، أنا متأكد أن السلطة الملكية لها دور ضامن للاستقرار، خصوصا أنها تسمح بتفريق الديني عن السياسي.
ـ هل تنادي بملكية برلمانية؟
   رؤيتي هي رؤية لملكية دستورية بالفعل، دورها هو حماية الحداثة ضد القوى التقليدية والمحافظة. على الملك أن يهتم بالأسئلة الدينية، لتفادي استئثار شخص آخر بها، ثم تحريف اللعبة السياسية. في النظام المثالي كما أراه، الملك هو المؤهل الوحيد لحل المسائل الدينية، وتلك التي يمكن أن تنشأ من الهيكلة الجهوية الجديدة. لقد أتيحت لي الفرصة لاقتراح أن تكون الغرفة الثانية غرفة مستشاري الملك لتحل محل مختلف المجالس الاستشارية. لكن يبدو أن هذا الاقتراح لم يسترع أي اهتمام. مع أن الاقتراح كان سيساهم في تقوية سلطة مجلس النواب حتى تكون له الصلاحية لمناقشة كل المسائل باستثناء المسائل الدينية والبين جهوية (interregionale) .
ـ لكن هل تظن أن الملك سيقبل الاكتفاء بحصر سلطته في هذين المجالين؟
    لقد كان محمد الخامس يقول إنه لا يريد أن يحصر نفسه في دور مدشّن المساجد. هذا ليس بالدور الصغير بتاتاً. لا يجب أن ننسى أن المظاهر الجهوية أساسية. إذ سيتعلق الأمر، مثلا، بتسوية بعض المسائل التي تمس بالهوية الوطنية. كذلك، فإن الجيش والديبلوماسية سيبقيان بيد الملك. يجب التأكيد هنا بأنني أتحدث عن إمكانية بعيدة جداً. بالنسبة إلي، بكل صدق، المغرب الكبير هو إمكانية بعيدة. لا أريد أن أٌعاد إلى حلول لا أعتبرها فحسب متجاوزة، بل كذلك غير قابلة للتطبيق. ينبغي أن يقبل المغرب الكبير، في مجمله، بالتوجه نحو فصل السلط السياسية عن الدينية، كما تحدثت، وإذا لم يرد الآخرون ملكاً، فليتخذوا على الأقل سلطة دينية لا يكون حولها نزاع.
ـ لماذا لم يبدأ مشروع الوحدة المغرب الكبير من الاقتصاد؟
   هو ما أتحدث عنه بالضبط. يجب البدء بتسوية المشاكل التجارية والاقتصادية، والعمل على تنقل فعلي للأموال. أنا لا أتحدث عن تحرير تنقل الأشخاص، الذين من شأنهم أن يخلقوا مشاكل حقيقية، بل عن تنقل مجموعات محددة. يمكن أن نفكر أيضا في خلق منظمات دولتية مشتركة مثل غرف التجارة والفلاحة والصناعة، أو حتى نقابات، عبر خلق مكتب مغاربي للعمل. وأيضا خلق المؤسسات التقنية المحضة، التي ينبغي أن تكون بالأساس محايدة، من قبيل مكتب للإحصاء، أو مجلس اقتصادي واجتماعي، يمكن أن تكون مشتركة. لنقل في كلمة واحدة إنه بإمكاننا مغربة كل ما يتعلق بإدارة الأمور، ولنترك، مرحلياً، ما يتعلق بسياسة الأشخاص، أو «السياسة» بمعناها في اللغة العربية الكلاسيكية. للأسف هذا لا يقنع أبداً مناشدي الوحدة؛ فهؤلاء عندما يبدؤون الحديث عن المغرب الكبير، يفكرون مباشرة في برلمان جامع، وفي انتخابات عامة، مع أن هذا صعب المنال في الوقت الحالي.
ـ من الذي يعرقل هذا التطور الذي تدافع عنه؟
حسب علمي، ليس النظام الملكي المغربي، ولكنها ثقافة النخب السياسية، التي تختلف كثيراً من بلد لآخر.
 ـ أحياناً تبدو كمن يعطي تصوراً عن التاريخ آت من فوق، وأحيانا كثيرة لام عليك البعض كونك لم تجعل القبيلة تتكلم، أليس للقبيلة دور في تاريخ المغرب؟
  ـ هل هو خطئي إن كانت القبيلة خرساء. من السهل أن نجعلها تقول كل ما نريده. أنا لم أرد أبدا أن أخوض في هذه اللعبة. نفس المشكل يطرح بخصوص مفهوم الطبقة. ولهذا كان الراحل المأسوف عليه أبراهام السرفاتي يخون نفسه مرتين، عن حسن نية بدون شك، بحديثه عن القبيلة-الطبقة. ليست القبيلة من يصنع، إيجابياً، التاريخ، لكن يمكن للقبيلة أن تصنع التاريخ سلبياً. يعلم الجميع جيدا بأن الاكتشاف الكبير في العلوم الفيزيائة هو أن «القصور» ليس بدون تأثير. الأمر نفسه متعلق بالتاريخ. لقد رأينا ذلك للتو مع شباب 20 فبراير. ليسوا هم من كتب الدستور الجديد، الذي سيكون الوثيقة الوحيدة التي سيدرسها المؤرخون القادمون. مؤرخو الثورة الفرنسية يؤكدون على دور الحشد (la foule)، ودور تجمعات الأحياء... لكنهم يتوقفون أكثر عند أثر الدستور، لأنه ترك العديد من الوثائق، بينما تكلم الحشد وكلامه ذهب في مهب ريح التاريخ.
ـ كيف تنظر إلى مسألة الصحراء من خلال المغرب العربي الذي تأمله؟     إلى حدود الآن، لم تكف الجزائر عن استعمال الصحراء كوسيلة ضغط سياسي. ولم تكن الوحيدة في ذلك. لقد كانت الجزائر ولازالت تتكئ على قواعد دولية، وعلى وضعية جيو سياسية جد صعبة بالنسبة إلى المغرب. موقف المغرب غير مفهوم بالنسبة إلى البلدان الأخرى، لأن القليل من هذه البلدان لها نفس البنية ونفس التجربة التاريخية. لكن السياسة الجديدة القائمة على الجهوية، وخصوصا الطريقة التي تفسر بها من طرف الهيئات الدولية تغير المعطى. يتعلق الأمر الآن بالدولة المغربية والمجموعات السكانية المحلية، وهذا الآن مكتسب. لنفترض أن الجزائر تبنت جهوية تقترح نفس المنطق التاريخي الذي اختاره المغرب، فإننا سنتمكن حينها من رؤية ظهور تدريجي لمنطقة صحراوية عابرة للحدود، ولِمَ لا مغربا كبيرا مكونا من جهات تقتسم نفس المصالح التنموية. بفضل الجهة، يمكن للدولة القومية (l’état –nation) أن تتفوق وتعيش في انسجام مع تنظيم أكثر أو أقل فيدرالية. [عن”مجلة زمان“.]

الاثنين، 25 يونيو 2012

المهدي لحلو: خوصصة التعليم الجامعي يجعله شبيها بسوق


المهدي لحلو: خوصصة التعليم الجامعي يجعله شبيها بسوق
والمطلوب الآن هو القيام بتحرك وطني شامل على المستوى السياسي والاجتماعي والجمعوي للمطالبة بإصلاح شامل وفعال للمنظومة التعليمية
 
تطرق المهدي لحلو إلى أهم الإشكالات التي تعوق المنظومة التعليمية بالمغرب على كل المستويات، وتوقف عند المحاولات الحكومية الساعية للتخلي عن مجانية التعليم الجامعي، وتحدث عن البدائل الممكنة لتمويل التعليم العمومي، وعن دور القوى السياسية والجمعوية للدفاع عن العليم العمومي في المغرب.. المهدي لحلو عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، عضو سابق بالمكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي…

أجرى الحوار مصطفى لمودن
 سؤال:ـ ما هو تقييمك لوضعية التعليم بالمغرب؟

المهدي لحلو: ـ وضعية التعليم في المغرب اليوم هي وضعية أزمة شاملة، على المستوى الكمي والكيفي، بحيث إنه لا زال المغرب يعرف نسبة مرتفعة من الأمية (من بين أعلى المستويات في العالم العربي)، لا زالت هناك كذلك نسب كبيرة من الأطفال في سن التمدرس الذين لا يتمكنون من الوصول إلى المدرسة، بينما لا تتعدى اليوم أعداد الطلبة الموجودين في التعليم العالي 400 ألف، في حين، أن عدد الطلبة في دولة الجزائر يفوق المليون والمائة ألف طالب.. أما على المستوى النوعي فهناك تدن كبير لمستوى الطلبة الحائزين على إجازات أو شهادات تعادلها في مختلف جامعات المغرب، وهذا ما يتجلى على الخصوص من شهادات أساتذة التعليم العالي، وكذا من مستويات طلبات التشغيل التي تتوصل بها العديد من الشركات في المغرب.
 سؤال:ـ ما أسباب هذه الوضعية؟
 المهدي لحلو:ـ أسباب هذه الوضعية مختلفة ومعقدة، وهي في الحقيقة تراكم لاشكالات لم تتجرأ حتى الآن أي حكومة أن تبحث لها عن حلول جذرية، من بين هذه الأسباب إشكالية اللغة، وهي تتجلى في كون التعليم الأساسي والثانوي معربا، في حين نجد أن لغة التعليم في الجامعات وفي كل المدارس العليا هي الفرنسية إلى جانب ذلك هناك إشكالية البرامج التي جلها إما ماضوية، خصوصا في كليات الآداب والشريعة وفي بعض كليات الحقوق، أو غير مرتبطة بالتطور العلمي والتكنولوجي على المستوى العالمي، وهناك إشكالية التأطير بحيث أن عدد أساتذة التعليم العالي لا يفوق 14 ألف، وإن أعداد التلاميذ في التعليم الأساسي والثانوي لا زالت تفوق في أحيانا كثيرة 40 تلميذا في الفصل.. إلى جانب هذا، هناك إشكالية التمويل، وتتجلى تداعياتها على مستوى تجهيز مؤسسات التعليم ومستوى توفير الكتب والمعدات المدرسية، وعلى مستوى مجموعة من الخدمات الأساسية، خصوصا في العالم القروي، كتوفير الماء الصالح للشرب والكهرباء والتدفئة، وكذلك حتى في بعض الجامعات بما فيها القديمة كطهر المهراز بفاس، أو الجديدة كبني ملال ووجدة.. هذا مع ذكر أن أجور هيئات التعليم بمختلف مستوياتها لا تسمح لها بالقيام بدورها على الشكل الكامل.. هنا يمكن أن نذكّـر أن تدني مستوى الطلبة راجع كذلك لضعف المنح التي يتوصلون بها، أو انعدامها، لفقر أسرهم، ولغياب شروط العمل والبحث اللازمة في جل جامعات المغرب.

 سؤال:ـ في ظل هذه الأوضاع، ألا ترون بأن لجوء وزير التعليم العالي إلى الأداء بالنسبة لمن يريدون الدراسة الجامعية هو حل للمشكلة؟  
 
المهدي لحلو:ـ بارتباط مع كل الأوضاع والشروط والاحتياجات التي تحدثت عناها، تأتي الحكومة الحالية على لسان وزيرها في التعليم العالي بوصفات فوقية وجزئية، هي في الحقيقة وصفات إما اقترحت في مجال سياسة التعليم مع بداية "التقويم الهيكلي" الذي اتبعه المغرب ابتداء من سنة 1983، أو وصفات مرتبطة بالحديث عن ضرورة الانتهاء مع مجانية التعليم التي واكبت خطاب الملك الراحل الحسن الثاني حول "السكتة القلبية" في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، والحقيقة أن ما يقول به وزير التعليم العالي ليس إلا محاولة من الحكومة الحالية للتقليص من عجزها المالي، عن طريق مطالبة الأسر بتمويل تعليم أبنائها، وهو المقترح الذي كانت قد جاءت به "لجنة المرحوم محمد مزيان بلفقيه" في سنة 1999، ولم تتمكن أي حكومة حتى الآن، لاعتبارات سياسية واجتماعية، من تطبيقه. إلى جانب الحديث عن تمويل التعليم من طرف الأسر، وهو الشيء الذي قد يفاقم وضعية الأزمة التي يعرفها نظامنا التعليمي، من استمرار ارتفاع نسب الفقر والحاجة بين الأسر المغربية..
هناك حديث جديد من طرف الوزير الذي يذهب إلى أبعد حدّ ممكن في مجال خوصصة التعليم، وهو يقول اليوم إنه يفتح النظام التعليمي العالي بالمغرب أمام جامعات خصوصية، يتمنى الوزير أن تأتينا من فرنسا أو اسبانيا أو أمريكا أو إيطاليا أو حتى من روسيا وألمانيا.. وهو ما سيجعل نظام التعليم بالمغرب شبيها بسوق حرة وتعليم البزار (un enseignement de bazar)ما يفتح الباب على مصراعيه لإشكالات لن يمكن للمغرب مستقبلا إيجاد الحلول لها، ويرهن مستقبل  شباب المغرب، بل مستقبل المغرب ككل.
  

سؤال:ـ في ظل هذه الأوضاع ما المطلوب من القوى الديمقراطية التي تدافع عن جودة التعليم ومجانيته؟

المهدي لحلو:ـ الإشكال لا يخص المجانية أو الانفتاح على الخارج، الإشكال اليوم هو أن تعليمنا لم يعد مبنيا على أي من المبادئ الأساسية التي كان قد وقع الإجماع عليها بعد استقلال المغرب ابتداء من سنة 1957 (مناظرة إفران)، والمطلوب الآن هو القيام بتحرك وطني شامل على المستوى السياسي والاجتماعي والجمعوي للمطالبة بإصلاح شامل وفعال للمنظومة التعليمية المغربية، انطلاقا من مبدأين أساسين، وهما أن يُُـضمن لكل طفل مغربي في سن التمدرس مقعد في المدرسة، وثانيا الإقرار بارتباط المنظومة التعليمية المغربية بتوجهات البحث العلمي والتكنولوجي على المستوى العالمي، وكذا بمفاهيم  التنمية الديمقراطية والعدالة كما هي متعارف عليها دوليا، وهذا يتطلب من الآن البدء في التفكير في عقد مناظرة وطنية، يكون تحقيق هاذين المبدأين من بين أهدافها الأساسية، إلى جانب وقف زحف الرأسمال الخاص والأجنبي على المدرسة المغربية، وحماية المدرسة الوطنية من نتائج وضع الحكومة ثقل العجز المالي على كاهلها (المدرسة).

  سؤال:ـ كيف يمكن إيجاد حل لتمويل التعليم بالمغرب؟

المهدي لحلو:ـ إشكالية تمويل التعليم اليوم مرتبطة بإشكالية التمويل التي تعرفها الدولة منذ سنوات، وهذه الإشكالية مرتبطة أولا بغياب سياسة اقتصادية تسمح فعلا بالرفع من الدخل الوطني بشكل مستمر، ومرتبطة اليوم بتعامل الحكومة (والحكومات المتعاقبة) وقد فـُــقـد مبدأ التوازن ما بين النفقات والمداخيل، بحيث إننا نلاحظ ارتفاع العديد من النفقات، خصوصا منها المرتبطة بالأمن، أو المرتبطة بأجور المسؤولين الحكوميين والمسؤولين السامين في الإدارة والأمن والدفاع وفي المؤسسات العمومية.. مع استمرار العديد من نفقات البذخ التي لا حاجة للمغرب بها. هذا مع غياب البحث عن مداخيل جديدة عن طريق إصلاح ضربي، يسمح مثلا بالرفع من الضرائب على المداخيل العليا، أو من الضرائب على أرباح الشركات الكبرى، خصوصا المتعاملة مع الخارج، أو يسمح (الإصلاح الضريبي) بإعادة العمل بالضريبة على الدخل الفلاحي، الإعفاء الذي يستفيد منه أساسا كبار الفلاحين، وإصلاح ضريبي يتيح القضاء على التملص والغش الضريبي. هذا إلى جانب مراقبة فعلية وديمقراطية لموارد ونفقات المؤسسات العمومية كالمكتب الشريف للفوسالمهدي لحلو: خوصصة التعليم الجامعي يجعله شبيها بسوق
والمطلوب الآن هو القيام بتحرك وطني شامل على المستوى السياسي والاجتماعي والجمعوي للمطالبة بإصلاح شامل وفعال للمنظومة التعليمية
 
تطرق المهدي لحلو إلى أهم الإشكالات التي تعوق المنظومة التعليمية بالمغرب على كل المستويات، وتوقف عند المحاولات الحكومية الساعية للتخلي عن مجانية التعليم الجامعي، وتحدث عن البدائل الممكنة لتمويل التعليم العمومي، وعن دور القوى السياسية والجمعوية للدفاع عن العليم العمومي في المغرب.. المهدي لحلو عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، عضو سابق بالمكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي…

أجرى الحوار مصطفى لمودن
 سؤال:ـ ما هو تقييمك لوضعية التعليم بالمغرب؟

المهدي لحلو: ـ وضعية التعليم في المغرب اليوم هي وضعية أزمة شاملة، على المستوى الكمي والكيفي، بحيث إنه لا زال المغرب يعرف نسبة مرتفعة من الأمية (من بين أعلى المستويات في العالم العربي)، لا زالت هناك كذلك نسب كبيرة من الأطفال في سن التمدرس الذين لا يتمكنون من الوصول إلى المدرسة، بينما لا تتعدى اليوم أعداد الطلبة الموجودين في التعليم العالي 400 ألف، في حين، أن عدد الطلبة في دولة الجزائر يفوق المليون والمائة ألف طالب.. أما على المستوى النوعي فهناك تدن كبير لمستوى الطلبة الحائزين على إجازات أو شهادات تعادلها في مختلف جامعات المغرب، وهذا ما يتجلى على الخصوص من شهادات أساتذة التعليم العالي، وكذا من مستويات طلبات التشغيل التي تتوصل بها العديد من الشركات في المغرب.
 سؤال:ـ ما أسباب هذه الوضعية؟
 المهدي لحلو:ـ أسباب هذه الوضعية مختلفة ومعقدة، وهي في الحقيقة تراكم لاشكالات لم تتجرأ حتى الآن أي حكومة أن تبحث لها عن حلول جذرية، من بين هذه الأسباب إشكالية اللغة، وهي تتجلى في كون التعليم الأساسي والثانوي معربا، في حين نجد أن لغة التعليم في الجامعات وفي كل المدارس العليا هي الفرنسية إلى جانب ذلك هناك إشكالية البرامج التي جلها إما ماضوية، خصوصا في كليات الآداب والشريعة وفي بعض كليات الحقوق، أو غير مرتبطة بالتطور العلمي والتكنولوجي على المستوى العالمي، وهناك إشكالية التأطير بحيث أن عدد أساتذة التعليم العالي لا يفوق 14 ألف، وإن أعداد التلاميذ في التعليم الأساسي والثانوي لا زالت تفوق في أحيانا كثيرة 40 تلميذا في الفصل.. إلى جانب هذا، هناك إشكالية التمويل، وتتجلى تداعياتها على مستوى تجهيز مؤسسات التعليم ومستوى توفير الكتب والمعدات المدرسية، وعلى مستوى مجموعة من الخدمات الأساسية، خصوصا في العالم القروي، كتوفير الماء الصالح للشرب والكهرباء والتدفئة، وكذلك حتى في بعض الجامعات بما فيها القديمة كطهر المهراز بفاس، أو الجديدة كبني ملال ووجدة.. هذا مع ذكر أن أجور هيئات التعليم بمختلف مستوياتها لا تسمح لها بالقيام بدورها على الشكل الكامل.. هنا يمكن أن نذكّـر أن تدني مستوى الطلبة راجع كذلك لضعف المنح التي يتوصلون بها، أو انعدامها، لفقر أسرهم، ولغياب شروط العمل والبحث اللازمة في جل جامعات المغرب.

 سؤال:ـ في ظل هذه الأوضاع، ألا ترون بأن لجوء وزير التعليم العالي إلى الأداء بالنسبة لمن يريدون الدراسة الجامعية هو حل للمشكلة؟  
 
المهدي لحلو:ـ بارتباط مع كل الأوضاع والشروط والاحتياجات التي تحدثت عناها، تأتي الحكومة الحالية على لسان وزيرها في التعليم العالي بوصفات فوقية وجزئية، هي في الحقيقة وصفات إما اقترحت في مجال سياسة التعليم مع بداية "التقويم الهيكلي" الذي اتبعه المغرب ابتداء من سنة 1983، أو وصفات مرتبطة بالحديث عن ضرورة الانتهاء مع مجانية التعليم التي واكبت خطاب الملك الراحل الحسن الثاني حول "السكتة القلبية" في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، والحقيقة أن ما يقول به وزير التعليم العالي ليس إلا محاولة من الحكومة الحالية للتقليص من عجزها المالي، عن طريق مطالبة الأسر بتمويل تعليم أبنائها، وهو المقترح الذي كانت قد جاءت به "لجنة المرحوم محمد مزيان بلفقيه" في سنة 1999، ولم تتمكن أي حكومة حتى الآن، لاعتبارات سياسية واجتماعية، من تطبيقه. إلى جانب الحديث عن تمويل التعليم من طرف الأسر، وهو الشيء الذي قد يفاقم وضعية الأزمة التي يعرفها نظامنا التعليمي، من استمرار ارتفاع نسب الفقر والحاجة بين الأسر المغربية..
هناك حديث جديد من طرف الوزير الذي يذهب إلى أبعد حدّ ممكن في مجال خوصصة التعليم، وهو يقول اليوم إنه يفتح النظام التعليمي العالي بالمغرب أمام جامعات خصوصية، يتمنى الوزير أن تأتينا من فرنسا أو اسبانيا أو أمريكا أو إيطاليا أو حتى من روسيا وألمانيا.. وهو ما سيجعل نظام التعليم بالمغرب شبيها بسوق حرة وتعليم البزار (un enseignement de bazar)ما يفتح الباب على مصراعيه لإشكالات لن يمكن للمغرب مستقبلا إيجاد الحلول لها، ويرهن مستقبل  شباب المغرب، بل مستقبل المغرب ككل.
  

سؤال:ـ في ظل هذه الأوضاع ما المطلوب من القوى الديمقراطية التي تدافع عن جودة التعليم ومجانيته؟

المهدي لحلو:ـ الإشكال لا يخص المجانية أو الانفتاح على الخارج، الإشكال اليوم هو أن تعليمنا لم يعد مبنيا على أي من المبادئ الأساسية التي كان قد وقع الإجماع عليها بعد استقلال المغرب ابتداء من سنة 1957 (مناظرة إفران)، والمطلوب الآن هو القيام بتحرك وطني شامل على المستوى السياسي والاجتماعي والجمعوي للمطالبة بإصلاح شامل وفعال للمنظومة التعليمية المغربية، انطلاقا من مبدأين أساسين، وهما أن يُُـضمن لكل طفل مغربي في سن التمدرس مقعد في المدرسة، وثانيا الإقرار بارتباط المنظومة التعليمية المغربية بتوجهات البحث العلمي والتكنولوجي على المستوى العالمي، وكذا بمفاهيم  التنمية الديمقراطية والعدالة كما هي متعارف عليها دوليا، وهذا يتطلب من الآن البدء في التفكير في عقد مناظرة وطنية، يكون تحقيق هاذين المبدأين من بين أهدافها الأساسية، إلى جانب وقف زحف الرأسمال الخاص والأجنبي على المدرسة المغربية، وحماية المدرسة الوطنية من نتائج وضع الحكومة ثقل العجز المالي على كاهلها (المدرسة).

  سؤال:ـ كيف يمكن إيجاد حل لتمويل التعليم بالمغرب؟

المهدي لحلو:ـ إشكالية تمويل التعليم اليوم مرتبطة بإشكالية التمويل التي تعرفها الدولة منذ سنوات، وهذه الإشكالية مرتبطة أولا بغياب سياسة اقتصادية تسمح فعلا بالرفع من الدخل الوطني بشكل مستمر، ومرتبطة اليوم بتعامل الحكومة (والحكومات المتعاقبة) وقد فـُــقـد مبدأ التوازن ما بين النفقات والمداخيل، بحيث إننا نلاحظ ارتفاع العديد من النفقات، خصوصا منها المرتبطة بالأمن، أو المرتبطة بأجور المسؤولين الحكوميين والمسؤولين السامين في الإدارة والأمن والدفاع وفي المؤسسات العمومية.. مع استمرار العديد من نفقات البذخ التي لا حاجة للمغرب بها. هذا مع غياب البحث عن مداخيل جديدة عن طريق إصلاح ضربي، يسمح مثلا بالرفع من الضرائب على المداخيل العليا، أو من الضرائب على أرباح الشركات الكبرى، خصوصا المتعاملة مع الخارج، أو يسمح (الإصلاح الضريبي) بإعادة العمل بالضريبة على الدخل الفلاحي، الإعفاء الذي يستفيد منه أساسا كبار الفلاحين، وإصلاح ضريبي يتيح القضاء على التملص والغش الضريبي. هذا إلى جانب مراقبة فعلية وديمقراطية لموارد ونفقات المؤسسات العمومية كالمكتب الشريف للفوسفاط، صندوق الإيداع والتدبير، الخطوط الملكية المغربية، مؤسسة بنك المغرب.. 
 زد على هذا أن الحكومة الحالية بدلا من أن تؤسس صندوق التكافل الاجتماعي الذي تم الحديث عنه في أواخر سنة 2011، فضلت البحث عن مداخيل جديدة عن طريق الزيادة في أثمان المحروقات، وهو القرار الذي تتباهى به اليوم، وبأنها كانت الوحيدة التي تجرأت للقيام به.   


 فاط، صندوق الإيداع والتدبير، الخطوط الملكية المغربية، مؤسسة بنك المغرب.. 
 زد على هذا أن الحكومة الحالية بدلا من أن تؤسس صندوق التكافل الاجتماعي الذي تم الحديث عنه في أواخر سنة 2011، فضلت البحث عن مداخيل جديدة عن طريق الزيادة في أثمان المحروقات، وهو القرار الذي تتباهى به اليوم، وبأنها كانت الوحيدة التي تجرأت للقيام به.   



الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

مدونة سيدي سليمان في حوار صريح وشامل مع الأستاذ إسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية بمناسبة ترشيحه وكيلا للحزب بدائرة سيدي سليمان.


 مدونة سيدي سليمان في حوار صريح وشامل مع الأستاذ  إسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية بمناسبة ترشيحه وكيلا للحزب بدائرة سيدي سليمان.
إسماعيل العلوي:
ترشحي هو رد على سلوك دنيء وتكالب بعض القوى ضد حزبي.
 
تطرق إسماعيل العلوي لظروف ترشحه الطارئة، ولجزء من تاريخه النضالي مع حزبه، ولعلاقته مع سكان دائرة سيدي سليمان التي سبق أن مثلها في البرلمان، ثم أعطى رأيه في "المقاطعة" والتحالفات، وتشتت اليسار، ودور الحكومة المرتقبة…
أجرى الحوار من سلا لفائدة مدونة سيدي سليمان عبد الإله عسول
 
-سؤال: في عجالة أستاذ إسماعيل، نود منك أن تتفضل بإعطاء المدونة نبذة مقتضبة عن حياتك الشخصية والحزبية…
جواب-إنني من مواليد سنة 1940. رأيت النور بسلا بحومة بابا حسين في أسرة محافظة تسكن بجوار الزاوية الدرقاوية التي كان جدي من أبي مقدما عليها.
درست بمدرسة "الشراطين" ومدرسة "الرمل" بسلا وتعلمت اللغة العربية بالمنزل على يد أساتذة مثل الأستاذ الطازوطي والأستاذ العوفي، ثم الأستاذ محمد الغربي قبل أن أنهي تعلمي بالعربية مع الأستاذ اليابوري الذي أصبح من بعد رئيسا لاتحاد كتاب المغرب.
في مطلع الاستقلال سنة 1956 انتقلت الأسرة إلى القنيطرة وتابعت دراستي الثانوية هناك بعد ما بدأتها بثانوية كور والتي تحولت إلى ثانوية الحسن الثاني. وبعد حصولي على الباكالوريا بقسميها تابعت الدراسة في قسم "البربيدوتيل" أي التحضير للدراسات العليا بثانوية "ليوطي" بالدار البيضاء، وكنت أتابع دروسا في السنة الأولى علوم سياسية في آن واحد.
بعد حصولي على شهادة "البربيدوتيل" التحقت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط شعبة الجغرافيا والتاريخ قبل أن استكمل دراستي بباريس في معهد الجغرافيا.
وخلال مكوثي بالرباط التحقت بصفوف الحزب الشيوعي المحظور آنذاك في سنة 1961 انطلاقا من قناعتي بضرورة القضاء على كل أنواع الاضطهاد والاحتقار وبناء مجتمع العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحرية. ومازلت وفيا لهذا الاختيار وسأبقى وفيا إليه إلى أن ألتحق بالرفيق الأعلى.
وبموازاة مع الانضمام إلى الحزب انخرطت في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب حيث تحملت داخل صفوفه مسؤولية التنسيق بين الفروع التي كانت له بفرنسا.
وسنة 1965 عدت نهائيا إلى أرض الوطن وتزامن ذلك مع وفاة الوالد رحمه الله.
في يوليوز 1966 كان لي شرف المساهمة في المؤتمر الثالث للحزب الذي انعقد في السرية حيث انتخبت عضوا في اللجنة المركزية؛ كما حصل لي شرف العمل  بجوار أستاذي ورفيقي عبد العزيز بلال، وتكلفت تحت رعايته بالعمل في وسط الفلاحين بالغرب مع رفاق شباب آخرين آنذاك. وحيث كان الحزب محظورا كنا نلتقي مع رفاقنا الفلاحين والعمال الزراعيين في بعض الأضرحة ليلا بمنطقة دار بلعامري وسيدي سليمان.
في 1968 عاد الحزب إلى العمل العلني قبل أن يمنع من جديد سنة 1969 وكتب لي أن قضيت مدة وجيزة في سجن العلو بصحبة رفيقي علي يعتة ومحمد شعيب الريفي اللذين قضيا شهورا حبسا نافذا، أما أنا فأطلق سراحي بعد 15 يوما لأنه تبين أني لم أحضر في الاجتماع الذي اتخذ ذريعة لمنع الحزب، والحكم على أمينه العام وأحد أعضاء ديوانه السياسي.
وسنة 1975، بعد المسيرة الخضراء، تم الاعتراف القانوني بالحزب وساهمت في تأسيس حزب التقدم والاشتراكية وفي مؤتمره الأول انتخبت عضوا مساعدا بالديوان السياسي قبل أن أصبح في المؤتمر الثاني عضوا كامل العضوية في الهيأة التنفيذية للحزب.
أما ما حدث في حياتي الحزبية فيما بعد فهو معروف ولا داعي للإطالة في هذا الموضوع لأن على أي نبذة أن تكون مختصرة. وأنا رهن الإشارة إن أردتم المزيد.
 
السؤال الأولأول سؤال يتبادر لذهن المتتبع، هو ما الذي حصل حتى تخرجون من تقاعدكم السياسي، ومن جبتكم كرمز للحزب وأحد حكمائه الذي طالب إعفاءه أكثر من مرة من مسؤولية الأمانة العامة لأسباب صحية، لتعودون إلى تحمل هذه المسؤولية التي ليست بالسهلة؟
الجواب: أولا لم أصبح في يوم من الأيام متقاعدا عن العمل السياسي بمفهومه النبيل. أنا مناضل أعتمد في حياتي على قيم ومبادئ وقناعات وكل هذا يمنعني من أي تقاعد.
صحيح أني طالبت أكثر من مرة بالتخلي عن مسؤولية الأمانة العامة لأسباب شخصية منها ما هو عائلي، ومنها ما هو أخلاقي. تعلمون أني تجاوزت السبعين من عمري ومن الأفيد لحزبي أن ينعم بالطاقات الشابة التي يزخر بها.
أما عودتي إلى الترشيح بإقليم سيدي سليمان فهذا يعزى إلى أمر طارئ حصل وهو تكالب بعض القوى على حزبي وهذا لا ولن أقبله أبدا.
قررت مع حزبي أن نرفع التحدي وأن نعمل بحكمة المقولة الشعبية "لي عندو باب واحد الله يسدو عليه". أني أعتبر أن لي مع إقليم سيدي سليمان روابط حميمية تعود إلى منتصف الستينيات وكان لي شرف تمثيل جزء مهم من سكان هذا الإقليم الفتي في الثمانينيات وبداية التسعينيات بالبرلمان.
ولم أنقطع عن الاهتمام بهذه المنطقة وبسكانه في الحواضر والأرياف. ويسعدني أن أقول أني مع رفاق ورفيقات وإخوة وأخوات أقوم بنشاط جمعوي في إطار الجمعية التي أترأسها وهي "جمعية تنمية عالم الأرياف" والتي أعطت حروفها الأولى بالفرنسية كلمة "ADMR" "أدمر" ونعلم جميعا معنى هذه الكلمة الدارجة المقتبسة من الأمازيغية.
طبعا عندما قررت عن طواعية رفع التحدي الموجه لحزبي لم أسقط في الغرور. سأخوض المعركة الانتخابية بنفس الحماس الذي كان لي في المعارك الانتخابية الأخرى دون المبالاة ب "الهزيمة" إن حدثت. إني أفعل في العمل السياسي الشعار الأولمبي القائل:  "الأهم ليس هو الانتصار بقدر ما هو المساهمة".

السؤال الثاني: كيف تنظرون من موقعكم كسياسي خبر العمل الحزبي من موقع المعارضة والحكومة إلى الوضع السياسي العام بالبلاد، خصوصا مع ما يشهده العالم العربي من تطورات سريعة مفتوحة على احتمالات مختلفة، ومع ظهور حركة شباب 20 فبراير، الذي يطالب بتغييرات في ممارسة العمل السياسي بدءا بمحاربة الفساد والمفسدين وتطهير السياسة من الانتهازيين وأصحاب الشكارة والنفوذ..؟
الجواب: إن راهن الوضع السياسي ببلادنا يتميز بمجموعة من المفارقات. فشعبنا بفضل كفاحه ونضالات أبنائه ولاسيما منهم الشباب، استطاع أن يحقق من خلال الحراك الذي انطلق مع حركة 20 فبراير مكاسب هامة في الميدان السياسي والمؤسساتي؛ لكن يبدو لي أن عدداً من المواطنين ولاسيما منهم المسيّسون لم يقدروها حق قدر هذه المكتسبات، وأخذوا يستخفون بها وكأنهم في قرارات أنفسهم يريدون التنكر إليها، هذه هي المفارقة الأولى في تصوري.
أما المفارقة الثانية فيمكن تلخيصها في كون  بعض الهيئات السياسية التي أخذت تساهم في العمل السياسي في إطار المؤسسات لمدة طويلة من الزمن وتحت مضلة دستور أقل تقدما من هذا الذي اقر في فاتح يوليوز 2011، تنادي إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية. أين هو المنطق يا ترى! أعتبر شخصيا أن العمل السياسي يجب أن يتنافى وكل انفعال ذاتي سلبي(sans états d’âme)  كما يقول الفرنسيون، وما لا يأخذ كله لا يترك كله.
المفارقة الثالثة هي أن الدستور الحالي( كما هو حال كل الدساتير في العالم) رهين فعلا في تطبيقه بمدى المستوى السياسي العام للشعب. ودون التقليل من فطنة وحدس شعبنا يجب الاعتراف بأن "المشكلة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" لشعبنا في الوقت الراهن لا تناسب كل ما يمكن أن ينجم عن تفعيل الدستور الجديد. وبالتالي من الممكن إن لم نكن حذرين أن يبقى هذا الدستور المقدم حبرا على ورق.
ولتوضيح ما أقول آخذ مثل دستور مملكة الدانمارك. إن هذا الدستور الموضوع سنة 1953 أصبح متجاوزا إذ ينص بصراحة في مادته الثالثة أن العاهل الدانماركي "يتقاسم ومجلس الشعب السلطة التشريعية" وأنه "ينفرد بالسلطة التنفيذية"! لكن المستوى العام للشعب الدانماركي جعل هذه الصياغة متجاوزة. وما لوحظ إيجابا في حالة الدنمارك يمكن أن يلاحظ سلبا في بعض الحالات. وهذا ما أخشاه بالنسبة لنا في المغرب. ولتفادي هذا الوضع يجب الانخراط بوعي وبقوة في عملية "تنزيل" مضامين الدستور الجديد مما يقتضي لا "المقاطعة" بل الاجتهاد من أجل قطع الطريق على المفسدين وعلى كل من لا يريد التفعيل الحقيقي لمضامين هذا الدستور. وبالمناسبة أود أن أدقق مفهوما أصبح متداولا في الفترة الأخيرة وهو مفهوم "المقاطعة" الذي يترجم بكلمة "boycott." إن المقاطعة في المعجم السياسي تفترض العمل المنظم الواعي لا لعدم المشاركة في العملية الانتخابية بل إفشال هذه العملية بكل الوسائل بما فيها العنف! وهذا أمر غير وارد حتى في التصورات الأكثر تطرفا في بلادنا. 
إن الخطأ الحاصل في استعمال هذا المفهوم ليدل على أن جزءا من طبقتنا السياسية لم يرتقي بعد إلى مستوى الأحداث. وهذه هي المفارقة الثالثة.
خلاصة القول هو أن محاربة الفساد والمفسدين وتطهير الساحة السياسية من الانتهازيين وأصحاب "الشكارة" و "النفوذ" كل ذلك يقتضي لا المقاطعة ولا عدم المشاركة والامتناع بل الانخراط بكثافة وبقوة في العملية الانتخابية. فهذه الطريقة هي الوحيدة الكفيلة بقطع دابر الفساد والمفسدين والانتهازيين الذين يستغلون الفقر والجهل اللذين ما زالا منتشرين بين صفوف شعبنا.

السؤال الثالث: ما هي أهم المستجدات التي ترون أنها تشكل دافعا جادا لانقطاع المواطنين بالإقبال على المشاركة في الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر الجاري؟ خصوصا أن هناك دعوات لأطراف سياسية معارضة، لمقاطعة الانتخابات، اعتبارا منها أن لا جديد عرفه ملف الإصلاح السياسي والدستوري – في نظرها-؟
الجوابيبدو لي أن الجواب على هذا السؤال متضمن فيما سبق؛ لكن أستسمح إن أكدت مرة أخرى على عدم منطق قبول العمل السياسي في إطار الدستور القديم والتواجد في المؤسسات التي كان ينص عليها، ورفض العمل في إطار دستور جديد أكثر تقدما! فهذا موقف بعيد عن المنطق السليم. هذا موقف لا يمكن لا فهمه ولا قبوله من مناضلين لا نشك في حسن نواياهم. إنما كما يقول المثل "فطريق جهنم معبدة بالنوايا الحسنة" la route de l’enfer est pavée de bonnes intentions.

السؤال الرابع: هل تعتقدون أن دائرة سيدي سليمان توفر حظوظا للنجاح أكبر من دوائر أخرى مثلا؟
الجواب: لم انخرط في هذه الانتخابات سعيا وراء مقعد. وحتى في الماضي لم يكن سعيي هو الحصول على مقعد في البرلمان، أعتبر الحملة الانتخابية مناسبة للتعريف بخطة حزبي، بقيمه وبمبادئه، كما أعتبر في نفس الوقت أن مثل هذه المناسبة (أي الحملة الانتخابية) هي مناسبة للتعلم أكثر من شعبنا وإدراك محاسنه ومساوئه. 
وأتأسف لكون العديد من المناضلين لا يحسنون العمل عن قرب ولا يتوفر لهم النفس الطويل الذي يمثل وحده ضمان النجاح السياسي (إضافة طبعا إلى توفر الخط السياسي والقدرة على التحليل الصائب).
ثم لا تنس أني أتيت إل دائرة سيدي سليمان نظرا لما يجمعني بسكانها منذ الستينيات وكذلك للرد على العمل الدنيء الذي اقترفه البعض ضد حزبي. لربما سيعتبر البعض أن موقفي كان نتيجة "انفعال" واعترف بذلك لأن ما أقدم عليه بعض الفاسدين المفسدين في دائرة سيدي سليمان وفي غيرها من الدوائر ضد حزبي، هو الذي جعلني أثور وأقدم على ما أقدمت عليه من ترشيح. لكن من وراء رد الفعل هذا نجد الرغبة في دق ناقوس الخطر إذ أن السلوك الدنيء الرامي إلى عرقلة حزب مثل حزب التقدم والاشتراكية واستعمال أساليب تذكرنا بماض ولى بدون رجعة، يمثل خطرا على استقرار البلاد وضربة لتقدمها على درب التحديث والتقدم.

السؤال الخامس: ما هي محاور برنامجكم الانتخابي سواء بالنسبة للحزب الذي تمثلونه، أو بالنسبة لكم كسياسي له علاقة حميمية بالمنطقة؟
الجواب: فيما يخص برنامج الحزب الانتخابي فمن دون شك أنكم اطلعتم عليه وعلى ما يتضمنه من التزامات. إننا كحزب وفي لدوره ولهويته نناصر أولا وقبل كل شيء الكادحين والمستضعفين من شعبنا في مطالبهم المشروعة، ولهذا اخترنا كشعار مركزي لهذه الحملة الانتخابية: "الكرامة الآن". و الكرامة تعني القضاء على الفساد وعلى كل تبعاته من استغلال النفوذ والجاه واحتقار المواطنين والمواطنات البسطاء في حياتهم اليومية عن طريق الرشوة والإقصاء والتهميش واستغلال الجهل والفقر.
إن تصريف هذا الشعار يهم كل مناحي الحياة اليومية للمواطن والمواطنة في ميدان السكن والصحة والتعلم والتثقيف والمساواة بين الجنسين، مما يقتضي تحسين شروط وظروف العيش الكريم، فمن الصعب تلخيص البرنامج في بعض السطور لكن الأهم هو جعل المواطنين والمواطنات يرتقون إلى مستوى أعلى من الوعي، وأن يصبحوا قادرين على تفعيل "الديمقراطية المشاركتية".« démocratie participative »
إضافة إلى كل هذا فنحن في حزب التقدم والاشتراكية نعطي أهمية قصوى لمفهوم العدالة الاجتماعية مما يفرض الانكباب على الحقل الاقتصادي وحقل العلاقات الاجتماعية للإنتاج، وهنا نصل إلى محاربة اقتصاد الريع وإلى ضرورة مراجعة نظامنا الجبائي حتى يساهم الجميع في تمويل احتياجات أفراد المجتمع بشكل عادل. وكل ما قلته في هذه العجالة ما هو إلا قطر من فيض فيما يخص منطقة سيدي سليمان فإنكم تعلمون أنها توجد في إحدى أغنى مناطق الوطن اقتصاديا، لكن سكانها من أفقر سكان هذا البلد، وهذا يطرح إشكالات منها ما هو متصل بالهياكل الزراعية والعقارية، وما هو متصل بالأوضاع الاجتماعية الطبقية. لذلك أعتبر أن على المجتمع المدني المتنور أن ينخرط في حل هذه المعضلة ليس فقط بتنظيم عملية حركات مطلبية، بل وكذلك بالمساهمة الفعلية الميدانية  في حل العديد من جوانب هذه المعضلة: ميدان تعميم المعرفة، الصحة الجماعية، توفير السكن اللائق، تسهيل الاتصال: المسالك – الطرق… الخ.
إن مثل هذا الاختيار الذي أحبذه وأعمل على أساسه في إطار جمعية تنمية الأرياف رغم قلة الإمكانات لمن شأنه أن يساهم في ارتقاء وعي المواطنين والمواطنات والقضاء على العادات التي ترسبت نتيجة العملية التخريبية التي ما فتئ يمارسها الفاسدون المفسدون مستغلين الفقر والجهل.

السؤال السادس جرت العادة أن تواصل أي منتخب لمجلس النواب مع منتخبي دائرته بمجرد نجاحه، هل لكم خطة تواصلية تخالف هذا الأمر مستقبلا، خصوصا وأنكم تدخلون الانتخابات في دائرة سيدي سليمان بعدما كنتم ممثلين لها في البرلمان ابتداء من 1997.
الجواب: أولا أريد أن أصحح ما جاء في سؤالكم لقد مثلت دائرة سيدي سليمان التي كانت تلقب آنذاك "بدائرة بني احسن" من سنة 1984 إلى غاية سنة 1992 وليس ابتداء من 1997 كما ورد في السؤال.
وعندما كنت نائبا عن سكان هذه المنطقة كنت حريصا على التواجد المستمر بين سكان الدائرة وكان لي مكتب مخصص للاتصال بالسكان للمساهمة في حل بعض قضاياهم الفردية والجماعية والدفع بعديد من المشاريع تهم المنطقة. وكنت أسعى عند نهاية كل دورة من دورات المجلس أن أتقدم برصيد عملي كبرلماني. كما نظمنا مناظرات متمحورة حول إشكال تشغيل الشباب. وقاعة بلدية سيدي سليمان التي تحولت إلى مركز العمالة شاهدة على ذلك.
وحتى بعد سنة 1992 لم أنقطع عن تتبع أحوال المنطقة التي تعرضت مرارا إلى كارثة الفيضان وقمت حتى عندما لم أبق منتخبا ممثلا للمنطقة ببعض المبادرات قبل وإثر وبعد تحمل مسؤولية تدبير شؤون وزارية (التعليم الابتدائي والإعدادي من مارس 1998 إلى غاية شتنبر 2000 والفلاحة من شتنبر 2000 إلى نونبر 2002). فاسألوا سكان العبيات ودوار السوالم وأولاد عقبة وغيرهم. إذن لم أكن من ذلكم الصنف من النواب الذين تنقطع علاقتهم بالمواطنين بمجرد نجاحهم، لقد بقيت متصلا بالمنطقة وسكانها خلال تحملي المسؤولية التمثيلية وحتى بعدها.

السؤال السابع: ما زال اليسار مشتتا، لا يدخل الانتخابات بناخب مشترك، ويسار آخر يقاطع، متى يمكن أن يكون اليسار المغربي وفق رؤية متقاربة؟ ما الدور المنتظر من حزبكم لتفعيل لذلك؟
الجواب: مع كل أسف ما ورد في سؤالكم هو الواقع: اليسار مشتت وبعض فصائله تائهة. ما العمل؟ سؤال مركزي لكن يصعب الجواب عنه في سطور. أعتبر أن عملية الإفراز لم تنته بعد وعملية النضج هي كذلك لم تصل إلى نهايتها. لقد حاولنا في حزب التقدم والاشتراكية عدة محاولات من أجل جمع الشمل لكن لم نفلح. من دون شك أننا نحن كذلك لم نكن منطقيين في حالات عديدة لكن يبقى أن إرادتنا راسخة. وبالمناسبة أشير إلى أن حزبنا قرر مساندة مرشح الاتحاد الاشتراكي في دائرة تيزنيت رغم النفوذ الكبير الذي يحضى به هناك. وهذا دليل على حسن نيتنا، علما أن نظام الاقتراع وقانون الأحزاب في صيغته الحالية لا يساعدان على جمع الشمل. هذه معركة لازالت طويلة ومثابرتنا أقوي من طول المعركة.

السؤال الثامنقبيل الانتخابات تشكل التحالف الثماني المعروف، ضمنه أحزاب كان يمكن أن تكون معكم، وقيل من بعضهم أن "الكتلة" خذلتكم فتوجهوا نحو اليمين؟ هل تشعرون بنوع من المسؤولية فيما حدث بصفتكم الحزبية؟
الجواب: خذلان "الكتلة" ذريعة وتبرير واه. إن ما حصل يندرج حسب تصوري في نوع من التيه وعدم التبصر. والمستقبل كشاف!

السؤال التاسع هناك دعوات لتشكيل لجنة وطنية تشرف على الانتخابات عوض وزارة الداخلية، هل هناك تأكيدات جدية بالتزام الحيادية الإيجابية لدى أجهزة الإدارة في الانتخابات المقبلة؟
الجواباستمعنا إلى التأكيدات التي وردت من أعلى سلطة في البلاد. ونتمنى أن تفعل هذه التأكيدات على أرض الواقع من لدن الجميع. وسنقوم بتقويم هذا الوضع في حينه علما أن العقليات والسلوك لا تتغير بجرة قلم. وعلى الملاحظين والمواطنين أن يقوموا بواجبهم وكان عليهم أن يقوموا بذلك حتى قبل الخوض في الحملة الانتخابية.

السؤال العاشر: هل تعتقدون أن الدستور الجديد يوفر كل الشروط القانونية والتنظيمية لتتحمل الحكومة مسؤوليتها كاملة في تدبير مختلف قضايا الوطن التنفيذية؟
الجوابأظن ذلك. لكن يبقى هذا الأمر مرتبط بنوعية الأغلبية المقبلة. وإذا تشكلت هذه الأغلبية -لا قدر الله- من الأحزاب " الإدارية" التي تفتقد لاستقلالية قرارها فلا شك أن هذا سيشكل ضربة حقيقية لتنزيل مبدأ فصل السلط المنصوص عليها دستوريا على أرض الواقع. كما أن تشكيل الحكومة كسلطة تنفيذية حقيقية قادرة على تسطير السياسات العمومية وتنفيذها سيظل حبر على ورق. ومن جهة أخرى أعتقد أن اضطلاع المؤسسات الدستورية بدورها كاملا، وخصوصا الحكومة، رهين بمدى قوة شخصية من سيتحمل مسؤولية رئيس الحكومة.

السؤال الحادي عشر كلمة أخيرة لقراء المدونة.
الجوابتحيات حارة لجميع قراء المدونة وتهاني الحارة لأصحاب المبادرة لأن مثل هذا العمل سيساعد في تحقيق كل ما أشرنا إليه في هذا الحوار والذي مازال ينتظر التحقيق.
فالمزيد من الصمود والمزيد من الابتكار.