الأربعاء، 8 فبراير 2012

الوصايا العشر للمناضل المثالي ـ مقالة مترجمة ـ


  الوصايا العشر للمناضل المثالي
ـ مقالة مترجمة ـ 

ترجمة: جــــواد الـــمـــــومــــني 
jaouadm67@hotmail.fr     

   على سبيل التقديم: 
       مساهمةً في الحراك الجماهيري الواسع، الناهض عبر تراب الوطن ( المحلي والكوني )، وإيماناً مني بكون الكلمة تخطو دائما إلى جانب الفعل، أَسوقُ ترجمة لمقالة مايك دايفس ( أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا، وعضو تحرير " المجلة اليسارية الجديدة " LA REVUE DES LIVRES–  ) التي صدرت   RdL ( numéro: 3,  janvier/février 2012 )بالمجلة الفرنسية  في عددها الثالث / ينايرـ فبراير 2012 في رُكن: تجارب سياسية (الصفحات: 77 إلى 80)
    وإذ أضع المحاولة أمام أعين القراء المتصفحين، أُشير إلى أنني كنت مُضطراً لحذف بعض السطور من النص الأصلي، لكونها مجالٌ تَوَسَّعَ فيه صاحب المقال بمزيد من الشروح حول التجربة الأمريكية. وإذ أُنَوِّهُ بذلك  فالأمر لم يَحِدْ عن الأمانة العلمية، ولم ينل حيزاً كبيراً من الحجم الأصلي.
       وما دامت المناسبة شرط؛ فلِيَتَأَكَّدِ القارئ أن تفكيري مُنْصبٌّ نحو حركة 20 فبراير المجيدة التي تُطفئ عما قريب شمعتها الأولى… وأنا من هذا المنبر المُشع أرجو أن تكون المساهمة في مستوى الحدث، كما أدعو إلى مزيد من اللُّحمة أكثر من أي وقت مضى؛ نظراً للتكالب المتزايد على المطامح المشروعة للحركة… وإنه لَسعيٌ حتى النصر..

      المقال :
      مؤخراً في كندا، سألتني صديقة عن مدى إمكانية استفادة حركة: " احتلوا وُولْ سْتْرِيتْ" من دروس الحركات الاحتجاجية ترددتُ في البداية لِاشْمئزازي من لعب دور الفاهم المُدرك والناصح، لكن إصرارها ولَّد عندي تساؤلا جوهريا عميقا :
      - ماذا يمكن الاحتفاظ به في آخر المطاف بعد حياة لصيقة بالحركية النضالية ؟؟
على سبيل الجواب أضع بين أيديكم عَشْر نصائح/ وصايا شخصية راكمتُها من خلال تجاربي الميدانية وكذا مما كان يُشير به عليَّ
عدد من الرفاق المُجرِّبين الذين يفوقونني سناًّ:
  1- الأمر القطعيّ في البدء هو التنظيم؛ أو بالأحرى تسهيل التنظيم الذاتي للأعضاء الآخرين، فالتَّحفيز مهم لكن التنظيم أهم.
 2- على القادة أن يُحسوا بأنهم " مُؤَقَّتون " وأنهم دائما قابلون للتَّنحي، فمهمة المُنظم النموذجي هي تنظيم " تقاعده" النضالي،  وتوفير شروطٍ يصير فيها قابلاً للتَّعويض في كل لحظة وحين.
 3- على المتظاهرين أن يُبْرزوا نوعاً من المقاومة ضد بعض التوجهات الإعلامية التي تعمل على " تشخيص" الحركية النضالية؛ فمثلاً، أليس غريبا تخليد " يوم: مارْتِن لُوثر كينغ " بدلا من يوم: حركة المطالبة بالحقوق المدنية ؟؟ مِن ثَمَّ وجب كذلك التغيير المستمر للناطقين بِاسْم الحركة الاحتجاجية .
 4- أُومن بضرورة يسارٍ ثوري عُضوي فعّال، لكن لا يحقّ لمكوناته التصريح بذلك إلا إذا أُعْطيتِ الأولوية في بناء "الصراع" من مُنطلق شفافيةٍ ووضوحٍ في البرامج السياسية بتعالُقٍ تام مع الأعضاء المناضلين المُشكِّلين لهذه الكتلة.
 5- في سِتينيات القرن الماضي تعلَّمْنا أن " الديمقراطْيا التوافقية " غير " الديمقراطْيا التشاركية "، فاتخاذ القرار مثلا على مستوى مجموعة صغيرة قد يتم عبر التوافق، لكن الأمر يختلف عندما يتعلق بمعاركَ طويلة الأمد، أو حين يكون القرار عبر الحضور الكبير للأعضاء؛ هنا تصير " الديمقراطْيا التمثيلية " أسمى تعبير عن كل الأطياف، وعن أكبر قدر ممكن من الآراء.
 6- تهدف " الإستراتيجْيا التنظيمية " إلى حشد أكبر كمٍّ من المشاركين في المعارك المفترضة أوّلاً، ثم إلى وضع المحطة في سياقها ثانياً، لِاعتبار خصوصية الظرفية. كل ذلك بِتَوازٍ بين المعركة النضالية والأهداف المُسَطرة في حالة القمع.
فمثلاً، خلال ستينيات القرن الماضي لجأتْ " حركة السُّود لِلتحرير" إلى مُناورة ضمن استراتيجيةٍ مُحْكمة، حيث عمدتْ إلى  نقل الصراع إلى قلب معامل السيارات ب " دِيتْرُويْتْ " حتى تمَكَّنتْ من تشكيل :" عُصْبة العمال السُّود الثَّوريين ". وحاليا ثمّةَ فُرصة سانحة ومماثلة لِمُؤيِّدي حركة :" احتلوا الْأَحْياءَ " في علاقتها بالأزمة التي تمرُّ بها حقوق الإنسان لدى العمال المهاجرين، حيث
يُلْمَسُ تصاعُدُ وثيرةِ الاحتجاجات عند هذه الفئة إلى درجة أنها خلال الخمس سنوات الأخيرة باتتْ تُعَدُّ من أكبر التظاهرات في  تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، فهل من الممكن أن نرى خلال فاتح ماي المقبل اصطفافاً واحداً لكل هذه الحركات والتشكيلات أثناء يومٍ حركيٍّ احتجاجي واحد؟؟
7- عند خَلق حركة ذات ارْتباطٍ وثيق بالضعفاء والمعطلين، يجب التفكير مُسبقاً في توفير البُنى التحتية لأجل تلبية عدد من المطالب الإنسانية الضرورية والمُستعجلة من قبيل: المأكل، المأوى، التطبيب… كما يتطلب الأمر كذلك التفكير في تعاونياتٍ من أجل توزيع الموارد على الشباب المعتصم في الصفوف الأمامية، ثم لا يَفوتُ أن  نسعى إلى تشكيل جمعيةٍ لرجال القانون
المتعاطفين مع الحركة ( مثل: الجمعية الوطنية لِلحقوقيين - خلال الستينيات ) لأنّ الأمر حيويٌّ هنا في مواجهة القمع الشرس !
 8 - إن مستقبل حركة  " احتلوا وُولْ سْتْرِيتْ" ليس مرهوناً بالضرورة بِعدد المتواجدين في " مُنْتَزَهِ الحرية " ( رُغْمَ أن الدعم الكمّي أمر أساسي لِاستمرار الحركة ) وإنما بقدرة البقاء والصمود في مختلف الأحياء الأخرى المساندة. كما أن الانتشار المكاني/ الفضائي لِلْمتظاهرين يجب أن يتميز بحضورٍ دائمٍ ومتنوع، لِمختلف الأطياف ( السّود، النقابيون..)
 علينا أن نَعِيَ أنّ أندية الإعلام الاجتماعي على الانترنيت، تُشكِّلُ فُرصة تاريخية لِإقامة حوار أفقي وطني، إنْ لم يكن كونياًّ بين كل النشطاء. كما أن فتْحَ باب الدعم للحركة من طرف الفئات المثقفة ذات النفوذ في المراكز الجامعية الحضرية الكبرى باتَ يفرض نفسه. كما سيكون مهماًّ جداًّ لو تشكلتْ بُؤْرة مكتب وطني من المُحاورين والمتدخلين مُعْتَمِدٍ على إمكانياته الذاتية.
  و في هذا الخضم، لا بد أيضاً ـــ و بنفس الطريقة ـــ من الكشف عن كل الحقائق التاريخية المغلوطة منها أو المسكوت عنها، مع جدولة زمنية لِلتظاهرات، ووضع الشارع في الصورة التي يتواجد عليها أولئك الذين يُنجزون حركاتهم البطولية في كل رُبوع البلاد مع الفضح المستمر لِلْخروقات.
 9 - إن المشارَكة المتزايدة للنقابات خلال تظاهرات: " احتلوا وول ستريت " بما فيها تلك التي صَدَّتْ إلى حد بعيد شُرطة نيويورك وجعلتها تتراجع مؤقتاً عن محاولتها في تفريق الاحتجاج بالقوة، لَقادرةٌ على قلب الموازين وبالتالي خلق أمل في جعل هذه الهَبَّةِ تَوْطئةً للصراع الطبقي الحقيقي. في نفس الوقت، وجبَ التنبيه إلى أنّ غالبية القياديين النقابيين تنتمي للحزب الديمقراطي، وهي نفسُها الغالبية التي عملت جاهدةً - في ما مضى و في إطار صراعات داخلية لا أخلاقية -على كسر شوكة كل أملٍ في الصراع العمالي.
يبقى أن نشير إلى ضرورة تمتين الروابط بين المتظاهرين ضد الرأسمالية وبين اللجان الفرعية الأكثر تقدُّميةً العاملة ضمن النقابات.
 10 - إنّ من أَسْهَلِ الدروس المُستنبَطة وأعتاها ضرورةُ التكلُّم بخطاب معرفيٍّ مفهوم. فقيمة الخطاب تَبْلُغُ ذِروتها حين  يتقاسمها أكبر قدر ممكن من الناس، ولنا أمثلة واضحة على ذلك من قبيل: تُومْ پّاين، فريديريك دوغلاس، جِينْ ديبْسْ، مارْتنْ لُوثر كينغ، مالْكومْ إيكس، مارْيو سافْيو… هؤلاء استطاعوا عبر أصواتهم الراديكالية أن يُلامسوا قضايا الشعب الأمريكي من خلال
كلمات قريبة وقوية، ولنا مثال عظيم على ذلك في: آپْتونْ سانكليرْ الذي خلال الحملة الانتخابية المحلية بكاليفورنيا سنة 1934 والتي كانت تحت شعار:" من أجل القضاء على الفقر بكاليفورنيا الآن " عمِلَ على تنزيل برنامج " الحزب الاشتراكي " في شكل خطابٍ وعظي إرشادي مقتبس عن الإنجيل، فكانت النتيجة حصوله على ملايين الأصوات!
     - فهل يمكن أن نتساءل عن أي شكل من أشكال الخطاب الذي يمكن لحركات: " احتلوا…" أن تبلوره وأن تتبناه كلغة سياسية واقعية جذرية؟
  على المناضلين الشباب المُتحمسين تركَ- ولو مُؤقتاً -آراء: "باكُونِينْ" (مُنظِّر الفوضوية واللاسُلطوية الجمْعوية- المُتَرجِم )، لينين، سْلافُويْ زِيزيكْ " (فيلسوف سْلوفيني مُعاصر وناشط وحركي في التنظيمات اليسارية الجذرية - المترجم ) وغيرهم، والعودة إلى برنامج الحملة الانتخابية الرئاسية لِروزْفلت سنة 1944، حيث كان النداء الخالص من أجل: " مُواطَنَة اجتماعية
وإعلان عن الحق في الشغل والسكن والصحة والحياة الكريمة ". كانت لغة برنامج الحملة الانتخابية الرابعة هذه تَمْتَحُ من بياناتِ " كونْغْريس المنظمات الصناعية " لسنة 1938 ( منظمة نقابية كبيرة- المترجم ) ومن مطالبها الأساسية. 
حقيقةً؛ لم يُشكل كل ذلك برنامج اليسار الذي كان يُطالب بمِلْكِيَّة اجتماعية ديموقراطية للأبناك وللشركات الكبرى، إلا أنه كان بمثابة الطرح الأكثر تقدُّميةً عما سبقه من برامج انتخابية رئاسية.
   على الحركات الاحتجاجية ضَخّ المزيد من المطالب الأساسية ، وبخطاب قريبٍ، بعيداً عن الواقعية السياسية قصيرةِ النظر.
*************
             انتهت الترجمة ب: پــــــــــيرپــــــــــنيان/ فرنســــــــــــــا يوم الأحد 29 يناير/كانون الثاني 2012.   
———————————– 
ـ صاحب المقال: مايك دايفس
:  ـ عن المجلة الفرنسية 
  ( LA REVUE DES LIVRES– RdL numéro: 3,  janvier/février 2012)