الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

الشجرة صديقة للإنسان، لماذا كل هذا العداء للشجرة؟


الشجرة صديقة للإنسان، لماذا كل هذا العداء للشجرة؟
  
 مصطفى لمودن
في الغالب لا يراعي المغاربة احتراما للشجرة، ولا يقدرون قيمتها، إلا في بعض الأحيان، حيث يرى البعض مردوها المباشر وعائدها المادي الصرف.
لم يعد ممكنا الآن في المغرب غرس الأشجار على جانب الطرقات (*)، لم يعد ممكنا الإبقاء على الأشجار التي تغرس (إن غرست) في المدن والحدائق إلا بالحضور الدائم لحارس، لا تعطي  المجالس الحضرية والقروية والجهوية أهمية كبيرة للأشجار، سواء غرسا أو رعاية.. مجزئو الأراضي السكينة، ومعدو العقارات من دور وعمارات وغيرها لا يلتفتون للشجرة، ولا يمنحونها المكانة التي تستحق. وكأنها عدو يفزع من الأولى والواجب القضاء عليها ومحاربتها!!
إن الشجرة كائن حي، تنمو في مكانها ولا تؤذي أحدا، من فوائدها:
تمتص ثاني أكسيد الكاربون من الجو، وتضيف الأكسجين الحيوي للكائنات التي تتنفس، غير أن هذا الدور تقوم به أثناء الاستقلاب الضوئي، وفي الليل يقع العكس، غير أن ما تمتصه من ثاني أكسيد الكاربون أكثر مما تطلقه. يقع الاستقلاب الضوئي لما تكون الشمس ساطعة، فتحول ثاني أكسيد الكاربون والمعادن والماء وضوء الشمس إلى منتوج ملموس (خشب، ثمار، أوراق..).
ثاني أكسيد االكاربون أصبح يتواجد بقوة في الغلاف الجوي بسبب أنشطة الإنسان الصناعية وإحراقه للطاقة الأحفورية، كالفحم الحجري والبترول، فكل ما خزنته الأرض من ثاني أكسيد الكاربون على مدى ملايين السنين، يلقي به الإنسان في الفضاء خلال مرحلة زمنية قصيرة ابتدأت منذ انطلاق الثورة الصناعية في أوربا، وتزايدت في القرن العشرين في كل العالم.
ثاني أكسيد الكاربون سام للكائنات التي تتنفس، يسبب الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، حينما يمنع رجوع جزء من حرارة الشمس إلى الفضاء على شاكلة ما يقع داخل البيوت المغطاة للمزروعات.. الاحتباس الحراري يزيد في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، مما يسبب في تغييرات مناخية قوية، فتكثر عواصف هوجاء في مناطق، وتقل التساقطات أو تنعدم في مناطق أخرى، تنصهر ركامات الجليد في القطبين وفي أعلي الجبال كسلسة الهملايا، مما يزيد في ارتفاع نسبة مياه المحيطات والبحار، فتغطي المياه وأمواج البحار الأراضي المنخفضة بالسواحل، وتغمر الجزر.. ذوبان الجليد يؤثر كذلك على التيارات البحرية، وعلى تخفيض نسبة الأكسجين في أعماق البحار، مما يهدد الكائنات الحية هناك بدمار لا مثيل له.
إن الشجرة والنباتات عموما هي الوحيدة من تقدر على امتصاص ثاني أكسيد الكاربون من الجو، وكذلك بعض العوالق في المحيطات..
بالإضافة إلى ذلك، فالشجرة تحمي التربة من الانجراف عندما تتكون السيول بفعل الأمطار القوية، هذه التربة الموجودة على سطح الأرض لا تقدر بثمن، لأنها صالحة للزراعة والاستنبات، وتحتوي على كل العناصر التي تضمن ذلك من دوبال (بقايا عضوية) ومعادن.. الأشجار بجذورها تنبث التراب ولا تسمح بمغادرته المكان.. افتقاد الأشجار في محيط السدود، جعل هذه الأخيرة تمتلئ بالأوحال عوض الماء، وأصبحت غير ذات جدوى.
الأشجار تمنح الإنسان الثمار (بالنسبة للأشجار التي نستعمل ثمارها) والخشب، وكلنا نعرف فائدة الخشب، وهذا الخشب يصلح لصناعة أوراق الكتابة، الشجرة تحتضن كائنات عديدة ترافقها في حياتها الطويلة، ويقع فيما بين الجميع تبادل للخدمات، ليعيش الجميع، الطيور، الحشرات، وعدد كبير من حيوانات أخرى بشكل مباشر أو غير مباشر، وتعطيني الغابات في ذلك دروسا لا تنتهي..
الشجرة كائن حي يساهم بفعالية في دورات الحياة التي تعرفها الطبيعة، الشجرة أهم صديق للإنسان.
على الجميع الوعي بأهمية الشجرة، ومن المفيد ألا تغيب عن المقررات الدراسية في جميع المستويات التعليمية، وأن تحضر باستمرار في وسائل الأعلام، وأن يراعي ذلك كل واضعي السياسات العمومية، وكل من له دخل في التهيئة المجالية والعمرانية.. 
 فهل من مستوعب للمخاطر التي تحدق بالإنسان في غيبة الشجرة؟

—————-
(*)في زمن الاستعمار كان يمنع الرعي على جنبات الطرق، غالبية الأشجار المتبقية تعود لذلك الزمن مع كامل الأسف.