الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

نبيلة منيب: الحكومة مرتبكة.. تعتمد خطابا شعبويا وتوجهاتها غير شعبية "إننا نعيش ردة خطيرة على جميع المستويات"


 نبيلة منيب: الحكومة مرتبكة.. تعتمد خطابا شعبويا وتوجهاتها غير شعبية
"إننا نعيش ردة خطيرة على جميع المستويات"

————
انتقدت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، أداء حكومة بنكيران، لعدم تمتعها بسلطات واسعة بسبب غياب الديمقراطية، مضيفة أن المغرب أخلف مواعيد عديدة مع الإرساء الحقيقي للديمقراطية ومع بناء مجتمع المواطنة ومع تحقيق العدالة الاجتماعية منذ الاستقلال وحتى اليوم، مشيرة إلى أن المغرب يعيش ردة  سياسية وفكرية خطيرة، كما شددت على أن حركة 20 بريار ستعود اقوى مما كانت عليه لثقتهم في إبداع وابتكار شبابها (المساء)  

—————
 الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد في حوار مطول نشر بجريدة "المساء"، تقوم فيه بتفكيك مظاهر الواقع السياسي من نظام وحكومة وأحزاب، وقد اعتبرت أن الحكومة بدون صلاحيات حقيقية، وأنها غير منسجمة ومرتبكة وتتخذ قرارات لا شعبية، كما أن الحكومة بدون تصور للإنجاز إصلاحات كبرى.. وترى أن حركة 20 فبراير ما تزال قائمة، وتطرقت للانتشار الريع ودوره في السياسة، ولأزمة التعليم والصحة والعدل وانتشار الفقر.. وتحدثت عن موقفها من قضية الصحراء، وأسباب تراجع اليسار وبروز الحركات الإسلامية.. (المدونة)
- وأخطر شيء يمكن أن يقع فيه شعب ما هو أن يفقد الأمل في مؤسساته وفي نظامه وأن يرى بأنه عاجز تمام العجز للاستجابة على طموحاته المشروعة في العيش الكريم 

- النظام المخزني لم يتغير وأسسه قائمة في ظل غياب فصل حقيقي للسلط، ومادام  لم يباشر بجدية وشجاعة الإصلاحات الشاملة، فهناك استمرارية في عمل هذه الحكومة..
- حزب العدالة والتنمية، الذي يترأس الحكومة الحالية، "لا يريد إغضاب الملك" ونحن نقول له يجب أن ينتبه كذلك إلى عدم إغضاب الشعب الذي ينتظر التغيير.
*الأداء الحكومي بعد مرور أكثر من سنة، كيف ترونه؟
الأداء الحكومي في جانب كبير منه مرتبط بالمجال المفتوح لممارسة سلطة الحكومة. ففي البلدان الديمقراطية، الحكومة لها كامل السلطات من أجل أن تضع برنامجا محددا باختيارات وتوجهات واضحة في جميع المجالات وهو ما يمكن من محاسبتها على مدى تطبيقها أو عدم تطبيقها للبرنامج المعلن. وبالتالي فإن أول نقطة مطروحة بالنسبة لحكومتنا هي المجال الذي تتركه السلطة الملكية لهذه الحكومة، من ناحية أخرى هذه الحكومة هي حكومة ائتلافية غير منسجمة مشكلة من أحزاب ذات مرجعيات مختلفة، إذا هناك استحالة وضع برنامج منسجم أو بالأحرى  تصور واضح لسياسية هذه الحكومة. الحكومة في حالة ارتباك، تعتمد خطابا شعبويا لكن توجهاتها و تدابيرها لاشعبية: زيادة في ثمن المحروقات و بالتالي ضرب القدرة الشرائية، المتدهورة أصلا، لعموم المواطنات و المواطنين، اللجوء إلى الديون الخارجية مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من رهن لسيادة الدولة، ثم قمع الحركات الاحتجاجية، عوض الاستجابة لمطالبها المشروعة. الحكومة منسحبة، في ما يخص الاختيارات الإستراتيجية، وتفتقد للتخطيط لللإصلاحات التي أضحت أساسية، لتفادي الااستقرار الذي يهدد البلاد وغير قادرة على التقليص من الفوارق الطبقية والمجالية. المسألة الثالثة التي تسمح أو لا تسمح بتطبيق برنامج الحكومة هي الإمكانيات المادية و هنا نتساءل عن مدى إمكانية الحكومة على خلق ثروات جديدة، عبر إصلاح النظام الضريبي، و صناديق التقاععد وصندوق المقاصة، واسترجاع الأموال المنهوبة الذي يتطلب محاربة الفساد و إصلاح القضاء من أجل وضع حد للإفلات من العقاب. الورش البالغ الأهمية، الذي يجب أن يحضى بالأولوية هو إصلاح التعليم، نضرا للدور الأساسي لتكوين الإنسان في بناء التنمية، والذي تبدو فيه الحكومة، فقيرة لا من حيث التصور ولا من حيث الأفق بالنسبة للمدرسة والجامعة العمومية والبحث العلمي؟ إنها قضايا أساسية لنرى مدى عمل الحكومة أو لنتكلم عن أداءها.
فنحن في المغرب لا نعيش ديمقراطية حقيقة، ليس هناك فصل حقيقي للسلط والمجال المتروك لرئيس الحكومة مجال ضيق، ولكن رغم ذلك أظن أن المرحلة التي يمر منها المغرب اليوم والتي نحن نعتبرها مرحلة جديدة، جاءت بعد حراك شعبي عارم عرفته المنطقة العربية والمغاربية ومن ضمنها المغرب من خلال حركة 20 فبراير، كنا ننتظر بأن هذا المجال الذي نعرف أنه ضيق وشبه منعدم أنه سيفتح وأننا سننتقل من مؤسسات الواجهة إلى مؤسسات حقيقة وأننا سننتقل من سياسة التعليمات إلى سياسية أخذ المبادرة، إلى التخطيط الاستراتيجي وإلى تحمل المسؤوليات والاستعداد للمحاسبة.
*نفهم أنكم غير راضون وأن الحكومة الظل هي التي تحكم بالمغرب؟
نلمس أن المغرب أخلف مواعيد عديدة مع الإرساء الحقيقي للديمقراطية ومع بناء مجتمع المواطنة ومع تحقيق العدالة الاجتماعية منذ الاستقلال، واليوم ضاعت فرصة على المغاربة، للإصلاح العميق والشامل وتأهيل البلاد لمواجهة التحديات الداخلية والدولية ولانطلاقة جديدة عام 2011 التي تحرك فيها المغاربة كما تحركت شعوب المنطقة لكن التحرك المغربي كانت له سمات خاصة، حيث أنه كان حراك أعلن عن نفسه منذ البداية على أنه حراك سلمي، يطالب بالملكية البرلمانية بالمعايير الدولية، يطالب بسلطة شعبية حقيقية حتى يمكن من ممارسة هذه السلطة وننتقل إلى مغرب الديمقراطية حقيقة والحداثة والمواطنة الكاملة، لكن النظام، لا يؤمن بالإصلاح ولا يستمع لصوت الشعب المطالب  بالقطع مع منطق البيعة والتعليمات والتأسيس لمنطق التعاقد الحضاري بين الدولة والمجتمع، الذي سيصالح المغاربة مع الشأن العام ومع الممارسة السياسية.
*هل معنى ذلك أن المغاربة لا يثقون في السياسة؟
إلى حدود تنظيم الانتخابات السابقة لأوانها في نونبر2011 فالمغاربة، لا يشاركون إلا بنسب هزيلة في الاستحقاقات المتتالية ( أقل من 30 بالمائة)، لا يثقون في السياسة حيث يعتبرونها لعبة مغشوشة، و في كل الأحوال لا تأثير لنتائجها على أوضاعهم وحياتهم،( أولاد عبد الواحد كلهم واحد، المحرك هو المصلحة الخاصة و ليس المصلحة العامة وتحمل الأمانة بصدق ومسؤولية) لا يثقون في الأحزاب (تخلط الحابل بالنابل وثم التمييع الممنهج للعبة السياسية من قبل النظام وبتواطئ نخب فاسدة، منبطحة، تتستر وراء مقولة الحفاظ على الاستقرار، وكأنه محكوم علينا أن نستقر في التخلف والتبعية، بينما العالم من حولنا يعرف دينامية ومزيدا من الحقوق والحريات والتقدم )، بل أكثر من هذا ليست هناك ثقافة ديمقراطية ننميها في الناشئة عبر المدرسة أو عبر وسائل الإعلام، فالمغاربة متخاصمون مع السياسية ومع كل الأسف فمرحلة الحراك الشعبي التي، قادتها حركة 20 فبراير في لم تستثمر ولم تتم الاستجابة لمطالبها، بل وعلى العكس من ذلك تم الالتفاف على هذه المطالب كما تم بالأمس الالتفاف على مطالب اليسار الذي كان يشكل المعارضة القوية في البلاد. فنحن نرى بأن النظام السياسي في بلادنا لا يقبل بروز أية قوى معارضة ولا يعرف معنى الاستماع إلى صوت الشعب كي يجيب على طموحاته ومن تم يحافظ على الاستقرار والأمن المجتمعي بل بالعكس من ذلك يقابل صوت هذا الشعب بالتجاوز وبالقمع 
*هل يمكن القول إنه تم استغلال الربيع العربي لإنهاء هيمنة اليسار والصعود بالإسلاميين إلى السلطة؟
في الحقيقة إنهاء هيمنة اليسار بدأت قبل الحراك العربي لأننا كنا نعيش ردة سياسية غير مسبوقة في بلادنا لأنه بعد الأمل الذي كانت خلقته حكومة التناوب التوافقي عام 1998، ولو أننا كنا ضد مشاركة اليسار آنذاك كقوة معارضة لها أطر وبرنامج مجتمعي متكامل أن تساهم إلى جانب أحزاب إدارية لا مصداقية لها وأكثر من ذلك نحن كنا متخوفين من هذه المشاركة جدا بحيث أن مشاركة الاتحاد في حكومة التناوب التوافقي كانت بدون أن ينتزعوا ضمانات حتى يتمكنوا من تطبيق برنامجهم أو جانب كبير من برنامجهم، وكنا نرى أن هناك التفاف، وبالفعل التف النظام على هذه المعارضة التي أفقدها الكثير من مصداقيتها في المجتمع وتم مباشرة بعد سنة  2002 إجهاض  كل ما سمي بمسلسل الانتقال الديمقراطي( 1996-2002) وبعد ذلك جيء بحزب الدولة "القوي" وكنا نرى أن المغرب يسير في تطبيق سيناريو قديم بإخراج جديد استعملت فيه أدوات قوية هذه المرة حيث تابعنا خلال الإعداد لانتخابات 25 نونبر2011 أن حزب الأصالة والمعاصرة شكل، إلى جانب أحزاب أخرى من كل فج عميق، "جي "8 ، في  ما يشبه التأمر على طموحات الشعب في الانعتاق و بناء الديمقراطية و تحقيق العدالة الاجتماعية. فنحن نتكلم عن ردة سياسية خطيرة  ولا أدري إن كان المسؤولون في أعلى السلطة، واعون بالظرفية الجديدة التي تعرفها المنطقة وتداعياتها على بلادنا والمفتوحة على إمكانية ردة فعل، تقتضي القطع مع مقاربة القمع والتحكم، لأن هناك تنامي كبير للوعي وهناك تعبئة وهناك حركات احتجاجية تخرج كل يوم للشوارع في المدن والقرى بعد أن فقدت الأمل، وأخطر شيء يمكن أن يقع فيه شعب ما هو أن يفقد الأمل في مؤسساته وفي نظامه وأن يرى بأنه عاجز تمام العجز للاستجابة على طموحاته المشروعة في العيش الكريم.
*حققت حركة 20 فبراير مكاسب في البداية وراهنتم عليها، اليوم نرى أن بريقها خفت هل كان راهنا فاشلا ؟
إن حركة 20  فبراير جاءت لإيقاف مسلسل العبث السياسي في بلادنا وقوبلت تلك الحركة بالمواجهة القوية من قبل المخزن كما واجه بالأمس القريب اليسار. الحركة جاءت تحمل شعارات ناضل من أجلها بالأمس القريب اليسار وواهم من يعتقد أن الحركة تراجعت بعدما قررت حركة العدل والإحسان أن توقف عملها فيها، الحركة  ستظل مستمرة مادامت شعاراتها قائمة الذات ولم تتم الاستجابة لها، ومادام الدستور المعدل لم يحسم بشكل واضح باتجاه الملكية البرلمانية بالمعايير الدولية.
نحن نراهن على بروز تيار ديمقراطي قوي قادر أن يحتضن حركة 20 فبراير بإخراج جديد لأننا واثقون في ابتكار وإبداع الشباب المتمكن من أدوات التواصل، ونثق في هذه الحركة وفي إمكانية إعادة نهضة جديدة لهذه الحركة. ولكن نرى أيضا أن النظام لعب دورا كبيرا في تمييع الحياة السياسية، عبر تفتيت الأحزاب، و خلق أحزاب موالية له، تفتيت النقابات وخلق جمعيات لا طائلة من وراءها وتستفيد من المنفعة العامة كل هذا جعل أنه عوض أن نترك المجتمع المدني يفرز مؤسسات قوية قادرة على الدفع باتجاه البناء الديمقراطي بشكل سلمي نحن نحارب كل مبادرة قوية و متقدمة، لأن النظام له فوبيا مما يسمى بالقوة المضادة "contre pouvoir ".علما بأن الديمقراطيات الراسخة، تستفيد من القوى المضادة من أجل التقويم و تطوير الديمقراطية.
*ألا تتخوفون من أن يحصل نفس الشيء مع حركة 20 فبراير؟
نحن نثق في هذه الحركة وهذه الحركة تحمل مشروعا كبيرا وكذبت كل الأطروحات القائلة بأن الإنسان المسلم العربي الأمازيغي  "لم يعد له أثر" ولم يعد قادرا على الانتفاض، والتعبير عن غضبه أمام تنامي الظلم الاجتماعي، لهذا الغرض  وحتى نؤثر في موازين القوى وحتى ندعم هذه الحركة والحركات الاجتماعية الأخرى لتقف في جبهة متراصة ضاغطة  من داخل مؤسسات، يجب أن تتوفر على المصداقية الازمة، ومحتجة  في الشارع، الذي أصبح ساحة للاصطدام، عوض الاحتجاج السلمي، بين المحتجين الذين يمارسون حقا دستوريا، و تسخير البلطجية إلى جانب قوى الأقمع لإرهاب الحركات الاحتجاجية، نحن نناضل على واجهات متعددة ونعمل مع حلفائنا ومنفتحين على القوى الديمقراطية، لخلق جبهة ديمقراطية لبناء مغرب العدالة الاجتماعية فلا يعقل أن 34 مليون نسمة، ثلث ساكنتها عيشها لا يطاق ( مشاكل الولوج إلى الخدمات الاجتماعية: الأمية، البطالة، السكن الغير لائق، مليون و800 ألف تعيش في دور الصفيح، الفوارق تزداد اتساعا والريع والفساد، يمركز الثروة في يد أقلية قليلة، بينما تتسع دائرة الفقر والحرمان والتمييز، ما دمنا نفتقر لنظام ديمقراطي، يضع أسس دمقرطة المجتمع وتحقيق التوزيع العادل للثروة.
*بحديثكم عن الريع تقولون دائما إنه نظام امتياز لضمان الولاء؟
الريع موجود في كل مكان، و يشكل سدا مانعا أمام كل إمكانية لإقلاع الاقتصاد الوطني و هو مقرون بنظام الامتيازات واستغلال النفوذ، فساد منتشر، ضيع على بلادنا فرص لتحقيق التنمية، حيث أصبح ظاهرة ثقافية خطيرة، استعملت من أجل تأدية واجب الطاعة لأن النظام الذي لا يكون ديمقراطيا يحيط نفسه بدوائر المستفيدين، حتى تبقى متضامنة مع هذا النظام  لكيلا يباشر الإصلاحات الضرورية الأساسية التي تنتظرها البلاد لضمان الالتحام والسلم المجتمعي.
فمادام النظام المخزني لم يتغير وأسسه قائمة في ظل غياب فصل حقيقي للسلط، ومادام  لم يباشر بجدية وشجاعة الإصلاحات الشاملة، فهناك استمرارية في عمل هذه الحكومة، التي سيتم، لتمرير، من خلالها، لما سيساهم في إضعافها كما تم إضعاف اليسار الذي شارك في  حكومة التناوب التوافقي بالأمس القريب.
*لكن الحكومة الحالية أفرجت عن لوائح مأذونيات النقل ومقالع الرمال؟
مسألة نشر لوائح مأذونيات النقل ومقالع الرمال، يجب أن تتم في إطار خطة متكاملة لمحاربة الفساد. وننتظر أيضا نشر لوائح استغلال رخص الصيد في أعالي البحار والكف عن مجالات الاحتكار ونهب المال العام غيرها  نرى أن الحكومة خطت خطوة ولكنها توقفت بعد إعلان رئيس الحكومة "عفا الله عما سلف" . الحكومة يجب أن تفي بما أعلنته في تصريحها الحكومي، و أن لا تتراجع أمام أول عقبة وإلا وجب عليها أن تعلن عن عجزها وأن تقدم استقالتها. فالمجلس الأعلى قدم تقرير 2010 يجب وضع الملفات التي شابتها اختلالات، بين يدي القضاء للمساهمة في إعادة  الثقة  للمغاربة والتأكيد على الانتقال من مرحلة الإفلات من العقاب  مرحلة التأسيس لبناء دولة الحق والقانون.
*هذه النظرة السوداوية يلزمها عمل قوي، لكن الملاحظ أن علاقة اليسار الذي تتقاسمون نفس أفكاره باردة ومشتتة ؟
نحن جزء من هذا اليسار الذي نفتخر بالانتماء إليه و ننهل من منبعه الذي يهدف إلى تحرير الإنسان والذي تبنا كل ما أنتجه الفكر الإنساني الحضاري التنويري لبناء مجتمع المواطنة والكرامة والعدالة الاجتماعية. اليسار يعرف أزمة، جعلته في عدم الجاهزية لاحتضان  الحراك الشعبي الذي عرفته بلادنا في2011 والدفع به إلى تحقيق أهدافه المعلنة في الدمقرطة. وإن اليسار الذي شارك في الحكومة تم إضعافه، واليسار الذي لم يشارك تم إضعافه كذلك بعد أن استطاعت الدولة استقطاب بعض من نخبه، وتمييع الحياة السياسية الشيء الذي أدى إلى فقدان ثقة المواطنين وضعف تعبئتهم نضرا لغياب المصداقية، بعد غزو النخب الانتهازية، للمجال السياسي.
اليسار واع اليوم بضرورة إعادة التأسيس وإعادة البناء للتصدي للأزمة السياسية، المتجسدة في غياب الديمقراطية، و توضيح مشروعه المجتمعي وتحديد إستراتيجيته المستقلة عن إستراتيجية النظام  و عن إستراتيجية الأصولية.
اليسار يجب أن يستجمع قواه على أساس برنامج واضح للنضال الديمقراطي بهدف تحقيق التغيير الديمقراطي المنشود. وأن يدفع باتجاه قيام ثورة ثقافية، للحد من الردة القائمة ولتوفير شروط التغيير.
بالنسبة لمسألة النظرة السوداء، فهذا يدخل ضمن التشويش على اليسار وتغليط الرأي في محاولة لإسكات صوت الحق، فليس هناك من لديه أمل في هذا البلد أكثر منا،  لكن الأمل يجب أن يبنى على أسس قوية، فلكي تحافظ بلادنا على السلم المجتمعي والتلاحم يجب أن نفضح  بؤر الفساد، وأن نقترح البدائل لنتقاسم خيرات البلاد بين أولادها وبناتها، وأن يتحقق العدل لأنه حجر الزاوية في أي تقدم. أرى أن كل ما أتيحت لنا فرصة للانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية وننتقل بالمغاربة من رعايا إلى مواطنين كاملي المواطنة، إلا وتتجند القوى المحافظة ولوبيات الفساد والمتملقين لإجهاض كل إمكانية النهوض والتقدم لأنها ترى فيه تهديدا لمصالحها، المتعارضة مع مصالح  تطلعات الشعب. يجب أن تكون لدينا الشجاعة الكاملة للتنديد بكل ما هو غير صائب والنضال من أجل القطع مع الاختيارات الغير ديمقراطية. النظام المخزني يتحكم في مجمل السلط، والحكومات المتتالية ضلت ضعيفة المناعة ولا جرأة لها.  حزب العدالة والتنمية، الذي يترأس الحكومة الحالية، "لا يريد إغضاب الملك" ونحن نقول له يجب أن ينتبه كذلك إلى عدم إغضاب الشعب الذي ينتظر التغيير .
*تتحدثين عن غياب انتقال ديمقراطي هل يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي في غياب جهد للنضال من أجل الانتقال الديمقراطي؟
النضال الديمقراطي يجب أن يستمر لتحقيق التغيير الديمقراطي المأمول، لم يحدث أن نظاما غير ديمقراطي، تحول إلى نظام ديمقراطي دون وجود قوة مضادة قادرة على فرض التغيير، يجب أن يكون هناك التحام واسع حول مشروع النضال الديمقراطي وتحريك الدعامات الأساسية من نقابات وجمعيات حقوقية ونسائية وأمازيغية ومثقفون وطلبة… للضغط من خلال النضال الجماهيري والسياسي الممارس من خلال  الشارع ومن داخل المؤسسات التي يجب أن تخرج من صناديق الاقتراع وفق شروط تضمن النزاهة والشفافية وبالتالي ترجمة الإرادة الشعبية إلى سلطة شعبية.
النضال الديمقراطي يتطلب التوفر على تعددية حقيقية وبالتالي أحزاب ذات مصداقية. كحزب اشتراكي موحد، كنا أول مبادرين إلى  تجميع أحزاب يسارية وإلى مأسسة التيارات داخل الحزب، ولكن الغريب في الأمر أنه قبل التوحيد كمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي تقدمنا إلى الانتخابات عام 1997 وحصلنا على نسبة مهمة من أصوات الناخبين وفي عام 2002 بعد التوحيد حصل حزبنا  على نسبة أقل من أصوات الناخبين، في محاولة لمحاصرة حزبنا لأن النظام لا يريده أن نبرز كقوة بديلة وتم، مرة أخرى، التحكم في الخارطة السياسية وتهميشنا، حتى يضل التخطيط المخزني الأكثر احتمالا و"البديل" الوحيد المقبول من أجل الاستقرار واستمرار.
*هل تقصدين وزارة الداخلية ؟
 وزارة الداخلية، هي جزء من النظام، وهي تتحكم في صنع الخريطة السياسية وضبطها، وهذا من ضمن الأسباب التي جعلت 25 في المائة من الشعب المغربي فقط هي التي تشارك في عملية التصويت والأغلبية لا تصوت لأنها تعي بأن اللعبة السياسية مغشوشة. إن مصالحة المغاربة مع الانتخابات وإعادة بناء الثقة المفقودة كان ممكنا، لو استغل المغرب الفرصة التي أتيحت عام 2011 للانتقال إلى الملكية البرلمانية بالمعايير الدولية ووضع دستو ر يكرس ذلك. كان المغاربة سيعدون إلى صناديق الاقتراع بالملايين لأنهم سيقتنعون بأنها ستكون بداية لبناء الديمقراطية التي طال انتظارها رغم التضحيات الجسام التي قدمها الشعب المغربي وفي مقدمته القوى اليسارية والديمقراطية.
نحن لسنا ضعفاء لأن العملية الانتخابية، متحكم فيها، يواكبها تزوير ونزول قوي للأعيان وشراء الذمم، والشعب الذي لا يصوت فقد الثقة ولم يعد يعبأ للعملية الانتخابية، وكل هؤلاء يمكن أن يشكلوا المساندين لمشروعنا لأن غالبية الشعب تطمح للتحرر والمواطنة والكرامة والعدالة الاجتماعية وهي بذلك اشتراكية.
*لكن هناك من يؤاخذ عليكم أن حزبكم هو حزب نخبوي وليس له قاعدة جماهيرية؟
في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي كان اليسار  مساندا من قبل فئات واسعة ("شعب اليسار") بدون أن يدق أبواب البيوت، عندما يتخذ موقفا الكل كان يساند. ولو لم يكن يواكب العملية الانتخابية آنذاك التزوير والضبط بكل الآليات، لكان اليسار مكتسحا للمؤسسات المنتخبة. الأحزاب اليسارية  ووجهت بالقمع الشديد أثناء سنوات الرصاص، وكان هناك احتراز من كل وافد جديد داخلها، خوفا من اختراق المخزن لها، كما أن تراجع المد التلاميذي والطلابي، بعدما تم تسخير الشبيبات الإسلامية لمحاربة اليسار في مواقعه، فبدأت حينها مرحلة جزر ازدادت حدتها مع انهيار جدار برلين. بعد هذه المحطة ستشكل الكتلة الديمقراطية، التي وضعت ميثاقها للتأكيد على  ضرورة مباشرة الإصلاحات الدستورية والسياسية في المغرب لتجاوز الأزمة. رغم وعي النظام بخطورة المرحلة، لم يحصل تعاقد مع المؤسسة الملكية يحدد القواعد التي من شأنها إنقاذ البلاد. ثم بعدها وضع دستور 1996 الذي لم يستجب للحد الأدنى من مطالب الكتلة، رغم ذلك ولأول مرة صوتت المعارضة اليسارية بالإيجاب، باستثناء منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي قاطعت الاستفتاء على هذا الدستور الممنوح. كانت هذه نهاية الكتلة. انطلق حينها مسلسل ما سمي بالانتقال الديمقراطي الذي استمر إلى 2002،  ترأس السيد عبد الرحمان اليوسفي حكومة التناوب التوافقي التي شكلت مرحلة انفتاح سياسي وليس انتقال ديمقراطي، دون أن يحصل التغيير المنشود. مرحلة رغم بعض الانجازات الهامة خاصة في مجال الحقوق، كانت لها أثار وخيمة على اليسار الذي تراجع صداه في المجتمع، بينما احتلت قوى محافظة مواقع متميزة واستطاعت أن تحشد دعما شعبيا، باستغلالها لعامل الدين وحساسية المغاربة تجاه الدين الإسلامي. ثم إغلاق الحق السياسي وإعادة إخراج لحزب الدولة الجديد، القديم، الشيء الذي عبر عنه المغاربة بمقاطعة عارمة لانتخابات 2007 ،حيث لم تتعد نسبة المشاركة 20 بالمائة و 25  بالمائة  في 2011.
نحن نعتبر أن المشروع المجتمعي الذي يناضل من أجله حزبنا، يشكل أحسن عرض سياسي في المغرب لكن خطابنا ظل نخبويا لا يخدم مشروعنا، ولا يصل إلى عموم الشعب وإلى عمق الجماهير، التي نحمل مشروعا من شأنه أن يعبئها وأن تجد فيه الجواب على طموحاتها وانتظاراتها. المرحلة، محطة لإعادة التأسيس والبناء، مع تجديد الفكر والخطاب، واعتماد أدوات حديثة لتنظيم الفعل الميداني والتواصل، وخصوصا بناء جسور جديدة وتقوية المتقادمة منها تجاه عموم المواطنين وكل القوى التي لها مصلحة في التغيير الديمقراطي ودولة القانون.
*اليوم الحركات الإسلامية كلها لها عمق جماهير لماذا؟
الحركات الإسلامية استطاعت أن تنفذ إلى عمق المجتمع، لأن هناك ظلم اجتماعي كبير ومن نتائجه تنامي ظاهرة التدين في المجتمع، وهذه الحركات تلعب على وثيرة الدين الحساسة، وتستفيد من فقدان ثقة المواطنين في إمكانية النخب السياسية الفاسدة أن تغير من أوضاع المحرومين. فضلا على أن الحركات الإسلامية، لها امتدادات حتى خارج الحدود،  تسمح لها ب"الإحسان و الصدقة" وبالتالي تشكيل كثلة ناخبة مهمة.
اليسار واع بضرورة تطوير التواصل مع الناس ولكن، دائما في ظل صون كرامتهم، وتوعيتهم وجعلهم قادرين على الدفاع عن مصالحهم.
اليوم لدينا ضعف وقصور كبير في النخب في كل المجالات حتى النخب  السياسية، التي استبدلت بالتقنوقراط. الجامعة التي كانت تساهم في التكوين والتأطير في الماضي القريب والتي أنتجت أطرا ونخبا سياسية، تراجع دورها بعدما، اجتازت الردة الفكرية أسوار الجامعات التي تعرف ما يشبه اصطدام الثقافات: قذف وتكفير، ثنائية أبيض وأسود لا ثالث لهما، وضاعت مركزة العلم والمعرفة في متاهات هوياتية ونقاشات عقيمة.
*هذا يحلينا على تصريح لك قلت فيه إن المساجد أصبحت ملاذا للشاب الذي لا يستطيع أن يؤدي فنجان قهوة على صديقته واتهامك بالتكفير؟
خلال مداخلتي التي دامت ما يقارب الساعة  تم اقتناص 30 ثانية، ومعروف عني أنني لا أتحدث لغة الخشب وأعتمد الصدق لأنني لا أنتظر جائزة شخصية أو مصلحة ذاتية أنا أدافع عن مشروع مجتمعي انطلاقا من قناعاتي ومن ثقتي في صحة ما أدافع عنه.
إن فشل المنظومة التربوية وقلة فرص الشغل بعملي مع رفيقاتي في الميدان نرى أن عددا كبيرا من الشباب، بسبب عدم توفر مكتبة ولا دور شباب ذات البنايات المهترئة والتي تخلت عنها الدولة ولا على ملعب، عاد إلى التدين، إذا كان من أجل الغذاء الروحي والفكري فلا بأس، لكن إذا كان من أجل التطرف فلا. بالمقابل نجد شبابا آخرين غارقين في المخدرات التي أصبحت تباع أمام أبواب المدارس الثانوية والإعدادية وحتى الابتدائية. إذا السؤال لماذا نتخلى عن هؤلاء وهم شباب المستقبل.
الذين يسهرون في السجون ومخافر الشرطة يجب تكوينهم على حقوق الإنسان وعليهم أن يفهموا أن كل مواطن هو البلد وأن ذلك الطفل المشرد لو تم إنقاذه اليوم سيصير مواطن الغد وليس عاهة على المجتمع. للأسف ليس لدينا مجتمع متضامن. وانهيار القيم.
*وماذا عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟
 المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أعطت بعض النتائج لكنها ليست المدخل من أجل مجتمع متضامن. أقول إن التضامن يجب أن يكون سياسة دولة وبكل أسف قمنا بتدمير التضامن من خلال كسر الاختلاط المجتمعي وأكبر دليل عنها عندما قمنا بتخريب المدرسة العمومية والجامعة العمومية.
*على ذكر التعليم لم تتفقوا مع إعلان وزير التعليم العالي رغبته في إلغاء هذه المجانية؟
لكي نبني مجتمعا فإن المدخل هو الديمقراطية السياسية والهدف هو ديمقراطية اجتماعية في كل جوانبها، والمدرسة يجب أن تكون أداة لتكافؤ الفرص، والمدرسة هي الأساس لتقليص الفوارق، لأن الإنسان هو الذي يبني التنمية، والمغرب يعاني من ضعف مهول في الكفاءات المتنوعة ومنها الكفاءات السياسية. ماذا فعلنا بمدرستنا؟ منذ سنوات ونحن نتكلم عن الاصطلاح، لكن ما حصل هو تشجيع التعليم الخصوصي على حساب التعليم العمومي وأفرزنا أولاد الفقراء في المدرسة العمومية وهو ما يسمى بلغة موليير "تدمير الاختلاط المجتمعي" بين أبناء الفقراء والأغنياء، وهذا بدأ منذ سنوات طويلة عندما وقع المغرب على الاتفاقية العامة للتجارة والخدمات، التي وضعتها المنظمة الدولية للتجارة التي تقول بالحرف  يجب خوصصة كل القطاعات بما فيها المدرسة، ونحن نقول إن المدرسة والصحة يجب أن تكونا عموميتين وجيدتين إذا أردنا ألا نكون تابعين ومستهلكين ونبقى في مؤخرة الشعوب.
تصريحات الوزير تنم على أننا نعيش ردة  فكرية خطيرة، أستغرب من تصريح الوزير عندما قال إنه "ماخصنا ما نديرو بكلية الآداب"، هل يعقل ذلك؟ الآداب هي اختصاصات متشعبة، بحث علمي، فلسفة، لغات، علوم اجتماعية، تاريخ، جغرافيا، سسيولوجيا، انتربولوجيا، تطورات المجتمعات، أداب تنمي الفكر والحس النقدي والثقافة والإبداع،  أي كل العلوم والمعارف التي تجعل الفرد يطور ليصير مواطنا ناجحا، فاعلا في بناء مجتمعه وتطوير محيطه.
أستغرب عندما يقول السيد الوزير إن البحث العلمي ترف، علما أن المغرب يتوفر على باحثين مرموقين في العديد من التخصصات والمجالات. المؤسسة التي أنتمي إليها( كلية العلوم عين الشق-جامعة الحسن الثاني بالبيضاء) تظم  أستاذ في علوم مختلفة نالوا جوائز دولية مهمة، آخرون صنفوا من ضمن 100 باحث الأكثر تأثيرا في العالم. داخل المغرب وخارجه هناك أسماء باحثين تشرف المغرب  براءات وآلاف الأبحات والابتكارات، تنشر في أهم المجلات العلمية، هؤلاء جميعا من أبناء الشعب وقرؤوا بإمكانياتهم في مدرسة عمومية  وآخرون لا زالوا يناضلون من أجل سياسة للبحث العلمي وإمكانيات للتمويل وتشجيع الباحثين حتى نحد من التبعية ونصبح منتجين للعلوم وليس مجرد مستهلكين متخلفين.
إذا مضينا في هذه السياسية التي لا تخلق مناصب شغل في التعليم العالي لأن عددا كبيرا من الأساتذة الباحثين سوف يحالون على التقاعد في  2015/2016 من سيخلف هؤلاء؟ ستتحول الجامعة إلى مدرسة لتدريس الكبار بدون بحث علمي ولا جودة.
*تفتحون  مقراتكم لحزب البديل الحضاري، هل تعدونه نموذجا للحزب الإسلامي الديمقراطي؟
الإخوان في حزب البديل الحضاري يقولون إن مرجعيتهم هي الإسلام، ولكنهم يؤمنون بالديمقراطية لأن المجتمع متنوع ومرجعياته مختلفة، المكونات السياسية الديمقراطية تتباري ديمقراطيا والحسم  لصناديق الاقتراع. نحن نعادي من يعادي الديمقراطية ونؤمن بالحرية كما قال فولتير " قد أختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد أن أموت حتى تعبر عن رأيك ".
*نعرج على ملف الصحراء، لماذا ترددون دائما أن المغرب أخلف مواعيد عديدة لتسوية هذا الملف؟
أولا أقول بأن ملف الصحراء كان من الممكن أن يحل مباشرة بعد الاستقلال، لكن تآمر القوى الأجنبية المستعمرة حال دون أن يتم تحرير جنوب المغرب من طرف جيش التحرير الذي حُلّ وتم خلق القوات المسلحة الملكية. وبعد الاستقلال لم يرغب المغرب في ترسيم الحدود إلى حين استقلال الجزائر، وبعدها كان من الممكن حل هذا الملف في محطات متعددة، لكن إنفراد النظام بهذا الملف وطريقة تعامله مع هذا الملف جعلت موقف المغرب يضعف لأن النظام تعامل بسياسة مقاربة الأعيان والاعتماد على القبيلة ومنح الامتيازات والتعاطي الأمني القمعي مع المناطق الجنوبية.
إن المدخل الأساسي لحل ملف الصحراء هو الديمقراطية. إذا بنينا ديمقراطية  وأسسنا لمؤسسات وطنية ديمقراطية تتمتع بمصداقية تعبر عن الإرادة الشعبية، إذا توفرنا محليا وجهويا على مؤسسات تتمتع بالمصداقية، وتتيح فرصة التنمية الجهوية والمحلية سنتمكن من  تنمية وطنية، والعمل على التوزيع العادل للثروة، إذا كان لدينا قضاء مستقل ونزيه وقطعنا نهائيا مع سياسة الإفلات من العقاب، سنكون أقوياء بجعل المنتظم الدولي يحترم موقف المغرب ويدفع باتجاه حل سياسي دائم يفتح أفاق بناء المغرب الكبير أمل الشعوب في الإنعتاق والتقدم.
————
حاورتها  سميرة العثماني، منشور بجريدة "المساء" عدد 1924/ 3 دجنبر 2012

نبيلة منيب: الحكومة مرتبكة.. تعتمد خطابا شعبويا وتوجهاتها غير شعبية "إننا نعيش ردة خطيرة على جميع المستويات"


 نبيلة منيب: الحكومة مرتبكة.. تعتمد خطابا شعبويا وتوجهاتها غير شعبية
"إننا نعيش ردة خطيرة على جميع المستويات"

————
انتقدت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، أداء حكومة بنكيران، لعدم تمتعها بسلطات واسعة بسبب غياب الديمقراطية، مضيفة أن المغرب أخلف مواعيد عديدة مع الإرساء الحقيقي للديمقراطية ومع بناء مجتمع المواطنة ومع تحقيق العدالة الاجتماعية منذ الاستقلال وحتى اليوم، مشيرة إلى أن المغرب يعيش ردة  سياسية وفكرية خطيرة، كما شددت على أن حركة 20 بريار ستعود اقوى مما كانت عليه لثقتهم في إبداع وابتكار شبابها (المساء)  

—————
 الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد في حوار مطول نشر بجريدة "المساء"، تقوم فيه بتفكيك مظاهر الواقع السياسي من نظام وحكومة وأحزاب، وقد اعتبرت أن الحكومة بدون صلاحيات حقيقية، وأنها غير منسجمة ومرتبكة وتتخذ قرارات لا شعبية، كما أن الحكومة بدون تصور للإنجاز إصلاحات كبرى.. وترى أن حركة 20 فبراير ما تزال قائمة، وتطرقت للانتشار الريع ودوره في السياسة، ولأزمة التعليم والصحة والعدل وانتشار الفقر.. وتحدثت عن موقفها من قضية الصحراء، وأسباب تراجع اليسار وبروز الحركات الإسلامية.. (المدونة)
- وأخطر شيء يمكن أن يقع فيه شعب ما هو أن يفقد الأمل في مؤسساته وفي نظامه وأن يرى بأنه عاجز تمام العجز للاستجابة على طموحاته المشروعة في العيش الكريم 

- النظام المخزني لم يتغير وأسسه قائمة في ظل غياب فصل حقيقي للسلط، ومادام  لم يباشر بجدية وشجاعة الإصلاحات الشاملة، فهناك استمرارية في عمل هذه الحكومة..
- حزب العدالة والتنمية، الذي يترأس الحكومة الحالية، "لا يريد إغضاب الملك" ونحن نقول له يجب أن ينتبه كذلك إلى عدم إغضاب الشعب الذي ينتظر التغيير.
*الأداء الحكومي بعد مرور أكثر من سنة، كيف ترونه؟
الأداء الحكومي في جانب كبير منه مرتبط بالمجال المفتوح لممارسة سلطة الحكومة. ففي البلدان الديمقراطية، الحكومة لها كامل السلطات من أجل أن تضع برنامجا محددا باختيارات وتوجهات واضحة في جميع المجالات وهو ما يمكن من محاسبتها على مدى تطبيقها أو عدم تطبيقها للبرنامج المعلن. وبالتالي فإن أول نقطة مطروحة بالنسبة لحكومتنا هي المجال الذي تتركه السلطة الملكية لهذه الحكومة، من ناحية أخرى هذه الحكومة هي حكومة ائتلافية غير منسجمة مشكلة من أحزاب ذات مرجعيات مختلفة، إذا هناك استحالة وضع برنامج منسجم أو بالأحرى  تصور واضح لسياسية هذه الحكومة. الحكومة في حالة ارتباك، تعتمد خطابا شعبويا لكن توجهاتها و تدابيرها لاشعبية: زيادة في ثمن المحروقات و بالتالي ضرب القدرة الشرائية، المتدهورة أصلا، لعموم المواطنات و المواطنين، اللجوء إلى الديون الخارجية مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من رهن لسيادة الدولة، ثم قمع الحركات الاحتجاجية، عوض الاستجابة لمطالبها المشروعة. الحكومة منسحبة، في ما يخص الاختيارات الإستراتيجية، وتفتقد للتخطيط لللإصلاحات التي أضحت أساسية، لتفادي الااستقرار الذي يهدد البلاد وغير قادرة على التقليص من الفوارق الطبقية والمجالية. المسألة الثالثة التي تسمح أو لا تسمح بتطبيق برنامج الحكومة هي الإمكانيات المادية و هنا نتساءل عن مدى إمكانية الحكومة على خلق ثروات جديدة، عبر إصلاح النظام الضريبي، و صناديق التقاععد وصندوق المقاصة، واسترجاع الأموال المنهوبة الذي يتطلب محاربة الفساد و إصلاح القضاء من أجل وضع حد للإفلات من العقاب. الورش البالغ الأهمية، الذي يجب أن يحضى بالأولوية هو إصلاح التعليم، نضرا للدور الأساسي لتكوين الإنسان في بناء التنمية، والذي تبدو فيه الحكومة، فقيرة لا من حيث التصور ولا من حيث الأفق بالنسبة للمدرسة والجامعة العمومية والبحث العلمي؟ إنها قضايا أساسية لنرى مدى عمل الحكومة أو لنتكلم عن أداءها.
فنحن في المغرب لا نعيش ديمقراطية حقيقة، ليس هناك فصل حقيقي للسلط والمجال المتروك لرئيس الحكومة مجال ضيق، ولكن رغم ذلك أظن أن المرحلة التي يمر منها المغرب اليوم والتي نحن نعتبرها مرحلة جديدة، جاءت بعد حراك شعبي عارم عرفته المنطقة العربية والمغاربية ومن ضمنها المغرب من خلال حركة 20 فبراير، كنا ننتظر بأن هذا المجال الذي نعرف أنه ضيق وشبه منعدم أنه سيفتح وأننا سننتقل من مؤسسات الواجهة إلى مؤسسات حقيقة وأننا سننتقل من سياسة التعليمات إلى سياسية أخذ المبادرة، إلى التخطيط الاستراتيجي وإلى تحمل المسؤوليات والاستعداد للمحاسبة.
*نفهم أنكم غير راضون وأن الحكومة الظل هي التي تحكم بالمغرب؟
نلمس أن المغرب أخلف مواعيد عديدة مع الإرساء الحقيقي للديمقراطية ومع بناء مجتمع المواطنة ومع تحقيق العدالة الاجتماعية منذ الاستقلال، واليوم ضاعت فرصة على المغاربة، للإصلاح العميق والشامل وتأهيل البلاد لمواجهة التحديات الداخلية والدولية ولانطلاقة جديدة عام 2011 التي تحرك فيها المغاربة كما تحركت شعوب المنطقة لكن التحرك المغربي كانت له سمات خاصة، حيث أنه كان حراك أعلن عن نفسه منذ البداية على أنه حراك سلمي، يطالب بالملكية البرلمانية بالمعايير الدولية، يطالب بسلطة شعبية حقيقية حتى يمكن من ممارسة هذه السلطة وننتقل إلى مغرب الديمقراطية حقيقة والحداثة والمواطنة الكاملة، لكن النظام، لا يؤمن بالإصلاح ولا يستمع لصوت الشعب المطالب  بالقطع مع منطق البيعة والتعليمات والتأسيس لمنطق التعاقد الحضاري بين الدولة والمجتمع، الذي سيصالح المغاربة مع الشأن العام ومع الممارسة السياسية.
*هل معنى ذلك أن المغاربة لا يثقون في السياسة؟
إلى حدود تنظيم الانتخابات السابقة لأوانها في نونبر2011 فالمغاربة، لا يشاركون إلا بنسب هزيلة في الاستحقاقات المتتالية ( أقل من 30 بالمائة)، لا يثقون في السياسة حيث يعتبرونها لعبة مغشوشة، و في كل الأحوال لا تأثير لنتائجها على أوضاعهم وحياتهم،( أولاد عبد الواحد كلهم واحد، المحرك هو المصلحة الخاصة و ليس المصلحة العامة وتحمل الأمانة بصدق ومسؤولية) لا يثقون في الأحزاب (تخلط الحابل بالنابل وثم التمييع الممنهج للعبة السياسية من قبل النظام وبتواطئ نخب فاسدة، منبطحة، تتستر وراء مقولة الحفاظ على الاستقرار، وكأنه محكوم علينا أن نستقر في التخلف والتبعية، بينما العالم من حولنا يعرف دينامية ومزيدا من الحقوق والحريات والتقدم )، بل أكثر من هذا ليست هناك ثقافة ديمقراطية ننميها في الناشئة عبر المدرسة أو عبر وسائل الإعلام، فالمغاربة متخاصمون مع السياسية ومع كل الأسف فمرحلة الحراك الشعبي التي، قادتها حركة 20 فبراير في لم تستثمر ولم تتم الاستجابة لمطالبها، بل وعلى العكس من ذلك تم الالتفاف على هذه المطالب كما تم بالأمس الالتفاف على مطالب اليسار الذي كان يشكل المعارضة القوية في البلاد. فنحن نرى بأن النظام السياسي في بلادنا لا يقبل بروز أية قوى معارضة ولا يعرف معنى الاستماع إلى صوت الشعب كي يجيب على طموحاته ومن تم يحافظ على الاستقرار والأمن المجتمعي بل بالعكس من ذلك يقابل صوت هذا الشعب بالتجاوز وبالقمع 
*هل يمكن القول إنه تم استغلال الربيع العربي لإنهاء هيمنة اليسار والصعود بالإسلاميين إلى السلطة؟
في الحقيقة إنهاء هيمنة اليسار بدأت قبل الحراك العربي لأننا كنا نعيش ردة سياسية غير مسبوقة في بلادنا لأنه بعد الأمل الذي كانت خلقته حكومة التناوب التوافقي عام 1998، ولو أننا كنا ضد مشاركة اليسار آنذاك كقوة معارضة لها أطر وبرنامج مجتمعي متكامل أن تساهم إلى جانب أحزاب إدارية لا مصداقية لها وأكثر من ذلك نحن كنا متخوفين من هذه المشاركة جدا بحيث أن مشاركة الاتحاد في حكومة التناوب التوافقي كانت بدون أن ينتزعوا ضمانات حتى يتمكنوا من تطبيق برنامجهم أو جانب كبير من برنامجهم، وكنا نرى أن هناك التفاف، وبالفعل التف النظام على هذه المعارضة التي أفقدها الكثير من مصداقيتها في المجتمع وتم مباشرة بعد سنة  2002 إجهاض  كل ما سمي بمسلسل الانتقال الديمقراطي( 1996-2002) وبعد ذلك جيء بحزب الدولة "القوي" وكنا نرى أن المغرب يسير في تطبيق سيناريو قديم بإخراج جديد استعملت فيه أدوات قوية هذه المرة حيث تابعنا خلال الإعداد لانتخابات 25 نونبر2011 أن حزب الأصالة والمعاصرة شكل، إلى جانب أحزاب أخرى من كل فج عميق، "جي "8 ، في  ما يشبه التأمر على طموحات الشعب في الانعتاق و بناء الديمقراطية و تحقيق العدالة الاجتماعية. فنحن نتكلم عن ردة سياسية خطيرة  ولا أدري إن كان المسؤولون في أعلى السلطة، واعون بالظرفية الجديدة التي تعرفها المنطقة وتداعياتها على بلادنا والمفتوحة على إمكانية ردة فعل، تقتضي القطع مع مقاربة القمع والتحكم، لأن هناك تنامي كبير للوعي وهناك تعبئة وهناك حركات احتجاجية تخرج كل يوم للشوارع في المدن والقرى بعد أن فقدت الأمل، وأخطر شيء يمكن أن يقع فيه شعب ما هو أن يفقد الأمل في مؤسساته وفي نظامه وأن يرى بأنه عاجز تمام العجز للاستجابة على طموحاته المشروعة في العيش الكريم.
*حققت حركة 20 فبراير مكاسب في البداية وراهنتم عليها، اليوم نرى أن بريقها خفت هل كان راهنا فاشلا ؟
إن حركة 20  فبراير جاءت لإيقاف مسلسل العبث السياسي في بلادنا وقوبلت تلك الحركة بالمواجهة القوية من قبل المخزن كما واجه بالأمس القريب اليسار. الحركة جاءت تحمل شعارات ناضل من أجلها بالأمس القريب اليسار وواهم من يعتقد أن الحركة تراجعت بعدما قررت حركة العدل والإحسان أن توقف عملها فيها، الحركة  ستظل مستمرة مادامت شعاراتها قائمة الذات ولم تتم الاستجابة لها، ومادام الدستور المعدل لم يحسم بشكل واضح باتجاه الملكية البرلمانية بالمعايير الدولية.
نحن نراهن على بروز تيار ديمقراطي قوي قادر أن يحتضن حركة 20 فبراير بإخراج جديد لأننا واثقون في ابتكار وإبداع الشباب المتمكن من أدوات التواصل، ونثق في هذه الحركة وفي إمكانية إعادة نهضة جديدة لهذه الحركة. ولكن نرى أيضا أن النظام لعب دورا كبيرا في تمييع الحياة السياسية، عبر تفتيت الأحزاب، و خلق أحزاب موالية له، تفتيت النقابات وخلق جمعيات لا طائلة من وراءها وتستفيد من المنفعة العامة كل هذا جعل أنه عوض أن نترك المجتمع المدني يفرز مؤسسات قوية قادرة على الدفع باتجاه البناء الديمقراطي بشكل سلمي نحن نحارب كل مبادرة قوية و متقدمة، لأن النظام له فوبيا مما يسمى بالقوة المضادة "contre pouvoir ".علما بأن الديمقراطيات الراسخة، تستفيد من القوى المضادة من أجل التقويم و تطوير الديمقراطية.
*ألا تتخوفون من أن يحصل نفس الشيء مع حركة 20 فبراير؟
نحن نثق في هذه الحركة وهذه الحركة تحمل مشروعا كبيرا وكذبت كل الأطروحات القائلة بأن الإنسان المسلم العربي الأمازيغي  "لم يعد له أثر" ولم يعد قادرا على الانتفاض، والتعبير عن غضبه أمام تنامي الظلم الاجتماعي، لهذا الغرض  وحتى نؤثر في موازين القوى وحتى ندعم هذه الحركة والحركات الاجتماعية الأخرى لتقف في جبهة متراصة ضاغطة  من داخل مؤسسات، يجب أن تتوفر على المصداقية الازمة، ومحتجة  في الشارع، الذي أصبح ساحة للاصطدام، عوض الاحتجاج السلمي، بين المحتجين الذين يمارسون حقا دستوريا، و تسخير البلطجية إلى جانب قوى الأقمع لإرهاب الحركات الاحتجاجية، نحن نناضل على واجهات متعددة ونعمل مع حلفائنا ومنفتحين على القوى الديمقراطية، لخلق جبهة ديمقراطية لبناء مغرب العدالة الاجتماعية فلا يعقل أن 34 مليون نسمة، ثلث ساكنتها عيشها لا يطاق ( مشاكل الولوج إلى الخدمات الاجتماعية: الأمية، البطالة، السكن الغير لائق، مليون و800 ألف تعيش في دور الصفيح، الفوارق تزداد اتساعا والريع والفساد، يمركز الثروة في يد أقلية قليلة، بينما تتسع دائرة الفقر والحرمان والتمييز، ما دمنا نفتقر لنظام ديمقراطي، يضع أسس دمقرطة المجتمع وتحقيق التوزيع العادل للثروة.
*بحديثكم عن الريع تقولون دائما إنه نظام امتياز لضمان الولاء؟
الريع موجود في كل مكان، و يشكل سدا مانعا أمام كل إمكانية لإقلاع الاقتصاد الوطني و هو مقرون بنظام الامتيازات واستغلال النفوذ، فساد منتشر، ضيع على بلادنا فرص لتحقيق التنمية، حيث أصبح ظاهرة ثقافية خطيرة، استعملت من أجل تأدية واجب الطاعة لأن النظام الذي لا يكون ديمقراطيا يحيط نفسه بدوائر المستفيدين، حتى تبقى متضامنة مع هذا النظام  لكيلا يباشر الإصلاحات الضرورية الأساسية التي تنتظرها البلاد لضمان الالتحام والسلم المجتمعي.
فمادام النظام المخزني لم يتغير وأسسه قائمة في ظل غياب فصل حقيقي للسلط، ومادام  لم يباشر بجدية وشجاعة الإصلاحات الشاملة، فهناك استمرارية في عمل هذه الحكومة، التي سيتم، لتمرير، من خلالها، لما سيساهم في إضعافها كما تم إضعاف اليسار الذي شارك في  حكومة التناوب التوافقي بالأمس القريب.
*لكن الحكومة الحالية أفرجت عن لوائح مأذونيات النقل ومقالع الرمال؟
مسألة نشر لوائح مأذونيات النقل ومقالع الرمال، يجب أن تتم في إطار خطة متكاملة لمحاربة الفساد. وننتظر أيضا نشر لوائح استغلال رخص الصيد في أعالي البحار والكف عن مجالات الاحتكار ونهب المال العام غيرها  نرى أن الحكومة خطت خطوة ولكنها توقفت بعد إعلان رئيس الحكومة "عفا الله عما سلف" . الحكومة يجب أن تفي بما أعلنته في تصريحها الحكومي، و أن لا تتراجع أمام أول عقبة وإلا وجب عليها أن تعلن عن عجزها وأن تقدم استقالتها. فالمجلس الأعلى قدم تقرير 2010 يجب وضع الملفات التي شابتها اختلالات، بين يدي القضاء للمساهمة في إعادة  الثقة  للمغاربة والتأكيد على الانتقال من مرحلة الإفلات من العقاب  مرحلة التأسيس لبناء دولة الحق والقانون.
*هذه النظرة السوداوية يلزمها عمل قوي، لكن الملاحظ أن علاقة اليسار الذي تتقاسمون نفس أفكاره باردة ومشتتة ؟
نحن جزء من هذا اليسار الذي نفتخر بالانتماء إليه و ننهل من منبعه الذي يهدف إلى تحرير الإنسان والذي تبنا كل ما أنتجه الفكر الإنساني الحضاري التنويري لبناء مجتمع المواطنة والكرامة والعدالة الاجتماعية. اليسار يعرف أزمة، جعلته في عدم الجاهزية لاحتضان  الحراك الشعبي الذي عرفته بلادنا في2011 والدفع به إلى تحقيق أهدافه المعلنة في الدمقرطة. وإن اليسار الذي شارك في الحكومة تم إضعافه، واليسار الذي لم يشارك تم إضعافه كذلك بعد أن استطاعت الدولة استقطاب بعض من نخبه، وتمييع الحياة السياسية الشيء الذي أدى إلى فقدان ثقة المواطنين وضعف تعبئتهم نضرا لغياب المصداقية، بعد غزو النخب الانتهازية، للمجال السياسي.
اليسار واع اليوم بضرورة إعادة التأسيس وإعادة البناء للتصدي للأزمة السياسية، المتجسدة في غياب الديمقراطية، و توضيح مشروعه المجتمعي وتحديد إستراتيجيته المستقلة عن إستراتيجية النظام  و عن إستراتيجية الأصولية.
اليسار يجب أن يستجمع قواه على أساس برنامج واضح للنضال الديمقراطي بهدف تحقيق التغيير الديمقراطي المنشود. وأن يدفع باتجاه قيام ثورة ثقافية، للحد من الردة القائمة ولتوفير شروط التغيير.
بالنسبة لمسألة النظرة السوداء، فهذا يدخل ضمن التشويش على اليسار وتغليط الرأي في محاولة لإسكات صوت الحق، فليس هناك من لديه أمل في هذا البلد أكثر منا،  لكن الأمل يجب أن يبنى على أسس قوية، فلكي تحافظ بلادنا على السلم المجتمعي والتلاحم يجب أن نفضح  بؤر الفساد، وأن نقترح البدائل لنتقاسم خيرات البلاد بين أولادها وبناتها، وأن يتحقق العدل لأنه حجر الزاوية في أي تقدم. أرى أن كل ما أتيحت لنا فرصة للانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية وننتقل بالمغاربة من رعايا إلى مواطنين كاملي المواطنة، إلا وتتجند القوى المحافظة ولوبيات الفساد والمتملقين لإجهاض كل إمكانية النهوض والتقدم لأنها ترى فيه تهديدا لمصالحها، المتعارضة مع مصالح  تطلعات الشعب. يجب أن تكون لدينا الشجاعة الكاملة للتنديد بكل ما هو غير صائب والنضال من أجل القطع مع الاختيارات الغير ديمقراطية. النظام المخزني يتحكم في مجمل السلط، والحكومات المتتالية ضلت ضعيفة المناعة ولا جرأة لها.  حزب العدالة والتنمية، الذي يترأس الحكومة الحالية، "لا يريد إغضاب الملك" ونحن نقول له يجب أن ينتبه كذلك إلى عدم إغضاب الشعب الذي ينتظر التغيير .
*تتحدثين عن غياب انتقال ديمقراطي هل يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي في غياب جهد للنضال من أجل الانتقال الديمقراطي؟
النضال الديمقراطي يجب أن يستمر لتحقيق التغيير الديمقراطي المأمول، لم يحدث أن نظاما غير ديمقراطي، تحول إلى نظام ديمقراطي دون وجود قوة مضادة قادرة على فرض التغيير، يجب أن يكون هناك التحام واسع حول مشروع النضال الديمقراطي وتحريك الدعامات الأساسية من نقابات وجمعيات حقوقية ونسائية وأمازيغية ومثقفون وطلبة… للضغط من خلال النضال الجماهيري والسياسي الممارس من خلال  الشارع ومن داخل المؤسسات التي يجب أن تخرج من صناديق الاقتراع وفق شروط تضمن النزاهة والشفافية وبالتالي ترجمة الإرادة الشعبية إلى سلطة شعبية.
النضال الديمقراطي يتطلب التوفر على تعددية حقيقية وبالتالي أحزاب ذات مصداقية. كحزب اشتراكي موحد، كنا أول مبادرين إلى  تجميع أحزاب يسارية وإلى مأسسة التيارات داخل الحزب، ولكن الغريب في الأمر أنه قبل التوحيد كمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي تقدمنا إلى الانتخابات عام 1997 وحصلنا على نسبة مهمة من أصوات الناخبين وفي عام 2002 بعد التوحيد حصل حزبنا  على نسبة أقل من أصوات الناخبين، في محاولة لمحاصرة حزبنا لأن النظام لا يريده أن نبرز كقوة بديلة وتم، مرة أخرى، التحكم في الخارطة السياسية وتهميشنا، حتى يضل التخطيط المخزني الأكثر احتمالا و"البديل" الوحيد المقبول من أجل الاستقرار واستمرار.
*هل تقصدين وزارة الداخلية ؟
 وزارة الداخلية، هي جزء من النظام، وهي تتحكم في صنع الخريطة السياسية وضبطها، وهذا من ضمن الأسباب التي جعلت 25 في المائة من الشعب المغربي فقط هي التي تشارك في عملية التصويت والأغلبية لا تصوت لأنها تعي بأن اللعبة السياسية مغشوشة. إن مصالحة المغاربة مع الانتخابات وإعادة بناء الثقة المفقودة كان ممكنا، لو استغل المغرب الفرصة التي أتيحت عام 2011 للانتقال إلى الملكية البرلمانية بالمعايير الدولية ووضع دستو ر يكرس ذلك. كان المغاربة سيعدون إلى صناديق الاقتراع بالملايين لأنهم سيقتنعون بأنها ستكون بداية لبناء الديمقراطية التي طال انتظارها رغم التضحيات الجسام التي قدمها الشعب المغربي وفي مقدمته القوى اليسارية والديمقراطية.
نحن لسنا ضعفاء لأن العملية الانتخابية، متحكم فيها، يواكبها تزوير ونزول قوي للأعيان وشراء الذمم، والشعب الذي لا يصوت فقد الثقة ولم يعد يعبأ للعملية الانتخابية، وكل هؤلاء يمكن أن يشكلوا المساندين لمشروعنا لأن غالبية الشعب تطمح للتحرر والمواطنة والكرامة والعدالة الاجتماعية وهي بذلك اشتراكية.
*لكن هناك من يؤاخذ عليكم أن حزبكم هو حزب نخبوي وليس له قاعدة جماهيرية؟
في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي كان اليسار  مساندا من قبل فئات واسعة ("شعب اليسار") بدون أن يدق أبواب البيوت، عندما يتخذ موقفا الكل كان يساند. ولو لم يكن يواكب العملية الانتخابية آنذاك التزوير والضبط بكل الآليات، لكان اليسار مكتسحا للمؤسسات المنتخبة. الأحزاب اليسارية  ووجهت بالقمع الشديد أثناء سنوات الرصاص، وكان هناك احتراز من كل وافد جديد داخلها، خوفا من اختراق المخزن لها، كما أن تراجع المد التلاميذي والطلابي، بعدما تم تسخير الشبيبات الإسلامية لمحاربة اليسار في مواقعه، فبدأت حينها مرحلة جزر ازدادت حدتها مع انهيار جدار برلين. بعد هذه المحطة ستشكل الكتلة الديمقراطية، التي وضعت ميثاقها للتأكيد على  ضرورة مباشرة الإصلاحات الدستورية والسياسية في المغرب لتجاوز الأزمة. رغم وعي النظام بخطورة المرحلة، لم يحصل تعاقد مع المؤسسة الملكية يحدد القواعد التي من شأنها إنقاذ البلاد. ثم بعدها وضع دستور 1996 الذي لم يستجب للحد الأدنى من مطالب الكتلة، رغم ذلك ولأول مرة صوتت المعارضة اليسارية بالإيجاب، باستثناء منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي قاطعت الاستفتاء على هذا الدستور الممنوح. كانت هذه نهاية الكتلة. انطلق حينها مسلسل ما سمي بالانتقال الديمقراطي الذي استمر إلى 2002،  ترأس السيد عبد الرحمان اليوسفي حكومة التناوب التوافقي التي شكلت مرحلة انفتاح سياسي وليس انتقال ديمقراطي، دون أن يحصل التغيير المنشود. مرحلة رغم بعض الانجازات الهامة خاصة في مجال الحقوق، كانت لها أثار وخيمة على اليسار الذي تراجع صداه في المجتمع، بينما احتلت قوى محافظة مواقع متميزة واستطاعت أن تحشد دعما شعبيا، باستغلالها لعامل الدين وحساسية المغاربة تجاه الدين الإسلامي. ثم إغلاق الحق السياسي وإعادة إخراج لحزب الدولة الجديد، القديم، الشيء الذي عبر عنه المغاربة بمقاطعة عارمة لانتخابات 2007 ،حيث لم تتعد نسبة المشاركة 20 بالمائة و 25  بالمائة  في 2011.
نحن نعتبر أن المشروع المجتمعي الذي يناضل من أجله حزبنا، يشكل أحسن عرض سياسي في المغرب لكن خطابنا ظل نخبويا لا يخدم مشروعنا، ولا يصل إلى عموم الشعب وإلى عمق الجماهير، التي نحمل مشروعا من شأنه أن يعبئها وأن تجد فيه الجواب على طموحاتها وانتظاراتها. المرحلة، محطة لإعادة التأسيس والبناء، مع تجديد الفكر والخطاب، واعتماد أدوات حديثة لتنظيم الفعل الميداني والتواصل، وخصوصا بناء جسور جديدة وتقوية المتقادمة منها تجاه عموم المواطنين وكل القوى التي لها مصلحة في التغيير الديمقراطي ودولة القانون.
*اليوم الحركات الإسلامية كلها لها عمق جماهير لماذا؟
الحركات الإسلامية استطاعت أن تنفذ إلى عمق المجتمع، لأن هناك ظلم اجتماعي كبير ومن نتائجه تنامي ظاهرة التدين في المجتمع، وهذه الحركات تلعب على وثيرة الدين الحساسة، وتستفيد من فقدان ثقة المواطنين في إمكانية النخب السياسية الفاسدة أن تغير من أوضاع المحرومين. فضلا على أن الحركات الإسلامية، لها امتدادات حتى خارج الحدود،  تسمح لها ب"الإحسان و الصدقة" وبالتالي تشكيل كثلة ناخبة مهمة.
اليسار واع بضرورة تطوير التواصل مع الناس ولكن، دائما في ظل صون كرامتهم، وتوعيتهم وجعلهم قادرين على الدفاع عن مصالحهم.
اليوم لدينا ضعف وقصور كبير في النخب في كل المجالات حتى النخب  السياسية، التي استبدلت بالتقنوقراط. الجامعة التي كانت تساهم في التكوين والتأطير في الماضي القريب والتي أنتجت أطرا ونخبا سياسية، تراجع دورها بعدما، اجتازت الردة الفكرية أسوار الجامعات التي تعرف ما يشبه اصطدام الثقافات: قذف وتكفير، ثنائية أبيض وأسود لا ثالث لهما، وضاعت مركزة العلم والمعرفة في متاهات هوياتية ونقاشات عقيمة.
*هذا يحلينا على تصريح لك قلت فيه إن المساجد أصبحت ملاذا للشاب الذي لا يستطيع أن يؤدي فنجان قهوة على صديقته واتهامك بالتكفير؟
خلال مداخلتي التي دامت ما يقارب الساعة  تم اقتناص 30 ثانية، ومعروف عني أنني لا أتحدث لغة الخشب وأعتمد الصدق لأنني لا أنتظر جائزة شخصية أو مصلحة ذاتية أنا أدافع عن مشروع مجتمعي انطلاقا من قناعاتي ومن ثقتي في صحة ما أدافع عنه.
إن فشل المنظومة التربوية وقلة فرص الشغل بعملي مع رفيقاتي في الميدان نرى أن عددا كبيرا من الشباب، بسبب عدم توفر مكتبة ولا دور شباب ذات البنايات المهترئة والتي تخلت عنها الدولة ولا على ملعب، عاد إلى التدين، إذا كان من أجل الغذاء الروحي والفكري فلا بأس، لكن إذا كان من أجل التطرف فلا. بالمقابل نجد شبابا آخرين غارقين في المخدرات التي أصبحت تباع أمام أبواب المدارس الثانوية والإعدادية وحتى الابتدائية. إذا السؤال لماذا نتخلى عن هؤلاء وهم شباب المستقبل.
الذين يسهرون في السجون ومخافر الشرطة يجب تكوينهم على حقوق الإنسان وعليهم أن يفهموا أن كل مواطن هو البلد وأن ذلك الطفل المشرد لو تم إنقاذه اليوم سيصير مواطن الغد وليس عاهة على المجتمع. للأسف ليس لدينا مجتمع متضامن. وانهيار القيم.
*وماذا عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟
 المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أعطت بعض النتائج لكنها ليست المدخل من أجل مجتمع متضامن. أقول إن التضامن يجب أن يكون سياسة دولة وبكل أسف قمنا بتدمير التضامن من خلال كسر الاختلاط المجتمعي وأكبر دليل عنها عندما قمنا بتخريب المدرسة العمومية والجامعة العمومية.
*على ذكر التعليم لم تتفقوا مع إعلان وزير التعليم العالي رغبته في إلغاء هذه المجانية؟
لكي نبني مجتمعا فإن المدخل هو الديمقراطية السياسية والهدف هو ديمقراطية اجتماعية في كل جوانبها، والمدرسة يجب أن تكون أداة لتكافؤ الفرص، والمدرسة هي الأساس لتقليص الفوارق، لأن الإنسان هو الذي يبني التنمية، والمغرب يعاني من ضعف مهول في الكفاءات المتنوعة ومنها الكفاءات السياسية. ماذا فعلنا بمدرستنا؟ منذ سنوات ونحن نتكلم عن الاصطلاح، لكن ما حصل هو تشجيع التعليم الخصوصي على حساب التعليم العمومي وأفرزنا أولاد الفقراء في المدرسة العمومية وهو ما يسمى بلغة موليير "تدمير الاختلاط المجتمعي" بين أبناء الفقراء والأغنياء، وهذا بدأ منذ سنوات طويلة عندما وقع المغرب على الاتفاقية العامة للتجارة والخدمات، التي وضعتها المنظمة الدولية للتجارة التي تقول بالحرف  يجب خوصصة كل القطاعات بما فيها المدرسة، ونحن نقول إن المدرسة والصحة يجب أن تكونا عموميتين وجيدتين إذا أردنا ألا نكون تابعين ومستهلكين ونبقى في مؤخرة الشعوب.
تصريحات الوزير تنم على أننا نعيش ردة  فكرية خطيرة، أستغرب من تصريح الوزير عندما قال إنه "ماخصنا ما نديرو بكلية الآداب"، هل يعقل ذلك؟ الآداب هي اختصاصات متشعبة، بحث علمي، فلسفة، لغات، علوم اجتماعية، تاريخ، جغرافيا، سسيولوجيا، انتربولوجيا، تطورات المجتمعات، أداب تنمي الفكر والحس النقدي والثقافة والإبداع،  أي كل العلوم والمعارف التي تجعل الفرد يطور ليصير مواطنا ناجحا، فاعلا في بناء مجتمعه وتطوير محيطه.
أستغرب عندما يقول السيد الوزير إن البحث العلمي ترف، علما أن المغرب يتوفر على باحثين مرموقين في العديد من التخصصات والمجالات. المؤسسة التي أنتمي إليها( كلية العلوم عين الشق-جامعة الحسن الثاني بالبيضاء) تظم  أستاذ في علوم مختلفة نالوا جوائز دولية مهمة، آخرون صنفوا من ضمن 100 باحث الأكثر تأثيرا في العالم. داخل المغرب وخارجه هناك أسماء باحثين تشرف المغرب  براءات وآلاف الأبحات والابتكارات، تنشر في أهم المجلات العلمية، هؤلاء جميعا من أبناء الشعب وقرؤوا بإمكانياتهم في مدرسة عمومية  وآخرون لا زالوا يناضلون من أجل سياسة للبحث العلمي وإمكانيات للتمويل وتشجيع الباحثين حتى نحد من التبعية ونصبح منتجين للعلوم وليس مجرد مستهلكين متخلفين.
إذا مضينا في هذه السياسية التي لا تخلق مناصب شغل في التعليم العالي لأن عددا كبيرا من الأساتذة الباحثين سوف يحالون على التقاعد في  2015/2016 من سيخلف هؤلاء؟ ستتحول الجامعة إلى مدرسة لتدريس الكبار بدون بحث علمي ولا جودة.
*تفتحون  مقراتكم لحزب البديل الحضاري، هل تعدونه نموذجا للحزب الإسلامي الديمقراطي؟
الإخوان في حزب البديل الحضاري يقولون إن مرجعيتهم هي الإسلام، ولكنهم يؤمنون بالديمقراطية لأن المجتمع متنوع ومرجعياته مختلفة، المكونات السياسية الديمقراطية تتباري ديمقراطيا والحسم  لصناديق الاقتراع. نحن نعادي من يعادي الديمقراطية ونؤمن بالحرية كما قال فولتير " قد أختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد أن أموت حتى تعبر عن رأيك ".
*نعرج على ملف الصحراء، لماذا ترددون دائما أن المغرب أخلف مواعيد عديدة لتسوية هذا الملف؟
أولا أقول بأن ملف الصحراء كان من الممكن أن يحل مباشرة بعد الاستقلال، لكن تآمر القوى الأجنبية المستعمرة حال دون أن يتم تحرير جنوب المغرب من طرف جيش التحرير الذي حُلّ وتم خلق القوات المسلحة الملكية. وبعد الاستقلال لم يرغب المغرب في ترسيم الحدود إلى حين استقلال الجزائر، وبعدها كان من الممكن حل هذا الملف في محطات متعددة، لكن إنفراد النظام بهذا الملف وطريقة تعامله مع هذا الملف جعلت موقف المغرب يضعف لأن النظام تعامل بسياسة مقاربة الأعيان والاعتماد على القبيلة ومنح الامتيازات والتعاطي الأمني القمعي مع المناطق الجنوبية.
إن المدخل الأساسي لحل ملف الصحراء هو الديمقراطية. إذا بنينا ديمقراطية  وأسسنا لمؤسسات وطنية ديمقراطية تتمتع بمصداقية تعبر عن الإرادة الشعبية، إذا توفرنا محليا وجهويا على مؤسسات تتمتع بالمصداقية، وتتيح فرصة التنمية الجهوية والمحلية سنتمكن من  تنمية وطنية، والعمل على التوزيع العادل للثروة، إذا كان لدينا قضاء مستقل ونزيه وقطعنا نهائيا مع سياسة الإفلات من العقاب، سنكون أقوياء بجعل المنتظم الدولي يحترم موقف المغرب ويدفع باتجاه حل سياسي دائم يفتح أفاق بناء المغرب الكبير أمل الشعوب في الإنعتاق والتقدم.
————
حاورتها  سميرة العثماني، منشور بجريدة "المساء" عدد 1924/ 3 دجنبر 2012

تضامنا مع محمد ياسر اكميرة اللجنة التحضيرية الجهوية للحزب الاشتراكي الموحد تصدر بيانا


 تضامنا مع محمد ياسر اكميرة
اللجنة التحضيرية الجهوية للحزب الاشتراكي الموحد تصدر بيانا
والمكتب الوطني لجمعية العقد العالمي للماء يتضامن
أصدرت اللجنة التحضيرية  لجهة الغرب الشراردة بني أحسن للحزب الاشتراكي الموحد يوم الاثنين 3 دجنبر 2012 بيانا فيما أصبح يسمى قضية محمد ياسر اكميرة الصيدلاني والعضو القيادي بنفس الحزب، والمتابع لدى المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان بتهمة "محاولة دهس فتاة"، وقد ركز البيان الحزبي في مقدمته على " استهداف المناضلين الشرفاء المدافعين على القيم الإنسانية النبيلة"، وسرد السياق الذي يأتي فيه ذلك، حيث يتعرض عدد من مناضلي الحزب في مناطق مختلفة للمضايقات والقمع الممنهج وفق منطوق البيان وقد جاء فيه:
انطلاقا من الحراك الذي يعرفه المغرب من أجل المساواة والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، ومن ضمنه حركة 20 فبراير، ومرورا بفرض الدستور الممنوح على الشعب المغربي بمهزلة فولكلورية مفضوحة وما عرفته من تسخير للبلطجية والمنحرفين، ثم الانتخابات التشريعية التي شكلت حلقة أخرى في مسلسل الإفساد السياسي وشراء الذمم، ووصولا إلى تكريس تفقير الشعب وتجويعه من خلال الاستغلال الجشع لثرواته وضرب أبسط حقوقه بعرض الحائط (جرادة، جبل عوام، بنصميم، بوازار، إميضر …الخ) يستمر استهداف المناضلين الشرفاء المدافعين على القيم الإنسانية النبيلة، ومن بينهم مناضلي الحزب الاشتراكي الموحد: حميد ناجيبي بوادي زم، الصديق كبوري والمحجوب شنو ببوعرفة، حميد مجدي بورزازات، مجموعة من المناضلين بأزيلال … وصولا إلى الرفيق محمد ياسر اكميرة، الكاتب المحلي للحزب بسيدي سليمان وعضو مجلسه الوطني، الذي يتابع حاليا أمام المحكمة بتهمة ملفقة بعد سلسلة من مضايقات تعرض لها على خلفية مواقفه السياسية.
 وإننا في الحزب الاشتراكي الموحد بجهة الغرب اشراردة بني احسن إذ نعتبر متابعة رفيقنا محمد ياسر اكميرة انتقاما من مواقف الحزب، وتضييقا على نضالية رفيقنا المنخرط في كل الحركات الاجتماعية والتضامنية، فإننا نؤكد للرأي العام أن:
 - الاتهامات الكيدية والمحاكمات الصورية لن تثنينا عن مواصلة النضال من أجل محاربة الفساد والاستبداد.
 - الممارسات المخزنية التي تحيلنا على سنوات الرصاص تبين بالملموس زيف الشعارات التي يتشدق بها النظام المغربي.
 - الهجمة الشرسة التي يتعرض لها مناضلو الحزب الاشتراكي الموحد على امتداد جغرافية الوطن لن تزيدنا إلا إصرارا على مواصلة النضال مع الجماهير الشعبية حتى تحقيق الديموقراطية المجتمعية الحقة.
 وبالتالي فإننا من أجل ذلك نعلن:
 - تمسكنا بحقنا الأساسي في الدفاع عن قضايا الشعب العادلة بكل الوسائل المشروعة.
 - إدانتنا الشديدة لكل أشكال القمع الممنهج ضد مناضلينا بالحزب الاشتراكي الموحد، سواء أكان القمع مباشرا أو اتخذ لبوسات أخرى من فبركة وتلفيق لقضايا، وحياكة سيناريوهات، أو إيعاز لأطراف أخرى للقيام بهذه المهمة القذرة سواء بالتحريض أو بإطلاق اليد وغض الطرف وغيرها من الوسائل الدنيئة المكشوفة.
 - شجبنا لكل أشكال الاستغلال التي تحيل على زمن العبودية وامتصاص دماء الكادحين.
 - تضامننا المطلق واللامشروط مع رفيقنا المناضل السياسي والجمعوي والنقابي والحقوقي، محمد ياسر اكميرة، لما تعرض له، ويتعرض له من مضايقات من طرف المخزن وأذنابه.
 - تضامننا مع كل ضحايا تلفيق التهم والمحاكمات السياسية، من الحزب الاشتراكي الموحد ومن باقي الإطارات الديموقراطية المناضلة، ومع كل ضحايا القمع المسلط على الحركات الاحتجاجية والانتفاضات الاجتماعية وضمنهم معتقلو حركة 20 فبراير.
 - احتفاظنا بحقنا في الرد بكل الوسائل وبكل الأشكال النضالية على المحاولات البائسة وغير المسبوقة الرامية عبثا لإسكات صوت الحزب الاشتراكي الموحد."
 ورأى بيان جمعية العقد العالمي للماء أن التهمة الموجهة لكاتبها الوطني "ملفقة وغريبة"، وأدان " بشدة المقاربة الانتقامية التي تنهجها "الأيادي الخفية" ضد المناضلين، بسبب مواقفهم السياسية ونشاطهم المدني، باللجوء إلى فبركة ملفات وهمية لتوريطهم في قضايا مفتعلة لإسكاتهم والحد من نشاطهم النضالي.". جيث" ظل المناضل السياسي والحقوقي محمد ياسر اكميرة رئيس جمعية العقد العالمي للماء ” أكمي المغرب ” يتعرض لسيل من المضايقات والاستفزازات من طرف السلطات المحلية بسيدي سليمان، وقد تطورت هذه المضايقات.."، لتتدخل فيها أطراف أخرى لها علاقة بالمحل الذي يكريه للصيدلية محمد ياسر اكميرة، وعلاقة بنشاطه السياسي، ويضيف نفس البيان أنه تم " حشد عدد من المنحرفين أمام باب الصيدلية لإحداث البلبلة وإصدار التهديدات مصحوبة بشعارات مناوئة لمواقفه السياسية، ونزع الإشارة الضوئية للصيديلية من على واجهة المحل وكسرها بإلقائها أرضا بطريقة استعراضية مستفزة … الخ وإلصاق منشورات تدعو للمشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة من طرف باشا مدينة سيدي سليمان شخصيا داخل فضاء الصيدلية إمعانا في الاستفزاز، وهو الشيء الذي كان موضوع شكايات عديدة تقدم بها الدكتور اكميرة إلى كل الجهات المختصة دون تلقيه لأي رد (باستثناء رد وحيد من وزارة العدل يقول بعدم اختصاصها) ففي هذا السياق يأتي مثول الأخ اكميرة أمام المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان بتهمة ملفقة وغريبة وهي ” محاولة دهس امرأة بسيارته ”.
وجاء في آخر بيان الجمعية التي يختصر اسمها بأكمي أن" المكتب الوطني لأكمي-المغرب وبعد أن استعرض مجمل المضايقات التي ظل يتعرض لها رئيس الجمعية، واستحضر حملة الانتقام التي تطال عددا من النشطاء و أخرها ما تعرض له السيـد حميد مجدي بورززات من تهم ملفقة، لا يخالجه أدنى شك حول الخلفيات السياسية لهذه القضية، لأن المقصود هو التضييق على النشاط السياسي والمدني للدكتور ياسر اكميرة سواء داخل الجمعيات التي ينشط بها، أو داخل حركة 20 فبراير أو في الحزب الاشتراكي الموحد الذي ينتمي إليه، أو لمساهمته في إنجاح عدد من الحركات التضامنية ولعل آخرها كانت القافلة التضامنية إلى إميضر التي نظمتها اللجنة التي يشغل بها مهمة المنسق الوطني …
 وعليه فإن المكتب الوطني لأكمي-المغرب يؤكد تضامنه التام والمطلق مع ياسر اكميرة ويدين بشدة المقاربة الانتقامية التي تنهجها "الأيادي الخفية" ضد المناضلين، بسبب مواقفهم السياسية ونشاطهم المدني، باللجوء إلى فبركة ملفات وهمية لتوريطهم في قضايا مفتعلة لإسكاتهم والحد من نشاطهم النضالي."

  هذا وقد أجلت المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان عرض القضية أمامها إلى الواحد والعشرين من شهر يناير القادم..
————–
المدونة: يحق لكل طرف أن يدلي برأيه في الأمر، والمدونة مستعدة لنشر أي بيان أو توضيح من طرف أي جهة مسؤولة كانت.. أما التعاليق المفتوحة فلا يفرض من أجل نشرها سوى احترام اللياقة..

الأحد، 2 ديسمبر 2012

المناضل والصيدلي محمد ياسر اكميرة يمثل أمام القضاء بتهمة "غريبة"


 المناضل والصيدلي محمد ياسر اكميرة يمثل أمام القضاء بتهمة "غريبة"

الصورة: محمد ياسر اكميرة يلقي كلمة أثناء وصول القافلة التضامنية إلى إمضير
من المرتقب أن يمثل محمد ياسر اكميرة أمام قضاء سيدي سليمان يوم الاثنين 3 2012 دجنبر بتهمة يقول رفاقه إنها غريبة وملفقة، تقول التهمة " محاولة دهس فتاة"!!
ومعروف عن محمد ياسر اكميرة انخراطه بحماس في كل المبادرات النضالية محليا وجهويا وطنيا، فهو كاتب فرع الحزب الاشتراكي الموحد بسيدي سليمان، وعضو مجلسه الوطني، وكاتب نقابة الصيادلة بنفس المدينة، وكاتب وطني لجمعية العقد العالمي للماء، وعضو بتنظيمات أخرى كالجمعية المغربية لحقوق الإنسان..  وقد ساهم بفاعلية كذلك في "حركة 20 فبراير" بسيدي سليمان منذ انطلاقتها. ولعل أهم وآخر مهمة نضالية كلف بها، هي مسؤولية منسق اللجنة الوطنية لدعم سكان منطقة إمضير بإقليم تنغير، المطالبين بتحسين وضعية منطقتهم، وبحقوقهم من عائدات مناجم الفضة التي توجد فوق أراضيهم، وحماية البيئة المحلية.. وقد نظمت اللجنة مسيرة وطنية إلى هناك قبل أسابيع، كان لها صدى قوي على المستوى الوطني والدولي..
وسبق أن تعرض المناضل ياسر اكميرة للمضايقات، فقد زار باشا المدينة بشكل شخصي صيدليته الكائنة بحي السلام، وتعمد دخولها ليلعلق بداخلها ملصقا يدعو للتصويت على الدستور  في يوليوز 2011، وقد يكون نفس السياق هو الذي جعل أصحاب منزل فيه صيدليته يزيلون لوحة إعلانية للصيدلية، ولعل هذه الدعوى الغريبة التي وصلت كاتب فرع الحزب الاشتراكي الموحد، تكون في نفس المسار، والجميع يتذكر حادثة تلفيق تهمة "الاتجار في المخدرات" لمناضل آخر من ورزازات ينتمي لنفس الحزب (الاشتراكي الموحد)، وينشط في المجال النقابي، إنه حميد مجدي الذي وضعت كمية من المخدرات بمراكش في سيارته.. وهو يتابع في حالة سراح بعد إطلاق سراحه بكفالة.. 


محمد ياسر اكميرة يتلقى الكثير من الدعم المعنوي لحد الآن..  

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

لــســان الــجــثــة


لــســان الــجــثــة
  نص:محمد صولة
لا تظلموا الموتى وإن طال المدى   إني أخاف عليكم أن تلتقوا

            أبو العلاء المعري  
 … وها أنذا هنا أود أن أفسر ما حدث لي بالضبط، بعد امتطائي خشبة مغطاة بإزار مطرز الحواشي، وبعض أثواب من قطن أبيض وقطيف مزركش باللمعان، ساعتها، يا لساعتها، تلك اللحظة، كما عشتها مع نفسي أنا الذي كنت أحس بما جرى لي، سأستقدم الآن كل ما لدي من قوة وأعلن أني سأبيت هناك، في ركن قصي كما هو شأن بني الإنسان، حينما يأتيهم أجلهم المحتوم. السماء ربما فوقي والأرض تحتي، هكذا تصورت صعودي لأول مرة فوق أكتاف الناس وهم يسيرون بي نحو المجهول، أعرفه حق المعرفة، لا ضير إن أنا كنت ضد نفسي، أو أن هذه الذائقة الموت ضدي، لكني عندما وقفت على سطح الكرة الأرضية لأول مرة، تلك التي لم أعرفها تمام المعرفة، ذات يوم أنبئت بأن الليل مسار دافئ في عقل امرأة، والنهار ثقب يطل منه رجل يفن على هذا العالم المحكوم بالكوارث والجنون والخداع والخطيئة، لا أحد قال ذات لحظة إنه من هذا الرعيل الذي يستأنس بفساد الأمكنة والأزمنة والأحداث، لوينات كقوس قزح تغلف أبهاء المكان، رائحة البخور تضمخه وترش الأرض المعطاء بالبلل الندي من ماء الزهر، طقوس التهجد والتعبد في صمت تصطخب في العمق ولا تمس الظاهر من الأشياء اللاحبة، أنا الآن فوق، أنام ملولبا في غطاء أبيض معقود الرجلين والوسط والرأس، ودعت ذاكرتي هناك، نسيت أني لم أحمل معي أبدا ما راج أخيرا عن الاكتفاء الذاتي في الاقتصاد والسياسة والدين والثقافة والرياضة…و…و…و…وأشياء أخرى، لا يعرفها إلا الراسخون في العلم، أمثال العلماء الذين هم متفيهقون هذه الأيام في كل شيء، أحمل معي جسدي الذي لم أعد أملك منه غير غبار، سيذروه الذين سيأتون بعدي ذات يوم فويق جبل لا أعرف كيف صعدوا إلى قنته قبلا، عفوا، هل أنا من هذي البلاد التي آخيتها لسنين مضت ولم تآخيني، حاولت أن أفهم فيها أشياء تخص التقليد والوسطية والحداثة، لكني وجدت أن الكلام لم يعد كما كان، فكرت في الهجرة إلى خارج الذات، لم أعثر على غير هذه المنسأة التي دوختني أمدا ولم أستطع الخلاص منها، قمت بما لم يقم به أحد هناك وهنا، ألفيت نفسي لا تقبلني كما أنا، أو كما أريد أن أكون، يا لتعاستي هذه الأيام، ويا لفرحتي أيضا بما حصل و يحصل لي، سيحدث أن يقول قائل: إن هذا الذي نمشي به إلى مطرحه الأخير، كان خير الناس وكان أجملهم وكان وكان، جسدي الذي معي، أهملت أعضاءه في دولاب معترك الحياة، يدي لم تبق أصابعها تفرك خلايا الصدر والبطن والفخذين، والأسفل حين أمسه أحس وكأني أعيد الخرائط التي لم ترسمها تكنولوجيات العصر، عيناي تريان قلب رمادهما، ثم يتذوق اللسان مذاق برودة جافة تخلع عن نفسها بريق هبيب هواء يختلي بالشفتين المثلجتين، لزوجة مثل فراغ السديم تخثرت أسفل الحلق والحنجرة، ترانيم تحتي تخيط الخطو تلو الخطو نحو الملاذ الأخير، وأنا لا أريد أن أكون كما أنا، أنا الذي أحببت الحياة كأي إنسان عاش مائة سنة ونيف، وخرج إلى الناس من محلته بخفي حنين كما يقال، كنت من قبل أرى بعض الأشياء ولا أريد الخوض فيها، لأني أخاف أن يستبقني هذا البعض إليها ويشد الرحال إلى النقيض، أو الشبيه، ويرمي كل آثامه على أديم وجهي الذي تم خدشه من زمان، لم تعد عيناي مركوزتان في موضعهما جيدا كما عهدتهما، فمي استبدل مكانه بآخر لم يعرف أين هو، الأنف خسر حاسة الشم منذ بدأت عفونة تعتري تفاحة القلب، لا أحد بالمرة يمكنه الآن وهنا أن يستبطن ما أحاول تلمسه هناك، قلت مع نفسي أنا الذي لم أختر هذا الإحساس هكذا: ولم أنا في محراب المثول أمام الملكوت …..؟

في الطريق إلى الجبانة الرهيبة، شعرت بي، دغدغني أحدهم حين تمكن من إيصال صوته إلى أذني لاغطا، لم أفهم ذلك قبل، ولا بعد، ما حاولت فهمه أن المرفوع سيبقى دائما مرفوعا والمنصوب منصوبا والمجرور لا حول له ولا قوة، هل تغير شيء هكذا كالعادة؟ سألت نفسي، تمتمت قائلا بأن الكل يعرف ويفهم أن مدبرها حكيم ويتغاضى عن الأمر، هي الأرض تنتشر أمام السائرين بي نحو المكان المعلوم، أتواطأ مع رأسي، أدفعه كي يبقى كما هو، ممددا على شاكلة سمكة مقتولة عنفا وألقي بها في المقلاة، لا أتحلحل، أتمايل وفق حركات الذين يدفعون بي الخشبة أماما، يرددون …، وكأنهم يهتفون، حين اقتربوا من المثوى الأخير أسرعوا الخطو، أنزلوا المحمل أرضا قبالتهم، صلوا، رفعوا الجثة المخبأة وسط إزار أبيض وفوقه بطانية رشت بماء الزهر والحبق والريحان، كانت الخطوات معدودة وخاضعة إلى هندسة دقيقة، لا يمكن للمرء أن يطأ القبر إلا بالتروي، احذر أن تزلق رجلاك وتنهار ثم تسقط، لأنك هنا، نعم  أنت هنا في المقبرة، حيث ينام الإنسان بكامل وعيه الأخروي دون أن يحس بنفسه، ملكت نفسي جيدا، لا أريد أن أعيش من جديد مأساة سنمار، لأني عندما فكرت في خلق شبه كتابة على جسدي السديمي، توعدني أحدهم، لم أكن أعرفه حق المعرفة، وفعل بي ما فعل، ها أنا الآن ممدد على حافة جرح في الأرض التي ستصبح بعد قليل مأواي الظليل والأنقى، ترتفع الأصوات حولي، وبسرعة بطيئة تم الإمساك بطول الجسم من رأسه ووسطه وقدميه، وبرغبة في الوداع الحثيث ينزل بالهيكل في القعر، توضع قطع أخشاب فوقه ثم يبدأ كل شيء في التواري، وكأن الذي كان بالأمس يمشي الهوينى وأصبح في خبر كان، لا، أبدا، لقد وثقت في أمر الذين تركتهم هناك يحملون اسمي، ولأني هنا، فأنا لا زلت أحبهم، ولا أخاف عنهم يوم يأتون، فلا تدعوا وراءكم أتعابكم، إن هنا كل شيء له قيمته، وله كامل الحقيقة، سوف لن أعود إليكم ما دمتم تغادرون الفضاء المنتشي بالصمت، لي مجمل ما تخلفه الوردة حين تقبلها شفة الشمس الصباحية، ولكم ما تبقى من ليلة، لم تر أبدا في زهر كبادها بياضا، يتنبأ بشهوة فجر آت من تخوم الأبدية. 
أحس، وأنا أسفل الأقدام، بيد تدق فوق رأسي خشبة شاهد، وأخرى ترسم امتدادا لرجلاي، شبه مطر تتساقط قطراته على الثرى، ما تبقى من خطوات تتسكع حولي، لا أكاد أفتح عيناي للتو لأرى أين أنا إلا وتحرجني جنبات الشق المفلوع من غير أن تسعفني لتحتويني، رائحة برودة التراب تملأ ثقوب جسدي الذي لم يعد يتحمل المزيد، لا أتململ إلا بفضل ما يمكنه أن يحصل عبثا هكذا، وفعلا شيء ما حصل، ضربات على الأرض تنزل بقوة عليها، وقع أقدام أشخاص لا يريدون مغادرة المكان، حفار القبور هو الآخر لا يزال يدك بقايا الرغام فوق استطالة القبر، يدعكها بقبضة فأسه، ثم يرش الماء المتبقي في قعر السطل على جنبات مرقدي ويبدده شرقا وغربا، أتصور وأنا في عزلة تامة عن العالم، كيف يحيا الميتون في موات الأحياء؟ وفجأة، يخرج طابور من النمل الأحمر يجري نحو صدري، أشعر بدبيب بارد يسري في جنبات جسدي المترهل، ألتزم الصمت الصارخ والمطبق بالكامل، لا أريد صداع الرأس هنا، ومع من؟، ها هو العفريت يختال بخطوه فوق معابر جسمي المخرومة وكأنه يخيطها بعد تمزيق معنف، أكاد أنجر إلى نزاله، وهل أقوى الآن على تحمل تبعات كل ما من شأنه أن يقع لي في هذا الحيز الصاعق بالسكينة والرطوبة، لا أدري ما يمكن أن أفعله للحظة فقط، أدفع رجلاي الباردتين نحو تخوم القبر، ليس هناك حدود بالمرة، عجبا ! اتسعت رقعة مضجعي وارتمت أطرافها خارج حد البصر، كويرات بيضاء تتساقط على أنفي، فتيت من التراب الندي أشبه بحبات الرمل ينزلق صوب صدري وظهري، انفرج الكفن شيئا ما على وجهي الأملس والمثلوج، يداي مصمتتان، وما تبقى من لساني ينهشه ارتباق العطش المكين، حشرات بيضاء تنغل قحاف رأسي، تنبعج عيناي بفعل اندغام البؤبئين في دغش الهامة، بارد أسفل حوضي كشوحة مخروطة تعبث في جوفها الريح الهادرة، وكمن ينصت إلى صمته في غيبة شهية، تأكد له أنه لم يأت إلى هنا ليدع كل ذاكرته هناك، تخيل وقوفه العنيد أمام شبحه، تجاسر، مد يده إلى ريشة سقطت للتو بين أصابعه، أرهف السمع لصوت يناديه من شتيلة ربيع نبتت على أطراف القبر، كان أنذاك يوصي من يأتي إليه، أن يقرأ ما يلي: يحدث هناك شيء ما خارج صفقة التاريخ، يد الخصم تخشبت، قامته الفارعة سمكة نفقت لتوها، ماذا حدث؟ لا شيء، غير أن تمثال المجد الرملي هوى أمام بحات حناجر بقامات شبابية. 
لم أكن كذلك، لكني رأيت في ما يراه النائم أني أركض نحو جماعة من كلاب الليل، تربصت بي، وحاولت أن تجعلني أنام قبل الوقت، استفقت وحملقت في المتحلقين حولي، تنفست الصعداء، تبسمت، قطرات مائية تنقذف على وجهي، أحرك يداي وحوضي ورأسي، أململ لساني ، ألفظ بصاقا وأقول متلعثما: أنا حي، أنا حي.                        
   22ـ11ـ  2012 سيدي سليمان

الخميس، 22 نوفمبر 2012

صنابير عين دريج بإقليم وزان جفت في فصل الشتاء!


صنابير عين دريج بإقليم وزان جفت في فصل الشتاء!
 
 وزان: محمد حمضي
 لم تسمح المعاناة لساكنة مركز عين دريج  المرتبط ترابيا بإقليم وزان  مقاسمة بعضهم البعض  فرحة إطلالة الخيوط الأولى للسنة الهجرية الجديدة التي هلت على  بلادنا.
  فقد وجدوا أنفسهم  صباح يوم الجمعة فاتح محرم الموافق ل 16 نونبر الجاري  مكرهين  من جديد للنزول إلى الفضاء العام  بقلب المركز القروي للسير في مسيرة احتجاجا على جفاف صنابير البيوت والمرافق العمومية، بعد أن تجاوزت فاتورة العطش التي زجت بهم في جبها العميق وكالة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب بعين المكان، كتلة من المعاناة لا يمكن تصور كلفتها الصحية والنفسية والمالية  على الساكنة بشيوخها وشبابها ونسائها وأطفالها.
   مصدر موثوق من المجتمع المدني المتابع لهذه الوضعية، أكد لنا  في اتصال هاتفي بأن صنابير المركز جفت منذ يوم 12 نوبر ولم تتسرب نقطة ماء واحدة إلى قنوات الشبكة، وأضاف بأن معاناة الساكنة مرشحة للمزيد من المضاعفات بعد أن لم تقم  المديرية الإقليمية للمكتب الوطني للماء الشروب بأدنى التفاتة لشكاياتهم المتعددة التي رفعوها إليها، وكان آخرها مراسلة في الموضوع بتاريخ 15 أكتوبر .
   يذكر بأن عامل الإقليم كان قد سبق له بمناسبة ترأسه لأشغال المجلس الإقليمي الذي عقد دورته يوم 31 أكتوبر الأخير قد أفرد لمصلحة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب نقدا لاذعا على  التماطل المسجل عليها في معالجة معضلة شبكة الماء الشروب بمدينة وزان وباقي الجماعات القروية بالإقليم ( المجاعرة، أسجن، سيدي رضوان…) وحمل ذات الإدارة مسؤولية كل ما قد يترتب عن تعطيل هذا الورش المفتوح.