الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009

الحزب الاشتراكي الموحد المؤتمر الوطني الثالث أرضية الثورة الهادئة من أجل مغرب الديمقراطية والحرية والعدالة


الحزب الاشتراكي الموحد
المؤتمر الوطني الثالث
أرضية الثورة الهادئة
من أجل مغرب الديمقراطية والحرية والعدالة
  
v    اليسار المغربي ومهام إعادة التأسيس في أفق انطلاقة جديدة

v    الاختيار الديمقراطي المتجدد
v     متغيرات الوضع السياسي وأولوياتنا
v    التأسيس الدستوري لبناء دولة الحق والقانون
v    نحو جهوية ديمقراطية

v    في قضايا الكينونة الترابية

ü     قضية الصحراء

ü     تحرير سبتة ومليلية والجزر

v        اليسار وفضاءات النضال الديمقراطي الجماهيري

v        المنظمات الجماهيرية، مهام التصحيح وإعادة البناء

v        المغرب والفضاء المغاربي، العربي والإفريقي

v        المغرب والفضاء الأوروبي المتوسطي 

v        الحزب الاشتراكي الموحد : جدلية التجدد والانفتاح

v        اختيارنا الاشتراكي

v        اليسار في ظل العولمة وبوادر النهوض 

v        في الحاجة إلى تطوير تجربة التيارات
v        مهام تنظيمية عاجلة

v        تحالفاتنا الإستراتيجية والمرحلية
v        على درب الأمل الصعب …

الحزب الاشتراكي الموحد

  المؤتمر الوطني الثالث

     أرضية الثورة الهادئة

من أجل مغرب الديمقراطية والحرية والعدالة
يعقد حزبنا، الحزب الاشتراكي الموحد مؤتمره الوطني الثالث في دورة تبدو من الناحية القانونية والمسطرية عادية، لكن الوضع الوطني العام وما يتسم به من غموض ولبس يدفعان بالبلاد في اتجاه أفق مسدود ، والوضع الحزبي الداخلي وما يتطلب من تقييم ومراجعة وتصحيح يستلزمان التحضير لمؤتمر ذي طبيعة استثنائية بكل المقاييس لمساءلة حصيلة أزيد من نصف قرن من الاختيارات وممارسات السلطة السياسية الحاكمة من جهة، والأداء النضالي لقوى اليسار المغربي وحزبنا من ضمنه، ومجمل القوى الديمقراطية من جهة أخرى، حتى نكون في مستوى مواجهة كل ما يهدد في العمق المشروع الديمقراطي الذي يجسد طموح الشعب المغربي في الحرية والديمقراطية والعدالة، وتمكين بلادنا من المقومات التي تؤهلها لمواجهة التحديات المطروحة عليها داخليا وخارجيا وعلى كافة المستويات: سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.

اليسار المغربي ومهام إعادة التأسيس

في أفق انطلاقة جديدة
وهكذا فإن اليسار المغربي بكل تشكيلاته يجتاز راهنا وضعية، هي من أدق وأعقد الأوضاع التي عرفها طوال تاريخه النضالي الزاخر بالعطاءات والمبادرات في شتى الميادين.
ولايشكل ذلك وضعا شاذا أو استثناءا بقدر ما هو أحد تجليات التطورات والتحولات التي تحكم مسار المجتمع وما يفرزه من قضايا وإشكالات حقيقية، تطرحها جدلية التطور الذاتي والموضوعي، ويبقى استيعابها وحسابها الدقيق، هما القاعدة التي على أساسها يتم توليف النتائج الإيجابية لهذه التطورات، وتهميش السلبيات وبالتالي تقديم المسيرة النضالية لليسار المغربي.
إن عدم الاستيعاب العميق لطبيعة هذه الإشكالات وتحديد التناقضات التي تتحكم فيها تحديدا واعيا من أجل استنباط الحلول الناجعة ومن ثم تجاوز الوضع القائم والدفع بعجلة التطور نحو الأفضل … إن غياب كل ذلك ومنذ فترة ليست بالقصيرة جعل من عمليات تراكم السلبيات والصراعات الحلقية الضيقة والمشاركة الضعيفة للجماهير الشعبية في الشأن العام والشأن السياسي بشكل خاص، كل ذلك يشكل عناوين لأوضاع لا تبعث على الارتياح، والتي لم تعرف لحد الآن إلا الاتساع والتفاقم.
لهذا يبرز التساؤل الأساسي الذي تستدعي الضرورة الوقوف عنده بجدية هو إشكالية العمل السياسي في المغرب ضمنها إشكالية التغيير الديمقراطي، حيث وجب الإقرار أن المعضلة تكمن أساسا في قوى اليسار ذاتها التي تفتقد لمشروع التغيير الديمقراطي وفقا للتحولات الجارية وطنيا وجهويا ودوليا.
انطلاقا من هذا التساؤل الأساسي، فإن الأوضاع التي تعيشها قوى اليسار، سواء تعلق الأمر بالتفكك التنظيمي أو التناسل إن لم نقل الاستنساخ، هي تعبير عن أعطاب الديمقراطية في الحياة الداخلية لهذه القوى وعدم مسايرتها للتحولات والتفاعلات التي تعتمل في المجتمع ، ولا أدل على ذلك من أن أغلب التنظيمات تعيش وضعا متكلسا ينعدم فيه النقاش الديمقراطي الضروري والصريح حول القضايا التي يفرزها الواقع، وتجتر في أحسن الأحوال تناقضاتها وتتستر على هذا الواقع المأزوم.
وإذا كان ضروريا التذكير والتأكيد على أن اليسار المغربي حقيقة عصية على الاقتلاع سواء من الواقع أو من الذاكرة الجماعية للشعب المغربي، فإن هذه المسألة تطرح علينا ألا نبقى سجناء أمجاد الماضي، و من هذا المنطلق فإننا نعتبر أن ما يواجهه اليسار اليوم في كينونته واستمراريته ، هو إشكالية إعادة التأسيس على كافة المستويات لأن أطروحاته الحالية وآليات اشتغاله ما زالت حبيسة الإطار النظري المرجعي لما قبل سقوط جدار برلين. مما أفقده منذ عدة عقود الشيء الكثير من قدرته الإبداعية السياسية، أي القدرة على التشخيص المتمكن وإبداع / بلورة الأفكار والحلول انطلاقا من التحليل الملموس للواقع الملموس.
إن هذا الواقع الذي لا يقدم مشهدا مشجعا، فإنه مع ذلك يجدر بنا أن نبتعد عن التشاؤم، و كذا رسم الأهداف الطوباوية المستحيلة، وأن نعمل في كنف الأمل، وذلك بتوفير شروط مناظرات مفتوحة لقوى اليسار في أفق إعادة تأسيسه ببلورة أجوبة عن الأسئلة التالية :
1 ـ سؤال انتقال المغرب من عصر " الأحكام السلطانية" إلى عصر " الأحكام الديمقراطية" لأن أكبر خطر يهدد بلادنا هو أن تتحول إلى مجال يفقد المواطن فيه الثقة في كل شيء ، وتصبح ميدانا خصبا لكل أنواع الدجل والدجالين، والفردانية المتوحشة دون أي اعتبار للحق والواجب.
2 ـ سؤال المشروع المجتمعي والبرنامج السياسي، ذو بعد اقتراحي ومجتمعي شامل لشتى مناحي التغيير المطلوب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
3 ـ سؤال الأداة، باستيعاب التجارب الحزبية الوطنية وتلمس القطائع المؤسسة المطلوبة لتجسيدها في نظرية تنظيمية ملائمة تستجيب لحاجياتنا الوطنية ورؤيتنا التجديدية في مقاربة المجتمع والعالم الذي نعيش تحولاته.
4 ـ سؤال المحيط الجهوي والقاري والكوني بإعمال الفكر في المنظومات الدولية والجهوية وتحولاتها، وتأثيرها على مجتمعنا سلبا وإيجابا.
5 ـ سؤال العلاقة مع الحركة النقابية والمنظمات الجماهيرية ونسيج المجتمع المدني بضمان استقلاليتها وديمقراطيتها ووحدتها النضالية.
6 ـ سؤال الثقافة والمثقفين ودورهم في عملية التغيير الديمقراطي وبشكل خاص أهمية النظرية في الممارسة السياسية ، وإشاعة فكر التنوير والحداثة.
هذه بعض من القضايا المفصلية وفق ما تفتحه من أوراش ذات حمولة تأسيسية ضرورية لكي يسترد اليسار المغربي دوره المبادر لإخراج الحياة السياسية ببلادنا من الركود والجمود، فلقد أكدت التجربة التاريخية لأكثر من نصف قرن أن اليسار كلما كان مبادرا ومجددا في الحقل السياسي ، إلا وانعكس ذلك إيجابيا على مجمل كيان الدولة والمجتمع، وهذا ما تؤشر عليه - على سبيل الذكر لا الحصر - مبادراته الفكرية والسياسية في حقبة السبعينات والتسعينات من القرن الماضي، وما تولد عنها من تحقيق للعديد من المكتسبات وضمان الاستقرار لبلادنا.
فأمام ما أصبح كيان الوطن يواجهه من تحديات داخلية وخارجية متقاطبة لعموم الشمال الإفريقي والمنطقة المغاربية خصوصا، تجعل قوى اليسار تحديدا مطالبة بتملك النظرة الشمولية لتجديد ذاتها ومشروعها، وهي مطالبة بفعلها أن تأخذ على عاتقها مطامح قوى مجتمعية متباينة المصالح، لكنها تشترك وإياها في ثوابت ثلاثة :
ـ حس الانتماء للوطن والتشبع بقيم المواطنة.
ـ التطلع لمجتمع ديمقراطي قائم على المشاركة والتعديدية وتداول السلطة.
ـ دولة المؤسسات ومرجعية الحق والقانون، والتشبع بقيم التنوير والعقلانية.
وعليه فإن روح المواطنة والديمقراطية والحداثة كقاعدة رحى يضاف إليها بعد العدالة الاجتماعية، من شأنها أن تشكل عناوين برنامجية لحركة جماهيرية واسعة من الطاقات والقوى السياسية والمدنية التي يؤلف بينها أفق الدفع بالمغرب صوب تحول ديمقراطي حقيقي يفتح الباب أمامه للدخول إلى العصر، ويقطع الطريق على أي مشروع إرتدادي ماضوي/ مخزني كيفما كانت أحلافه وأطرافه الشكلية واللاشكلية داخلية صميمية أو ما فوق وطنية.
إن هذا الانشغال بأوضاع اليسار لتعبير صادق عن الاهتمام الذي يعتمل في صفوف الحزب الاشتراكي الموحد بمختلف هيئاته ومناضليه، حيث تم التأكيد في مجلسه الوطني من خلال المبادرة السياسية التي أعلنها على ضرورة فتح حوار سياسي منظم بين القوى التقدمية المغربية من أجل الاتفاق على مبادئ وبرنامج وصيغة متقدمة للعمل المشترك، تترجم محصلاته على الساحة السياسية والمجتمعية في أفق تصحيح أخطاء الماضي بإعادة الدينامية للعلاقات النضالية بين مكونات اليسار من منظور تجديد الرؤى وآليات العمل، لاستعادة الطاقات المهدورة والمهمشة، كخطوة عملية في سيرورة إعادة التأسيس، ارتكازا على التراكم النظري والعملي المكتسب في التجارب  النضالية السابقة.
والمؤدى الطبيعي لهذه الخطوة العملية بمستوياتها المتعددة الفكرية والسياسية والميدانية به يتحدد مستقبل اليسار وشكل صيغته التنظيمية الملائمة، كتحصيل حاصل لهذه السيرورة.
وبقدر انشغال الحزب الاشتراكي الموحد بأوضاع اليسار المغربي نتطلع إلى أن يرقى اهتمام هيئات و مناضلات ومناضلي كافة مكوناته إلى مستوى الوعي الجمعي لإحداث التحول النوعي الضروري، كمرتكز أساسي لوحدته المنشودة كتحصيل حاصل.

الاختيار الديمقراطي المتجدد
إن الديمقراطية في تصور الحزب الاشتراكي الموحد، ليست ذات بعد واحد، بل تشمل كافة مستويات المجتمع، إنها بالقدر الذي تدعو للتفكير والتعاطي مع مسألة السلطة السياسية، فإنها تحتم علينا بالأساس الانطلاق من المجتمع كمرتكز للمشروع الديمقراطي وضمانته حين تغيب كل الضمانات. لأن تغيير طبيعة الدولة في العمق ينطلق من المجتمع، وجوهر الديمقراطية يكمن في ديمقراطية المجتمع، أي في مساواة كل المواطنين في أوضاع العيش، لأن المساواة في الأوضاع هي المدخل الأساسي للديمقراطية السياسية، وهذا هو الحد الفاصل بين حرية المواطن المتمثلة في حق المواطنة، وبين الاستبداد والاستلاب المشخصين في  إبقاء المواطنين في وضع رعايا.
ضمن هذا المنظور فإن مآل الأوضاع العامة متحرك، وتغيراتها مرتبطة بتطورات لا نتحكم فيها وحدنا لا كقوى اليسار، ولا كقوى محلية سياسية واجتماعية وثقافية تناضل من أجل التغيير الديمقراطي … وهذه التطورات مرتبطة بميزان القوى محليا وجهويا وعالميا، وبمدى نضج وفعالية المعارضة الشعبية على هذا الصعيد، مما يعني مساهمة مختلف الشعوب انطلاقا من أوضاعها الخاصة وتجاربها وتاريخها في هذه العملية.
وبحكم تداخل العوامل الداخلية والخارجية في عالم اليوم تبرز أهمية الإمساك بالتمايز والتفاوت النسبيين بين ما هو وطني وما هو عالمي وتفاعلهما المتبادل لتحديد التحالفات الممكنة دوليا لترجيح شروط التحول الديمقراطي المحلي، من منطلق الوعي بالمتغيرات على المستوى الدولي واتجاهات تطورها وانعكاساتها على الأوضاع المحلية.
لقد أكدت التجربة الملموسة، بالإضافة إلى الانتظارات التي يفرزها المجتمع على كافة المستويات ، أن الاستقلال الوطني والديمقراطي لن يتحققا إلا في قلب الرهانات الدولية، لأنه لم يعد بالإمكان الانغلاق على الذات، ولقد أبرزت التجربة التاريخية وبالنظر إلى موقع المغرب الجغرافي، والتأثيرات العالمية سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أن إمكانيات تطور النظام السياسي المغربي ممكنة شريطة توفر حركة ديمقراطية اجتماعية فاعلة.
انطلاقا من هذه المحددات العامة فقد أصبح من اللازم القيام بمراجعة نقدية لأسس الاختيار الديمقراطي . كما تم التعاطي معها من طرف الأحزاب الديمقراطية والسلطة السياسية الحاكمة سواء على مستوى التمثل أو الممارسة وذلك من أجل بلورة أسس جديدة أرقى على ضوء متطلبات المرحلة التي تمر منها بلادنا.
لقد تبنت مختلف أحزاب اليسار منذ بداية سبعينات القرن الماضي، استراتيجية النضال الديمقراطي ، كما أن السلطة السياسية الحاكمة مارست انفتاحا سياسيا محدودا بعد سنوات من حالة الاستثناء والاستبداد والحكم المطلق، وبارتباط مع مستجدات قضية الصحراء آنذاك، انخرط المغرب في ما سمي بالمسلسل الديمقراطي مرورا بما سمي بحكومة التناوب التوافقي وانتهاء بانتخابات 2007 التشريعية و 2009 الجماعية ، التي عبر من خلالها المواطنون عن فقدانهم الثقة في المؤسسات المنتخبة من خلال اتساع نسبة عدم المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، وفقدانهم الثقة في العمل السياسي.
إن حصيلة أزيد من ثلاثين سنة توضح بشكل ساطع :
ـ أن عدم الحسم في مسألة تداول السلطة، وبقاء اشتغال العمل السياسي في حدود التناوب الحكومي، لا يعدو أن يكون في نهاية الأمر إلا تناوبا للأشخاص على التدبير الحكومي الذي يفتقد للسلطة السياسية الفعلية ، ومن شأن استمرار هذه الوضعية إدامة السيرورة الانقسامية في الحقل السياسي وما تحمله من أضرار بالغة على مستقبل بلادنا.
ـ أن السلوك السياسي والمدني الذي التزمه الشعب المغربي وقواه الحية إبان انتقال مسؤوليات الملك، لهو درس بليغ لكل دعاة الحجر الاستبدادي ومنظري ديمقراطية الهامش والقبضة الأمنية، بما ترجمه من تشبث بالمطالب والانتظارات الديمقراطية السياسية والاجتماعية والثقافية، وتأكيد على ملحاحية تحققها في إطار سلمي، مؤسساتي، محكوم بما تكفله الشرعيات والمواثيق الدولية والقوانين المحلية من حقوق فردية وجماعية تضمن الكرامة المادية والمعنوية للمواطن المغربي. وهو درس سياسي أيضا، يؤكد على ضرورة تجاوز الأشكال والرمزيات المخزنية وتعويضها بعلاقات ومسلكيات حداثية عصرية تحترم مواطنة الإنسان المغربي وإنسانيته.
انطلاقا من هذه الحصيلة من زاوية ضعف مشاركة المواطنين في الشأن العام، فقد أصبح مطروحا بإلحاح أكثر من أي وقت مضى التطرق والإجابة عن القضايا التي بقيت غير محسومة وجزء منها لا زال يدخل في إطار " المقدس" الذي يلغى فيه أي نقاش، لأن هذه المسألة ليست مرتبطة بالوضع الداخلي فحسب، بل يفرضها استحضار المتغيرات الدولية وانعكاساتها إما سلبا أو إيجابا في عملية التغيير، بحكم التداخل المتزايد للعوامل الداخلية والخارجية في عالم الثورة المعلوماتية ومضاعفاتها، ومن ثم ضرورة تأهيل بلدنا على كافة المستويات ليكون فاعلا ومنتجا لضمان موقعه المميز في إطار العلاقات والمبادلات الدولية.
ومن القضايا التي تتطلب التداول العلني الصريح والجريء، قضية النظام السياسي الذي نأمل أن يؤطر بلادنا وحياتنا المجتمعية.
ومن منطلق تاريخنا في تميزه ، ما يمكننا من الإمساك بمفاصل بنيوية يتوجب أن يستهدفها التحول التاريخي لكي ننخرط حقا في مجتمع حداثي ديمقراطي، ويتعلق الأمر بواقع طبيعة الدولة راهنا، والذي يبقى مشدودا للنموذج السلطاني، معيدا لإنتاج سماته وهياكله في لبوس حداثوية، قاعدته الأساس " لا سياسية " يستحيل معها إدماج المواطنين في دائرة المشاركة والقطع مع بنية " الغنيمة".
وينسحب هذا الواقع على موقع " الملكية" كمؤسسة في الحقل العام، إذ هي أميل لخوصصة المجتمع لمصلحتها باعتبارها مصدرا مركزيا للتقرير والتدبير، وهي لذلك وبسببه تصطدم بالمجتمع وإن تقاطعت معه أحيانا لكونها تضع نفسها بحكم موقعها البنيوي التاريخي موضع طرف، وإن ادعت التحكيم، وفي واقعنا وتاريخنا المعاصر على الأقل شواهد شتى وبمحطات كبرى ما يثبت ذلك.
فالقطيعة المطلوبة لضمان استقرار سياسي مستديم وتجاوز تنابذ تاريخي كامن تغذيه الريبة والاحتراز والانزياحات تكمن أساسا في تصالح الملكية مع المجتمع، ليس عبر تدابير ظرفية للعلاقات العامة لا تلبث أن تحل محلها ضربات قاصمة للمجتمع وقواه الحية النامية لاستعادة التحكم القسري، بل عبر تجاوزها لموقع استقطاب قاعدة تحكمية تنبني على التمسح المتملق والمنافق المقرون بمساحات " الغنائم" المستندة للزبونية والمحسوبية والترهيب.
والتجسيد الأساس لهذا التصالح يتمثل جوهريا في الانتقال من الواقع التاريخي القائم على خوصصة الملكية للمجتمع إلى واقع تاريخي أرقى يتمثل في تأميم المجتمع لها. إن هذا التأميم كتعاقد تاريخي ممكن، بقدر ما يعيد الحياة الوطنية العامة لدائرة السياسة عبر رد الاعتبار للمواطنة والمشاركة، بقدر ما يرسي قواعد لأدوار ناهضة من المجتمع ولأجله، وهو في نفس الوقت يسمح للملكية بأن تضطلع كمؤسسة وطنية بدورها السيادي في إطار عصري مرتبط بالمميزات الوطنية، شفاف، فاعل فيما لا يزج بها كطرف.
والقاعدة الأساس لهذا التأميم هي السيادة للشعب، سواء من حيث موضعة المؤسسة الملكية في نظامه السياسي والأدوار التي ينيطها بها في ضبط توازناته أو موضعة باقي الهياكل المؤسسية الأخرى تنفيذية وتشريعية وقضائية، تعاقديا في إطار متن دستوري يستهدف إقرار ملكية برلمانية.
إن هذا التحول هو الكفيل بإعطاء مسألة تداول السلطة مضمونها الفعلي، ويساهم في ترسيخ وتخليق الممارسة السياسية لتصبح شأنا عاما يشارك فيه المواطنون من موقع حقهم في تقرير مصيرهم السياسي، على قاعدة المشاركة والمراقبة والمحاسبة في مختلف المجالات، وبالتالي انتظام الحقل السياسي حول أحزاب حقيقية يتأسس بينها وبين المواطنين تعاقد على أساس مبادئ وبرامج تتحمل مسؤولية تطبيقها وفق ما يفرزه الاقتراع العام المباشر من نتائج، لتجاوز منطق الغموض والالتباس الذي يتميز به الفعل السياسي نظرا للتناقض الصارخ بين الأهداف المعلنة والممارسة.
ومن شأن هذا التحول كذلك أن ينمي ثقافتنا الديمقراطية والحداثية وثقافة الدولة لدى المواطنين ، بما توليه من أهمية للمصلحة العامة والعلاقات الموضوعية، والتي تختلف عن العلاقات المخزنية المبنية على الديماغوجية والمحسوبية والزبونية.
لقد أصبح ضروريا وغير قابل للتأجيل إحداث القطيعة مع منطق الهامش الديمقراطي الذي تحكم في وعي وممارسة القوى الديمقراطية وآليات اشتغال النظام السياسي، وذلك من منطلق أن بعض المكتسبات الجزئية التي تحققت، وتنامي الانتظارات المجتمعية تتطلب تغييرات جوهرية في طبيعة وبنية الدولة تكون محصلة نقاش مجتمعي يفضي إلى وضع دستور ديمقراطي عصري لدولة الحق والقانون.
وإجمالا فإن طبيعة التغيير المطلوب مرحليا بالمعنى التاريخي للكلمة تتحدد بطبيعة الإعاقات الأساس في المرحلة، وهذه الأخيرة متعددة ومتشعبة. وهي ذات صلة ليس فقط بما انغرس على مدى الفترة الاستعمارية أو خلال نصف قرن من الاستقلال ومؤجلاته، بل وبالأساس بما تبين على مدى قرون خلت من منظومة مؤدلجة للاستفراد بالسلطة والثورة واستعباد الكائن البشري، وسلخ وتهجين مقوماته الإنسانية، ضمنت – سواء خلال الحقبة الاستعمارية أو حقبة الاستقلال – شروط تكيفها وتعصرنها، لإعادة إنتاج ذاتها بشكل مستمر في لبوس متجددة، وهي المنظومة التي حالت دون انخراط المغرب في العصر الحديث إلا منفعلا عبر صد كل محاولات الإصلاح وتدارك التأخر التاريخي.
إن تحديدا كهذا يفضي إلى أن العنوان الأبرز لسؤال المرحلة يكمن في كيفية انتقال المغرب دولة ومجتمعا واقتصادا وثقافة من دائرة " الأحكام السلطانية " إلى الديمقراطية؟

إن الجواب المركز والأكثر كثافة على هذا السؤال هو " بناء المواطنة" في السياسة، كما في الاقتصاد والمجتمع والثقافة. أي عبر امتلاك القدرة والجرأة على إنجاز ثورات ثلاث – فكرية، اجتماعية سياسية – هي بالمحصلة ثورة مندمجة ومتكاملة الاستحقاقات والتأثيرات.  

متغيرات الوضع السياسي وأولوياتنا
شكلت نتائج الانتخابات التشريعية 7 شتنبر 2007 و الانتخابات الجماعية في 2009 زلزالا سياسيا يسائل الجميع ، أحزابا سياسية وسلطة سياسية حاكمة، بما أفرزته من مظاهر عزوف المواطنين والنسبة العالية لعدم مشاركتهم في الانتخابات ، كتعبير عن فقدانهم الثقة في المؤسسات المنتخبة، هذا فضلا عن تبخيس العمل السياسي وتفشي شراء الذمم باستعمال المال واستغلال الدين، ونفوذ أعيان السلطة وتجار المخدرات.
كما شكل استمرار خلق أحزاب موالية للسلطة واستغلالها لأجهزة الدولة، تأكيدا على مواصلة سياسة إعادة إنتاج صناعة الأحزاب الإدارية و ما تحمله من أضرار بالغة على تطور الحقل السياسي على أسس التقاطب السياسي والإيديولوجي والبرنامجي. والأخطر من ذلك، إدعاء " حزب السلطة الجديد" تجسيده للإرادة الملكية، وبث البلبلة والغموض في الحقل السياسي لمصلحة " الاستبداد المستنير".
إن الحصيلة المكثفة للسنوات العشر الأخيرة يفضي إلى القول بأن ما حملته من مكاسب (هيئة الإنصاف والمصالحة، تقرير الخمسينية، مدونة الأسرة، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إزاحة بعض الوجوه كالبصري)، ليس إلا خطوات إصلاحية خجولة ومترددة لا تملك القوة الدافعة لإطلاق انتقال ديمقراطي فعلي.
وإذا كانت خطوة ما سمي بالتناوب التوافقي قد فشلت في تحقيق متطلبات الانتقال الديمقراطي،  تحاول اللوبيات المخزنية والتقليدية بعد فترة من الانكفاء السيطرة على مختلف دوائر التقرير والتوجيه والتدبير لشتى مناحي أوجه المصير الوطني. هذا فضلا عن انفلات القوى الماضوية من عقالها وتقاسم الأدوار على صعيد المجتمع سواء عبر الدعوات التكفيرية والعمليات الإرهابية وفوضى "الفتاوي". كل هذا يتناقض مع تميز الشعب المغربي عبر التاريخ بتدينه المنفتح على قيم العصر، وانفتاحه المنتج والفاعل على مختلف الحضارات.
لهذا فإن المميزات التي تطبع الوضعية السياسية الانتقالية التي تمر منها بلادنا ستبقي، على المدى المنظور، الصراع الحاد على عدة مستويات بين المنحى التحديثي والحداثي الذي يطال الدولة والمجتمع على حد سواء من جهة، وبين التوجهات المخزنية والتقليدية المترسبة في الدولة والمجتمع كذلك. هذا الوضع يفرض على القوى الديمقراطية وقوى اليسار بالتحديد استيعاب دروس المرحلة والقيام بمراجعة نقدية وتصحيح لأخطائها، لترسيخ الاختيار الحداثي في الدولة والمجتمع بشكل لا رجعة فيه.
فالحاجة إلى ضمان استقرار البلاد وتطورها في عالم لا يمكن مواكبة تطوره دون مشاركة المواطنين في مصيرهم أصبح ضرورة موضوعية، مما يتطلب إعادة تركيب العناصر الوطنية والإقليمية ذات البعد الديمقراطي والتنموي، المفتوحة على المستقبل والمنفتحة على الغير، وتجاوز السلفية الفكرية والسياسية، إذ أن النضال الديمقراطي المتعدد الأبعاد يجب أن يكون متوجها نحو ما نؤسس له اليوم، وما سنحققه في المستقبل بالمشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية للمواطنين وليس حصره في الماضي البعيد أو في مرحلة المعركة من أجل الاستقلال السياسي. وفي هذا الإطار وضمن هذه الوطنية المتجددة يتحدد البعد الأمازيغي والعربي والإسلامي واليهودي والمتوسطي للهوية الوطنية وجذورها الإفريقية وآفاقها الكونية.
على هذا الأساس، فإن تفعيل توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة تفرض نفسها بإلحاح كمقدمات أولية للقطيعة مع ترسبات الاستبداد والتسلط. كما أن التعاقدات الفوقية والتي تتم في دوائر مغلقة بخصوص الإصلاحات السياسية والدستورية غير كفيلة بإخراج بلادنا من النفق المسدود، بحيث أصبح الأمر يتطلب وضع المواطنين في قلب هذه الانشغالات عبر حوار وطني صريح وشفاف تكون محصلته وضع دستور ديمقراطي.

v    التأسيس الدستوري لبناء دولة الحق والقانون :
تكتسي الإصلاحات الدستورية والسياسية في علاقتها مع ضرورة إقرار جهوية موسعة أهمية خاصة، لأن من شأن ذلك أن يدخل تغييرات جوهرية في بنية الدولة المغربية من بنية مركزية إلى بنية لا مركزية،  ومن بين المتطلبات المرتبطة بهذا الاستحقاق  كمحصلة لنقاش مجتمعي صريح :
ـ دعم التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وذلك عبر ترسيخ واضح لمبدأ سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة وبشكل عام معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني على القوانين الوطنية.
ـ الإقرار بمبدأ فصل السلط (التشريعية و التنفيذية و القضائية) وضبط صلاحيات المؤسسة الملكية، كمؤسسة تحكيمية بما لا يزج بها كطرف، وضبط اختصاصات الحكومة والبرلمان على مستوى التشريع وتدبير السياسة العامة للبلاد.
ـ إقامة فصل واضح بين دولة السياسة وحقل تدبير الحق في الاعتقاد وإقامة الطقوس والشعائر بما يقر علمانية فاصلة بين مجال التدافع السياسي وبين مجال حرية الاعتقاد في الحدود التي لا تسمح باتخاذه مطية لخطاب الكراهية والاستعداء ضد الغير، مع تجريم التمييز الإثني والجنسي والديني واعتبار كل ذلك أحد أشكال العنصرية.
ـ الإقرار للأحزاب السياسية المؤسسة وفق القانون بالحق في ممارسة السلطة السياسية وفق قواعد الشرعية الديمقراطية عبر التمثيل الانتخابي والاعتراف للأغلبية البرلمانية أو ائتلافها بحق رئاسة الحكومة وتشكيلها لتنفيذ برنامجها.
ـ الاعتراف بالتعدد الهوياتي للشعب المغربي ودسترة الأمازيغية كلغة وطنية.
ـ دسترة الجهوية وإخضاعها للانتخاب المباشر ومأسستها بعيدا عن آلية الوصاية القبلية مع جعلها قارة في مقوماتها الترابية، ممتلكة لحق الأمر بالصرف، ذات وصاية قضائية بعدية وغير قائمة على أية " مواطنة امتيازية" بين مكوناتها الترابية المختلفة.
ـ جعل سلطة تعيين الموظفين السامين، بمن فيهم الولاة والعمال والسفراء ومدراء المؤسسات والإدارات العمومية ومحاسبتهم بيد الحكومة، وإخضاع جميع الصناديق العمومية لتدبير الحكومة وفي خدمة تطبيق برنامجها السياسي.
ـ تمكين البرلمان من سلطة مراقبة ومحاسبة حقيقيتين إزاء الحكومة وإزاء المؤسستين الأمنية والعسكرية، مع التنصيص على إحداث مجلس أعلى للأمن والدفاع الوطنيين مهمته بلورة العقيدة الأمنية والدفاعية الوطنية والسهر على تتبع ومراقبة وتقييم احترام تنفيذها بما لا يتعارض مع الدور الرقابي المالي والسياسي للبرلمان.
ـ تمكين القضاء، عبر الاعتراف به كسلطة مستقلة ذاتيا، من آليات ووسائل ناجعة للتدبير  وللمراقبة بعيدا عن أية إملاءات أو وصاية.
ـ التنصيص على المساواة في الحقوق والواجبات بين كل المواطنين والمواطنات، بما يضمن استدماج مختلف أجيال الحقوق المنصوص عليها دوليا، وتفعيل مختلف توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة.
ـ إلغاء الغرفة الثانية لمصلحة المجلس الاقتصادي والاجتماعي كإطار تداولي، وحظر ظاهرة النواب الرحل واعتبارها كاستقالة تلقائية.
ـ إفساح المجال للجالية المغربية بالخارج للمشاركة في الانتخابات البرلمانية تصويتا وترشيحا.
ـ مراجعة قانون الحريات العامة و الخاصة، بما يوسع من دائرتها ويعزز ضماناتها في انسجام تام مع قواعد القانون الدولي والحقوق والحريات الإنسانية الكونية.
ـ مراجعة قانون الصحافة بما يلغي العقوبات السالبة للحرية مع وضع ضمانات تقر التوازن بين الحرية والمسؤولية.
مراجعة قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات ونمط الاقتراع بما يتلاءم مع ترشيد الحياة السياسية ومشروعيتها الديمقراطية.

v    نحو جهوية ديمقراطية :
يكتسي إرساء جهوية موسعة في إطار الإصلاح السياسي والدستوري الشامل أهمية بالغة باعتبارها ستفسح المجال للمواطنين والمواطنات للمشاركة من خلال التسيير الذاتي لشؤونهم المحلية والجهوية في علاقتها مع الشأن الوطني، ويقتضي هذا الأمر انتخاب أعضاء مجلس الجهة عن طريق انتخابات مباشرة، ورفع الوصاية القبلية لوزارة الداخلية لمصلحة الوصاية القضائية، ويضع الأمر بالصرف في يد السلطة المنتخبة مع توسيع دائرة اختصاصات مجلس ومكتب الجهة وتمتعهما بكامل الصلاحيات. كما يتطلب الأمر تقليص عدد الجهات إلى أقصى حد ممكن انطلاقا من تأسيس الجهات حسب المعطيات الجغرافية والاقتصادية والثقافية المتجانسة، مع إرساء نظام جهوي متضامن لتحقيق التكامل بين الجهات.

في قضايا الكينونة الترابية
لا يزال المغرب، بحكم أخطاء الماضي في تدبير استقلاله وفي تدبير مرحلة ما بعد الاستقلال يواجه معضلة وحدة كيانه الترابي، ولازالت ترسبات عقلية هذا التدبير تلقي بوزرها على آليات مباشرة تفاعله مع المنتظم الدولي.

v    قضية الصحراء :
وهكذا تراوح قضية الصحراء مكانها ، رهن حرب استنزاف باردة مؤثرة على أجندة الأولويات الوطنية وانشغالاتها الحيوية.
وإذا كان المشروع الوطني الديمقراطي قد استقر على ما يشبه الإجماع حول حل ديمقراطي يحفظ للمغرب كيانه ويمنح مواطنيه بالصحراء حكما ذاتيا في نطاق جهوية واسعة الاختصاصات، فإن هذا المشروع نفسه في حاجة إلى توضيح مبدئي، ذلك أنه من غير المقبول الانزلاق صوب خلق وضع مواطنة من درجتين أو بسرعتين، مواطنة امتيازية جنوبا وأخرى أقل أهمية شمالا، فأي حل يجب أن ينبني على مبدأ المساواة بين المناطق والجهات والمواطنين.
وفي ظل مؤشرات التصعيد والتصلب الذي تمارسه البوليزاريو و من ورائها الجزائر ، فإن الأجدى مفعولا وتأثيرا هو تقوية القدرة الاستقطابية لنموذج مجتمع حداثي ديمقراطي يشكل ضاغطا قاريا وجهويا وأملا يحتذى به لشعوب القارة والمنطقة المغاربية، ونموذجا محترما للمنظمات غير الحكومية الدولية على اختلاف اهتماماتها (حقوقية ، تنموية..) وكذا مثالا لمجتمعات الأمم النافذة دوليا.

وأمام التطورات التي تمر منها هذه القضية، فإنها تفرض على الحزب الاشتراكي الموحد الدفع في اتجاه تقوية العلاقات والتواصل مع القوى الديمقراطية والتقدمية المغاربية وبشكل خاص إزاء المجتمع المدني الجزائري وقواه السياسية الديمقراطية لتقوية الأواصر بين شعوب المنطقة وتجنيبها أضرار الطموحات الهيمنية للمحاور الإقليمية والدولية. كما تفرض على حزبنا التعاطي الديناميكي مع التحولات الإيجابية داخل جبهة البوليزاريو في أفق الحل الديمقراطي. 

v    تحرير سبتة ومليلية والجزر :
إن قضية سبتة ومليلية والجزر تتطلب، ضدا على واقع جمودها، تأسيسا واسعا وطويل النفس لمقومات استردادها، إن على مستوى تشجيع السكان المغاربة على الأرض وتنمية صلاتهم بالوطن الأم، ثقافة ومصالح، ضمن إطار تنموي للمنطقة يتجاوز اقتصاد التهريب وتجارة المخدرات، أو على مستوى المجهود الإقناعي إزاء النخب الإسبانية الفاعلة، أو على مستوى الرأي العام الدولي بما يسمح بحضور القضية الدائب تعريفا وتوعية فضلا عن حضورها ضمن أجندة العلاقات الثنائية المغربية الإسبانية كقضية تصفية استعمار بما يجنب الطرفين أخطار المواجهة والقطيعة.
وعلى العموم فإن حزبنا مطالب، في باب القضايا الوطنية الترابية، أن يتملك وضوحا جليا في أولوياتها وما تفرضه عليه من أعباء كفاحية سواء إزاء سياسات الدولة في هذا الباب أو بإزاء الأطراف المعنية بالضغط أو الفضح أو التواصل والإقناع.
كما هو مطالب بإدراك مناضليه ومناضلاته بمختلف الرهانات الجيوسياسية والجيواقتصادية والجيواستراتيجية المتصلة بقضايا الكينونة الترابية.

v    اليسار وفضاءات النضال الديمقراطي الجماهيري :
إن نهوض حركة جماهيرية واعية، منظمة ومؤطرة من طرف القوى السياسية الحاملة للمشروع الديمقراطي الحداثي، هو وحده الكفيل بتعديل موازين القوى المختلة، وتوفير الشروط المادية والسياسية للانتقال الديمقراطي الحقيقي. وهذا النهوض هو بالضبط ما يجب أن يشكل مضمون أية استراتيجية للنضال الديمقراطي يمكننا صياغتها للمرحلة الراهنة، والتي تفرض علينا، كقوى اليسار وانسجاما مع دورنا التاريخي، أن نلعب دورا رئيسيا في إعادة الاعتبار لفضاءات النضال الجماهيري، واستعادة المبادرة في الساحة الفكرية والثقافية والإعلامية ، لإحداث الاختراقات النوعية على جميع الجبهات.
ولن يتأتى ذلك إلا بإعادة تأسيس استراتيجية النضال الديمقراطي على ضوء خلاصات ودروس المرحلة السابقة التي كانت محكومة بأفق الهامش الديمقراطي، والتعاقدات الفوقية واختزال الصراع في ثنائية القصر / الحركة الوطنية، والسقوط في الانتخابوية، مع العلم أن واقع اليوم تجاوز هذه الاختزالات، وتنازع المشروعيات. ما يطرح موضعة الاختيار الديمقراطي ضمن أفق جديد بعد انتقال مسؤوليات الملك نهاية القرن الماضي.
ولقد أبانت التجربة، أنه كلما تظافرت جهود القوى الديمقراطية، تحققت مكتسبات. وفي هذا الإطار ، يمكن الاستفادة من تجربة الحركة النسائية وعملها الميداني وانصهار كافة مكونات الحركة الديمقراطية في المعركة المرتبطة بمدونة الأسرة وما خلفته من رجة مجتمعية فرضت تقدما على مستوى المسألة النسائية.
إن تطوير فضاءات النضال المشترك لتشمل كافة المجالات، قضايا السكان بارتباط مع المجالس المنتخبة، قضايا النساء، قضايا الشباب والحركة الطلابية، مجال الجبهة الإيديولوجية والثقافية، أصبح بفرض نفسه على قوى اليسار ، فعبر هذه الفضاءات يتم بناء علاقات جديدة بين هذه المكونات، وتتم عملية إعادة التأسيس في علاقة جدلية مع قضايا المواطنين والمواطنات.

v    المنظمات الجماهيرية، مهام التصحيح وإعادة البناء
يرتكز الحزب الاشتراكي الموحد في علاقاته بالمنظمات الجماهيرية وهيئات المجتمع المدني على قاعدة احترام استقلاليتها والعمل على تطوير وتعميق آليات الديمقراطية الداخلية بها.
إلا أن واقع المنظمات الجماهيرية ، النقابية والجمعوية والثقافية، يعيش على إيقاع التشتت وضعف الفعالية، وسيطرة العقلية الحزبية والتدبير البيروقراطي، فضلا عن التحولات المجتمعية وعلاقاتها بالتحولات الدولية وتفاعلهما المتبادل وغياب مواكبتها واستيعابها من طرف مختلف الفاعلين في هذه المجالات.
وعلى هذا الأساس فقد آن الأوان لتتكاثف جهود كل القوى التقدمية العاملة في هذه التنظيمات لتجاوز هذه الوضعية المعيقة واستعادة المنظمات الجماهيرية دورها الطبيعي في تأطير الفئات التي تمثلها والدفاع عن مصالحها وتوسيع جماهيرية منظماتها.
و في هذا الإطار يجب الإقرار بأن أغلب أحزاب اليسار ما زالت سجينة منطق السيطرة على هياكل المنظمات الجماهيرية وتوظيفها لتصريف اختياراتها السياسية.
هذا المنطق الذي كان ملازما لفترة الاستبداد الذي تميز بالتضييق على الأحزاب السياسية الديمقراطية للقيام بدورها كاملا، أدى بها إلى توظيف المنظمات الجماهيرية (النقابات العمالية ـ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، اتحاد كتاب المغرب، المنظمات الحقوقية…) كأدوات في الصراع ضد السلطة المركزية ، وقد كان هذا التعاطي عاملا من بين العوامل التي أدت إلى الوضعية الحالية بالإضافة إلى عدم التدبير الديمقراطي للخلافات ، ومن تجلياته البارزة ضياع الإطار الجامع للحركة الطلابية  : الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
إن واقع بلادنا اليوم تجاوز المنطق المشار إليه، وأصبح العمل السياسي فعلا مجتمعيا يتطلب التوجه إلى كافة المواطنين والمواطنات، والعلاقة بين أحزاب اليسار والمنظمات الجماهيرية يتوجب أن يحكمها التكامل والأهداف المشتركة.
من هذا المنطلق تستدعي الضرورة :
ـ تضافر جهود كل قوى اليسار في اتجاه الوحدة النضالية الميدانية للحركة النقابية للشغيلة في أفق تجاوز تشرذمها وتصحيح أوضاعها التنظيمية واحترام استقلاليتها.
ـ تجاوز المنطق الفصائلي المنغلق على نفسه على مستوى الحركة الطلابية، وتجميع كافة التيارات الطلابية التقدمية في الجامعة على برنامج حد أدنى يؤطره مناضلو ومناضلات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بغض النظر عن انتماءاتهم الفصائلية ، للتواصل المكثف والفاعل مع القواعد الطلابية ، لتحقيق أهدافها واسترجاع إطارها النضالي الجامع.
وتنطبق هذه الأشكال الجديدة من العلاقات الديمقراطية في إطار الاختلاف على مختلف مجالات المجتمع المدني، للمساهمة الجماعية في تأسيس المجتمع الديمقراطي.

جدلية الوطني و الدولي، المتغيرات والمتطلبات
لقد تفاعلت أحداث وتطورات محلية وجهوية وعالمية و ساهمت في إنتاج وقائع تبين مدى التحولات العميقة التي تعتمل في مجمل البنيات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وأهميتها الحاسمة وانعكاساتها الكبيرة على جميع المستويات، إذ لا يتعلق الأمر فقط بمتغيرات ظرفية أو ولوج مرحلة أخرى، بل إننا نعيش تحولات كبرى لم تعرف المجتمعات مثيلا لها منذ بداية القرن الماضي.
ويمكن إبراز أهم هذه التحولات في :
ـ الثورة التكنولوجية والعلمية التي أثرت ليس فقط في عملية الإنتاج بل في أشكال التواصل ومجمل شروط الحياة أيضا.
ـ انهيار أنظمة المعسكر الشرقي، واستفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم بتقوية سيطرتها عليه في العديد من المجالات وخاصة على الصعيد العسكري، وتشكل العولمة الليبرالية المتوحشة إطارا لهذه السيطرة.
ـ اتساع دائرة الفوارق الاجتماعية وتمركز الثروات وتراكمها والتحكم فيها من طرف البلدان  الرأسمالية العالمية والشركات متعددة الجنسيات، وما نتج عن ذلك من استنزاف خيرات وثروات أغلب الشعوب، والخطر الإيكولوجي الذي يهدد التوازنات المناخية.
ـ تطور العلاقات بين الأمم والشعوب نحو آفاق كونية، وما يترتب عنها من مضاعفات على المستويات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن التحولات الجارية بطبيعة الحال بتناقضاتها واحتمالات تطورها، تطرح تساؤلات جديدة تستدعي بدورها إجابة جديدة ومقاربة برنامجية جديدة ومن ثم أداة / أدوات جديدة للتغيير.

إن تمثل هذه المتغيرات الوطنية و الدولية وما تحبل به من تحديات أصبح من القوة والإلحاح اللذين يفرضان على مختلف مناضلي ومناضلات اليسار تجاوز شتاتهم وفردانية أدوارهم بالحقول الجمعوية والمنظمات الجماهيرية، لمصلحة فعل جماعي منظم ومؤسس على قاعدة تقاطعات جوهرية تبرز تصورا مغايرا للمجتمع خاصة من حيث علاقاته بالإطارات الجماهيرية، ومغايرا أيضا للمقاربات السياسية السائدة لدى أغلب القوى الديمقراطية من حيث وظيفة التنظيم السياسي ودوره الصراعي وحمولته المجتمعية، ودور الحركة الجماهيرية وموقعها من قراره السياسي والتوجهات المجتمعية في خطه العام وآلياته الداخلية ذاته. 
فاليوم، أصبح الواقع العالمي أكثر من أي وقت مضى، يفرض نفسه على الدول، فبعد التحولات العالمية المرتبطة بانهيار المعسكر الشرقي، شنت الإمبريالية الأمريكية هجمة شمولية شرسة اقتصاديا وعسكريا لإعادة التوازن لاقتصادها المنهك ومكامن عجزه والعمل على السيطرة على مناطق البترول وهيمنة عولمة الليبرالية المتوحشة، وهذا التحول في وسائل تحقيق أهداف سياسة القوى الرأسمالية الكبرى عامة، والولايات المتحدة خاصة، قد جسد نفسه من خلال استعمال المنظمات الدولية وخاصة تلك المرتبطة بأجهزة الأمم المتحدة لخدمة مصالحها وأهدافها الخاصة، على حساب مصالح بقية دول وشعوب العالم، بل يتجلى كذلك في احتلال العراق وأفغانستان والتغطية على حروب الإبادة والتدمير التي يمارسها الكيان الصهيوني ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني.
بموازاة ذلك ، تشن مراكز الدعاية الرأسمالية خطابا إيديولوجيا إنسيا مؤطرا بنزعة انتصارية ليبرالية، وترويض الحركات الأصولية، وكل الأطروحات اللاعقلانية وفق استراتيجية ترمي إلى تهميش التقاطب والصراع بين الرأسمال والعمل لإعادة هيكلة الصراع السياسي على قاعدة التناوب بين اليمين الليبرالي واليمين المحافظ ، لتهميش قوى اليسار وتعمد الخلط بين الإرهاب والمقاومة لمحاصرة حق الشعوب في الاستقلال والحرية وتقرير المصير.
غير أن الواقع عنيد لا يسهل ترويضه، إذ كشفت الأزمة المالية الحالية التي أدت إلى انهيار اقتصاديات المراكز الرأسمالية عن إفلاس الليبرالية الجديدة والرجوع إلى أهمية دور تدخل الدولة كعامل ضابط للاقتصاد، ويطرح على كافة قوى اليسار والقوى الديمقراطية على الصعيد العالمي مواجهة محاولات المراكز الرأسمالية تحميل كاهل الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة تبعات الخروج من هذه الأزمة وأوزارها.
v    المغرب والفضاء المغاربي، العربي والإفريقي :
لقد أصبح من الصعب على أي بلد أن يضمن تطوره ويرسم سياساته الوطنية بمعزل عن المحيط العالمي، وبحكم موقع المغرب الجغرافي وعلاقاته التاريخية، وطبيعة العلاقات التجارية والبشرية التي تربطه بمحيطه الجغرافي وتأثيراته المتبادلة. فإن بلادنا لا يمكن أن تضمن موقعها المتميز في ظل شروط العولمة والفضاء الأورومتوسطي، إلا بتمتين علاقاتها مع البلدان المغاربية والعربية بحكم الروابط التاريخية والحضارية والثقافية، وما توفره من إمكانيات بشرية واقتصادية قادرة على مواجهة التحديات التي تفرضها العولمة الاقتصادية، وخلق شروط تنمية مستديمة.
من هنا فإن المسؤولية ملقاة بالدرجة الأولى على القوى الديمقراطية المغاربية وتنظيمات المجتمع المدني للعمل على ترسيخ وحدة شعوب المنطقة من خلال خلق مؤسسات تجسد هذه الوحدة ومن ضمنها برلمان مغاربي منتخب بشكل مباشر يحدد سياسات الوحدة والتعاون لمواجهة الآثار السلبية المترتبة عن وحدة أوربا. كما يوفر شروط التنمية المتكاملة والمنسجمة بهدف تحقيق قوة اقتصادية قادرة على المنافسة وعلى تلبية حاجيات المواطنين، وحل المشاكل البينية وفتح الحدود. ولن يستقيم هذا البعد المغاربي إلا إذا موضعت المنطقة المغاربية نفسها في إطار العالم العربي، لاسيما أن القوى التقدمية المغربية كانت على الدوام منخرطة بشكل فاعل وعقلاني ومؤثر في هموم العالم العربي والقضية الفلسطينية، ولقد كان هذا الوعي يتأسس على نقيض الأطروحات الانقلابية والوحدة القسرية وسياسة المحاور الإقليمية. ويعتبر أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد لتجاوز واقع التردي والتمزق الذي يميز العلاقات بين الدول العربية، وضمان وحدة شعوبها في إطار تنوع ثقافاتها وإثنياتها.
وفي أفق النهوض بالعالم العربي وتنمية علاقات التضامن بين شعوبه وبناء كتلة اقتصادية متكاملة ومشروع ثقافي وحضاري متعدد ومنفتح على الكونية، وإرساء أسس الديمقراطية، فإن تطوير العلاقات بين القوى السياسية التقدمية ومختلف مكونات المجتمع المدني، قد أصبح أمرا له ملحاحيته للتداول حول الحلول السياسية والاقتصادية والثقافية لبلورة البرامج النضالية الكفيلة بتسريع بناء المؤسسات الديمقراطية في العالم العربي وإقرار التعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان والأقليات الإثنية والدينية.
وإذا كان نضال القوى التقدمية المغربية ينطلق من اعتبار القضية الفلسطينية قضية وطنية، فإن واقع الانقسام الذي أدخلها في نفق سياسية المحاور الإقليمية يطرح على جميع الفصائل الفلسطينية الالتزام بالاتفاقات الوحدوية لتسترد مكانتها كقضية تهم الإنسانية جمعاء في أفق تحقيق الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وفق البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
إن الموقع القاري لبلادنا يحتم تطوير علاقاتنا مع البلدان الإفريقية وقواها الحية والانشغال بأوضاع شعوبها التواقة للديمقراطية والتحرر من الاستهدافات الإمبريالية.
وفي نفس السياق ، فقد أصبح لزاما علينا الضغط على السلطات المغربية للتعامل مع موجات هجرة الأفارقة إلى بلادنا باحترام تام لكرامتهم و لحقوق الإنسان.

v    المغرب والفضاء الأوروبي المتوسطي :
إن العلاقات الاقتصادية والبشرية التي تربط المغرب مع أوروبا وخاصة بعد الاتفاق الذي يمنح المغرب الوضع المتميز مع المجموعة الأوروبية، تتطلب توفير البنيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكفيلة بفرض علاقات متكافئة تستجيب لمصلحة الشعوب في التنمية والتواصل، وليس بخلق جدار بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط وتكليف المغرب بلعب دور الدركي الحامي للحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي، وفي هذا الإطار فإن الجالية المغربية و المغاربية في أوربا ، يمكن أن تلعب دورا لا يستهان به سواء عبر التنظيمات الجماهيرية المستقلة أو حضورها الثقافي ومختلف إمكانياتها ونضالاتها من أجل أن تتمتع بحقوق المواطنة الكاملة في بلاد المهجر، وتساهم في نفس الوقت في تنمية الفضاء المغاربي. هذا بالإضافة إلى تطوير علاقات التضامن مع الحركات الديمقراطية الأوروبية وتنظيمات المجتمع المدني في البلدان المضيفة خدمة للمصالح المشتركة، وفي هذا الإطار يتوجب رفع الحواجز  وضمان حرية تنقل الأشخاص إلى أوربا.

الحزب الاشتراكي الموحد : جدلية التجدد والانفتاح
ترتكز منهجية الحزب الاشتراكي الموحد على قاعدة المساءلة المستمرة التي تشمل تفكيرنا وممارستنا ، كي لا نسقط في المنطق التبريري والرضى عن الذات الذي يفضي إلى التكلس والاندثار، وهي منهجية منفتحة كذلك على سيرورة إعادة تأسيس اليسار. ولا أدل على ذلك من أن حزبنا محصلة اندماج عدة مكونات يسارية، هو بدوره منفتح على المستقبل.
v    اختيارنا الاشتراكي :
ومن هذه الزاوية فإن القضايا المطروحة حول الاختيار الاشتراكي تستدعي فتح الحوار بين مختلف الحركات السياسية اليسارية المناضلة، على المستويات المحلية والجهوية والقارية والدولية والمقصود بالحوار، هو أولا الوعي الحاد بالأهداف المشتركة الموحدة، والتفهم المتبادل لتاريخ ومميزات كل حركة، ولا يعني ذلك طمس الخلافات أو عدم التعبير عنها علنا. وإنما المطلوب أن يكون الحوار رفاقيا بالرغم من ذلك. فإذا ترسخ الاقتناع لدى الجميع بأن عملية التغيير مسيرة طويلة ومعقدة، فإن العلاقة والعمل بين أحزاب اليسار يجب أن يركزا البرامج المشتركة وديمقراطية العلاقات وتركيز خلاصات كل تقدم للانتقال إلى وضع أحسن وتلافي القطيعة عند كل خلاف مباشر.
ومن هذا المنظور فإن نضالنا من أجل قضايا مرحلية أو ظرفية واقتراحاتنا في هذا الإطار، لا يجب النظر إليه بمعزل عن منظورنا البعيد المدى بل نؤسس له، وفي هذا السياق فإن منظورنا للاشتراكية على ضوء دروس التجارب السابقة يجب أن تتجاوز في نفس الآن منطق السوق الرأسمالي، ومنطق التوجيه القسري للاقتصاد حيث تقرر فيه الدولة كل شيء من فوق، وعلى عكس ذلك يجب أن تنبثق الاختيارات الاقتصادية من إرادة المجتمع وليس فقط حسب المصالح الاستراتيجية للدولة، ولهذا الغرض يستدعي الأمر القيام بالتخطيط الاستراتيجي تحت الإشراف والمراقبة المجتمعية وخلق الإطارات التي يمكن بواسطتها التطبيق الفعلي للاختيارات. بذلك ستجد الديمقراطية الاقتصادية سندا لها في تطوير الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، الملكية الجماعية التي لا تعني ملكية الدولة، سيكون التأميم شكلا من أشكال هذه الملكية الجماعية، وقد تتخذ أشكالا أخرى منها الشكل التعاوني.
وبشكل عام، فإن الدولة لا يمكن أن تكون وصية على المجتمع، وكما لا يمكن لأي حزب أن يكون وصيا عليه كذلك. إن الحزب السياسي وفي أحسن الأحوال يساهم في تنظيم المجتمع والتداول الديمقراطي على السلطة. أما الدولة فإن عليها مسؤولية تنظيم مسلسل الإنتاج والتوزيع. وهذا ما يضمن للمواطنين أن يعيشوا في شرطهم الإنساني سواء في إطار التوافق الذي يجمعهم أو في إطار ما يفرق بينهم. إن هذا المنحى لا يلغي الملكية الخاصة ودور القطاع الخاص الذي يساهم في التنمية، لكنه يطرح الأخذ بعين الاعتبار لهدفين ليس سهلا التوفيق بينهما : الاستجابة للمطالب المادية للمجتمع وذلك بالرفع من مردودية المقاولات من ناحية، ومن جانب آخر تنظيم الشغل بشكل أقل قساوة بالنسبة للعمال، نظرا للهيمنة العالمية للسوق الاقتصادية الليبرالية وانعكاساتها.
كما يطرح على الصعيد السياسي، من زاوية المنظور الاشتراكي، توسيع الحريات الديمقراطية وترسيخها وذلك بخلق أدوات الديمقراطية المباشرة التي ستسهل المشاركة الجماهيرية في الفعل السياسي بمختلف مستوياته، وكذا التوجيه الاقتصادي، وبصفة عامة وضع بنيات ووسائل عمل تسمح بوجود مجتمع تعددي لا ينفي حق المعارضين ويحترم الأقليات، والأشكال التنظيمية التي يفرزها المجتمع المدني للخلق والإبداع لترجمة مصالح جماعية تساهم في تنمية المجتمع.

v    اليسار في ظل العولمة وبوادر النهوض :
مما لا شك فيه وخلافا لبعض الأطروحات الإيديولوجية التي اعتبرت السيطرة الرأسمالية بعد انهيار جدار برلين نهاية للتاريخ فإن الواقع الحالي أثبت إفلاسها المدوي وأوجد احتمالات قوية لتطور أشكال متعددة للصراع الطبقي والاجتماعي، وتزايد المناهضين للرأسمالية في صيغتها المعولمة وتوجهها غير الإنساني. مما يوضح بجلاء سيرورة  وأهمية دور تجدد اليسار على الصعيد العالمي، من خلال ما يعرفه من مخاضات وإعادة التشكل، هذا فضلا عن أن حاضره ومستقبله أصبح أكثر راهنية من ذي قبل، لأنه التعبير السياسي عن القوى الاجتماعية النقيض للرأسمالية، كما يلزم التأكيد على تميزه عن الموجات الشعبوية، لأن اليسار  هو بالتعريف اشتراكي ولن يكون كذلك إلا إذا كان ديمقراطيا.
لذلك فإن تنسيق نضالات اليسار على الصعيد الأممي والجهوي والقاري وتوسيع علاقاته مع الحركات الديمقراطية المناهضة لليبرالية المتوحشة يفرض نفسه، وهذا يستدعي المزيد من الإبداع والتبلور والعمل في هذا الاتجاه. على هذا الأساس تزداد أهمية تطوير علاقات حزبنا مع القوى الديمقراطية والاشتراكية على الصعيد العالمي والانخراط بقوة في نضالات المنتدى الاجتماعي العالمي من أجل عولمة بديلة للتوجه الليبرالي المتوحش.

v    في الحاجة إلى تطوير تجربة التيارات :
دشن الحزب الاشتراكي الموحد انتظام التيارات في صفوفه كخطوة غير مسبوقة في التجارب الحزبية لترسيخ ثقافة القبول بالاختلاف، والنظر له كمصدر إغناء وقيمة مضافة ، ومن تجليات ذلك المبادرات التي قامت بها تيارات الحزب من خلال الاقتراحات التي بلورتها حول بعض القضايا المستجدة في الوضع السياسي، رغم بعض المعيقات التي تتطلب بدل المزيد من الجهود لتجاوزها ضمانا لتطور هذه التجربة.
- إن التبلور في تيار ليس حتمية قدرية ولا يمكنه أن يكون برغبة ذاتية في التميز، بل يجب أن يجسد حاجة وحقيقة موضوعية من حيث مقاربته ومترتباته العملية تنظيميا وسياسيا. كما أن التيار ، أي تيار، ليس ولا يمكن أن يكون حزبا داخل الحزب أو على هامشه ، بل قوة تطارحية اقتراحية ترمي إلى توجيه دفة الحزب أو التأثير في توجيهها من منطلق قوانينه التأسيسية المبدئية المؤطرة وآليات مشروعيته المؤسسية.
وتأسيسا على ما سبق، فإن هذا المنحى يحفز كل مناضل ومناضلة على الاحتكام لضميره وقناعاته وخبرته، وينمي لديه الحس النقدي وثقافة السؤال وهو يمارس اختياراته، وبالتالي انتظام الاختيارات والاصطفافات داخل الحزب على أسس سياسية فكرية برنامجية، عوض الاصطفافات العددية والولاءات الشخصانية والمصلحية.
لذلك فإن وحدة الحزب، تكمن في وحدة الإرادة النضالية والمنطلقات المبدئية والمرامي الاستراتجية. أما الاجتهادات في بلورة وتصريف هذه الإرادة والمنطلقات لبلوغ هذه المرامي فهي متعددة ويجب أن تكون متعددة لضمان ثراء الحياة الحزبية وخصوبة النقاش داخلها.
وانطلاقا مما سلف فإن قيادة الحزب هي التزام برنامجي وتدبير استراتيجي لشتى الموارد والإمكانيات والمعارك، وهي حضور ديناميكي تواصلي وإبداع تنسيقي وتعبوي. وبالتالي يفترض في القيادة أن تنصت لكل ما يعتمد داخل الحزب من آراء ومبادرات والتعاطي الإيجابي معها وليس العكس.

كما أن مساهمة الجميع في تطوير الحزب هي المساهمة في صنع القرار، وهي كل لا يتجزأ بدءا من آليات التداول والحسم، إلى الشراكة في التدبير الإداري والمالي والإعلامي وشفافيتهما. 

v    مهام تنظيمية عاجلة :
وعلى مستوى تطوير الأداة الحزبية انطلاقا من تقييم أدائها تطرح ضرورة :
- تمكين التنظيمات المحلية من الحق الكامل في إدارة شؤونها وتدبير برامجها والبث في الشؤون المرتبطة بمجتمعها المحلي بدءا من قضايا المعاش اليومي إلى قضايا المؤسسات المحلية، واكتفاء المركز بالتنسيق الأفقي والدعم اللوجيستيكي والبث التحكيمي والدور التعبوي فيما يعود للأجندة الوطنية والحرص على تتبع احترام الضوابط المؤسسية.
- كما أن تطوير الهيكلة الجهوية للحزب أصبحت تفرض نفسها بإلحاح بتمكين الهيئات الجهوية من أوسع نطاق لحرية المبادرة لتدبير القضايا المرتبطة بمجالها، وعدم استنزافها ببرامج مسقطة من فوق على عجل، مع وضوح الرؤية الحزبية التي تمكنها من استدماج القضايا الوطنية في برامجها الخاصة.
ـ إيلاء الاهتمام لقضايا الشباب وعلى الخصوص الحركة الطلابية والمسألة النسائية، ليس باعتبارها قضايا قطاعية، بل مسألة مركزية تهم الحزب برمته لإيجاد الأجوبة الناجعة للتقدم في هذا المجال الحيوي، وتوسيع نفوذ الحزب في هذه الأوساط.
- تطوير البنية الإدارية للحزب، وإيجاد حلول نضالية للمعضلة المالية وترشيد النفقات.
ـ تنظيم سنوي لجامعة ربيعية منفتحة على الطاقات الفكرية للتداول حول مختلف الانشغالات الحزبية، ومن شأنها أن تلعب دورا حيويا في تطوير البرامج الحزبية وتأهيل الأطر الحزبية.
ـ ونظرا لأهمية التواصل في عالم اليوم، تطرح الضرورة الملحة لاستئناف صدور الإعلام الحزبي، على قاعدة تقييم صريح للتجارب السابقة المرتجلة، وتمكينه من كافة الوسائل التي تضمن فاعليته واستمراريته.
كما أن تطوير الأداة الحزبية وإنجاز المهام المطروحة في ظل الوضعية التي حددنا أبرز سماتها يفرض علينا استنهاض كافة طاقاتنا الفعلية والكامنة في:
·        خلق مناخ فكري وسياسي صحي في علاقاتنا الرفاقية لتكون مبنية على الاختيارات والوضوح.

·        التحديد الدقيق والواقعي للمهام مع تحديد السقف الزمني الذي ينطلق من الإمكانيات الفعلية لإنجازها، وضبط علاقاتنا التنظيمية لتجاوز الارتجال والتسيب. وبالتالي يتلازم تحمل المسؤولية في هيئات الحزب المحلية والوطنية التقريرية والتنفيذية على أساس الكفاءة، والرصيد السياسي والفكري والممارسة الميدانية والتواصل الدائم مع محيط الحزب.

v    تحالفاتنا الإستراتيجية والمرحلية :
من نافلة القول أن التحالفات تتميز بما هو ثابت وما هو متغير، من منطلق الالتقاء حول الأهداف الإستراتيجية البعيدة المدى أو الالتقاء حول الأهداف المرحلية.
وبما أن المرحلة التي ما زالت تمر منها بلادنا مرتبطة في طبيعتها بإنجاز مهام بناء دولة الحق والقانون أي التحول إلى الديمقراطية، وانطلاقا من ذلك فإن تحالفاتنا الطبيعية هي القوى الوطنية الديمقراطية، ولا يجب أن تحجب عنا بعض الخلافات البينية التأكيد على الإمساك بهذه الحلقة كمعطى يفرض نفسه على الجميع لمواجهة القوى اللاديمقراطية والرجعية والمحاولات الأصولية بكافة أصنافها التي تتقاسم الأدوار لإرجاع بلادنا إلى الخلف.
وهذا يستدعي إعطاء الأهمية للمبادرات الميدانية محليا وجهويا ووطنيا، وفي هذا الإطار تتسع أو تضيق تقاطعاتنا البرنامجية مع حلفائنا وتكتسب صفتها الميدانية الضمنية أو الصريحة المهيكلة.
وفي صلب هذا التحالف العريض فإن الثابت هو العلاقات بين مكونات اليسار في أفق إعادة هيكلته لتجاوز واقع التشرذم، على ضوء التقدم في سيرورة إعادة التأسيس، لترتقي هذه المكونات بأدائها السياسي والنضالي وفق متطلبات المرحلة.
و في هذا الإطار، فإن تطوير " تحالف اليسار الديمقراطي" من مستواه الحالي كتحالف موسمي يشتغل أساسا في المحطات الانتخابية ، إلى مستوى تحالف سياسي ذي مرتكزات سياسية وبرنامجية وميدانية والوضوح والدراية بما تستلزمه المرحلة من مهام وحلول للقضايا المطروحة، يتطلب الكثير من الجهد، مع الانفتاح الإيجابي اتجاه باقي مكونات اليسار التي تبقى حليفا أساسيا لإنجاز إصلاحات وتأهيل بلادنا للدخول إلى مرحلة ديمقراطية حداثية حقيقية عبر إيجاد أرضيات للعمل المشترك وإيجاد شروط ملائمة مساعدة على ذلك.
وتشكل مبادرات العمل المشترك بين أحزاب اليسار في عدة جهات ومدن مغربية، خطوات في الاتجاه الصحيح تهم بالأساس قضايا الشأن المحلي والساكنة في مختلف الجبهات والتنسيق السياسي.
وتستند هذه المبادرات على أن ما يجمع هذه الأحزاب أكبر وأكثر مما يفرقها أو ما يوجد بينها من اختلافات في وجهة النظر والتقييم والتقدير، ومن شأن الربط بين العمل المشترك وفتح جسور التواصل ومنتديات الحوار المنفتحة على مناضلات ومناضلي اليسار أن يساعد على تقريب وجهات النظر وتطوير المبادرات النضالية الميدانية، وهذا يطرح على الجميع تطوير واغناء هذه المبادرات وتعميمها منهجيا في باقي المناطق.

ويؤكد الحزب الاشتراكي الموحد في هذا المجال مجددا على المبادرة السياسية التي أقرها المجلس الوطني في دورته السابعة من خلال تقديره لكافة سمات الوضع الوطني المتدهور وما يحبل به من أخطار على مستقبل النضال من أجل إقرار ديمقراطية سليمة بأبعادها السياسية والدستورية والاجتماعية والثقافية وما ينذر به من تراجع وتعقد لمسار النضال الديمقراطي …واستباقا لما تحمله المرحلة السياسية من أخطار على مجموع القوى الديمقراطية، دعوته إلى حوار سياسي منظم بين قوى اليسار المغربية من أجل الاتفاق على مبادئ وبرنامج وصيغة للعمل المشترك خلال المرحلة المقبلة لاستنهاض القوى الجماهيرية، ضمانا لانتقال فعلي للديمقراطية وإعادة شحنة الأمل في المشروع الديمقراطي المستجيب لتطلعات مختلف الطبقات والفئات الشعبية.   


v    على درب الأمل الصعب …
إن الطبيعة الانتقالية للمرحلة ، ومميزاتها المعقدة والصعبة ، والتي لم تسلم مجمل التنظيمات السياسية الفاعلة من تأثيراتها المربكة ، والانتظارات المحلية والجهوية والعالمية الضاغطة على بلادنا وما تحمله من تحديات. كل ذلك يفرض في المقام الأول من خلال انشغالات الحزب الاشتراكي الموحد وضع مستقبل المغرب في أولوية اهتماماته. من منطلق تعميق مقارباتنا النظرية والعملية بالجرأة اللازمة سواء عبر مساءلة الأسس الفكرية والسياسية والبرنامجية التي ارتبطت بفترة تاريخية تشرف على نهايتها، أو عبر اقتراح مقاربات جديدة وأساليب عمل جديدة لتؤطر فعلنا النضالي حاضرا ومستقبلا.
ومن هذه الزاوية ، موضع حزبنا وثيقته السياسية للمؤتمر الوطني الثالث في إطار سيرورة إعادة تأسيس اليسار المغربي، ليسترد مكانته ودوره المبادر ويستنهض كل قواه الفعلية والكامنة. إنه أمل يمكنه أن يتبلور ويحيى من قلب المعارك النضالية الجماعية لأحزاب وقوى اليسار مع انشغالات وطموحات المواطنات والمواطنين في شتى الميادين، في أفق تبلور كثلة جماهيرية ديمقراطية بمضمون حداثي من أجل مغرب الديمقراطية والحرية والعدالة.
 
07 أكتوبر 2010
الثورة الهادئة
التوقيعات :

حورية حمادة، السعدية فضلي، رحمة فرحات، فاطمة الزهراء لحمر، أسماء مفتاحي، ليلى الفونتي، حنان الأعكوك، نعيمة جهيدي، امحمد حدوشي، ميلود السايح، نوح العثماني، عمر الفاطني، فؤاد الطيبي، ابراهيم الماحي، اسماعيل زريوحي، وليد بلعيدي، عزيز الزوهري، سمير بوراص، أحمد العموري، عبد الهادي بلكورداس، محمد بولعيش، عبد السلام الشفشاوني، المهدي شوراق، محمد الوافي، محمد غندي، عبد المجيد غرس، عبد القادر حجاري، محمد الجماهري، محمد خالف، عبد الحفيظ اللياوي، مصطفى الرابحي، محمد سمير، أحمد السفناج، الحميد زفزاف، عزالدين تاستيفت، حسن أقرقاب، عبد الصمد واعزيز، عبد الله أشاوي، ابرهيم كزوزي.