الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

شعر: طَعَنُوا العُرُوبةَ في الظلام بخنجرٍ (*)


شعر:
طَعَنُوا العُرُوبةَ في الظلام بخنجرٍ  (*)
123058
شعر: نزار قباني
- 1 -
لا تَسأليني،
يا صديقةُ، مَنْ أنا؟
ما عُدْتُ أعرفُ
حينَ اكتُبُ -ما أُريدُرَحلتْ عباءَاتٌ غزَلتُ خُيُوطَهاوتَمَلمَلَت منّي
العُيُون السُودُلا الياسمينُ تجيئُني أخبارُهُأمَّا البَريدُفليسَ ثَمَّ بَريدُلم يَبقَ في نَجدٍ… مكانٌ للهوى
أو في الرَصَافَةِطائرٌ غِرِّيدُ

- 2 -
العَالَمُ العربيُّضَيَّعَ شعرَهُ… وشُعُورهُوالكاتبُ العربيُّبينَ حُرُوفِهِ… مَفْقُودُ!!

- 3 -
الشعرُ، في هذا الزمانِفَضِيحةٌوالحُبُّ، في هذا الزمانِشَهيدُ

- 4 -
ما زالّ للشِعر القديمِ
نضارةٌأما الجديدُفما هناكَ جديدُ!!لُغةٌ… بلا لُغةٍوجوقُ ضفادعٍوزوابعُ ورقيّةٌ
ورُعُودُ
هم يذبحونَ الشِعرَمثل دجاجةٍويُزّورونَوما هناكَ شهودُ!!

- 5 -
رحلَ المُغنون الكِبارُ
بشعرِنانفي الفرزدقُ من عشيرتهِ
وفرَّ لبيدُ!!

- 6 -
هل أصبحَ المنفى
بديلَ بيُوتنا؟
وهل الحمامُ، مع الرحيلِسعيدُ؟؟

- 7 -
الشعرُ… في المنفى الجميلِتحرّرٌوالشِعرُ في الوطنِ الأصيلِقيودُ!!…

- 8 -
هل لندنٌللشعرِ، آخرُ خيمةٍ؟
هل ليلُ باريسٍومدريدٍوبرلينٍولُوزانٍيبدّدُ وحشتي؟
فتفيضُ من جسدي
الجداولُوالقصائدُوالورودُ؟؟

- 9 -
لا تسألينييا صديقةُ: أين تبتدئ الدموعُوأين يبتدئ النشيدُ؟
أنا مركبٌ سكرانُيُقلعُ دونَ أشرعةٍ
ويُبحرُ دون بُوصلةٍويدخُلُ في بحار الله مُنتحراًويجهلُ ما أرادَ… وما يريدُ

- 10 -
لا تسأليني عن مخازي أُمتي
ما عدتُ أعرفُ - حين أغضبُ -ما أُريدُوإذا السيوفَ تكسرت أنصالُها
فشجاعةُ الكلماتِ… ليس تُفيدُ
- 11 -
لا تسألينيمن هو المأمونُ… والمنصورُ؟
أو من كان مروانٌ؟
ومن كانَ الرشيدُ؟
أيامَ كان السيفُ مرفوعاًوكان الرأسُ مرفوعاًوصوتُ الله مسموعاًوكانت تملأ الدنياالكتائبُ… والبنودُواليومَ، تختـــجلُ العروبة من عروبتناوتختجلُ الرجولةُ من رجولتناويختجلُ التهافتُ من تهافتناويلعننا هشامٌ… والوليدُ
!
- 12 -
لا تسألينيمرةً أخرى… عن التاريخفهو إشاعةُ عربيةٌوقصاصةٌ صحفيةٌوروايةٌ عبثيةلا تسألي، إن السّؤَالَ مذلةٌوكذا الجوابُ مذلةٌنحنُ انقرضنامثل أسماكِ بلا رأسٍوما انقرضَ اليهودُ!!

- 13 -
أنا من بلادٍكالطحينِ تناثرَتمِزَقاًفلا ربٌّ… ولا توحيدُتغزو القبائلُ بعضها بشهيةٍ
كبرىوتفترسُ الحُدودَ… حدودُ!!

- 14 -
أنا من بلادٍنكّست راياتهافكتابُها التوراةُ… والتلمودُ

- 15 -
هل في أقاليم العروبةٍ كُلّهارجلٌ سَوِيُّ العقلِيجرؤ أن يقول: أنا سعيدُ؟؟

- 16 –
لا تسأليني من أنا؟
أنا ذلك الهِنديقد سرقوا مزارعهُوقد سرقوا ثقافتهوقد سرقوا حضارتهُفلا بقيت عظامٌ منهُأو بقِيت جُلودُ!!…

- 17 -
أنيابُ أمريكا
تغوصُ بلحمِناوالحِسُّ في أعماقنا مفقودُ

- 18 -
نتقبلُ (الفيتو…)
ونلثمُ كفَّهاومتى يثورُ على السياطِ عبيدُ؟؟

- 19 -
والآن جاؤوا من وراء البحرِحتى يشربُوا بترولناويبدّدوا أموالناويُلوّثوا أفكارناويُصدِّروا عُهراً إلى أولادناوكأننا عربٌ هنودُ!!

- 20 -
لا تسأليني. فالسؤالُ إهانةٌ.نيران إسرائيل تحرقُ أهلناوبلادنا… وتُراثنا الباقيونحنُ جليدُ!! 

- 21 -
لا تسأليني، يا صديقةُ، ما أرى.فالليلُ أعمىوالصباحُ بعيدُطعنوا العروبةَ في الظلام بخنجرٍ
فإذا هُمُ… بين اليهودِ يهودُ !!
ـــــــــــــــ
لندن 1 نيسان (ابريل)  1997
ــــــــــــــــــــــــــــ
(*) قصيدة من آخر ما كتب نزار قباني