الأحد، 10 يناير 2010

أزمة رياضة أم أزمة إرادة ؟ تداعيات على هامش الإخفاق الكروي


أزمة رياضة أم أزمة إرادة ؟
تداعيات على هامش الإخفاق الكروي 
  
مصطفى تيدار (*)   
إن فشلنا في التأهل لكأس إفريقيا ولكأس العالم للمرة الرابعة دفعنا إلى تأبين الكرة المغربية ومن خلالها جميع الرياضات وحملها إلى مثواها الأخير. بالمناسبة خطرت لدينا مجموعة من الأسئلة والخواطر:
ـ كيف؟ لمادا؟ متى؟… وما هي الأسباب وراء هذا الإخفاق الرياضي العام؟  أليست اللحظة وقتا للتفكير الجاد وللنقد البناء من أجل بلورة تصور جديد للرياضة المغربية؟
  بالرجوع إلى التاريخ الرياضي، بالمعنى العام، نلاحظ أنها  وجدت منذ منتصف العشرية الأولى للقرن الماضي، وعلى نطاق محدود بالطبع،  فانتشار الأنشطة الرياضية ببلادنا كان بفضل الدعاية التي قام بها المعمر.
فمنذ أواسط الثلاثينات من القرن الماضي برزت عدة أسماء مغربية منها: بن مبارك ـ  الشتوكي ـ  عبد السلام ـ  ملاكا… وتمكن الرياضيون من إبراز ذواتهم بقوة وفنية أبهرت الجميع، وبذلك أصبحت الرياضة منضوية في الحركة الوطنية، وبسبب هذا تعرض الرياضيون لمضايقات شديدة. وفي شروط بالغة القسوة بين المنع والترخيص المقنن تمكنت بعض الفرق تنظيم وتكوين بطولة تجمع بين فرق البيضاء ـ الرباط ـ فاس ـ  مراكش ـ  والجميل في هذه المرحلة أن الرياضة كانت وطنية، همها الوحيد الدفاع عن الوطن، وتوفير إمكانيات الاتصال بكل شرائح الشعب المغربي وبأقطاب الحركة  الوطنية في ذلك الوقت،  فماذا عن المشروع الرياضي الحالي؟
 يبدو أن الرياضة الوطنية اليوم تجتاز أزمة متعلقة بوجودها وقدرتها على الاستمرار كنشاط متقدم ومتطور وخلاق.
الآن ما نؤكد عليه هو أن جذور هذه الأزمة في خطها الممارساتي والفكري تكمن في نهج الجامعات الوطنية طوال هذه المرحلة. فما عزوف الجماهير وفشلها في استرجاعها(أي الجامعات) والإخفاقات التي أصبحت تحصدها  إلا نتيجة هذه الأزمة، بالإضافة إلى أسلوب العمل والتنظيم وأيضا بأزمة منهجية وإستراتيجية، إنها بالأحرى في هذا  كله.
أما على الصعيد الرياضي أو الممارسة فقد انهارت منظومة الرياضة بفعل الاستنساخ الذي قامت عليه، ولم تتمكن من مجابهة التغيرات العميقة التي عرفها المجتمع المغربي منذ منتصف الثمانينات، حيث تم تهميش الرياضة المدرسية، وبطولة الأحياء والعصب …الخ. أصبحت الإرادوية هنا مربوطة لدى البعض بتصور آني هو تشكيل  فرق وأندية للدخول في المنافسات وللحصول على الامتيازات.
كل هذه الأوهام  وغيرها، فبقدر ما ألهمت خيال عدد كبير في فترات "الازدهار"،  بقدر ما عطلت قدرتهم في مجال معرفة واقع الرياضة التي يشرفون على تسييرها،  من أجل العمل على فهمها وتطويرها.  
 إن مظاهر أزمة الرياضة تتفاعل فيها مستويات مختلفة؛ بنية تنظيمية بيروقراطية مركزية لا ديمقراطية، وتأرجحات مستمرة، وقرارات رياضية خاطئة، الأمر الذي يكوّن في مجموعه صورة قاتمة عن مستقبل الرياضة.
إن مجموع التناقضات الداخلية والخارجية ترجح أن الجامعات كانت دون وعي بهدفها أو عاجزة عن تسطيره وتحقيقه، أو تقف موقف المندهش أو المراهن؟
إن نقطة الانطلاق هذه تضمنت القول مبدئيا أن الجامعات عاجزة عن قيادة أي إصلاح جذري، وأنها تتخبط في أزمة عقم، كما أنها تمنع كل إمكانيات للتواصل الموضوعي…الأمر الذي لم يشجع على إدارة النقاش وفتح باب التطور وتنوير الرأي العام الرياضي،  بالإضافة إلى التهميش والإقصاء في حق مختلف الكفاءات، والاستغناء عن أطر مغربية شابة ومتخصصة ومؤهلة علميا، والقادرة على قيادة التغيير والإصلاح.
 فهل يرجع هذا إلى العقلية المتحجرة المناهضة لكل جديد؟ أم هناك ملابسات أخرى؟ أين هو الميثاق الرياضي لسنة  1986 الذي كان يحمل تصورا للتغيير والإصلاح؟  وما سر إقباره؟
فيما الرسالة الملكية الأخيرة  الموجهة إلي المشاركين في المناظرة الوطنية للرياضة المنعقدة بالصخيرات في 24 أكتوبر 2008 عرت عن كل التناقضات  والمشاكل التي تعيشها الرياضة المغربية، ودعت إلى خلق لجنة وطنية من أجل البحت عن البدائل.
 فإذا كان كل ما سبق يشكل أهم الشروط والعوامل التي حكمت على رياضتنا بالإخفاق، فإنه ينبغي  التأكيد على أن المرحلة من أشد المراحل تعقيدا وأكثرها التباسا، فقد تحتوي حججا وميولات  إصلاحية، ومن جهة ثانية مظاهر واتجاهات عميقة على نفس الأصعدة. وباستحضارنا  لكل الظواهر المتناقضة والدالة على الازدواج في سمات  الوضع الرياضي،  نستطيع أن نعي الشروط العينية التي كانت وراء ظاهرة الأزمة التي عرفتها رياضتنا، والتي  فاقهما ضعف الخبرة التنظيمية، وضعف الالتزام العملي والنظري والفكري الذي قامت على أساسه جل الجامعات.
 في نفس السياق وعلى نفس الأسس يجب أن نعمل  وأن نتبع توجها رياضيا يقوم على النهج الواقعي، وننطلق من أن التطلع الاستراتيجي بكل ما يعنيه من استعدادات لا متناهية للعمل والتضحية لا يكفيان وحدهما للفعل في الواقع وتغييره، بل ينبغي بالإضافة إلى ذلك  مراعاة الشروط الخاصة  للعمل والاستعدادات في المرحلة  والظرف. كما يجب أن نستفيد من الاندفاع الإرادي الجامع، وعدم الأخذ بطفرة الحماس الجاري وحده، إما أن يؤدي ذلك إلى النهوض برياضتنا وتطويرها، أو نعود إلى انتكاسة أخرى ونبعدها عن كل تقدم وتنظيم.  
إن الإصلاح الرياضي بهذا التوجه ليس إصلاحا مبتذلا، ومما لا جدال فيه  أن الإصلاح سيعمل على تحريرها من الطفيليات العالقة بها وعقلتنها، والاعتراف لها بمكانتها التي تستحقها في المجتمع. إنه إصلاح يستنهض روافع ضخمة حكم عليها بالركود والاعتزال، بينما هي قادرة على أن تستأصل  مواطن الضعف والتأخر العميقة في رياضتنا، وتؤسس لعلاقة حداثية وممارسة يومية، تدفع إلى التقدم وترتقي عبره وتترسخ.  
 إن العمل بهذا المنظور مقياس أساسي لدرجة استيعاب الواقع الرياضي وتناقضاته ومقياس أساسي لمصداقية القناعات الإصلاحية وتحديد لدرجة الاستعداد والانخراط فيه. وهو بالإضافة لكل  ذلك طريق للتفاعل والتقارب وتذويب الخلافات والتناقضات غير الموضوعية، وهذا يفرض على جل الأطر الرياضية المزيد من الارتقاء إلى فهم خصوصيات الرياضة، ولتتحمل هذه الأطر مسؤوليتها على الوجه المطلوب، إنها مدعوة إلى تكتيل جهود مختلف مكوناتها (التخصصات) وإلى الارتفاع عن تحميل مجمل الإخفاقات للمسيرين والممارسين،  والتصدي مقابل ذلك إلى توفير شروط تنمية الإصلاح بناءا على مصارحة النفس بأخطاء الحاضر، وعلى الجرأة العلمية في تجاوزها، وبالتالي فلن يتحقق المبتغى إلا نتيجة لصمودها ونضجها الرياضي و الفكري.                             
                             يتبع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) أستاذ التربية البدنية وفاعل رياضي وجمعوي