الجمعة، 5 فبراير 2010

من أجل استنبات ثقافة الاعتراف ضدا عن ثقافة النسيان مقاومة أيت عطا للاحتلال الفرنسي نموذجا


من أجل استنبات ثقافة الاعتراف ضدا عن ثقافة النسيان

 مقاومة أيت عطا للاحتلال الفرنسي نموذجا 

ذ. حسن العمراوي (*)
يعتبر موضوع حرب التحرير الشعبية التي قادها فلاحون ورعاة وناس بسطاء من الهامش المغربي / القارة المطمورة خلال النصف الأول من القرن الماضي ضد الاحتلال الأجنبي للبلاد من بين المواضيع التي لم تنل حضها من البحث والتنقيب والتأريخ(؟؟)حيث ظلت في اللامفكر فيه، شأنها شأن الإنسان الذي قادها والذي ظل خارج اهتمام المركز.
فاستغرافية الفترة المذكورة لم تذكر الثوار إلا بنصف الكلمات، بل تعمدت غض الطرف عن بطولاتهم، وتلك لازمة نجدها في معظم الحوليات التاريخية كلما تعلق الأمر بالفئات الشعبية، باعتبارهم رعاع أو أوباش أو موقدي الفتنة أو رؤوس الضلالة …(؟؟؟) أما الكتابات التاريخية الكولنيالية ورغم أهميتها في الإطلالة التاريخية على الهوامش المغربية، إلا أن خلفيتها الاستعمارية تبقى واضحة، حيث ظلت أمينة لإطارها النظري، وهو أن المغرب كان يعيش الفوضى التاريخية، مما يفرض إنقاذه عبر رسالة الرجل الأبيض/ وتمدينه وتحضره…عبر الحماية.
أما الكتابات المخزنية، فلم تقل قساوة عن الحوليات التاريخية، حيث كانت تنظر للهوامش الثائرة على أنها بلاد سيبة / خارجة عن الطاعة والإجماع… يكفي أن أشير إلى رسالة سلطانية مؤرخة بتاريخ 16 يونيو 1914من طرف المخزن العزيزي، إلى ولاته وقواده وبشواته… بعد هزم ثوار الأطلس المتوسط بزعامة موحى اوحمو الزياني(خنيفرة )، جاء فيها "… وبعد غير خفي - كذا- عنكم ما كانت عليه الأحوال بتازة وخنيفرة من اضطرابات وإثارة الفتن منذ زمان وأحقاب، حتى صارتا مركزية لمأوى الفساد والثوار.. ولما تمادوا على فعلهم الذميم أصدرنا أوامرنا الشريفة بالانتقام منهم وردهم للصلاح والاستقامة … وأعلمناكم لتأخذوا حظكم من الفرح على جمع كلمة المسلمين على الصلالالالالالالالالالالالالالاح…".
وكان ذلك طبيعيا مادام أن المخزن كان ينظر إلى الثوار على أنهم فساد موثِـرون للأحقاد والفتن، خارجين عن الإجماع / بلاد السيبة ومادامت معاهدة الحماية (30 مارس 1912 ) نصت صراحة في الفصل الثاني على ما يلي: "جلالة السلطان يساعد من الآن على الاحتلالات العسكرية بالإيالة المغربية التي تراها الدولة واجبة لاستتباب الأمن والسكينة والتأمين على المعاملات التجارية".
كل هذا يطرح عدة صعوبات موضوعية ومنهجية في التعامل التاريخي مع الثورات الشعبية. مما يفرض على الباحث اخذ الحيطة والحذر من المكتوب، الذي يبقى في معظمه يتحامل بلا هوادة على ثورات حرب التحرير الشعبية، ولا يذكر الثوار إلا بنصف الكلمات، وما يزيد الأمر تعقيدا أن معظم الثورات لم تترك لنا أرشيفا مصدريا للتأريخ لها. مما يفرض على الباحثين المنصفين والمنحازين للامفكر فيه و الهوامش المنسية الانكباب على البحث والتأريخ، حماية لذاكرة تاريخية نضالية من الضياع، ورأسمال رمزي من السرقة(؟؟؟) من طرف تجار السياسة ومن مناضلي الأشواط الأخيرة… ولا ادعي في هذه المقالة المتواضعة القيام ببحث تاريخي للثورات الشعبية في الهامش المغربي، بل فقط سأحاول أن أسلط الضوء على تجربة ثورية مسلحة في الجنوب الشرقي المغربي لم تنل - في اعتقادي- ما يكفي من البحث التاريخي.
إنها ثورة أيت عطا بمنطقة بوكافر ( المعقل التاريخ لكونفدرالية قبائل أيت عطا ) ضد الاحتلال الفرنسي، فالقبائل العطاوية تاريخيا تعد معقلا منيعا ضد الغزاة، وهذا ما يفرض على البحث الانتروبولوجي/ الثقافي للكشف عن تعبيرات ثقافة المقاومة لدى هاته القبائل، سواء على مستوى ألوان الأزياء أو شكل المعمار أو الفلكلور…
مما اكسبها نسقا ثقافيا مقاوما/ ممانعا/ ومحاربا، استثمر للتصدي للغازي قديما وحديثا، كانت تعد( بلاد سيبة خارجة عن سلطة المركز) لم تنتظر القبائل العطاوية قدوم الاستعمار الفرنسي لمجالها للمبادرة بحمل السلاح، بل كانت السباقة إلى الهجوم والتصدي لزحفه على الجنوب الشرقي من البلاد انطلاقا من الجزائر التي احتلت منذ 1830.
بعد احتلال تافلالت 1918 بدأت القبائل العطاوية تشعر بتطويق الخناق عليها واقتراب المحتل من معقلها التاريخي، مما دفعها إلى التصدي له وعرقلة مخططاته، بل إلحاق هزائم متتالية بقواته، مما دفع بالقوات الفرنسية إلى التراجع التكتيكي والعمل على استمالة الزعامات القبيلة وتأجيج الصراعات القبلية حول المجال والماء والكلأ..
إلا أن تلك السياسة الدنيئة لم تفلح خاصة أمام تصدي القبائل الأمازيغية، العطاوية لكل الخونة المتعاملين مع الاستعمار و على رأسهم الكلاوي
وهكذا وبعد إحكام الطوق على منطقة تافيلالت ودرعة، تفرغت القوات الغازية لتطويق معقل ثوار جبال صاغرو المنيعة، حيث استنفرت القوات الفرنسية كل قواتها وجنرالاتها وضباطها والكوم والمرتزقة… بل أكثر من كل هذا وذاك عبأت44 طائرة حربية من مطار وارزازات(؟؟؟) كل ذلك لمواجهة ثوار بسطاء ( لم يكن عدد الثوار يتعدى الألف) شبه حفاة عراة إلا من إيمانهم بعدالة قضيتهم ودفاعهم المستميت عن شرفهم وكرامتهم وحريتهم واستغلالهم لوعورة تضاريسهم المنيعة، التي يتجاوز ارتفاعها في بعض النقط 2712م،  وهكذا وبعد تجميع الفرنسيين لقواتهم وإحكام الطوق على معقل الثوار بادروا إلى الهجوم (سنة 1933 فبراير) المكثف لإحداث الصدمة، وتحقيق الهزيمة بأقل كلفة، لكن إرادة الثوار الأشاوس كانت أكبر من أن تستسلم أو تهاون، وهذا ما حدا بالطبيب العسكري جون فيال إلى القول: " المقاومون يدافعون بطاقاتهم الأخيرة مختبئين وراء الصخور في كهوفهم حيث لا تظهر إلا فوهة بنادقهم، يطلقون النار بدون انقطاع يحصدون خلالها جنودنا ". وأمام عرقلة تقدم القوات الفرنسية وفشل المخططات المرسومة وتساقط قواتها وقادتها (الجنرال بورنازيل الذي كان له تمثال ببلدة بومالن دادس حتى بعيد الاستقلال!) بادرت إلى شن حرب الأراضي المحروقة ابتداء من 28 فبراير من سنة 1933 عبر الهجوم المكثف بالطائرات والمدفعية وتطويق عسكري واقتصادي وقنبلة مصادر المياه وتدمير مواقع الماشية وتفخيخ الدواب وتسميم الأغذية… إنها جريمة نكراء بامتياز حيث لم تحترم الحد الأدنى من أخلاق الحرب إن كان للحر ب أصلا أخلاق… أمام هذه الجريمة وأمام النزعة العدوانية الإجرامية للجيش الفرنسي، وأمام التقتيل الممنهج للأطفال والنساء والشيوخ العزل، وأمام اللاتوازن العسكري، حيث تجاوزت القوات الفرنسية 80 ألف مقاتل مقابل بضع مئات من الثوار، أصبح القتال أمام هدا الوضع انتحارا جماعيا مقاتلين وعزل مدنيين فأثر قائد الثورة عسووووو اوبسلالالالالام الاستسلام وقفا لإراقة الدم وانقاد حياة ما تبقى من النساء والأطفال والشيوخ، فتم التوقيع على اتفاقية تضمنت عدة بنود منها ( عرفت بشروط الأمان): 

عسو أوبسلام (1890/1960) من زعماء مقاومة الاحتلال بأيت عطا
- عدم نزح أسلحة الثوار.
- إبعاد سلطة الخائن الكلاوي من مجالهم العطاوي.
- عدم تشغيل السكان في أعمال السخرة ولا توظيف النساء العطاويات في الحفلات الرسمية…
إنه استسلام حقيقة مشرف بشهادة الفرنسيين، حيث وصفها الجنرال هوري بأنها سخية جدا ويستحقها أيت عطا.
إن اسطورة أيت عطا خلال فبراير / مارس 1933 في الصمود والنضال والاستماتة في الدفاع عن الحرية والكرامة هو في حقيقته انتصار للفلاحين والرعاة والبسطاء وكل الثوار، ورأسمال رمزي لكل القوى التواقة للحرية والتحرر.
على سبيل الخلاصة:
- إن التأريخ لحرب التحرير الشعبية ضد الاحتلال الأجنبي يعد واجبا أخلاقيا وعلميا ونضاليا لدى الباحثين والمؤرخين حتى نحمي ذاكرتنا النضالية من السرقة والطمس والابتذال.
- أمام تنامي الحركات الاحتجاجية خاصة في المغرب العميق/ الهوامش يفرض الانكباب على دراسة هذا المجال في كل أبعاده.
- إعادة كتابة التاريخ المغربي والاستفادة من الثورات الابستيمية في حقل التاريخ
- توسيع دائرة الوثيقة التاريخية / والمصادر الدفينة.
- الانكباب على توثيق الذاكرة الجماعية من رواية شفهية/ شعر غنائي/ بل حتى الأسطورة /والأمثال شعبية… ولما لا إحداث مركز وطني لذلك
- رد الاعتبار لقيم المقاومة والممانعة وثقافة الاعتراف عبر إنصاف هذا المجال / الهامش إنسانا ومجالا و ذاكرة وثقافة…
ـ تنسيق الجهود بين الفعاليات المدنية الحية لفضح جرائم الاحتلال الأجنبي بالبلاد، والضغط المدني لاعتراف الفرنسيين والأسبان بجرائمهم، والاعتذار للشعب المغربي عنها وتعويض الضحايا عبر برامج تنموية حقيقية.
- المبادرة بإطلاق أسماء الثوار الأبطال في حرب التحرير الشعبية ضد الاحتلال على أسماء الشوارع والمؤسسات التعليمية والصحية استنباتا لثقافة الاعتراف.
- إحداث مصالحة وطنية حقيقة عبر الاعتراف للمقاومة الشعبية بما قدمته من تضحيات من أجل مغرب حر ومتحرر، وإنصاف المقاومين الحقيقيين،  وليس تجار السياسة الذين سرقوا رأسمالا رمزيا نضاليا لم يصنعوه في واقع الأمر…
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) أستاذ الاجتماعيات بالثانوي التأهيلي