الأحد، 2 يناير 2011

تنامي مقلق لظاهرة التسول بأزقة المدينة وعدد من مدارات شوارعها


تنامي مقلق لظاهرة التسول بأزقة المدينة وعدد من مدارات شوارعها
يقسم بعض الباحثين الاجتماعيين التسول إلى قسمين اثنين: تسول اضطراري ويتعلق بالأشخاص الذين اضطرتهم الظروف المعيشية والصحية إلى مد اليد طلبا للمساعدة، وتسول احترافي، ويتعلق بأولئك الأشخاص الذي وجدوا في مد اليد طريقة سهلة للكسب، وهذا الصنف الأخير من المتسولين يجب ردعه ومحاربته في أطار القانون…
سلا: عبد الإله عسول
أصبح منظر المتسولين والمعتوهين أمرا مألوفا في العديد من أحياء مدينة سلا، خصوصا بمدارات الشوارع وبالمقاهي، بالمدينة العتيقة، أمام المساجد وبحافلات النقل الحضري… كل يختار طريقته في التسول.. مسنون بلباس رث، يتأبطون عصيا، نساء يرافقهن أطفال صغار، يمتهنون التسول عبر الاستجداء تارة وعبر إبراز العاهات والإعاقات تارة أخرى..
منهم من أصبح محتلا بكراسيه المتحركة مدارات بعينها غير مكترث بحركة وسائل النقل التي تمر بمحاذاته، حيث يستغل توقف هذه الأخيرة لاستدرار عطف السائقين بشكل مباشر أو بإرغامهم على شراء علب "كلينكس "أحيانا كثيرة..
متسولة معاقة مع طفل
ظاهرة التسول أخذت تتسع، دون أن ينفع في الحد منها تدخلات الدوريات الأمنية التي تضطر لإبعادهم عن الأماكن العامة وإطلاقهم في غياب بنيات للاستقبال خاصة بهذه الشريحة كالمراكز الاجتماعية والخيريات..
شارع الخطابي، ابن الهيثم، مدار حي السلام، قرب كارفور، نقط من بين أخرى  تعرف حركة دؤوبة لمثل هذه الجماعات المتسولة، التي تستغل أطفالا صغارا، حيث يبدوا لأول وهلة أن أعضاءها منظمون ويعرف بعضهم بعضا، يوزعون الأدوار فيما بينهم وأوقات العمل حتى، وسيلتهم في التسول "علب كلينكس"، وهدفهم واحد "البحث عن سائق سيارة لشراء علبة أو قصد الحصول على الصدقة.."
تسول بمدارات الطرق
نوع آخر من المتسولين هذه المرة من صنف المعتوهين الذين يتوهون في الشوارع  بلباس شبه عاري، وأجساد تعتليها طبقات من الوسخ، يرشفون دخان أعقاب السجائر، ويستدرون عطف زبناء المقاهي والمارة، من أجل شراء "الكارو"، أو الخبز والسردين، فيما البعض الآخر منهم يدمن على المخدرات مثل الحشيش والقرقوبي، وهو ما يظهر بجلاء في سحنات وجوههم وطريقة استجدائهم التي تتميز بالملامح الحادة والصوت المرتفع الغاضب…
متسول في المدينة العتيقة
الظاهرة كما سبق وذكرنا في اتساع مستمر، وأكيد أن هناك من يحترف هذه الوسيلة ولا يعدم في أن يلقى الوسائل في ذلك، فالكل متوفر، الظروف المزرية من فقر، جهل، يد عاملة من مختلف الأعمار ذكورا وإناث بدون شغل، أصحاب العاهات، إضافة للمجال المفتوح ، وما تذره هذه الوسيلة من أموال على محترفيها، فهل هناك جهود تبذل بالمدينة للحد منها؟
تجارب محدودة محليا لبعض الجمعيات حاولت الانخراط في مشاريع لمحاربة التسول، أغلبها تعثر ولم ينجح..
 فرع الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، خاض تجربة في الموضوع مابين سنوات 2005و2007، بشراكة مع وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن، في إطار المشروع الوطني لمحاربة التسول، حيث كان البرنامج يهدف إلى الحد من هذه الظاهرة، عبر دعم الأشخاص الذين يمارسون التسول بمبالغ مالية مابين 4000 إلى 6000درهم والمواكبة لخلق مشاريع مدرة للدخل..
وقد استفاد الفرع من هذا المشروع باحتضان 7 حالات، لكن حسب مصدر من الجمعية، فقد كانت النتائج غير مشجعة، فبالرغم من كون الفكرة والمشروع مبادرة محمودة إلا أن الأمر كان يحتاج إلى الإعداد والدراسات القبلية، فجل الجمعيات المشاركة لم تتلق أي تكوين حول كيفية المتابعة وطرق الاشتغال مع هذه الفئة، وبالتالي كانت هناك صعوبات عديدة. كما أن الفئات المستهدفة من هذا المشروع، كانت تنقصها حاجيات أخرى، وهي حساسة، كالحالة الصحية، السكن، الخدمات الأساسية، فأغلبيتهم أميين، بالتالي ففكرة إنجاز مشروع مذر للدخل، لم يكن من السهل استيعابها..
وعلى العموم فقد نجحت التجربة مع حالتين استمرتا في مشاريعهما بالنظر لتجربتهم القبلية في تدبير المشاريع الصغرى عكس الحالات الخمس التي كانت تفتقر للتجربة والإرادة والقدرة على تسيير المشروع.."
تجربة مهمة لجمعية الإخلاص للأطفال والأشخاص المعاقين بسلا الجديدة..
في زيارة قمنا بها  "لمقر جمعية الإخلاص بسلا الجديدة، عاينا حالة سيدة في وضعية صعبة تمت إحالتها على الجمعية من طرف المساعدة الاجتماعية العاملة بمندوبية الصحة.
يتعلق الأمر بأم في 59 من عمرها، ضعيفة البنية والبصر، كانت  تسرد تفاصيل معاناتها ممزوجة بدموع تخفي وراءها مرارة قاسية أرغمها على تجرعها ضيق الحال، حيث الزوج مصاب بمرض مزمن أدى إلى إعاقته، والبنت الوحيدة التي تعيش معها هي أيضا معاقة ولها ابن عمره سنة..
الأم أصبحت أمام هذا الوضع بمثابة "فكاك لوحايل "كما نقول في دارجتنا..
مسؤولة الجمعية التي كانت تنصت بإمعان للأم، وعدت بتنظيم زيارة ميدانية لمحل سكناها بدوار الشيخ لمفضل، بمساعدتها في علاج أعينها وأسنانها، ورعاية الرضيع، بالإضافة للبحث عن أشكال أخرى لدعمها فيما يخص الدواء والملابس…
كانت هذه نموذجا صغيرا من الحالات العديدة التي تفد بالمئات على الجمعية، من معاقين، متسولين، فقراء، والذين تقوم الجمعية بمساعدتهم حسب ماهو متاح من إمكانيات… فالظاهرة تصلح عليها المقولة الفرنسية -"ça s’arrête pas - ..
رئيسة الجمعية (خديجة-أ) والتي تراكم عددا من التجارب، تحدثت بإسهاب عن عمل جمعيتها وقالت "إنني لا أفضل تسمية "محاربة التسول "فلسنا أمام حرب، بل ظاهرة اجتماعية معقدة، تحتاج إلى تعاون جميع القطاعات الحكومية وأفراد المجتمع، مثل الصحة، التعليم، الجماعات المحلية، الأمن، الأسرة والتضامن، والمجتمع المدني… وتوفير العدد الكافي من مرافق المواكبة الاجتماعية والدعم اللازم.. فثقافتنا وهويتنا قمينة بإعمال قيمة التكافل.. مما سيضمن الحفاظ على الكرامة للكل.."
من جهة أخرى فقد انخرطت جمعية الإخلاص التي تأسست سنة 2003وتملك فرعا لها بمدينة كلميم وتعد لتأسيس آخر بورزازات، انخرطت في عدد من المشاريع التي تهتم بموضوع "الإدماج السوسيو اقتصادي للمتسولين "من خلال برنامج القرب الذي كانت قد أعلنت عنه وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن سنة 2005، باحتضان الجمعية ل7مشاريع تهم 7أسر في وضعية صعبة، اشترطت الجمعية لاستفادتهم وجود معاق، إضافة للظروف الصعبة.
كما خاضت رئيسة الجمعية والتي هي إطار تابع للتعاون الوطني، تجربة إشرافها على - الوحدة المتنقلة للمساعدة الاجتماعية- سنة 2007 بولاية الرباط، حيث بدأت هذه التجربة بتأطير دورة تكوينية لفائدة فئة مستهدفة من رجال الأمن والقوات المساعدة همت موضوع " كيفية التواصل والتعامل مع المتسولين والمشردين"، قبل أن تخوض هذه التجربة ميدانيا في مدينة الرباط، بعدد من النقط والأماكن المعروفة بتوافد هذه الشريحة مثل محطة القامرة، سويقة باب الأحد، البيتات غابة السويسي..
وقالت نفس المتحدثة "إنه قد تبين لها خلال التجربة أن أفراد هذه الفئة من المواطنين من ذوي الحاجة ينقسمون إلى مجموعات منها من لها طابع اجتماعي، مثل من يأتي لمستشفى ابن سينا للعلاج وتتقطع بها السبل، ومن يتسول لشراء الدواء، والمرضى النفسانيون الذين يتيهون عن مقر سكناهم، والمتخلى عنهم.. كما سجلت رصدها للعديد من النساء الوافدات من مدينة سلا لإمتها التسول، وهن في الغالب أمهات عازبات، أو في وضعية صعبة يقمن بهذه المهمة باستعمال وكراء أطفال.. ويكن مدفوعات في الغالب من جهات محترفة تستغل هذه الفئة وخصوصا من ذوي الحاجات الخاصة."
وأضاف المصدر نفسه" أنه في الغالب ما يتم نقل العديد من المتسولين إلى خيرية عين عتيق، أو المنظمة العلوية للمكفوفين، وهناك من يتم إرجاعه بتعاون مع أصحاب حافلات النقل العمومي والأمن إلى مدنهم الأصلية "
ولم يفت رئيسة الجمعية التطرق لتجربة أخرى "في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي انخرطت فيها الجمعية سنة 2007 ب7 مشاريع منها 5 تسير بشكل ايجابي، حيث أن هناك من تم إدماجه وفتح محلا تجاريا، للخياطة أو لإعداد الحلوى والفطائر، بل أن منهم من أدمج معه أشخاصا آخرين.."
وتقوم الجمعية كذلك بخدمات أخرى وجب ذكرها مثل الترويض المتخصص بتعاون مع سفارة كوريا الجنوبية، الإنصات والتوجيه، مساعدة الأسر في وضعية صعبة…
عود على بدء : قال أحد الحقوقيين الذي التقيناه في موضوع "معالجة ظاهرة التسول " إن تنامي الظاهرة نتيجة لغياب الحقوق الاقتصادية والإجتماعية، مثل الحق في السكن، والشغل والصحة… فأكيد أن عمل بعض الجمعيات في المجال مهم لكنه لن يعالج هذه الظاهرة لأنها مسألة معقدة.. فهناك عشرات الآلاف من المتسولين.. هناك المشردون والأطفال ضحايا الطلاق، وأطفال الشوارع، وذوي العاهات، وهو ما يتطلب سياسة اجتماعية واقتصادية أكثر إنصافا و إدماجا لهذه الشريحة .."