الجمعة، 16 ديسمبر 2011

الحاجة إلى حزب يساري قوي


الحاجة إلى حزب يساري قوي
أنوال (*) 
   الحزب ليس أداة للوصول إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع فقط، بل أساسا لتأطير المواطنين وتنظيمهم، الحزب مشتلا لرعاية الأطر وإعدادها لتتحمل مسوؤليتها في جميع المجالات، الحزب أكاديمية لإبداع الأفكار والتصورات والحلول، الحزب صانع لقيم تنتصر للعدل والمساواة والحرية والكرامة، الحزب الحقيقي يكون دائما متحركا وغير جامد في مكانه، يجدد نفسه باستمرار ويتطور مع مستجدات الزمن، ويستطيع أن يكون محط جذب لفئات اجتماعية تجد فيه المرآت التي تعكس تطلعاتها.
    وفي انتظار وضوح الرؤية في مجال الفرز السياسي في المغرب، حينما تتشكل أحزاب على خلفية فكرية وإيديولوجية مفهومة، حينما يتلمس المواطنون المشهد الحزبي، فيقرؤون بوضوح توجهات الليبرالي واليساري والسلفي.. وحينما يحس الناخب فعلا أنه أمام توجهات مختلفة من أجل تدبير الشأن العام انطلاقا من تصور كل فئة، حينها نتحدث قولا وفعلا عن "الحزبية الحقيقية"، حينها تكون "الخصومات" واقعية انطلاقا من مرجعية مؤطرة.. غير أن المعنيين بالحزب لا يجب أن ينتظروا إلى ما لانهاية، إلى أن تتأسس قواعد اللعبة الديمقراطية، ولعل في مقدمتهم اليساريون، مطلوب من هؤلاء جميعا أن "يصنعوا" الآلية الحزبية القوية القادرة على الإجابة على مختلف الأسئلة، فالسياسة كما الطبيعة لا تتحمل الفراغ.
   الوضع السياسي والحزبي في المغرب بحاجة ماسة إلى حزب يساري قوي، مادام في المجتمع بطبيعة الأشياء توجهات يسارية إما معبر عنها أو كامنة، لكن على الحزب اليساري أن يكون واضحا مع نفسه ومع المواطنين، لا يداري ولا يتلون مدعيا "شروط المرحلة" ورافعا مبررات غير مقنعة لأحد، الحزب اليساري يتبنى التنوير والعقلانية والاجتهاد والإبداع الإنساني والتوزيع العادل للثروات، والحرية والاحتكام للقانون والحفاظ على البيئة وضمان حقوق الجميع…
  الحزب ليس هيكلا تنظيميا فقط، له مكتب وطني ومجلس وطني، ومقررات وأرضية للتفاعل.. الحزب تصور ورؤية وبرنامج، الحزب هياكل متحركة سواء على الصعيد المحلي أو الجهوي أو المحلي، الحزب ليس اسما جذابا ويافطة تعلق على مقر أو بشارع، الحزب قوة اقتراحية تقوم على أكتاف مناضلات ومناضلين مستعدين لكل التضحيات، الحزب هو تجمع أشخاص وذوات لا ينكر عاقل دور الدافع الذاتي والطموح الشخصي للعضو (ة) في نشر إشعاعه، إن الكارزم الوطني والجهوي والمحلي أصبح رافدا لتقوية الحزب وتكريس قوته، لنتحدث بالضرورة عن دور المناضل (ة) الحزبي في علاقته المباشرة والقريبة من الناس، إن مصداقية أي تنظيم حزبي تبنى على مصداقية مناضليه فردا فردا، وما مدى ارتباطهم بوسطهم "الحيوي".. لكن في أفق خدمة التوجه الحزبي العام الذي ينشد نجاحه في تناغم كل المنخرطين…
   وليس المقصود ب"النجاح" هو العملية الانتخابية فقط، بل كذلك قوة الحضور من أجل متابعة الشأن الوطني والجهوي والمحلي، وإبداء المواقف المناسبة في الوقت المناسب، واتخاذ القرار الشجاع عندما يتوارى الآخرون..
   لا تنحصر قوة الحزب في هيكله التنظيمي ورؤاه وحلوله المقترحة لمختلف المعضلات فقط، بل في توفير الكفاءات التي تنزل ذلك وتجعله قابلا للتطبيق على أرض الواقع، وفي آلية التسويق، ونشر هذه "الرؤى والحلول" على نطاق واسع، فالحزب الذي ينتظر دوره بقوة هو من يحمل الأمل، من يحمل الجديد، من لديه المصداقية والتي يضمنها بصريح العبارة مناضلوه المعروفون لدى المجتمع..
  ليس الحزب القوي من يتوفر على قاعدة واسعة من المنخرطين، ومن له مقرات، وإشعاع وتواجد فقط، بل كذلك من له تصور تدبيري واضح لهيكلته التنظيمة وقدراته البشرية الخلاقة، من يسعى لتكوين منخرطيه وتدريبهم في مختلف المجالات، سواء في التواصل والتسيير والتدبير.. الحزب القوي من له موارد مالية  تسد حاجياته، وليس بالضرورة أن تكون فقط مساهمات أعضائه، بل دخوله غمار "المقاولة" لصالح الحزب، كما هو الشأن لدى بعض التنظيمات التي عرفت كيف تنمي مواردها في استثمارات منتجة بأسماء أعضائها..
الحزب ليس من يدبج أوراقا وأرضية (أو أرضيات) تصدر بعد مؤتمراته تكون حسنة الصياغة تجيب عن تساؤلات مرحلة معينة فقط، بل من يمتلك إرادة طرح الأسئلة والإجابة عنها في كل حين أمام التطورات المتسارعة، فهاهي العولمة قد دقت أبوابنا وقريبا تستقر بيننا بتحدياتها الصعبة، هاهي الاتحادات القارية والإقليمية كالاتحاد الأوربي تكاد تسقط في خندق الأزمة الاقتصادية، وهاهو "اتحاد المغرب العربي" يجرجر أذيال الخيبة من عقود، ولم يحقق لساكنيه شيئا، وهاهي "حركات" الاحتجاج تنتفض هنا وهناك لتنفض غبار أنظمة كان يجب أن تنهار من زمن بعيد، وهاهي أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية تستفحل يوما عن آخر، مخلفة تخلفا وبطالة وفقرا ومعاناة.. وهاهو مجتمعنا يتخبط بين التقليد والتحديث، بين التطلع إلى الأفق الممتدد وبين النكوص نحو الخلف، وهاهم الأفاقون والمدعون يكادون يحكمون سيطرتهم بفعل غوغائيتهم واستغلالهم للفراغ الذي ساهم في صنعه اليسار بدوره بالإضافة إلى السلطة المتجبرة.. 
  على الحزب اليساري أن يجتهد ليقدم صورة مشرقة عنه، أن يتوفر على إجابات وتصورات مقنعة تهم كل مناحي الحياة من اقتصاد وتعليم وثقافة وهوية متعددة الأصول..
  حزب اليسار القوي يكون قادرا على نسج التحالفات الإيجابية مع مختلف التشكيلات الاجتماعية التي يمثلها المجتمع المدني النشيط من نقابات وجمعيات ولوبيات ضغط..
  وأؤكد في الأخير على أداة الإشعاع، إن غيابها معضلة حقيقية، ولا نقصد به الإعلام التقليدي كالجريدة مثلا، بل كل أدوات التواصل التي تنجزها المؤسسات الحزبية ويقوم بها الأفراد المنتمون كذلك..
   ليسمح لنا ضباط الحرب أن نقتبس منهم مفهوما حربيا، فنقول إن اليسار تنتظره "معارك" كثيرة على مختلف الواجهات، على الأقل أن يضمن وجوده وتواجده، فلا يستهين يساري أو يسارية بالصعوبات والمثبطات وبالخصوم على تنوعهم..    
——————————– 
(*) نشر بموقع أنوال قبيل عقد المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي الموحد أيام 16 ـ 17 ـ 18 دجنبر