الأحد، 20 مايو 2012

سَرْد: " اَلْعرس الذي لا ينتهي…"


  سَرْد: " اَلْعرس الذي لا ينتهي…"
          
ـــ حين تَأْسِرُكَ العاصفة اسْتَسْلِمْ 
 لكنْ كُنِ الوَتَرَ الذي يَعْزِفُ الريح.  ( أَدونيس ـــ أَبجدية ثانية)

 ـــ إلى الجسد " الإلْكُوي " بغير استثناء أيّ عُضو…
عن صفحة جواد المومني بالفايسبوك: "رُفْقةَ المناضلين العُظماء: يدّار ( شيخُ الثُّوار الأحرار )عبد اللطيف بنلحسن محمد الشاوي… في بورصة باريس/سان دوني"

سرد: جواد المومني
تَسَمَّرَ في مكانه وهو يَفْتح باب الدار..كانت تُمْسك سَمّاعةَ الهاتف، وبغزارةٍ تُذْرف الدموع؛ صوتُ أختها كان يَحكيها عن تطورٍ مُفاجئٍ وغير سار في مسار صراعِ والِدَتِهما مع المرض اللعين… جَذَبها إليه و تَرَكها تَنْتحبُ على صدره، عَلَّها تُخفف عن نفسها. أَكَّدَ لها أنَّ الأعمار بِيدِ خالقها، و أنّ النهاية الحَتْمِيَّةَ أمرٌ مُطْلقٌ لِلْجميع. حاولَ جاهِداً أنْ يُقاسِمها المُكابَدَةَ و أن يَرْسُمَ البسمة على وَجْنتيْها، سأَلَها عن الأحوال، عن أدهم عن أكرم عن الدراسة… كانت تُجيب باقْتِضابٍ، ثم تَسْترسلُ في عودةٍ مُستمرّة إلى وَضْعِ أُمها الحَرِجِ أَكَّدتْ أنّ لِبُعْدِ مَوْطنِ الأحِبّة تأثيرٌ قوي على تَمْتين الْآصِرَةِ. فَكَّرَ لِوَهْلةٍ ثمَّ رَدَّ: " حُبُّ الأوطان من الإيمان" يا لَيْلَى… ما في ذلك من شك، إلّا أنّ " ظُلمَ الأوطان " أَمرٌ مُؤْسف حقّاً، وغَيرُ حَقيقٍ بالوطن أن يُهينَ أبناءَهُ أو أنْ يُذيقَهُمُ المَذَلّاتِ
عَرَّجَ بهما الحديث عن السياق، وسأَلَتْهُ عن إمكانية تَحْضيرها لوجبة غذائية ما، لكنه امتنع مُكْتفيا بما تَناوَله في قطار " التِّي.جي.في." أثناء رحلة العودة إلى پـــــــيرپـــــــينيان مِن باريس. جلسَتْ أمامه على الأريكة ثم طالبَتْهُ أن يحكيها ما عاشه خلال اليومين الفائتين في باريس،
قام و أَحْضر كأس ماءٍ، عَبَّهُ كاملاً، أَطْرَقَ رأسَهُ ثم تحَدّث في نَشْوةٍ..
يا ليلى؛ إن ما عشتُه هناك شيء لا يُوصف. لقد تمكّنا أخيرا من هدم جدار سميك لم يكن مسموحاً أبداً بِتجاوزه أو حَفر ولو ثُقْبِ مسمار فيه. لقد قَدِرْنا على فك طلاسم شعوذةٍ إلْتصقتْ رِدْحاً من الزمن بهذا الجسد. لقد اسْتطعنا هَزَّ شِباك خصم حاصَرنا بخُطةٍ ظن أنها الأقوى، وأن لا أحدَ يقدر على استقرائها أو تَحطيمها بالتالي… آهٍ، أُعْذُريني قد أَخذَتْنِي حماسةُ الحَكْي ونسيتُ أنْ أُحدثكِ " عنَّا " ؟ نحن ممثِّلي اللغة العربية والثقافة المغربية في أوربا، وعن الآخر، ذلك المسؤول عن المحنة التي تُدركين عُمقَها بكل تأكيد..
ما أحسَسته وقتَها تَجاوز ما سطَّرهُ خيالي في البدء، ويَعِزُّ نَظيرُ تلك الروح الأخوية: هُتاف، صياح، تَنديد، شَجْب، صَفير، شعار… وفي المقابل؛ صَمتٌ رهيبٌ!! لا أدري أَهِيَ الزَّلزلةُ ما صنع ذلك أمِ الخَرَسُ العَنيدُ ٱسْتوطَنَ جُدران تلك البناية الشامخة المُطِلَّة على " المرأة الحديدية "؟
يا ليلى، لقد قيل في الحِكمة قديماً: " مَقْتَلُ الرَّجل بين فَكَّيْهِ"، ومع ذلك سأُقاسمكِ اللحظة شعوراً ينتابُني، وأتساءلُ بالتالي عن أيِّ رجلٍ سأتكلمُ: أَرَجلٌ هذا منْ يَفوهُ بكلامٍ ولا يصنعه؟ أوِ ٱمْرُؤٌ هذا من يعترف لك بحقكَ في العيش الكريم ولا يُطَبِّقه؟ أيُّ مخلوق هذا يؤكد أنَّ من واجبه توفير الحماية الكاملة لذاتكَ وللمُحيطين بكَ وفي المقابل يتركُ حياتَكَ عُرْضةً للكلاب تنهشها في تَأنٍّ؟ أي إنسانٍ هذا يَعْلَمُ جيداً مصيرَكَ ويَفْقَهُ كلَّ خَباياهُ، لكنه يَتَغاضى عن هذه المعرفة ويغدو جاهلاً؟
إنَّ ما عشتُه، كان وِلادة ليستْ بالسهلة. فَهَلَّا علِمْتِ أنّ مخاض التحضير أمرٌ آخرُ ما حضَرْتُهُ لم يكن سوى قَطْعٍ للحبل السُّرِّي؛ فأين أنا من الاجتماعات؟ و اللقاءات؟ والأوراق؟ والبيانات؟ والحوارات؟ والسهر؟ والتنسيق؟  والتدوين؟ والليالي الباردة المَطيرة؟ والسفر في الْمِتْرو؟ وجمع المساهمات؟ والتكليفات؟ والأعباء والمشاغل المرافقة؟
وحشد الدعم؟… أين أنا من كل ذلك؟ صَدِّقيني، لقد كان صادقا من قال: " العَروسةُ لِلْعريس، والجَرْيُ لِلْمتاعيس! " لكني، رَمَقتُ في عيون الجميع فَرحاً طُفوليّاً جميلاً، وذاك غيرُ غريب… الكُلُّ يُرحب بالكل، والكل يُعانق الكلَّ، الكل يدعو للكل بالتوفيق في قابل الخُطى، الكل يَهتفُ بِحياة غيره، والكل يَضْرب للآخر مواعيدَ لِلِقاءٍ قريب وَشيكٍ قد تَنفرج فيه الشمس ساطعةً، هازمةً فُلولَ الغيم المُتبقي..
حَضرتُ قبل " صَرْخةِ " الميلاد إياها بعضَ لحظات المخاض القبلي، ولَكَمْ سَرَّني أن أعيش سُوَيْعاتٍ حتى آخرِ دَقات الليل رُفْقَةَ كائناتٍ أَدْركتْ عُمقَ المرحلة وتاريخِيَّتَها؛ كائناتٍ صَدَحَتْ بِأعلى صوتها أَنِ الدَّعمُ كلُّ الدعم والتضامن الَّلا مشروط معَ وَلِمُمَثِّلي 
حَرْفِ الضاد " في بلاد المهجر..
عايشتُ عن قُرب مُؤازرةً حَديدِيَّةً قَلَّ أنْ سادتْ: ذاكَ يكتب بخط اليد على الوَرق المُقوّى أو على اليافِطاتِ، وتلك تصنع العجائن، وأخرى تُتَبِّلُ " الحَريرة " وآخرُ يُرتب الكؤوس والأواني وباقي المستلزمات لِلْإِطْعام الجماعي على شرف ضيوف باريسَ. كُلٌّ يعمل بتفانٍ يعلو سٌحْنته فخـرٌ واعتزازٌ..
إليكِ أعودُ يا ليلى وأقول على سبليل الخـتم  إن الفردَ منّا لا يعيش بالخبز فقطّ، ولكنما هي المبادئ والقيَم النّبيلة التي تؤطِره هي من يُحْيي فيه أصالة الإنسان. 
انتهى في: بيربينيان، يوم الخميس 17ماي/أدار 2012 لري