الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

تخلف التعليم بالمغرب، مظاهر تحتاج للدراسة..


تخلف التعليم بالمغرب، مظاهر تحتاج للدراسة..
 
مصطفى لمودن
 في مجال التعليم هناك حقائق مفزعة لا ينكرها أحد، نسبة مهمة من التلاميذ تنتقل إلى مستوى أعلى بدون أن تكون متمكنة من الكفايات اللازمة، ولعل أهمها التمكن من القراءة وفك رموز اللغة المكتوبة، ويستمر الوضع لدى فئة من هؤلاء إلى المستوى السادس ابتدائي على سبيل المثال. (*)
 فماذا كان يفعل هؤلاء التلاميذ طيلة السنوات الفارطة؟ أين يكمن الخلل ومن المسؤول عنه؟
 بهذا لا أريد أن أطعن في مصداقية وجدية زملائي، هم مكون فقط (وأنا منهم كمدرس) من منظومة تربوية مهترئة وفاشلة، وتتلقى أفدح النعوت من أطراف مختلفة.. لنحاول حلحلة الوضع قليلا ولو على مستوى التعليم الابتدائي..
 1ـ هناك برنامج طويل ولا يناسب عمر التلاميذ ولا يخدم مستقبلهم ومستقبل الوطن، فيه الكثير من الحشو والاجترار، ويعتمد التلقين، ويهمل التعويد والتدريب على النقد والإبداعوالتنظيم والتعليم الذاتي…
 2ـ عامل الوقت ضد التلميذ(ة)والمدرس (ة)، حيث تـُقدم حصص دراسية متتالية ومتسلسلةفي فترة زمنية قصيرة جدا، ما بين 20 و45 دقيقة لكل مادة، أوسعها زمنا تتضمن القائمة التقليدية للدروس، مقدمة (تشويق، زوبعة، تمهيد، تساؤلات..)، عرض الدرس، كل المدرس ـ (ة) يلقيه أو  ينظمه أو يشرف عليه حسب قناعته وطريقته، ثم وضع الاستنتاج، فإجراء تمارين/ تقويم (شفوي ـ كتابي)، ثم تصحيحه، وهو ما لا يمكن أن يكون على أرض الواقع إلا على حساب مواد أخرى في نفس الحصة (الصباحية أو المسائية).
 3 ـ الاستمرار في تقديم الدروس كيفما وضعت طيلة السنة، وطيلة السلك الدراسي، لأن ذلك تنفيذ للواجب المفروض! بينما مختلف آليات التلقي والمشاركة تكون غائبة لدى التلاميذ، مثل اللغة، الاستعداد، الرغبة.. كأننا نزيح ثقلا على أكثافنا ونلقي به بعيدا، ولا تهم نوعية التلقي لدى التلميذ (ة) ودرجة حصول جودة التعلمات.
 4ـ حضور التجهم والتوجس في فضاء المؤسسةالتعليمية بين مختلف الفاعلين (تلميذ/مدرس)، (مدرس /مدير)، (مدرس ـ مدير / مفتش..)، علاقات غير واضحة، وليست مبنية على الاحترام والتقدير المتبادلين، في الغالب تتسم بالعنف الرمزي (وحتى المادي أحيانا).
 5ـ فضاء غالبية المؤسسات التعليمية بالابتدائي يثير الكآبة والضيق، غياب شبه مطلق للأنشطة الموازية ذات الطابع الترفيهي، والتي يمكن أن تكون أداة تعليم بديلة بشكل فعال (مسرح، رحلات، حصص دراسية بعيدا عن الفصل، أنشطة ثقافية وفنية..)
 6ـ تقديم دروس اللغة، فيما يخص مادة العربية أساسا ما زال تقليديا، وكما وضع بعد الاستقلالفي القرن الماضي اعتمدا على "تجارب" قدمت من المشرق العربي، وهذه الدروس تفترض أن للتلميذ دراية باللغة، ويتطلب الأمر فقط "تذكيره" بقواعدها من نحو وصرف.. عوض منحه الفرصة كي يتعلم اللغة تداولا وقراءة وكتابة قبل كل شيء.. قد يقول قائل إن ذلك يكون فيالمستوى الأول والثاني بالابتدائي.. لكن ذلك لا يحدث أي أثر فعال لدى التلميذ، مما يجعله يحس بالإعاقة والتضايق في المستويات اللاحقة التي تركز كثيرا على القواعد..
 7ـ لا يمكن حل معضلات التعليم عموما بواسطة التصورات البيروقراطية، إن من لم يدرّس فيحياته، لا يمكن أن يفهم ما يجري داخل القسم من تفاعلات مختلفة، وإن تدريس اللغات وغيرها من المواد يحتاج لدراسة ميدانية وإيجاد حلول عملية، عوض الاستمرار في استنساخ المقررات والمناهج كما وضعت قبل أزيد من نصف قرن، كما يتجلى ذلك واضحا في كتب وكراسات اللغة..
 8ـ يجب توفير المدرس (ة) الكفء، ونقصد به المدرس المثقف، المبادر.. القادر على الوصول إلى الأهداف والكفايات المنتظرة بالطريقة التي تناسب أوضاعا مختلفة، وأن تكون له الحرية البيداغوجية والتقدير الذي يستحقه.. دون دفعه إلى التطبيق الحرفي لمناهج ومقررات يكاد يتفق الجميع على أنها بليدة وغير مجدية.. المدرس (ة) الذي يقبل التعاقد التربوي والنقد والتقييم من طرف جهات كفأة ومسؤولة وتقدر التربية والتعليم.. ما يتطلب تغييرا جذريا للعقليات وللآليات التي نخرت التربية والتعليم بالمغرب..
 ——————–
 (*) حول التلاميذ الذين لا يعرفون القراءة وقد التحقوا بمستوى أعلى، يجد المدرس (ة) نفسهفي موقف صعب، هل سيقوم بعملية دعم لهؤلاء حتى يلتحقوا بالركب، أم ينفذ المقرر رغم أن هؤلاء لا يهمهم في الغالب ما يجري أمامهم فيحجرة الدرس..