الأحد، 2 فبراير 2014

الفن فعل حر وتلقائي/ العباس جدة

الفن فعل حر وتلقائي
       
  العباس جدة      
          كثر الواعظون والموجهون والمرشدون والفقهاء وحراس الأخلاق في كل المجالات، اجتماعية كانت أو السياسية أو اقتصادية أو إعلامية أو فنية وثقافية. وهذا الزخم من النصائح والإرشادات في كل الاتجاهات وكيف ما اتفق ومن أناس غير مسلحين بالعلم والمعرفة، ويتجاهلون ضوابط الحوار الديمقراطي الحر، يكشف عن حالة الفوضى الفكرية والثقافية التي تشهدها البلاد العربية. لكن الذي يثير السخرية والتقزز وينم عن جهل وتحجر فكري وبؤس روحي، هو عندما تعترضنا وجوه فنية وفعاليات سينمائية، تدافع عن الحياء والحشمة والعفة وكل القيم الأخلاقية السائدة وكأنها أضحت في خطر.. هذا الدفاع الذي لا يخلو من نفاق وازدواجية في الخطاب. والمثال الذي استرعى اهتمامي وأثار ذهولي، هو مهاجمة، المخرج السينمائي محمد عسلي لفيلم "ماروك"؛ وكذا دروس ومواعظ  المخرج الشاب، محمد الكغاط ( سلسلة البعد الآخر) الذي أتحفنا بها مشكورا، في مقال نشر في إحدى الأسبوعيات وهو بعنوان: " الجنس ومشاهد الإغراء في السينما المغربية". لقد ورد في المقال- الفتوى ما يلي: "...إن للمبدع خاصيات ترقى به إلى مستويات أكبر من أن تضعه في مواقف حرجة مع جمهوره، خاصة وأن ثقافتنا الإسلامية وخصوصياتنا المغربية، ترفض بتاتا التطرق صراحة لهذه الجوانب من الحياة ( الإثارة، الإغراء، العري) بالرغم من أنها طبيعية..."، وفي مكان آخر من المقال: "...في نظري، إن المبدع مطالب باحترام مشاعر المتلقي... فهو ملزم بوضع علامات قف وإشارات المنع بخصوص كل ما من شأنه أن يخدش الحياء ويبعث على التقزز لدى المشاهدين..."، إلى غير ذلك من التصريحات التي يمارس فيها وهو- الفنان المبدع- الرقابة على الفن والإبداع ويأمر وينهى ويحدد ما ينبغي فعله، في مجال الفن، وما يجب تركه، وكأن هذا الفنان الشاب يملك الحقيقة وله الحق في ممارسة الوصاية على الفنانين وعلى الفعل الإبداعي.
       ألا يعلم هذا الشاب المخرج وقبله محمد عسلي، بأن الفن فعل حر؟ وأن تكون فنانا حقيقيا، يعني أن تمارس الفعل الفني بحرية وتلقائية ؟ وأن الممارسة الفنية تقتلها القوالب الجاهزة والأفكار المسبقة؟ ألا يعلم هؤلاء المخرجون ( حراس الأخلاق) أن الفن السابع هو – على عكس
. ما يتصورونه- نقد وتساؤل ومراجعة وتحطيم للطابوهات؟ وأن الفن هو أولا وقبل كل شيء مغامرة وجرأة وشجاعة؟ أليس في علم هؤلاء الواعظين، أن الإبداع الفني لا يقبل الوصاية وأنه يشكل عالما خاصا قائما بذاته ومنزها عن أحكام القيمة؟
-------------------                                            

 خص الأستاذ العباس جدة "مدونة سيدي سليمان" بهذا المقال

ليست هناك تعليقات: