الأربعاء، 11 يونيو 2014

حوار حول المسرح/ عباس جدة: الممارسة المسرحية عندنا كانت ولا زالت هاوية

حوار حول المسرحعباس جدة: الممارسة المسرحية عندنا كانت ولا زالت هاوية



كما وعدت قراءها الكرام، جريدة "الخط الأحمر" تقدم الحوار المسرحي الذي أجرته مع الكاتب والفنان العباس جدة، الذي يضع يده على واقع الممارسة المسرحية بالمغرب والعالم العربي، الآفاق والمعيقات.
 - أصدرت مؤخرا كتابا بعنوان "في ظلمة الليل" حدثنا عنه.
 --- يتألف هذا الكتاب من خمس نصوص مسرحية وهي: درس في التاريخ، في ظلمة الليل، القرية الموحشة، روح في مهب الريح والرحلة." درس في التاريخ" نص مسرحي يعود إلى سنة1984، وهو أول محاولة لي في مجال الكتابة المسرحية. وقد استلهمت هذا النص من تجربتي المهنية كمدرس لمادة الفلسفة، محاولا التأمل والتفكير في واقع رجل التعليم بصفة عامة. هذا الواقع الذي يشهد مفارقة غريبة بين ما هو كائن وبين ما ينبغي أن يكون، والتي تنعكس على سلوك المدرس ومشاعره ونظرته للواقع التعليمي والتربوي. وأعود مرة أخرى إلى مشكلة التعليم ببلادنا في مسرحية "في ظلمة الليل" حيث يعيش المدرس ازدواجية أو بالأحرى تمزقا عنيفا بين ما يسعى إليه من قيم تربوية وإنسانية نبيلة وبين عبثية واقعه التعليمي وترديه. أما "روح في مهب الريح" فتحاول مقاربة هموم الفنان المسرحي والصعوبات المفتعلة التي تعترضه، في ظل مجتمع لا يعترف بالفن  ويستخف بالممثل والثقافة والفنون، وبالتالي ذاك التذمر والإحساس بالإحباط الدفين اللذان يلازمان الفنان المغربي ويقتلان فيه القدرة على التعبير والإبداع. وتطرح "القرية الموحشة" إشكالية الحداثة وما تتضمنه من مفارقات وصراع بين ما هو قديم ومتحجر وبين ما هو حداثي ومتجدد. وأخيرا هنا ك مسرحية الرحلة التي يمكن إدراجها ضمن ما يعرف بمسرح " العبث"، وهي تحكي علاقة رجل أعمى برجل مقعد، يرحلان من مكان لآخر، دون أن يتمكنا من معرفة المكان الذي انطلقا منه ولا المكان الذي يقصدانه ولا الزمن الذي استغرقته الرحلة، فلا منطقا ولا هدفا ولا مكانا ولا زمانا.
      -لماذا الكتابة؟ وخاصة الكتابة المسرحية؟
--- الحاجة إلى  التعبير ضرورة حيوية في الإنسان. فقد يتم التعبير باللون أو بالصورة أو بالحركة أو بالنحت على الخشب أو الصخرة، إلى غير ذلك من أشكال التعبير التي ابتدعها الإنسان للإفصاح عن مشاعره وللتواصل مع الغير. وقد اخترت الكتابة المسرحية أو المسرح لأني عشقت هذا الفن وفتنت به منذ أن كنت تلميذا بالإعدادي. فكنت أقبل على مشاهدة العروض المسرحية، حيث كان المسرح  يشهد حركية في بداية السبعينات وكنت أحلم حينئذ بأن أصبح كاتبا مسرحيا كأحمد الطيب لعلج ومخرجا كالطيب الصديقي وممثلا كمحـمد سعيد عفيفي. فالمسرح يسكنني منذ أن بدأت رحلة الوعي بالذات إلى اليوم، ولا أعرف شيئا يمكن أن يهزني ويسترعي انتباهي ويستحوذ على انشغالاتي غير شغفي بهذا الفن.
-لماذا التركيز على النص المسرحي في حين أن هناك اتجاهات في المسرح ترى بأن المخرج هو سيد العرض في المسرح المعاصر؟
 --- يلعب النص المسرحي المكتوب- في تقديري- دورا مركزيا في العرض. وأنا لا أوافق الرأي الذي يذهب إلى القول بإمكانية الاستغناء على النص، على الأقل في المسرح العربي والمغربي على حد سواء. لماذا؟ لأن تهميش النص يستلزم مخرجا مبدعا وممثلين متمرسين وأكفاء، ومسرحيونا لا يتقنون فن المسرح ولا يمتلكون أدواته وعاجزون على خلق الفرجة المسرحية والفنية المنشودة. والحال يتعين علينا الإستيناد إلى النص المسرحي والإنطلاق منه، غير أن مأساة المسرح عندنا هي أننا لا نتوفر على كتاب مسرحيين حقيقيين. ففي الغالب ما نشاهد نصوصا مسرحية ضعيفة  يغلب عليها الخطاب المباشر والتقريرية. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نوازي أو حتى أن نتجرأ على أن نقارن أو نقارب مثلا بين كاتب مسرحي عربي بأي كاتب غربي أو أمريكي أو ياباني أو روسي، كيونسكو الفرنسي أو هارولد بينتر الأنجليزي أو تينسي ويليامس الأمريكي... إن الكتابة المسرحية ببلادنا تخلو من الإبداع وينقصها الخيال الخلاق ولا ترقى إلى مستوى الخطاب الفني الجميل. فهي كتابات لا زال يغلب عليها البعد الخطابي والإيديولوجي وتطغى عليها المباشرة والسطحية والفولكلورية والواقعية الفجة.

-ما هو واقع المسرح بالمغرب؟
--- المسرح ببلادنا، عروضا وممارسة وتنظيرا ونقدا، يعيش أزمة ويعاني من بؤس شديد. أركز هنا على الإنتاج والإبداع ، على الكم والكيف. فرغم الدعم المادي والمهرجانات ومعهد للتكوين، فإن سوق الفرجة المسرحية كاسد ويفتقر للحركية والتجديد والإمتاع الفني والروحي ويكاد يخلو من تجارب مسرحية أصيلة أو على الأقل من عروض مسرحية مقنعة.
 -لماذا الواقع المسرحي مظلم إلى هذه الدرجة ؟ والى من تحملون المسؤولية ؟
 --- من المؤكد أن الدولة تتحمل مسؤولية انحصار الفن والثقافة وبؤسهما في بلادنا؛ ولا نختلف أيضا في إهمال وزارة الثقافة للمسرحيين وعدم الاضطلاع بمهمتها في النهوض بقطاع الثقافة باكتشاف الكفاءات ودعمها وتشجيع المثقفين. لكن لكي لا نوجه اللوم للآخر فقط ، بهدف تبرير عجزنا وعيوبنا، أكون ملزما بالإقرار إلى أن العاملين في هذا القطاع أو ما يعرف بالمسرحيين، يعملون بفوضوية وارتجالية. فلا أحد من هؤلاء يشتغل على مشروع مسرحي محدد أو ينطلق من رؤية فنية واضحة. إن الممارسة المسرحية عندنا كانت ولا زالت هاوية، ولم يسبق لها أن ارتقت إلى مستوى العمل الاحترافي والمهنية، بما تفترضه المهنية من كفاءة وعمل منظم وتكوين فني وعمق فكري ومسؤولية والتزام. وعلى العكس من ذلك، فان الارتجال والمزاجية والعفوية الساذجة  ونقص في التكوين الفني والثقافي، هذا فضلا عن الزبونية والولاءات وادعاء المعرفة والعجرفة والغرور... هو الذي يسود ويحكم الممارسة المسرحية والعلاقات بين المسرحيين المغاربة.
-باسم قراء "الخط الأحمر" نشكرك على صراحتك ونتمنى لك دوام الصحة الفنية.
حاوره عبد النبي أوخطو.
----------------------
 أمد مدونة سيدي سليمان الكاتب المسرحي الأستاذ عباس جدة..


ليست هناك تعليقات: