‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة. إظهار كافة الرسائل

السبت، 13 أبريل 2013

مجلة "العربي الصغير" تنشر قصة لمصطفى لمودن


مجلة "العربي الصغير" تنشر قصة لمصطفى لمودن


إنها قصة للأطفال تحمل عنوان " كان القنفذ أملس"، وقد نشرتها المجلة الصادرة من الكويت والمتوجهة للأطفال بعددها الذي يحمل رقم 237، الصادر في أبريل 2013، ولعل النشر بمجلات خليجية أصبح أهم متنفس للكتاب المغاربة، حيث يجدون هناك احتراما وإقبالا، وذلك يعوض الخصاص الفظيع في مجال النشر بالمغرب، فحتى الملاحق الصحفية لن تقبل النشر إلا باللجوء إلى العلاقات، ولا تنشر المساهمات الإبداعية إلا في حدود ضيقة، ووفق شروط غير محددة أو واضحة، حتى أن أسماء بعينها هي من تظهر في بعض الأحيان، بينما  تغرق "الملاحق الثقافية" في قضايا نظرية لها علاقة بالثقافة ونشر كل ما هو جدلي ونقاشات سطحية في الغالب مع بعض الحوارات..
وغالبا ما يلجأ الكتاب في المغرب إلى طبع كتبهم على حسابهم الشخصي ليصطدموا بعد ذلك بمعضلة النشر كما وقع لي شخصيا مع المجموعة القصصية "نزيل في التراب".
  أتمنى أن تعيد بعض الصحف النظر في نشر الإبداع الأدبي والانفتاح على أصوات مختلفة، وأن توجد حلول ناجعة لنشر وانتشار الكتاب وتشجيع المقروئية..
 

الثلاثاء، 31 يوليو 2012

قصة: في الحمـّام


قصة القصة: قصة "في الحمّام" من تأليف مصطفى لمودن، وبعد نشرها عبر الفايسبوك لقيت استحسان الكثيرين، وقام الفنان التشكيلي موحا البوهالي بترجمتها إلى  الفرنسية، فكان هذا العمل الذي جاء نتيجة تعاون لم يكن مخططا له..

قصة:                            في الحمـّام
بقيت صبيحة اليوم وحدي في الحمام بعدما غادره اثنان كانا قد حلا به قبلي، وأنا أفرغ الماء الدافئ على رقبتي ظهرت لي سيدة في قد فاتن تتراقص أمامي، ترتدي ثوبا رقيقا شفافا ملتصقا بجسدها المتماوج، مسحت عيني، تأكدت مما أرى، إنها أروع فاتنة لم أر مثلها من قبل.. دفعت سطل الماء جانبا، وأطلقت ابتسامة لها معنى محددا تفك شفراته بنات حواء… شرعتْ تقوم بحركات استعراضية كأنها عارضة أزياء على إيقاع من قدميها، تلتف حول نفسها، أزاحت السترة المبللة عن ساقها اللامع، فظهر أنها تقف على حافر يشبه الذي عند الحمار تماما.. تذكرت حكايات قديمة كنت دائما اشك في صحتها، تذكرت قصصا حول الذين اغتنوا بفضل زواجهم بجنية، والذين انتقمت منهم زواجتهم الجنيات فتاهوا حمقى في الأرض.. لم أعد أستطيع أن أفكر، ولا أن اتخذ القرار المناسب، تجرأت وحاولت أن ألمسها، لم أشد في أي شيء، ذابت، اختفت.. حملت أدواتي وخرجت إلى بهو الحمام، قصدت المرحاض، فوجدتها أمامي، تبتسم تحملق فيّ بعيون رائعة لم أصادف يوما عيونا مثيلة لها لدى ذوات جنسي البشري، لم أدخل المرحاض، عرجت جانبا، أخرجت موس الحلاقة لأزيح شعر لحيتي التي تأخرت عنيها ليومين، وإذا بها تظهر لي في المرآة، شبق امرأة ناضجة لا يقاوم، استدرت فاختفت، رفعت موس الحلاقة في وجه الفراغ، ناديت على حارس الملابس وقد بقي وحده، لما اقترب، سألته: هل أنا وحدي فقط من في الحمام؟ لاحظت علامات تعجب على وجهه، استدار وهو يتمتم بكلامات لم أفهم معناها، تخليت عن حلق لحيتي وخرجت مسرعا..
 =======

 Nouvelle : Au Hamam
 Mustapha Lamodene

 je me suis retrouvé tout seul au hamam ce matin ; aprés que deux personnes qui m avaient précédés sont partis ..
 alors que je versais de l eau chaude sur ma nuque ; m apparut une dame d une grande beauté qui dansait devant moi , elle portait un tissu fin et transparent qui collait a son corps en mouvement ; je n en croyais pas mes yeux , je les essuie pour m assurer de ce que qui m aparaissait ; c’est la plus séduisante des femmes que je n ai jamais vu auparavant .. j ai repoussé le seau d eau de coté ; et j ai fait un sourire qui avait un sens particulier que decryptent les filles d Eve ..
 elle commence a prendre des poses devant moi comme un manequin dans un défilé de mode au rythme de ses pas dansants ; elle se tourne sur elle méme ; enléve le tissu mouillé de sur sa jambe brillante ; il apparait alors qu elle est debout sur un sabot ressemblant exactement a celui d un ane ..! je me suis rappelé d anciennes histoires dont je doutais encore et toujours de la véracité , je me suis rappelé des histoires sur ceux qui se sont enrichis par leur mariage avec une diablesse ; une Djennya , et ceux qui ont subi leur vengeances et sont devenus fous et errent sur terre ..je ne pouvais plus réfléchir ; ni prendre la bonne décision ; j ai osé et j ai essayé de la toucher ; mais je ne sens rien ; elle se dissout et disparait ..!; je ramasse mes objets et je sors dans la grande salle du Hamam ; je vais aux toilettes , et je la trouve devant moi ; elle souriait ; et me regardait avec des yeux d une beauté que je n ai jamais vu chez celles de mon genre humain , je n entre pas aux toilettes , je tourne a coté ; je sors mon razoir pour raser ma barbe vieille de deux jours ; et voila qu elle m apparait de nouveau dans la glace ; l érotisme d une femme mure irrésisble , je me retourne ; elle disparait .!je tends le razoir dans le vide ; j appelle le gardien des vétements il était seul ; il s approche ; je lui demande si je suis le seul dans le hamam ? je remarque un étonnement sur son visage ; il se retourne en murmurant des mots que je n ai pas compris ; je ne pensais plus a me raser la barbe ; et je quitte rapidement les lieux …!
 
 Traduction :
 Moha El Bouhali
————————
إشارة: النص الفرنسي يقلب فتظهر النقط في البداية لأن قالب المدونة موضوع للعربية..

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

قــــصـة قصيرة: في مواجهة المرشح


 قــــصـة قصيرة:  
          في مواجهة المرشح 

مصطفى لمودن 
قصدت مقهى بوسط المدينة، اختارها لاتساعها، لها واجهتان، الأولى تنتعش بنسيم بحري، والثانية في مواجهة أدخنة السيارات مباشرة، احتضنني كرسي قصي على جانب اكتظاظ معتاد وصاخب، على الطاولة ملصق انتخابي، يمر شباب يضعون منشورات الدعاية أمام رواد المقهى، يحتل وكيل اللائحة حيزا هاما من الملصق اللامع والملون… بجانب الورقة بقايا زبون سابق، قهوة سوداء تغطي قعر الكأس، ومرمدة مختنقة بأعقاب السجائر.. 
يرمقني الوكيل المرشح من وسط الورقة بنظرة بلهاء، رغم محاولته رسم ابتسامة بدون معنى، لاحظت أن الصورة ترجع لسنوات مضت، المرشح الآن بأوداج متدلية وتجاعيد بارزة، على أي فهو وجه معروف.. 
لم استحمل نظراته الغريبة، فقلــبْـت الورقة، ولم يعد يظهر لي غير البياض الناصح 
جاء مختل ورشف ما تبقى من القهوة في قعر الكأس، ثم تنقل بين الطاولات يبحث عن قطع سكر يقضمها، قام النادل بطرده، احتج أغلب من في المقهى على تضييع هدف محقق وهم يشيرون إلى الشاشة الفضية أمامهم… وصل بـّا جلول بقفته المعهودة، وقد وضع بها سلعته، حفنات من الزريعة والكاوكاو … مر على الطاولات يجمع أوراق المرشح، يرتبها ويلفها داخل قفته.
************************ 
 سيدي سليمان يوم الأحد 20 نونبر 2011

الأربعاء، 4 نوفمبر 2009

قصة: الحداثة في زمن الأنفلونزا


قصة: 
الحداثة في زمن الأنفلونزا

رائعة الشرجان غارسيا كامي ماركيز 
محمد ياسر اكميرة 


في بيت احدى الأسر الحداثية المستفيدة من نعم العهد الجديد، حيث تحول اسم الزوجة من البتول إلى بثينة واسم الزوج من ميلود إلى معاذ (رغم أن اسم معاذ على ما أعتقد أقدم بكثير من اسم ميلود، إلا أن لحداثة العهد الجديد منطقا غير منطق التاريخ، فلا تستغربوا … ! ) جلست بثينة على مائدة الأكل تتناول القليل مما أعدته لها خادمتها الفلبينية، لأنها لا تريد أن تسترجع الكيلوغرامات الثلاث التي فقدتها بفضل الله تعالى أولا، ثم بفضل الحمية التي وصفها لها الدكتور محسن الأخصائي في الفول واللحم، وتقاضى مقابل ذلك ثلاث ملايين سنتيم، بعد أن عقد معها بضع جلسات وزارها في البيت ما يناهز الثلاث مرات لتحديد مصدر الداء، ونشط معها ورشة لترويض بطنها حتى لا يتسع إلا للنزر القليل من الطعام الوفير… قبل أن يفتح معاذ الباب الخشبي الضخم المصنوع من أرز الأطلس المتوسط ويدخل وفي يده علبة مستطيلة بيضاء.

  • ماذا هناك؟ قالت بثينة بصوت مضطرب ممزوج بما يشبه القبل لأنها تحاول أن تسترجع إحدى أوراق المقدونس التي أرادت أن تفلت من جحيم فمها متسللة من إحدى فلجات أسنانها المبعثرة والمشدودة إلى بعضها بسلك فولاذي لامع.
  • إنها أقنعة واقية، أجاب معاذ ذو الصلعة الدسمة والبطن الآيل للسقوط الذي يدفعه فضوله لفتح الزرارين الأسفلين من القميص الحريري المخطط ليطل على العالم الخارجي ويستنشق بعض الهواء النقي.
  • وماذا نفعل بها؟
  • نقي بها أنفسنا من أنفلونزا الخنازير، إنها مرض فتاك، وسمعت أنه يصيب النساء أساسا. وقد اقتنيت هذه العلبة وكانت هي الأخيرة في الصيدلية، لأن نساء الحي كما أخبرني المستخدم، كلهن اقتنين الكمامات وبأعداد كبيرة ليحمين أنفسهن من هذه العدوى القاتلة.


قامت بثينة من على طاولة الأكل، ودون أن تغسل يديها ولا أن تنظف فمها اختطفت العلبة من يد زوجها قائلة له:
  • هذه العلبة لي، اذهب وابحث لنفسك عن كمامات أخرى في أرجاء المدينة.


سرعان ما وضعت بثينة القناع فغطى ما يقارب الثلثين من مساحة وجهها المترامي الأطراف، وفي عينيها الملطخة جفونها بكل ألوان الطيف نظرة شماتة واحتقار لميلود الذي بدت عليه علامات الأسى لفقدانه كل رصيده من الكمامات، استدار إلى للجهة الأخرى وهويرسم بحنكيه المهترئين ابتسامة مكر فيها شيء من نشوة النصر. ولم لا وقد انطلت الحيلة على البتول واستطاع أن يخفي وجهها\كمارتها المملة إلى أجل غير مسمى، وانطلق في فرحة مخفية مدفوعا بحسه القومي الصادق نحو جهاز التلفاز ليتفرج على إحدى القنوات المشرقية المختصة في الفن والموسيقى، قبل أن تفاجئه البتول بنظراتها القاسية المنطلقة كاللكمتين من فوق نقابها الحداثي جدا، فشعر معاذ بخيبة أمل كبيرة واتجه نحو غرفة النوم داعيا العلي القدير أن يرفق الوباء الحالي بداء الرمد الحبيبي.

  



03-11-2009

السبت، 4 يوليو 2009

أقصوصة: مكـتـبة الـبـشر… حـافـلاتنا


أقصوصة:   مكـتـبة الـبـشر… حـافـلاتنامصطفى خداد(*)
يصعد الركاب إلى الحافلة، كل يحصل على ورقته، تبدأ المغامرة من الجهة اليمنى للحافلة، على الكرسي الأول، يثني الراكب الأول الورقة على أربعة أوجه، فيم الثاني يأكلها ثم يجترها فيخرجها مرة أخرى، ثم ينفخ عليها لتجف بعدما تذكر أن المراقب آت لا محالة، الثالث يستخرج مقصا للأظافر فيخترق الورقة ليشكل نافذة مثقوبة يسترق من خلاها النظر.
يصنع الرابع كرة من الورقة على غرار الراكب الخامس الذي اخترع طائرة صغيرة، أما السادس فيحتفظ بالرقم المهم ويمزق حواشيها، فيتفنن السابع ليلف الورقة عل شكل سيجارة ثم يوقد النار بها و يدخنها غير أبه بالمراقب أو سواه.
الثامن و لطبيعته العاطفية، فيكتب على ظهر الورقة رقم " موبايل " التي كانت تجاوره، هي الأخرى تدون رقم هاتفه واعدة إياه بأن تتصل به فيما بعد.
 تكون الخاتمة للمراقب الذي لا يكتفي بورقة واحدة، بل يستحوذ على كل تركة الركاب ليترك بصمة معروفة لكل راكب مغربي معبرا عن عدم الرضى عن الوضع وكذا عن انتهاء صلاحية المكتبة.
ينزل الركاب تباعا، كل يحمل في ذهنه مكتبة بشرية. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتب مغربي مقيم في إطاليا

الجمعة، 26 يونيو 2009

قصة قصيرة: إلى متى أيها الإعلام؟


      قصة قصيرةإلى متى أيها الإعلام؟            
 
 
روما: مصطفى خداد (*)
 
 أصيبت أم مغربية وفتاتاها الحسناوتان بأنفلونزا الخنازير، وكان أهون عليها أن تموت ولا ترى جميلتيها اليافعتين تعطسان أو تلازمهما دزة من المناديل البيضاء وعلب أدوية مضادة للجراثيم.
انحصر الحدث وهوله داخل البيت القصديري الضيق، وتوالت المصيبة تلو المصيبة، وخافت الأم سريان الخبر في حي آخر ما ينقصه هو هذا المرض المرعب.
في ذهن الأم عديد من الأسئلة العالقة بدون أي جواب منطقي ومقنع، سمعت من السلطات أن الوضع مسيطر عليه وأنه لا خوف على المواطنين ولا هم يحزنون، فسلمت وآمنت بقول السلطات .
خمسة أمتار ونصف المتر مربع، تفرق بينها جدران من قطع خشب مترهل، تأكل منها الأرضة ولصوص الزيت لدى المغاربة" سراق الزيت "، و تسكنها عناكب الفقر، أوان مكدسة على لوح خشبي مشحم بزيت الوجبات المتصاعد، تثيرك طنجرة سوداء، غطاءها مثقوب يخترقه سلك مصدأ يساعد على حملها من على النار وهي تشبه إلى حد كبير طنجرة أيام الدراسة العجيبة، تلفاز يشع منه الضوء، وهو ألمع ما يحتويه هذا السجن الرحب، فاخر وفاخم كل الفخامة، تحته مستقبل قنوات فضائي .
ألم يكن من الجدير بهذه الأم أن تستبدل هذا الجهاز بضرورة أخرى تفاديا لعدم التناسق ؟
سؤال يطرحه كل غريب زائر، وهو بالنسبة إلى المنطق المغربي بديهي، لكنه بلادة، بل جهل، إنها لم تشتره إلا لأن له ضرورة تدريها وتعيها كل الوعي خاصة وأن لها ابنتان .
اشتد المرض، أخذ الكل يسعل، فأنتشر الوباء ليصل الجيران وتتسع رقعته إلى أن أصبح الحي كله بؤرة للأنفلونزا.
طرح السؤال من جديد لكن بشكل جماعي :
ــ من أين أتتنا المصيبة ؟
وصل الأمر أخيرا للسلطات، واستنفرت وزارة الصحة والداخلية كل إمكانياتها وطاقاتها لمواجهة الوباء، فعزلت المنطقة كليا وكانت محور وسائل الإعلام المختلفة، أخذوا العينات وضربوا حضرا على المنطقة وشعر السكان بالاهتمام و الأهمية والعناية الفائقة لأول مرة.
انهالت الخيرات على الحي وكان لهم ما اشتهوه من طعام وشراب طالما سبحوا في أحلامهم محاولين "درك بعض ما أصبح لهم" دون جدوى .
 استبدلت دور الصفيح بالخيام المؤقتة درءا لانتقادات وسائل الإعلام الأجنبية، وتغير حال الحي داخل المدينة، و علم أعيانها و أكابرها لأول مرة، أن هناك حيا بتلك المواصفات في باحة حديقتهم الخلفية المنسية.
بعد أيام من التنقيب والبحث المضني، توصلت السلطات إلى نتيجة مفزعة للحي قبل الشعب، فقررت كعادتها ألا تذيع الخبر إلى حين إيجاد صيغة لمحاربة الداء، لكن و لأن القرصنة من أبرز السمات التي تقض مضجع النظام فقد تسرب الخبر.
في اليوم التالي ، أخذ الجميع يتخلصون من أجهزة التلفاز والاستقبال معا، فكانت فرصة للمتشردين والباعة المتصعلكين والمتسولين الذين لا يأبهون لأي مرض، لأنهم أصلا في وباء يعتقدون أن لا وباء يضاهيه، كانت لهم فرصة تحقيق أحلامهم البسيطة في التسمر أمام الشاشة الزجاجية لمدد غير معلومة، و عيش إحساس العولمة والانتماء للمدنية الجديدة.
شاع إذن، خبر مسؤولية المسلسلات المكسيكية المترجمة، عن الداء، وخرجت وزارة الصحة عن صمتها أخيرا وأكدت الخبر، فجمع وزير الإعلام حقائبه واتجه صوب المطار، واستقل الطائرة فطار، ولم يعثر له بعد ذلك على آثار .
أعطت وزارة الصحة تفسيرا علميا مطولا لم يفهمه أحد غيري، فحواه أن إدمان سكان الحي لهذه المسلسلات هو السبب في انتقال العدوى، خاصة و أن الجهاز الذي ضبط عند العائلة الأولى، جهاز عالي التقنية والتطور، إذ بإمكانه أن ينقل للمشاهد كامل الشعور ليعش الحدث وكأنه مكسيكي مغربي من بيت صفيحي يصبو إلى الغنى، جهاز يوصل الحزن والبهجة معا، ليتجاوزهما إلى إيصال أنفاس وخفقات أبطال الفيلم، ففيه مجسات تتحسس حرارة الجسم، خاصة لدى الجنس الخشن المشهور باللطيف عند غيري طبعا، لتجعل من المشاهد ذي القلب المرهف والعقل الساذج عبدا لا يحب الحرية والانعتاق.
فإلى متى أيها الإعلام ؟
   ——————
 تنشر هذه القصة بالتزامن ضمن الجريدة المغربية بإيطاليا.
 (*) كاتب وصحفي مغربي مقيم بإيطاليا

الخميس، 1 مايو 2008

قصة لماذا تلوّح فقط؟


قصة
لماذا تلوّح فقط؟
في يوم دافئ أحسست بعطش مفاجئ وبحرقة بسيطة في حلقي، كان المطر قد توقف لتوه، وظهرت أضواء شمسية بعد طول فصل مطير، كانت فيه السماء ملبدة بغيوم داكنة على الدوام… خرجت كباقي الكائنات الحية أتمشى على سفح الجبل وأسخن أطراف جسدي. لكن هذا العطش المفاجئ عكر صفو خاطري قليلا… لم يكن من اللائق أن أتزود بقنينة ماء أحملها معي، تلك ضرورة يتطلبها قيظ صيف مازال بعيدا. قلت مع نفسي سأجد بركة ماء قريبة تروي عطشي، فالماء مازال جديدا لم يُلوث بعد، آخر القطرات نزلت في الصبح. لكن المفاجأة الثانية بعد العطش الذي أصابني هو أنه لم أجد نقطة ماء متمددة على الأرض، مشيت خطوات كثيرة، أبحث هنا وهناك، ولا ماء!.. عجبا، في مثل هذا اليوم غالبا ما تبقى برك مائية كثيرة، منها ما يدوم لأيام، فماذا حدث؟ 
  تذكرت حكاية قديمة كانت ترويها الجدات، تقول الحكاية أن شامة الجميلة هجرت أسرتها، وسكنت مغارة في أعلى الجبل، بعدما رفضتْ تزْويجَها من رجل لا تحبه، يُقال أنها كانت أجمل وأذكى فتاة في البلد، تتوفر على أجمل عينين ساحرتين، روعة وبهاء لا نظير لهما يعجز عن وصفه أي شاعر أو كاتب… بالإضافة إلى جمال عينيها الأخّاذ، فقد كانت لهما قوة خارقة، بهما تستطيع تحريك الأشياء، تجذبها أو تدفعها، تعرف ما يوجد بداخل أي شيء بمجرد الرغبة في ذلك، مما جعلها محط احترام وتقدير الجميع، وحتى تهيُّبَهُم الذي لم يُخفه أحد، سوى أقوى رجل في البلد، فقد أرادها لنفسه زوجة فرفضت، رغب في إضافتها إلى بقية زوجاته وممتلكاته، فضلت الانعزال في الجبل، على الرضوخ للأوامر التي تقاطرت عليها من كل جهة.
  مع مرور الأيام بدأت تتساءل مع نفسها:
    ـ هل يمكن أن أبقى بلا زواج؟ أنا في حاجة كذلك إلى رجل يتزوجني وأتزوجه، نعيش معا، نكوّن أسرة وننجب أبناءً، الزمن يمر، الجمال يذبل مع الوقت، تضعف فرص الإنجاب وترْك الخلف، لا نَفْنى حينما نترك الخَلَف الذي يشبهنا ـ تقول مع نفسها ـ ولن يشبهنا الخلف إلا إذا كان نتيجة حب حقيقي…
     لكن كيف تتزوج وهي منعزلة في الجبل؟
   كما حكت لي جدتي مرارا فشامة قررت أن تختار هي بنفسها من تتزوجه، وضعت شروطا يجب أن تتوفر فيمن ستنجب معه ذرية، أولها الذكاء، وثانيها القوة، ثم حسن المعاملة، ووضعت خطة تجرب بها كل من قدرت أن يكون زوجا لها، إلى أن تتأكد من حسن معاملته… ارتأت أن تتعرف على أبناء بلدها كلّهم لتختار منهم واحدا يناسبها، فكرت في أنجع وسيلة يمكن بها أن تتعرف على جميع الشبان بدون استثناء، التجأت إلى القوة الكامنة في عينيها لتحقيق ذلك.
       صعدت إلى أعلى القمة، نظرت إلى كل الأرجاء، وفي لمح بصر حولت كل عيون الماء والبرك المائية الصغيرة المتناثرة هنا وهناك إلى أسفل الجبل الذي تسكنه، بذلك سيأتي إلى مصدر الماء كل الرعاة وكل من يريد جلب الماء إلى بيته، وكل من يرغب في إرواء عطشه… حينها ستختار من يناسبها، غير أن تدفق مياه جميع العيون كون بحيرة كبيرة حول الجبل.
 أنا أريد أن اروي عطشي، ما زلت أتـمشى، أبحث عن أي منبع ماء أو بركة. بعدما أزحت عن طريقي غصن شجرة مائل رأيت بحيرة تمتد أمامي! 
    لم تكن هذه البحيرة من قبل، لم يحدث أن رآها أو تحدث عنها أحد، كيف تكونت إذا بين عشية فصل الشتاء وضحاه؟  
 اقتربت أكثر من ضفة البحيرة وأنا أحاول ألاّ تـنـزلق قدماي في الماء أو تنغمسا في الوحل، أشد بقوة غصنا يانعا، يشد بدوره في جذع شجرة وارفة متشبثة بالمكان، أريد أن أروي عطشي، ملتُ بجسدي على صفحة الماء اللامعة فترآى لي وجه صبوح لفتاة لم أرها من قبل، مخضتُ برجة خفيفة رأسي، مسحت عيني، الصورة واضحة، فتاة جميلة تنظر إليّ وتبتسم، آه فهمت لم أفكر في الأمر منذ البداية، هي فوق غصن وصورتها تنعكس على الماء! نظرت إلى الأعلى، لكن لم يظهر أي أثر لأي فتاة! غريب! هل هذا حلم؟ تحسست أطرافي وتأكدت من أنني لست نائما، أدخلت أصبعي في الماء فتكونت دوائر تتباعد داخل البحيرة إلى أن تتلاشى… لحظتها يتحرك طيف الصورة، تتمايل ثم تعود لمكانها، تبتسم لي أكثر، تميل بوجهها الجميل يمنة ويسرة. لكن الغريب في الأمر أن أصبعي لم يبتل بأي قطرة ماء!..
 قلت لأحدثها إذن:
   ـ ما اسمك يا رائعة؟
   لم ترد، أعددت عليها السؤال، فلاحظتُ حروفا على صفحة الماء الهادئ، مفاجآت كثيرة هذا اليوم! تهجيت الكتابة: "هند".
    قلت لها:  
 ـ ياهند أريد سماع صوتك.  
   لم أسمع شيئا، لكن أصبعا ظهر وخط بحروف أنيقة على سطح الماء:
 ـ اسمي خديجة. 
 قلت لها:  
 ـ يا خديجة، هل أنت هي شامة التي كانت تروي عنها الجدات؟
 كتبت: ـ ممكن.
 أعلنت بكل لهفة:
ـ اظهري أريد رؤيتك كاملة. 
 كتبت مرة أخرى بأصبع يشع منه نورٌ فضيّ يُضيء أكثر صفحة الماء:
 ـ ليس الآن.  
 قلت لها:  
ـ إن شامة قد تزوجت، ولكن ليس من أحد رعاة الغنم، لم يعجبها أحد منهم، فارتأت أن تمر إلى طريقة ثانية بعدما أعلنت للجميع رغبتها في الزواج من طرف أحد شبان البلد، لقد علمتْ أن هناك آخرين لا يرعون الغنم، ولم يزوروا قط البحيرة، اشترطت على كل من يرغب في الزواج منها أن يكتب لها قصة، ثم أن يكون الأول من يقطع البحيرة سباحة، انتشر الخبر وكان لها ما أرادت.
 قرأتْ كلّ القصص التي توصلت بها، واختارت منها واحدا وعشرين قصة ليتبارى كتابها عوْما في ماء البحيرة البارد.  
 رأيتُ أول حرف على سطح الماء، فعرفتُ أن رفيقتي غير المرئية تريد قول شيء، كتبت:
 ـ إنك طيب ولا أريد خداعك، اسمي الحقيقي رشيدة. فأكمل حكايتك.
 ـ لا يهم ما يكون اسمك، كل المسميات الجميلة تستحقينها.
   وأضفتُ: ـ هل تعرفين بقية القصة؟  
   ـ هي قصص كثيرة، يحلو للجميع حكْيَها وسماعها، خواتمُها متعددة، لكنّها كلّها تنتهي بزواج شامة، لقد كان قصدها منذ البداية هو الزواج.
 ـ وأنتِ؟ هل ستظهرين؟ أريد رؤيتك وسماع صوتك، فهل لك بدورك شروط؟
 ـ عندي شرط واحد فقط، هو أن تكتب لي قصة أكون أنا بطلتها…  
 لوحت لي بيدها واختفت.
 عدت أدراجي ألهت من شدة العطش، حملت قلما وورقة وشرعت في كتابة قصة أهديها لرشيدة

مصطفى لمودن (المغرب)
————
  نشرت هذه القصة في مجلة "العربي" الكويتية ضمن عدد مارس 2009

الاثنين، 24 ديسمبر 2007

قصة: عين على مهزلة


قصة:                                                       عين على مهزلة 
علم الجميع بالخبر، في السوق الأسبوعي، البراح بمكبر الصوت، لم يترك ممرا إلا وعبره، ولا جماعة من المتسوقين إلا ووقف أمامهم، وفوَهة بوقه تنقل الخبر عبْر الاتجاهات الأربع. المذياع يبثّ الإعلان قبل الأخبار وفي نهايتها، والتلفزة لا تنفك تذكر المشاهدين… وعلى جنبات الطرق والجدران ملصقات لامعة… تخبر بالمسابقة الوطنية للحرث بالجرارات، «التي ستقام هذه السنة بالجماعة القروية 512 س ـ بي 17، بمشاركة أجود الجرارات…» وتضيف بخط عريضولامع بأن وفدا رسميا رفيع المستوى سيعاين ذلك، ويُختم الحفل بتوزيع جوائزَ قيمةٍ على الفائزين
    عقد القائد اجتماعا موسعا، حضره كافة أعضاء مجلس الجماعة المنتخبون بما فيهم الرئيس، وكذلك كبير الفلاحين، ورئيس الطباخين، وشيخ البراحين، ومحضرو الراقصات… لأول مرة خاطبهم القائد بعبارات مهذبة: «عليكم أن تعلموا أنتوصلكم بالماء الصالح للشرب، وربط قراكم بالكهرباء أصبح ممكنا الآن، مادام مسؤولون كبار سيحضرون، ولكن عليكم بحسن استقبالهم، والسهر على إعداد حفل ضخم يدخل السرور والبهجة على جميع أعضاء الوفد… كل ذلك ستنقله التلفزة، وسيراه المسؤولون الذين لم يحضروا والعالم بأسره… وإن اختيار هذه الجماعة فيه تشريف لنا جميعا».
     انتشرت الأوامر في جميع القرى، علمت التربة والأشجار والغدير والشياه… كل ما أصبحت تسمعه الآذان وتحس به الكائنات الحية بكافة أنواعها، هو أن الواجب يقتضي تضافر الجهود لإقامة حفلة رائعة لم يظهر مثلُها على شاشة التلفزة من قبل .
      يصيح في الناس أحد براحي السلطة:«على كل واحد أن يساهم، قبل الحفل بما يُطلب منه، وأثناء الحفل حضوره ضروري ومؤكد… واعلموا أنه لولا هذا الحدث السعيد لما ذكرتكم التلفزة، ولما سويت الطريق من التربة المتراكمة، ولما رُشّت بالماء صباح مساء كما ترون، لهذا نريد أن نُخلّد هذه المناسبة بحفل كبير ورائع، عليكم كلكم أن تشاركوا، عيدان الغابة اقلعوها، زرابيكم المزركشة احضروها… الأكف للتصفيق، وألسنة نسائكم للزغاريد، وحتى لا أنسى عسل النحلإيتونا به، والخيول وسروجها المطرزة، والزرع المطمور أخرجوه… ». ويندفع في هستيرية ككل المسؤولين المحليين، يتعثر بتلابيبه، يدفع بيديه كل من يجده واقفا أمامه  لا يفعل شيئا.
      هبّتْ نسمةُ ريحٍ خفيفة، فاهتزت التربة والحجارة للخبر، حزنت الأشجار لفقدان أعْتَدِ أغصانها، نيران الأفرنة تلتهم كل شيء، تناقصت مياه الغدير المنساب، ولم تعدْ تصل إلى الحقول بالوفرة المعتادة، فقد فضل السؤولون رشّالطريق وميدان الفروسية، مستعملين حاويات مجلوبة لنفس الغرض، صاحت قُطعان الشياه متوجعةً، فَقدْ فقدَتْ مُكرهةً أسْمن الخرفان، وخَيّم الوُجوم على الكثير من الوجوه، رغم الأوامر الصّارمة التي تحث على الابتسامات العريضة.
        أُفيقت بنادق البارود من سُباتها العميق… وجيء بأطفال المدارس صفا صفا، أوْقفهمالمنظِّمون في الصفوف الأمامية، و أمروهم بالإنشاد دون توقف، لتعويض تغريد العصافير التي فزعت فهربت… ذاقت التربة والحجارة بُرادَة تساقطت من مطارقَ وأوتادٍ حديدية ذات بأس شديد، الأوتادُ تشدّ الخيام الضخمة، وقد ُنصبت على رَبْوَةٍ قبالة الطريق الرئيسية.
      اكتوت أنامل النسوة بأبخرة مُتصاعدة من الأفران وقصعات الكسكس الملتهبة… ذكر أحدالطباخين الخاصين المعتمَدين لهذه المناسبة أنه لا فائدة من الكسكس، إلا إذا كان سيأكله سائقو الجرارات ،أما أعضاء الوفد فيفضلون أشياء أخرى
    على مثن شاحنات حضرتْ منذ الصباح الباكر الجراراتُ الكثيرةُ العدد، المختلفةُ الأشكال والألوان، اصطفت بمحاذاة الطريق تنتظر إشارة الانطلاق.
      لما لاحت في الأفق قافلة الوفد الرسمي، أُمِرتْ جميعُ الفرق الموسيقية بالعزف والغناء دفعةً واحدة، اهتزت أرداف الراقصات، ارتفع الضجيج وقد حسبه البعض طربا، تراطمتْ حوافر الخيل  بالغبار وقدْ تطاير كثيفا رغم الرشّ بالماء، اختلط في الأجواء بدخان البارود والشواء… أُعدت الخرفان المشوية فوق أطباق عريضة، تتدلى على جنباتها ضفائر النعناع… ومازال الجمر ملتهبا في المواقد.
     حامل الكاميرا التلفزيونية يصور ويلوح بيده اليسرى للجمهور المتراصّ على جانبي الطريق، كي يقوم بحركات معينة توحي بالسرور والانشراح وحرارة الاستقبال… المذيع يكاد يلتهم الميكرفون، بفعل حركات فمه السريعة،  يجهد مخيلته لتحفيز براعته الوصفية، مطنبا في أوصاف المديح، والقافلة ما تزال تتلوى عبر منعرجات الطريق.
      أخيرا توقفت السيارات الفارهة، عيْنُ الكاميرا تمْسحُ بحركة بطيئة مرة الجماهير المتراصة، ومرة  تتمسّحُ بالوفد القادم ككلبة مطواعة.
      ترجّل الضيوف، توجهوا نحو الجرارات المتأهبة، القرويون يلحظون باندهاش الأناقةالمفرطة، والأوداج المنتفخة، والمشيات المتمايلة… وقد هالهم أن يروا زرابيهم تُعفس في الخلاء بأحذية متعجرفة…
      تقدم رئيس الوفد، أعطى إشارة البدْء، تحركت الجرارات وهي متباعدة عن بعضها فياتجاه واحد، بينما رسم كبير الفلاحين ابتسامة عريضة، وهو يرى حقولَهُ وحدها تُقْلب بأعْتا الجرارات… بعدما سلّم على رئيس الوفد وبعض مرافقيه، وقف أمام الكاميرا يشرح عمليات الزراعة، ويُبرز الرّخاء الذي تنعم فيه البوادي‼ ويُثني على رئيس الوفد.
    قصدتْ جماعةٌ من السّكان أحد البراحين يستفسرونه عن سبب إجراء المسابقة في هذاالحقل فقط، ردّ عليهم بأن ذلك يرجع لضيْق الوقت، واستعجال الوفد لتناول طعام الغذاء، مادامت تنتظرهم رحلة قنص في الهضاب المجاورة .
     احتج السكان على عدم توزيع الجرارات على حقول مختلفة، حتى تعمّ الجميعَ فائدةُ قلب الأرض بجرارات قوية لم يروا مثلها من قبل… لم يأْبه أي مسؤول للاحتجاجات الشفوية، تأججت النفوس، تضخمت الأرجل والأذرع، قفزت الحواجز، اختلط الحرث بالرفس، والصياح بالشتم، والركل بالتدافع… أدْخلَ المصور على عجلٍ الكاميرا إلى صندوقها، وفرّ هاربا على مَتْن سيارة المصلحة يُرافقه المذيع
             مصطفى لمودن

   ـ سيدي سليمان 1994

نشرت بجريدة"اليسار الموحد" عدد33 بتاريخ 30 يناير 2004  
في كل شهر سأحاول إدراج قصة مما تراكم لدي، أغلبه نشر بصحف وطنية، ونظرا لصعوبة النشر ضمن "مجموعة قصصية" نكتفي الآن بالواجهة الفضية، عبر الشبكة…كما أننا ننتظر مساهمة القراء للنشر… 
  ننتظر بكل ترحيب مساهمات القراء وأرائهم

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2007

قصة قصيرة : الشباك الآلي


قصة قصيرة :    الشباك الآلي 
مصطفى لمودن
يقصد صديقي الموظف في آخر كل شهر ميلادي المؤسسة البنكية لاستلام راتبه، والذي تواظب الحكومة على إرساله له، مقابل الخدمات التي يسديها للمواطنين
     صديقي الموظف محظوظ جدا، كان يلج باستمرار المؤسسة المالية، يتملى بالطلعةالبهية للمستخدمين، وهم يرفلون في أناقتهم وبدلاتهم الراقية. ينال نصيبه من توزيع ابتسامات المجاملة! و يستطيع رؤية الرزم المالية مصطفة بعناية،  المترفون يودعون رزما أخرى… والآن، فقد أتاحت له الطفرة التكنولوجية فرصة إجراء معاملته المالية الشهرية في الهواء الطلق، سواء أكان المطر يهطل أو الحرارة تلهب  المهم أنه يحس بأمان أكثر بعيدا عن مكيفات الهواء، فقد سمع أنها تسبب تقرح اللوزتين ومضار أخرىأصبح يساهم كأي مواطن صالح ومتحضر في تكوين صف طويل بالشارع العمومي، في نظاموهدوء، طواعية وبلا رادع، دون تدافع كما يحدث كل صباح عند ركوبه الحافلة في نقطة الانطلاق المعتادة.
     ينتظم المنتظرون في صف طويل، بعضهم يتكئ على الجدار، لا أحد يلمس زجاج الواجهة،الصمت يلف الجميع، تعلو محياهم حيرة غريبة تفصح عنها النظرات الزائغة وحركات الأطراف المتثاقلة، وتأفف من انتظار قد يطول… كل واحد لا يعرف بالضبط ما يخبئه له الصندوق العجيب، هل لفح أجرته لهيب اقتطاع مفاجئ لهذا الشهر؟ أم أضيف لحصيلته مقدار مالي قد يخفف عنه جزءا من العجز المتراكم؟
     اقترب مارٌّ مسن من الصف وهو يجرجر بلغته المهترئة، تساءل عن سبب هذا "التجمهر"، لم يجبه أحد، تقدم إلى الأمام، راقب كيفية إجراء السحب، أدخل رأسه ليرى إن كان يجلس في الجهة الأخرى من يدفع النقود من كوة، كما يتعامل الحانوتي مع زبنائه في القرية، تراجع قليلا، تكلم بصوت مسموع كأنه يخاطب الجميع: "نحن عندما كنا نعمل مع أحدهم في حقل من الحقول، نلتقي بالمخلص في السوقالأسبوعي، نلتف حوله وهو يخرج النقود من شكارته وينادي على كل واحد باسمه ويمنحنا أجرتنا…".
ثم غادر وهو يتمتم بعبارات التعجب.
        قدمت فتاتان في مقتبل العمر، لهما قوام ممشوق، ملابسهما من آخر ما استجد في عالمالموضة، إحداهما لها شعر أشقر مسدول، هل هو مصبوغ أم أصيل؟…
 قالت الشقراء لرفيقتها: "هل نأخذ الصف مع الرجال؟"،  توقفت على الرصيف سيارة فاخرة، تحمل لوحتها سلسلة أرقام جديدة، يتوسطها حرف عربي، أشار أحد راكبيها إلى الفتاتين، لوح لهما من وراء الزجاج بورقة مالية خضراء، لا تشبه ما يستخرج من الصندوق الآلي، دون أن يأبه للعيون الناظرة، يلح عليهما بشكل مستفز لتقتربا، ربما ليبين لصاحب السيارة حنكته فياستدراج الفتيات… تجاهلتا النداء، انضمتا إلى الصف، وانطلقت السيارة مسرعة. 
      أثار الصف الطويل انتباه متسول، قصد الواقفين، بدأ من الخلف يمد يده ويستعطفباحترافية ظاهرة، لم يعطه أحد شيئا، رد عليه شاب بأنه لم يتسلم بعد النقود، فطن المتسول للأمر، تحول مباشرة إلى الأمام ووقف ينتظر باسطا كفه، معولا على صدقة، لا أحد أعاره اهتماما، يرى الأوراق المالية تُلف أو تطوىلتوضع في جيب سترة أو سروال، أو تحشى في حاملة نقود، تأكد أن لا أحد يمنحه ورقة مالية كاملة، فغادر إلى وجهة أخرى.
      أدخل صديقي الموظف بطاقته الممغنطة، سجل رقمه السري بلمسات سريعة من رؤوسأنامله على اللوحة المبسطة الخارجية للحاسوب، اطلع على رصيده الشهري وقدتجمدت أرقامه لسنوات، منذ أن تلقى التعويضات العائلية عن طفله الثالث، تلقف النقود من الفتحة المنفرجة، بعدما ترك مائة درهم، ما يسد به حاجيات شخصية طارئة في الثلث الأخير من الشهر… قد يستهلكه في مقابل جلساتالمقهى، وجريدة أسبوعية، وبضعة لفافات تبغية مقسطة
    اشترى كيلوين من التوت الأرضي، باعة الفواكه المتجولون بدورهم يصطفون بعرباتهماليدوية في الزقاق المجاور، لماذا التوت؟ أمه ليست لها أسنان، وابنه البكر يبتلع كل شيء رخوا، وزوجته تعشق اللون الأحمر، حسب ما أفصحت له مؤخرا، وقد أصابته من حينها دوخة، وهو يتساءل عن معزى اللون الأحمر لديها… ليس بمستطاعه ألآن اقتناء فستان لها أو حتى حذاء أحمر، أما هو فيكتفي بكأس شاي معاستلقاءة هادئة لمشاهدة القنوات الفضائية، والأطفال ينطون حوله… كل أفراد الأسرة يعرفون اليوم الذي يستخلص فيه أجرته، إذا لم يحمل معه التوت، قد يجلب الباكور أو البطيخ أو الخوخ أو البرتقال أو… حسب الفصول.
     يتحسس النقود ، يستعد لإنجاز جولته الشهرية، من دكان الحي إلى مالك البيت الذيانتقل للسكن في حي الفيلات، مرورا ببائع الدجاج الرومي ووكالة الكهرباء و…
صديقي يحب المعقول ويؤتي الحقوق لأصحابها، يتخيل صف الدائنين على باب مسكنه، وهو يخرج يده من فتحة صندوق الرسائل، يمد لكل واحدمنهم ماله، تماما كصندوق البنك، بفارق بسيط وهو أن صندوقه المنزلي هذا "يدوي"، ذلك سيعفيه من الجولة الشهرية المعتادة والتحية والتوديع، وكل الجمل السخيفة التي يتم تبادلها بدون معنى، تمنى لو كان بباب مسكنه شباك آلي حقيقي فعلا، ليتسلم كل ماله، رغم ما قد يكلفه ذلك من حرج لزوجته مع جارتها، ستنعت حينها بزوجة المستدين…
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   نشرت بأسبوعية اليسار الموحد" عدد 45، بتاريخ 23 أبريل 2004 
في كل شهر سأحاول إدراج قصة مما تراكم لدي، أغلبه نشر بصحف وطنية، ونظرا لصعوبة النشر ضمن "مجموعة قصصية" نكتفي الآن بالواجهة الفضية، عبر الشبكة…كما أننا ننتظر مساهمة القراء للنشر…

السبت، 18 أغسطس 2007

قصة قصيرة: نزيل في التراب


  قصة قصيرة:        نزيل في التراب
 مصطفى لمودن
       قلت لها سأقضي الليلة فقط، دفعت لها ثمن مبيتي، انصرفت تنقر بعكازها الأرض المزلجة، وهي تردد جمل الترحيب المعتادة…
     تمددت بأحد أركان الغرفة المعتمة، أحاول نفض تعبي، وإعادة مشاهد أحداث اليوم المتوالية…
  توديع أفراد الأسرة والأصدقاء، انسياب دموع الوالدة، العناقات الحارة… إلى ركوب الحافلة… آه على الحافلة! تختلط فيها كل أنواع المحمولات، بشر، أمتعة، حيوانات، تدحرج عجلاتها في هدير يصم الآذان، تقطع خلاء يورث السأم  لفراغه الفظيع سوى من قرى متناثرة تسبح في مساحات جرداء يلفها السراب…
     ما إن توقفت الحافلة في نقطة وصولي، حتى تهافت عليها جمع من الحمالين والسماسرة يعرضون خدماتهم على الركاب قبل أن تطأ أقدامهم الأرض…
     قفزت امرأة سمينة تلتحف رداء أبيض على حقائبي، جمعتها، كبست عليها بساقيها، ثم أمسكت بمعصمي، ونطقت بلهجة حازمة :"ستنزل عندنا، كل شيء متوفر، غرف متهوية… والثمن مناسب  جدا ".
    نظرت حولي، التنافس على أشده من أجل الوافدين، كل واحد تسلّمه رجل أو امرأة،  كأنه طرد بريدي يخصه، المدينة في موسمها السنوي، لافتات كثيرة تعلن عن ذلك، وفرص الرواج لا تتكرر… بلعت استغاثتي، أراحتني المرأة السمينة مما ثقل من أمتعتي، تحركت فتبعتها عبر دروب ضيقة… بباب الدار المقصودة وقفت عجوز مرحبة، دفعت لها الثمن، فقادتني إلى غرفة فارغة.
     هكذا كان، إلى أن وجدت نفسي ممددا على هذا السرير الخشن… ما تزال تفصلني ليلة واحدة على تعييني في عملي الجديد، لم أصدق أنني أخيرا سأشتغل! كيف سيكون زملائي؟ وما نوع العلاقة التي ستجمعنا؟ وما..؟ وما…؟ هل صدفة كان من حظي هذه المدينة؟ واليوم هذه الغرفة الضيقة؟ أحملق في الجدران المبرقعة، تفجرت قشور الأصباغ المتراكمة، منها ما سقط، ومنها ما يزال ينتظر أدنى هبة نسيم، والسقف مثخن بالرطوبة، يبدو كسماء ملبدة بالغيوم… غفوت، فنمت ما تبقى من العشية.
    انتشلتني من نومي حركة أقدام، وإيقاعات نقر على الأرض، إنها العجوز بعكازها، دخلتْ دون استئذان، قالت إنها جاءت تسأل عن حالي… غادرت ثم رجعت، كررت الذهاب والإياب، كل مرة تسألني عن شيء؛ عن عشائي، عن رغبتي في شرب الشاي، عينت لي موقع المرحاض في البيت… أحس أنها فقط تبحث عن المبررات، ربما لتقضي معي ردحا من الوقت في الثرثرة تستطلع أخباري… كل مرة أجيبها بإيماءة من رأسي، أو بأقصر الجمل من وراء جريدتي التي لم  تتح لي الفرصة  لقراءة محتوياتها.  
 جاءت مرة أخرى، قعدت قبالتي على مرمى همسة، وضعت عكازها بجانبها، وسألت : "من أي بلاد الله أنت؟"                      
        وضعت الجريدة جانبا، واستويت جالسا على حافة السرير الواطئ:"من مدينة س. ـ قلت لها ـ ".
    حركت رأسها ببطء،  وأطرقت إلى الأرض تداعب عويدات الحصير بأناملها الجافة، دون أن ترفع رأسها، سألتني :"جئت وحدك ؟"
  ـ نعم.
 ـ هل ستبيت هنا ؟
    ـ هذا ما قلته لك، هل من جديد ؟
أحسست أن في الأمر شيئا غير عادي، أجابت:    ـ "لا، لا، فقط سألتك "   
 دارت بوجهها جهة الباب، حملت فردتيْ بلغتيها الموضوعتين بجانب الحصير، لتعيد وضعهما على شكل لائق، دار رأسها بسرعة جهتي، حملقت في وجهي وقالت:"هل ستبيت وحدك ؟"
      ـ وما الضرر في ذلك ؟
      ـ إنك ما زلت شابا ألا تخف ؟
      قلت مستنكرا:"مما ذا أخاف وأنا عندكم؟"
     ردت: ـ "إنك في دار الأمان، ولن يمسك سوء". 
    سكتت قليلا ثم أردفت: "ألست في حاجة لامرأة تؤنسك؟"
      لم أجب، فعادت سؤالها بنبرة حادة، كمن يريد إنهاء الموضوع.
      بعد تردد قلت لها :" ومن أين لي بها؟ إنني لم  أتزوج بعد ".
   ـ وهل تريد أن آتيك بواحدة ؟
لم أرد، سمحت فقط بتسرب ابتسامة تعجب صغيرة.
    قالت : "هل رأيت تلك التي كانت تتمشى في الباحة؟".  
 حركت رأسي معلنا الإيجاب، رغم أ نني لم أ ر أي واحدة.
     بحماس فياض قالت : "هي لك الليلة إذا أعجبتك". ورفعت عقيرتها منادية، فأوقفتها قبل أن تتم كلمتها، ارتفعت حرارة جسدي، واشتد ضغط الدم في شراييني، ظننت في البداية أن المرأة تمزح… فهمت الآن أنني أخطأت العنوان، بل إنه فعلا الموسم السنوي للمدينة! حاولت أ ن أُفهم المرأة أنني لم آت من أجل المتعة، كأنها لا تسمع قاطعتني :"إذا لم تعجبك آتيك بأخرى ". ولما تأكدت من رفضي جميع عروضها، تقطب جبينها، وبرزت تجاعيد وجهها. وقامت هائجة تردد: "أنتم أولاد اليوم لا تفهمون… أنا من يعيلني؟ وهي من يعيلها؟ والأخرى من يطعمها؟ والأخرى؟ والأخرى؟…"
    ما كان علي سوى مغادرة المكان، فسمعتها تصيح من وراء ظهري:"إياك أن تختار بيتا آخر لغيرنا…"
   ألقيت بجسدي وحقائبي في الزقاق الضيق، كانت المصابيح العمومية قد أنيرت، فركت أجفاني، أجساد نسائية نصف عارية، تتزاحم على الأبواب، أو تطل من النوافذ المشرعة، شعور مسدولة، وصدور شبه عارية، وسيقان تلمع… كل واحدة تقوم بحركات توقظ شهوة الجسد، وتدعوني بإلحاح إلى الدخول… أرى الزقاق طويلا فمائلا، فمنعرجا، من المارة من يضحك، ومنهم من لا يعبأ، ومنهم من يلبي… والشهب الاصطناعية تنبعث من وسط المدينة، لتحدث مهرجانا من الأضواء في سماء حالكة.    
ــــــــــــــــــــــــــــ
سيدي قاسم 1994     


   نشرت بجريدة "الصحيفة المغربية" عدد: 68 بتاريخ 6 دجنبر 2006