المحكمة الرمزية تدين الكيان الصهويني وتعتبره غير آهل لتشكيل دولة
إعداد مصطفى لمودن
لم يكن يوما عاديا كباقي الأيام ذلك الذي شهدت فيه سيدي سليمان محاكمة رمزية للكيان الصهيوني على جرائمه في حق الشعب الفلسطيني بغزة، خيم على قاعة البلدية التي عرفت أطوار المحاكمة مسحة حزن عميق، ولحظة إجلال تتطلبها أجواء المحاكم..ما عسى مدينة صغيرة أن تقدمه لمئات من القتلى وآلاف الجرحى غير التضامن والدعم والمساندة بكل الوسائل المتاحة، من ذلك هذه المحاكمة الرمزية علها تتحول يوما إلى حقيقة، فيشهد العالم بأسره تفاصيل محاكمة مجرمين كالصهاينة استباحوا كل شيء…
في مدخل القاعة/المحكمة أطفال وأعلام فلسطين ومجسم طفل شهيد
حرصت لجنة دعم كفاح الشعب الفلسطيني تهيئ ما تحتاجه المحاكمة، أولها قاعة عمومية تتموقع وسط المدينة محج كل راغب في نشاط ثقافي أو فني أوسياسي… ما أن تصل المكان حتى تكتشف أن القضية الفلسطينية حلت بعين المكان، كما حلت منذ زمن بعيد بكيان ووجدان المغاربة، أعلام فلسطينية ترفرف بمدخل القاعة على أكتاف صف من الأطفال، وموسيقى وأناشيد تصدح بالكفاح والمقاومة… رغم أن الخشبة المتوفرة لا تساعد على تقديم منظور مناسب لكل الجمهور الحاضر، فقد هيأ المنظمون الشروط المناسبة حسب ما هو موجود؛ شاشة عرض، منصة جلوس هيئة المحكمة الموقرة، وأمام الجميع مجسم جثمان طفل في كفن أبيض طغى عليه لون الدم، وهو أهم صك اتهام لا لبس فيه، فقد كان الأطفال بالإضافة إلى النساء أبرز ضحايا العدوان الصهيوني، وقف الجميع لحظة دخول أعضاء محكمة سيدي سليمان الرمزية والنطق بكلمة«محكمة» المجلجلة، سعى جميع أعضائها لتقمص هيبة حقيقية، القضاة الثلاثة بلباس قضاة حقيقيين، والمدعي العام - وقد سمي المدافع عن الحق العام- توشح كوفية فلسطينية، فهو ليس له من ادعاء يرفعه غير الانضمام إلى صف المظلومين والشهداء من فلسطين، أما كاتب الضبط فقد «انهمك» منذ البداية في تسجيل أطوار المحاكمة.
«باسم الحق والقانون» أعلن كبير القضاة عن افتتاح المحاكمة، وأعطى الكلمة للجهة المحركة للدعوى وهي اللجنة المحلية لدعم كفاح الشعب الفلسطيني بسيدي سليمان، فتقدم إدريس الخارز منسق اللجنة ليعرض حيثيات ومبررات اللجوء إلى محكمة شعبية ذات طابع رمزي، قائلا:«تتشرف اللجنة (..) المكونة من هيئات سياسية وحقوقية وجمعوية ونقابية ومواطنين أصالة عن نفسها وعن مكوناتها ونيابة عن ضحايا الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وذوي حقوقهم بأن تعرض على محكمتكم الرمزية بواسطة منسقها ما يلي:»، لينتقل إلى سرد مرافعة مطولة(*) تتضمن«الصفة والأهلية في رفع الشكاية»، و«نطاق وطبيعة مبررات رفع هذه الشكاية أمام المحكمة الرمزية»، مبرزا أهم التجاوزات والجرائم المرتكبة من قبل الكيان الصهيوني، ومخالفته لعدد من المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية وقرارات الأمم المتحدة… وقد خص بالدعوى الكيان الصهيوني ومسؤوليه العسكريين والمدنيين وكل من ثبت تورطه ولو بعدم تنديده بالعدوان والأمم المتحدة وبعض الأنظمة العربية، ملتمسا في الأخير«من محكمتكم الرمزية الموقرة وبكل احترام الحكم بما يلي»:
إعداد القاعة بالوسائل المتوفرة، في الصورة مصطفى صابر ورضا سكحال
منسق اللجنة المحلية لدعم كفاح الشعب الفلسطيني يتقدم بشكايته
«في الدعوى العمومية: بالمسؤولية الجنائية للكيان الصهيوني وكافة مسؤوليه العسكريين والسياسيين سواء من أعطى الأوامر أو من نفذها وشركائهم بالجرائم المنسوبة إليهم، وبإنزال العقوبات الأصلية والإضافية والوقائية عليهم.
في دور القضاة الأساتذة الحسين الإدريسي محمد الحطاب عبد الإله الوكيلي
وبالمسؤولية الجنائية الدولية للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كشخصين معنويين بصفتهما مساهمين لعدم تقديمهم أية مساعدة أو القيام بأي فعل إيجابي من شأنه منع العدوان أو إيقافه وبالتالي عدم تقديم المساعدة لشعب في خطر ومعرض للجرائم المرتكبة من الكيان الصهيوني».
«في الدعوى المدنية التابعة: الحكم على الكيان الصهيوني والمساهمين معه أعلاه بإعادة إعمار غزة وتعويض كل الضحايا».
في سياق ما تناقلته وسائل الإعلام من صور القتلى والمجروحين والتخريب جراء القصف الصهيوني الأعمى تم عرض شريط توثيقي من إعداد رضا سكحال يظهر نماذج من الجرائم المرتكبة أراد جيش الصهاينة أن يشوه أجسادها عمدا وهو يعرف أنها لا تملك سلاحا و لا تستطيع الدفاع عن نفسها.
عرض صور موثقة للعدوان
السادة القضاة عند رؤية آخر صورة
كانت الكلمة بعد ذلك للشهود فهذا الطفل فارس عودة(خالد ابريج) وهذه الطفلة سارة (…) كل منهما يحكي عما شاهده وعاينه من أهوال وفضائع، خاصة فقدان الأهل ودمار البيوت، والهلع والخوف الذي كانت ضحيته الطفولة البريئة، وبما أن الصحافة لعبت دورا باسلا في فضح أطوار العدوان، وقد أدى الصحافيون بدورهم ضريبة تواجدهم بعين المكان، إذ فقد بعضهم أرواحهم فداء للخبر المقدس، فقدم صحافي (جلال الوردي)«عايش الأحداث» شهادته أمام المحكمة وأمام التاريخ، ومثل دور الأطباء الدكتور محمد ياسر اكميرة، فأنار المحكمة الموقرة بما«شاهده» من قتلى وجرحى، وقد وصف حالات بعضهم الصحية الصعبة، في ظل قلة الأدوية والتجهيزات وتعرض الفلسطينيين لمختلف أشكال القصف والنار بما في ذلك أسلحة تستخدم لأول مرة، وقد عبر عن تأثره الشديد (وهو الطبيب)بما شاهده من أشلاء الشهداء، وعدم الاستطاعة على تقديم العلاج إلى كل من يطلبه في غزة، ونقل الجرحى في ظروف غير إنسانية.
المدافع عن الحق العام (مصطفى صابر) ذكر أنه من حق الفلسطينيين الدفاع عن النفس ومواجهة الاستعمار، وقد وصف ما تعرض له سكان غزة ب«بالإبادة الجماعية»، و«تخريب الأرض والممتلكات…»، وأكد في ختام مرافعته على «ما تضمنته شكاية المشتكي، والمطالبة بإدانة الكيان الصهيوني»
شهادة الطفل (خالد ابريج)
الطفلة سارة تقدم شهادتها(..)
الصحافي أدى دوره جلال الوردي
د.محمد ياسر اكميرة في دور الطبيب
المدافع عن الحق العام أثناء مرافعته (مصطفى صابر)
جانب من الجمهور المتتبع للمحاكمة الرمزية
في دور القضاة الأساتذة الحسين الإدريسي محمد الحطاب وعبد الإله الوكيلي
الحكم باسم الحق والعدالة:
«إن المحكمة الرمزية المنعقدة في جلسة علنية بسيدي سليمان مساء يوم الجمعة 23-01-2009 وذلك من أجل البث في الشكاية المرفوعة للمحكمة الرمزية من طرف دفاع الطرف المدني: اللجنة المحلية لدعم كفاح الشعب الفلسطيني بسيدي سليمان أصالة عن نفسها ونيابة عن مكوناتها وضحايا الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وهي الشكاية الموجهة ضد الكيان الصهيوني ومسؤوليه العسكريين والمدنيين والامبريالية الأمريكية والمتواطئين معهم.
وقد عاينت المحكمة الرمزية عدم حضور المتهمين للجواب على ما هو موجه إليهم في الشكاية رغم الإعلان عن تاريخ الجلسة ومكانها وموضوعها، وهو الإعلان الموزع على العموم والصادر عن اللجنة المحلية لدعم كفاح الشعب الفلسطيني وكذا بواسطة الانترنيت.
وبعد استماع المحكمة الرمزية إلى الشكاية المقدمة من طرف اللجنة المحلية لدعم كفاح الشعب الفلسطيني.
وبعد معاينة الشريط الخاص بتوثيق بعض تلك الجرائم وبعد الاستماع إلى شهادة الشهود.
فإن المحكمة الرمزية
1-على ضوء العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 27 دجنبر 08 إلى يومنا هذا، وارتكاب آلة الحرب الإسرائيلية لأبشع الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، مما يطلب ملاحقة مرتكبي هذه الانتهاكات التي تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، استنادا إلى اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 أثناء النزعات المسلحة، التي تدعو سلطات الاحتلال إلى القيام بواجباتها، من حيث توفير الغذاء والدواء، وحظر تدمير البنية التحتية، وحظر تدمير البنية التحتية، وحظر استخدام الأسلحة المحرمة دوليا، وإستنادا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 والمصادق عليها من قبل إسرائيل، واستنادا إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والذي اعتبر الأعمال المشار إليها في البند الأول جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حسب ما ورد في المادة الثامنة من النظام الأساسي.
2-ووفقا لعالمية القانون الجنائي الدولي ومبدأ التعاون الدولي لملاحقة مرتكبي أشد الجرائم خطورة وتشكيل محكمة العدل الدولية ومحاكم جنائية خاصة، ووفقا لوجود سوابق قضائية في هذا الخصوص مثل ممارسة القضاء البلجيكي والدانمركي والبريطاني وغيرها لاختصاص ملاحقة مثل هذه الجرائم في صبرا وشاتيلا وفلسطين وصربيا ورواندا وغيرها.
3
- وفي ضوء ما قامت به إسرائيل من عمليات تحظرها اتفاقيات جنيف الرابعة وملحقاتها، ومنها:
قتل أكبر عدد من المدنيين الأطفال والنساء وكبار السن – تدمير المباني والممتلكات العمومية – الاعتداء على أماكن العبادة – الاعتداء على طواقم الإسعاف والطواقم الطبية – استخدام أسلحة محرمة دوليا – تجويع السكان المدنيين – العقاب الجماعي من حيث الحصار – الاعتداء على المقابر – الاعتداء على المستشفيات – الاعتداء على المدارس – الاعتداء على منظمات الإغاثة الإنسانية – إحداث آلام لا مبرر لها والاستخدام المفرط للأسلحة وغيرها من الأعمال التي يحظرها القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
فقد قررت المحكمة الرمزية:
1- إدانة الكيان الصهيوني وكافة مسؤوليه العسكريين والمدنيين بكونه كيانا قائما على العنصرية، وهو ما يتناقض وكافة مواثيق وعهود حقوق الإنسان.
القول بأن أي كيان مبني على العنصرية فإنه يتناقض وميثاق الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الإنسان، وتبعا لذلك فمن يتعارض وتلك المواثيق غير آهل لأن يشكل دولة.
إدانة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كشخصين معنويين بصفتهما مساهمين لعدم تقديمهما أية مساعدة أو القيام بأي فعل إيجابي من شأنه منع العدوان أو إيقافه و إزالة آثاره.
في الدعوة المدنية:
1-الحكم على الكيان الصهيوني بإعادة إعمار غزة.
2-الأمر بإجراء خبرة لتحديد الأضرار اللاحقة بالشعب الفلسطيني نتيجة ما تعرض له ونتيجة خرق كافة المواثيق الدولية. (انتهى)
جسد دور كاتب الضبط سليمان بوعجاج عضو اللجنة …
فعلا كانت المحكامة الرمزية للكيان الصهيوني سابقة في سيدي سليمان، وقد أكد المنظمون أن هذه التجربة رهن إشارة كل جهة ترغب في تنظيمها سواء بمختلف المدن أو بمؤسسات تعليمية… فالمحاكمة الرمزية هذه تتخللها دروس وعبر، من ذلك الحق في اللجوء على العدالة لإحقاق الحق، التعبير عن التضامن مع المقهورين والمظلومين، المشاهدة العينية لأطوار محاكمة يتخللها استعراض مرجعيات قانونية مختلفة وشهود متعددي المشارب… وقد اقترح البعض تدوين أطوار المحاكمة ومسرحتها بعد تلقيحها بما يضمن لها متابعة متميزة من الجمهور، وأثناء تقييم مجلس اللجنة المحلية لدعم كفاح الشعب الفلسطيني مجمل الأنشطة المقامة سواء مسيرة 3 يناير أو المحاكمة الرمزية… استحسن الجميع المحاكمة، فقط كانت هناك ملاحظات بسيطة من ذلك غياب الدفاع عن كلا الطرفين، استنساخ أشكال من القضاء المغربي أثناء الجلسة، خاصة التداول بين هيئة القضاء في نفس المكان، عوض رفع الجلسة والرجوع بعد التداول بين القضاة… وهناك من اقترح إبداع شكل آخر من المحاكمات الشعبية مستقبلا يقوم على هيئة حكم «من المحلفين» هي من يحدد الإدانة من عدمها…
كان للأستاذ المحامي محمد الخطاب عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمسؤول في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي دورا فعالا في إعداد وإخراج المحاكمة، وكذلك لأعضاء اللجنة المحلية لدعم كفاح الشعب الفلسطيني وأفراد آخرين.
من المشرفين مباشرة على أطوار المحاكمة، وقد لوحظ رغبة عدد من الحضور في أخذ صور تذكارية رفقة القضاة…
طفلات يحملن أعلام فلسطين في مدخل القاعة
قبل بداية المحاكمة..
أثناء عرض الشكوى
جدية وحزم على ملامح ممثل الادعاء
لافتة إعلانية وعلم فلسطين
—————————-
(*)- سننشر لاحقا نص المرافعة/الشكاية
—————————-
تذكير: المادة محفوظة لمدونة سيدي سليمان
ملحوظة: قد تظهر بعض الحروف اللاثينية والرموز خارج إرادتنا