الأربعاء، 17 يوليو 2013

حميد مجدي من ضمن "الخارجين عن الإجماع"

حميد مجدي من ضمن "الخارجين عن الإجماع"

مصطفى لمودن
قال حميد مجدي: "مسؤوليتي اتجاه وطني تفرض علي الانخراط في النضال من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. ورغم كل الضغوطات والتهديدات ومحاولات سجني بقضايا ملفقة، فلن أنساق أبدا مع سرب الإجماع." ذلك جزء من حوار أجرته معه فاطمة الإفريقي في سلسلة مقالات تحمل عنوان "الخارجون عن الإجماع" بجريدة "أخبار اليوم" في العدد 1117 الصادر يوم الأربعاء 17 يوليوز 2013. ومعلوم أن حميد مجدي النقابي والعضو بالحزب الاشتراكي الموحد حصل على حكم بالبراءة من المحكمة الابتدائية بمراكش قبل أسابيع، وذلك إثر وضع مجهولين مخدر الشيرة والكوكايين في سيارته.. وقد لقي مجدي مساندة وتضامنا واسعين، وأرجع سبب مضايقته إلى نضاله النقابي بإقليم ورزازات قائلا في نفس الحوار المشار إليه:" .. أدافع كنقابي وحقوقي في إطار القانون، على العمال في مؤسسات الدولة وفي المناجم والفنادق المصنفة وغيرها من الشركات الكبرى التي ينتهك بعضها أبسط الحقوق والقوانين بشكل صارخ، فلا يوجد فرق كبير في المغرب ـ بكل أسف ـ بين ان تكون عاملا وأن تكون عبدا. لقد حاولوا في البداية إغرائي كي لا أساند عمال شركة مناجم، ولما فشلت محاولاتهم غيروا الخطة بالتضييق عليّ". وأضاف أنه "لازال مهددا لحد الآن بسبب" مواقفه..ويتهم في ذلك عامل إقليم قلعة السراغنة حيث انتقل للعمل بها، وقد دفع للعمل خارج دائرة اختصاصه في إحدى القيادات بعيدا عن المدار الحضري.. كما أشار إلى استغرابه من عدم تضامن الجهاز النقابي المركزي المسير لنقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل خصوصا أن ما تعرض له كان سببه نضالاته النقابية كما قال.. بخلاف هيئات أخرى مختلفة تضامنت معه.. وذكّر في خضم حديثه بالمضايقات بحالة محمد ياسر اكميرة بسيدي سليمان الذي حصل على حكم بالبراءة في الثاني شهر يونيو المنصرم..

الاثنين، 8 يوليو 2013

ديغول "الأنواري" يخاطب مرسي الإخواني./ ذ. حميد هيمة

ديغول "الأنواري" يخاطب مرسي الإخواني.
 مرسي، كما مبارك المخلوع، شيّعه الشعب سياسيا إلى مثواه الأخير، غير أن تدخل العسكر منحه شرف "الانقلاب" على الشرعية الدستورية، كما أنه اغتصب- العسكر- ثورة شعبية مستمرة لاستعادة السلطة إلى الشعب: إنها سلطة ليست دينية كما توهم مرسي وجماعته باغتصاب منصب الحديث باسم الله في الأرض، وليست أيضا سلطة عسكرية انقلابية تجهض الآمال الشعبية في الحرية والديمقراطية.
945024_644447015582803_1710018813_n.jpg
حميد هيمة(*)


ديغول، بما يحمله من رمزية مقاومة النازية، يتنحّى عن السلطة عقب ثورة ماي 1968، ومرسي، بما يحمله من رغبة جامحة لـلجماعة في "التمكين"، يتشبث بالشرعية الدستورية ويكفر بالشرعية الشعبية التي أسقطت المخلوع السابق.
إن الترافع بمضمون الشرعية، وفي أحايين كثيرة الشريعة لدغدغة مشاعر "المؤمنين" المقهورين المتطلعين للخلاص، يشبه إلى حد كبير اغتصاب الزوج لزوجته بناء على عقد "النكاح"، على حد تعبير الصديق عدنان.
فرغم كل نقائص الديمقراطية "البورجوازية"، قياسا إلى الديمقراطية بمضونها العام، فإن المكتسبات الليبرالية ساهمت في ترسيخ الحقوق السياسية والمدنية وتحرير الشعوب من كل أشكال الاستبداد المباشر القائم على تركيز السلط لفائدة الحاكم المستبد.
إن النضال و التضحيات الجسيمة للشعوب في سبيل الحرية ساهم في استعادة الفعل السياسي، كعلاقات ناظمة بين الحاكم والمحكوم في الديمقراطية التمثيلية، من المجال القدسي القائم على اغتصاب تجار الدين لمنصب المتحدث باسم "الله" في الأرض؛ بما يختزنه ذلك من دلالة امتلاك الحقيقة السماوية المطلقة في فضاء سياسي قائم على تنسّيب التقدير في المواقف والاتجاهات إزاء قضايا مرتبطة بالصراع في الأرض لا في السماء.
وبعد  مسلسل ثوري، مسنود بأرضية فكرية تنويرية تنتصر للإنسان، نجحت كل الحضارات الحيُة في إعادة صياغة ثقافتها السياسية بشكل ينتصر للشعوب كمصدر للسلطة في الديمقراطيات التمثيلية. وبعمق أكثر، إسناد النظام السياسي لشرعيته التمثيلية بإشراك المجتمع في بلورة وتنفيذ المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية..الخ.
على عكس هذا المسار، تختزل الأنظمة "العربية"، وبتحديد أدق العصابات المتسلطة على شعوب المنطقة، الديمقراطية لشرعنة القهر والغلبة،  وتلتوي على الاستشارات الشعبية لتزكية إجماع قبلي حول حاكم لم يحرّره "الانتخاب" من تقديس الذات أو من الجنوح إلى فعل الغلبة والقهر.
ومناسبة هذا الاستهلال هو ما يقع في مصر. هل ما وقع "انقلاب" على الشرعية والشريعة من منظور المؤيد، أم أن ما حدث "ثورة" شعبية سرقها الجيش من منظور ينتصر للدولة المدنية؟
قبل التفاعل مع السؤال، من المهم أن نشير، في البدء والمنتهى، أن النقاش سينصب على الصراع السياسي، مما يتوجّب علينا أن ننزع عن الفرق المتصارعة فيه كل الأغطية الدينية التي ارتدتها  لتحصين مواقفها السياسية ومنافعها الاجتماعية والاقتصادية بمقولات دينية انتهت مدة صلاحياتها وفعّاليتها حتى مع "الصحابة" الذين تقاتلوا من أجل السلطة السياسية وليس حول مبطّلات الوضوء وفروض الصلاة ..الخ.

طبعا، لن يكون الحديث، هنا، عن تقييم فترة حكم مرسي، مع ما يتستدعي ذلك من خلاف واختلاف حول معايير التقييم، وإنما سنتوجه رأسا إلى مناقشة قضية "الشرعية" المختزلة في الديمقراطية العددية: ديمقراطية العصبية/ الطائفة الغالبة/ الناجية.
إن الانتخابات "النزّيهة" في مصر، كأحد أوجه التعبير عن الإرادة الشعبية، ليست تفويضا نهائيا للحاكم  " محمد مرسي"  لتنفيذ الرغبات الدفينة وغير المعلنة لطائفة من المجتمع، نقصد هنا " جماعة الإخوان المسلمين"، التي ارتدت لبوسا تنظيميا "مدنيا" لإخفاء حقيقتها المتعارضة مع متطلبّات المدنية السياسية: الفصل بين السياسي والدعوي.
إن مرسي المتشبث بشرعية الصناديق، كما يدل على ذلك ترديده لـ "الشرعية" أكثر من 160 مرة في خطاب الوداع، وصل إلى السلطة بعد أن أطاح الشعب المصري بحاكم عسكري، سخّر كل مظاهر الديمقراطية، للاحتفاظ باستمراره حاكما مستبدا على مصر العظيمة بتاريخها وشعبها.
لقد تداعت جماعة "الإخوان المسلمين" في التهليل بالحراك الشعبي، في بداية 2011، لإسقاط الدكتاتور "حسني مبارك"، كما أنها تعجّلت في تزكية الجيش  لتنحية المخلوع !! غير أن الجماعة تحولت إلى "ضحية" لما شرعنته بالأمس: انتفاضة الشعب المصري ضد الرئيس الإخواني، وتدخل الجيش لتنحيته "حفاظا على موجبات الأمن القومي"، كما يبرر العسكر ذلك.
لم يراع رئيس الإخوان حساسية اللحظة الانتقالية في مصر، التي كانت تقتضي إشراك كل القوى السياسية الديمقراطية والشعبية، بل قاده جنوحه لركوب ديمقراطية"الغالب" الذي يفرض على الفريق المغلوب إبداع صيغ جديدة للمقاومة حملت شارة " تمرد".
ضحّى الشباب بدمائهم وأرواحهم، في الحراك الجاري، ليس لتفويض مرسي وجماعته فرض دستور على مقاس "التمكين" الاخواني، أو لتوزيع المنافع المادية والرمزية على أعضاء الطائفة، وإنما كانت التضحيات من أجل التأسيس لديمقراطية شاملة قائمة على احترام الإرادة الشعبية والاستجابة للتطلعات الجماعية في العدالة الاجتماعية والكرامة.
يبدو من ردود الفعل البطيئة للرئيس المخلوع، في النسخة الثانية، أنه لم يستوعب ذلك الحشد التاريخي من الشعب المندّد بسياسته اللاشعبية. كما أنه لم يدرك أن سياسة الانفراد المنحازة للطائفة خلقت اصطفافا اجتماعيا وثقافيا وسياسيا ضده وضد جماعته المتطلعة لأخونة الدولة والمجتمع.
وفي مواجهة المشروع الاخواني، وتراكم الأخطاء القاتلة للرئيس، وأثار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ومخاض الاحتقان السياسي، انبثقت مبادرة الشباب المبدع لـ"التمرد" على الانقلاب الناعم للإخوان؛ فقد احتشدت الجماهير للمطالبة بإسقاط مرسي وإعلان الانتخابات الرئاسية المبكرة وإحداث تعديلات ومراجعات دستورية لتجاوز دستور جماعة الغلبة والقهر.
لم تعترف الجماعة أن الحشود اندفعت إلى ميادين التحرير بشعار وحيد: إسقاط نظام الإخوان ! فيما نشبت هؤلاء- الإخوان- بالشرعية الدستورية المنبثقة عن نتائج الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور، مقابل غض الطرف عن الشرعية الشعبية في حشد تاريخي أعظم من الحشد المناهض لمبارك! كما لم تستسغ الطائفة الناجية أن المواطن-ة المصري-ة احتج على الحاكم "الإسلامي" لتجبّره وفشله في إشباع الحاجيات اليومية لفئات واسعة من الشعب تناضل من أجل تأمين عيشها؛ الذي بدأ عسيرا في ظل الحاكم الاخواني!
 انضاف إلى جبهة الرفض قطاع واسع من المثقفين الرافضين لعمليات الأخونة الهادئة للدولة والمجتمع، كما انحاز ضدهم الثوار الذين اعتبروا أن ثورتهم سرقت أو حرّفت عن مسارها الطبيعي. لم يبق إلا تدخل الجيش  بمبرر"حماية الأمن القومي" لتنحية الرئيس المنتخب؛ الذي نجح في تمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي المصري بتنطعه وعدم إنصاته لنبضات شعب اختار الثورة وسيلة لإسقاط الطغاة.
من العسير الحديث، وفقا للتحديدات الكلاسيكية، عن "انقلاب" عسكري باستحضار معطيات تنهض دليلا لا يطاوع كثيرا في قولبة الأحداث الجارية وفقا للتفسير الانقلابي. يكفي أن نشير هنا، مثلا، إلى إسناد الحكم إلى مدني وفق ما تنص عليه الآلية الدستورية، كما أن نهوض الملايين، في حشد غير مسبوق تاريخيا، للمطالبة بإسقاط الرئيس ترفع من الشرعية الشعبية فوق كل الشرعيات القائمة. أليس الشعب هو مصدر السلطة؟!
دائما في سياق التساؤل: أليست الانتخابات هي من حملت " أدولف هتلر" إلى السلطة في ألمانيا؟ ولماذا تنازل "ديغول" عن الحكم رغم أنه مسنود بالشرعية الانتخابية و"الوطنية" في تحرير وطنه من النازية؟
يبدو الجواب المباشر والفوري، في الحالة الألمانية، أن الديمقراطية الآلية المعبّر عنها في صناديق الاقتراع غير ناضجة بما يكفي لحماية الديمقراطية من الممارسات والأفعال التسلطية للحكام ما دامت لهم القدرة على دغدغة المشاعر الدينية والقومية وتصريفها انتخابيا. كما أن الديمقراطية، في حالة ديغول، لا تمنع الحاكم المنتخب ديمقراطيا من مراعاة تطلعات شعبه واتجاهاته الجديدة.
الرئيس المنتخب ديمقراطيا، قائد تحرير الوطن، يطوي فترة حكمه بإعلانه رسميا، في كلمات تختزل موقف تاريخي، توقفه " عن مُمارسة مهام رئيساً للجمهورية. يصبحُ هذا القرار نافذاً عند ظهر اليوم: 29 نيسان 1969" !
وبالعودة إلى مسرح الأحداث، في نهاية ستينيات القرن السابق، كانت فرنسا قد عرفت غليانا اجتماعيا وسياسيا ترجم في ثورة ماي 1968 فرضت على "ديغول" إجراء استفتاء شعبي حول الإصلاحات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية، غير أن النتائج كانت مخّيبة لأماله فاضطر إلى إعلان تنحّيه الطوعي، وترك وصيته بألا يحفر على شاهد قبره إلا العبارة التالية: “شارل ديغول 1890-1970!
مرسي، كما مبارك المخلوع، شيّعه الشعب سياسيا إلى مثواه الأخير، غير أن تدخل العسكر منحه شرف "الانقلاب" على الشرعية الدستورية، كما أنه اغتصب- العسكر- ثورة شعبية مستمرة لاستعادة السلطة إلى الشعب: إنها سلطة ليست دينية كما توهم مرسي وجماعته باغتصاب منصب الحديث باسم الله في الأرض، وليست أيضا سلطة عسكرية انقلابية تجهض الآمال الشعبية في الحرية والديمقراطية.
إن ما يأمله الشعب الثائر هو دولة مدنية.. لا عسكرية ولا دينية... دولة فصل السلط، ينبثق ويعبر  قرارها السياسي عن الشرعية  الشعبية، دولة في خدمة الشعب لا الشعب في خدمة الدولة و المافيات الاقتصادية بمختلف ألوانها الدينية والمذهبية.. الخ.
إن الدولة المدنية المنشودة، التي انتهت إليها معظم التجارب الثورية في التاريخ المعاصر، قائمة على قيم التعددية والثقافة الديمقراطية بضمانها للحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الحريات الفردية والعامة.
تستمر الثورة إلى الدولة المدنية في المحطة الأولى.. في انتظار الثورة التاريخية من أجل العدالة الاجتماعية وتحرير الإنسان من الاستغلال والقهر.
جميعا من أجل "التمرد" للمصالحة مع التاريخ... فوقائع التاريخ ترجّح أن العسكر انحازوا إلى صف اليمين!
-------------------

(*) أستاذ الاجتماعيات بنيابة سيدي سليمان

الثلاثاء، 2 يوليو 2013

البراءة لمحمد ياسر أكميرة بسيدي سليمان

 البراءة لمحمد ياسر أكميرة بسيدي سليمان




  حكمت المحكمة الابتدائية ببراءة كاتب فرع الحزب الاشتراكي الموحد بسيدي سليمان وعضو مجلسه الوطني، وقد نطق القاضي بتبرئة المتهم صبيحة الثلاثاء 2 يوليوز إثر  جلسات امتدت على عدة شهور بتهمة ” التهديد ومحاولة القتل” في حق سيدة بواسطة سيارته حسب محضر الاتهام. ومعلوم أن الصيدلي ياسر أكميرة يتحمل عدة مسؤوليات حزبية وحقوقية وله مواقف في ذلك يعبر عنها..       

السبت، 29 يونيو 2013

خروج المصريين في الثلاثين من يونيو يعنينا

خروج المصريين في الثلاثين من يونيو يعنينا
صورة: ‏خروج المصريين في الثلاثين من يونيو يعنينا

كتابة مصطفى لمودن
ليس الأمر قضية مصرية فقط، وإلا ما كان تدخل يوسف القرضاوي ليدعو المصريين لعدم خروج المصريين للتظاهر.. القرضاوي مفتي "الجزيرة" والداعي لخونجة العالم، نعم العالم بآسره، وإلا لما أسس هيئة لذلك بأوربا يترأسها.. 
فما المشكلة في الخونجة؟ 
تنسب "الخونجة" ل"الإخوان المسلمين" بمصر، وهي الحركة السياسية التي تأسست سنة 1928 على يد حسن البنا معتمدة  مقومات دينية خاصة وفق تحليل خاص  للوصول إلى السلطة.. وبقي "الإخوان" في مد وجزر منذ ذلك الوقت، مرة يساندون نظاما سياسيا كما وقع في بداية حكم جمال عبد الناصر ومع أنور السادات الذي "تصالح" مع إسرائيل.. وكانوا يواجهون في بعض الأحيان بقمع أو تتم محاصرتهم.. لكنهم حافظوا على تنظيم جد مهيكل، ثم توفروا على قوة اقتصادية، والآن على ملشيات شبه عسكرية، ولهم امتداد شعبي، خاصة أنهم يعتمدون "الدعم المادي" لبعض الفئات الاجتماعية، ما يجعل الفقراء وذوي الحاجة متعلقين بهم لظروفهم المعيشية الصعبة في غياب سياسة تنموية تقوم بها الدولة،  وهناك تساؤلات يطرحها المصريون حول التمويل الخارجي لهذه الجماعة كما يكتب عن ذلك باستمرار علاء الأسواني في الصحف، ومع رفض الجماعة الإخوانية الكشف عن حساباتها ومصادر التمويل.. استغل "الإخوان" التذمر الذي خلفه النظام السابق، ورغبة المصريين في التغيير وضعف بقية المنافسبين بعد خلع حسني مبارك وإجراء الانتخابات.. ليستفيق المصريون على رغبة محمومة من تنظيم "الإخوان" للاستيلاء على الدولة برمتها وأساسا القضاء الذي بقي رافعا لواء "الاستقلالية" منذ زمن سابق، فغير الرئيس مرسي المدعي العام خارج المسطرة القانونية.. ثم أعلن الإخوان عن رغبة عارمة للاستيلاء على  وسائل الإعلام وحصار الفنون وتعيين وزير للثقافة جاء لتصفية الحساب مع الثقافة والمثقفين، والشروع في تعيين محافظين من جماعة الإخوان.. وعلى المستوى الخارجي يسقط الحاكمون الجدد يوما بعد آخر في براثن الوهابية المدعمة من طرف دول خليجية، وقد احتضنوا اجتماعا موسعا للسنة برئاسة القرضاوي نفسه وتم التحريض على الشيعة ونعتهم بأقذح النعوت مما ألب البعض ضد الشيعة في مصر وتم قتل أحد زعمائها.. كما تعرض المسيحيون للحصار وحرق كنائسهم..
  أصبح المصريون أمام واقع شبيه بعهد حسني مبارك، وتبخرت أمال الثورة في الحرية والإنعثاق، ووجدوا "رئيسهم" تابع لمجس الإرشاد وهو أعلى هيأة للإخوان المسلمين عوض أن يكون رئيس كل المصريين..  ولن ينسى المصريون قرار الرئيس بتغيير بنود الدستور اعتمادا على "مجلس الشعب" المطعون في صلاحيته، لقد غير أهم بند يمكن أن يحاسب الرئيس، ليصبح هو الحاكم المطلق في البلد..  
  أتاح  مرسي الفرصة لتتجمع ضده كل الأطياف، من ليبراليين ويساريين وبقايا النظام السابق.. وحتى السلفيين لم يعودوا ينظرون إليه باعتباره حليفا لهم، واستقال أعضاء هذا التنظيم من المسؤوليات التي كانوا يتحملونها، خاصة في الاستشارية الرئاسية.. 
 أصبح هم غالبية المصريين هو إزاحة الرئيس المنتخب، رغم أنه قضى فقط ما يفوق بقليل السنة في الحكم، ومبررهم هو  تخليه عن الوعود التي جاء بها، وهي تطبيق مبادئ الثورة، وصيانة الحريات وتحسين مستوى العيش.. لقد توحدت كل أطياف المعارضة ضد سياسة الرئيس، وجمع نشطاء المجتمع المدني 16 مليون توقيع لإقالته، ودعوا الشعب لاحتجاجات مكثفة في كل ربوع مصر يوم الأحد 30 يونيو، (للأحد دلالة الدعوة لدولة مدنية وليس لدولة دينية)، وقد شرع المصريون منذ مساء الجمعة في التجمع بساحات المدن الكبرى..   
 فلماذا يعنينا ما يقع في مصر؟ 
 كل عاقل وموضوعي يتشبث بمبدأ عدم التدخل في القضايا الداخلية لدولة أخرى، وهذا ما نؤمن به، فليس ما يعنينا في حالة مصر هو مناصرة طرف ضد آخر، ولكن هو استخلاص الدروس، فهل يجب أن نقف مع إقرار التعددية الحزبية والفكرية والثقافية في المجتمع؟  هل سنسعى لتكون الدولة في خدمة جميع المواطنين على قدم المساواة؟ أم تكون في خدمة فئة معينة وتحت سيطرة فئة معينة؟ هل ندافع عن الدولة المدنية التي تتيح لجميع الرؤى والأفكار والتنظيمات التواجد والعمل والسعي للسلطة عبر الانتخابات؟ أم يبقى التعدد شكليا أو ينمحي على مراحل بالمرة إلى أن ينقرض، فتجد الديكتاتورية كل المتطلبات لتنمو وتعشش وتمدد جذورها؟  فقد هدد مثلا منسق "لجنة دعم الرئيس" المصري جميع المصريين بتحويل مصر إلى دولة دينية كما نقلت ذلك القنوات الإخبارية ذلك طيلة يوم الجمعة وهو يخطب في حشد من الأنصار..
  إن مكانة مصر وثقلها الثقافي والتاريخي والبشري وموقعها الجيوستراتيجي يجعل  الأحداث التي تعرفها تؤثر في بقية البلدان المحيطة بها.. قلبنا على مصر، نتخوف من أن يتحول الخلاف إلى صراع دموي، ستكون الخسارات فادحة ليس على مصر فقط بل على محيطها كذلك.. وعلى "الجماعة الحاكمة" أن تعي أن الزمن اختلف وأن التعدد حق مشروع وأن الدولة يجب أن تبقى للجميع..   
-------------------------
قد يتعرض الموضوع لمراجعات بسيطة‏

مصطفى لمودن
ليس الأمر قضية مصرية فقط، وإلا ما كان تدخل يوسف القرضاوي ليدعو المصريين لعدم خروج المصريين للتظاهر.. القرضاوي مفتي "الجزيرة" والداعي لخونجة العالم، نعم العالم بآسره، وإلا لما أسس هيئة لذلك بأوربا يترأسها..
فما المشكلة في الخونجة؟
تنسب "الخونجة" ل"الإخوان المسلمين" بمصر، وهي الحركة السياسية التي تأسست سنة 1928 على يد حسن البنا معتمدة  مقومات دينية خاصة وفق تحليل خاص  للوصول إلى السلطة.. وبقي "الإخوان" في مد وجزر منذ ذلك الوقت، مرة يساندون نظاما سياسيا كما وقع في بداية حكم جمال عبد الناصر ومع أنور السادات الذي "تصالح" مع إسرائيل.. وكانوا يواجهون في بعض الأحيان بقمع أو تتم محاصرتهم.. لكنهم حافظوا على تنظيم جد مهيكل، ثم توفروا على قوة اقتصادية، والآن على ملشيات شبه عسكرية، ولهم امتداد شعبي، خاصة أنهم يعتمدون "الدعم المادي" لبعض الفئات الاجتماعية، ما يجعل الفقراء وذوي الحاجة متعلقين بهم لظروفهم المعيشية الصعبة في غياب سياسة تنموية تقوم بها الدولة،  وهناك تساؤلات يطرحها المصريون حول التمويل الخارجي لهذه الجماعة كما يكتب عن ذلك باستمرار علاء الأسواني في الصحف، ومع رفض الجماعة الإخوانية الكشف عن حساباتها ومصادر التمويل.. استغل "الإخوان" التذمر الذي خلفه النظام السابق، ورغبة المصريين في التغيير وضعف بقية المنافسبين بعد خلع حسني مبارك وإجراء الانتخابات.. ليستفيق المصريون على رغبة محمومة من تنظيم "الإخوان" للاستيلاء على الدولة برمتها وأساسا القضاء الذي بقي رافعا لواء "الاستقلالية" منذ زمن سابق، فغير الرئيس مرسي المدعي العام خارج المسطرة القانونية.. ثم أعلن الإخوان عن رغبة عارمة للاستيلاء على  وسائل الإعلام وحصار الفنون وتعيين وزير للثقافة جاء لتصفية الحساب مع الثقافة والمثقفين، والشروع في تعيين محافظين من جماعة الإخوان.. وعلى المستوى الخارجي يسقط الحاكمون الجدد يوما بعد آخر في براثن الوهابية المدعمة من طرف دول خليجية، وقد احتضنوا اجتماعا موسعا للسنة برئاسة القرضاوي نفسه وتم التحريض على الشيعة ونعتهم بأقذح النعوت مما ألب البعض ضد الشيعة في مصر وتم قتل أحد زعمائها.. كما تعرض المسيحيون للحصار وحرق كنائسهم..
  أصبح المصريون أمام واقع شبيه بعهد حسني مبارك، وتبخرت أمال الثورة في الحرية والإنعتاق، ووجدوا "رئيسهم" تابع لمجس الإرشاد وهو أعلى هيأة للإخوان المسلمين عوض أن يكون رئيس كل المصريين..  ولن ينسى المصريون قرار الرئيس بتغيير بنود الدستور اعتمادا على "مجلس الشعب" المطعون في صلاحيته، لقد غير أهم بند يمكن أن يحاسب الرئيس، ليصبح هو الحاكم المطلق في البلد.. 
  أتاح  مرسي الفرصة لتتجمع ضده كل الأطياف، من ليبراليين ويساريين وبقايا النظام السابق.. وحتى السلفيين لم يعودوا ينظرون إليه باعتباره حليفا لهم، واستقال أعضاء هذا التنظيم من المسؤوليات التي كانوا يتحملونها، خاصة في الاستشارية الرئاسية..
 أصبح هم غالبية المصريين هو إزاحة الرئيس المنتخب، رغم أنه قضى فقط ما يفوق بقليل السنة في الحكم، ومبررهم هو  تخليه عن الوعود التي جاء بها، وهي تطبيق مبادئ الثورة، وصيانة الحريات وتحسين مستوى العيش.. لقد توحدت كل أطياف المعارضة ضد سياسة الرئيس، وجمع نشطاء المجتمع المدني 16 مليون توقيع لإقالته، ودعوا الشعب لاحتجاجات مكثفة في كل ربوع مصر يوم الأحد 30 يونيو، (للأحد دلالة الدعوة لدولة مدنية وليس لدولة دينية)، وقد شرع المصريون منذ مساء الجمعة في التجمع بساحات المدن الكبرى..   
 فلماذا يعنينا ما يقع في مصر؟
 كل عاقل وموضوعي يتشبث بمبدأ عدم التدخل في القضايا الداخلية لدولة أخرى، وهذا ما نؤمن به، فليس ما يعنينا في حالة مصر هو مناصرة طرف ضد آخر، ولكن هو استخلاص الدروس، فهل يجب أن نقف مع إقرار التعددية الحزبية والفكرية والثقافية في المجتمع؟  هل سنسعى لتكون الدولة في خدمة جميع المواطنين على قدم المساواة؟ أم تكون في خدمة فئة معينة وتحت سيطرة فئة معينة؟ هل ندافع عن الدولة المدنية التي تتيح لجميع الرؤى والأفكار والتنظيمات التواجد والعمل والسعي للسلطة عبر الانتخابات؟ أم يبقى التعدد شكليا أو ينمحي على مراحل بالمرة إلى أن ينقرض، فتجد الديكتاتورية كل المتطلبات لتنمو وتعشش وتمدد جذورها؟  فقد هدد مثلا منسق "لجنة دعم الرئيس" المصري جميع المصريين بتحويل مصر إلى دولة دينية كما نقلت ذلك القنوات الإخبارية ذلك طيلة يوم الجمعة وهو يخطب في حشد من الأنصار..
  إن مكانة مصر وثقلها الثقافي والتاريخي والبشري وموقعها الجيوستراتيجي يجعل  الأحداث التي تعرفها تؤثر في بقية البلدان المحيطة بها.. قلبنا على مصر، نتخوف من أن يتحول الخلاف إلى صراع دموي، ستكون الخسارات فادحة ليس على مصر فقط بل على محيطها كذلك.. وعلى "الجماعة الحاكمة" أن تعي أن الزمن اختلف وأن التعدد حق مشروع وأن الدولة يجب أن تبقى للجميع..   


الاثنين، 24 يونيو 2013

جريدة "مدرسة الوطن" تنشر قصة للمشرف على المدونة مصطفى لمودن

جريدة "مدرسة الوطن" تنشر قصة للمشرف على المدونة مصطفى لمودن 
صدر العدد الأول من جريدة "مدرسة الوطن" في العشرين من يونيو 2013 من الرباط، يتحمل رئاسة تحريرها الأستاذ لحسن اللحية وهو باحث في شؤون التربية وأستاذ بمركز التوجيه والتخطيط التربوي"، أما مديرها المسؤول فهو عبد الله لطفي، والجريدة من حجم تابلوايد، وجاء في الافتتاحية التي كتبها ذ. اللحية حديث عن دواعي الإصدار ك"المساهمة في بناء مستقبل الوطن"،  وما يشبه التعاقد مع القراء وتوضيح الخط التحريري للجريدة حيث التركيز على الوطن (وليس الأمة) واعتماد العقلانية والتنوير. 
 وتميز العدد بنشر قصة قصيرة (مطولة) على صفحتين كاملتين لمصطفى لمودن، تحت عنوان "شاي وبرودة وحرقة".. وتوزعت بقية المواضيع على قضايا تهم التربية والتعليم.. 
 ما يلاحظ على العدد الأول هو نشره دراسات مجزأة، يتبع باقيها لاحقا، وهو ما لا يناسب جريدة سيارة.. 
أتمنى التوفيق لهذا المولود الإعلامي الذي سيسد نقصا كبيرا في مجال تخصصه.. 

الخميس، 20 يونيو 2013

ثلاثة أسئلة لمحمد ياسر أكميرة على خلفية محاكمته بسيدي سليمان

يتابع محمد ياسر اكميرة عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد وكاتب فرع نفس الحزب بسيدي سليمان والرئيس الوطني لجمعية العقد العالمي للماء وكاتب نقابة الصيادلة... (يتابع)في محكمة سيدي سليمان بتهم "محاولة القتل العمد"، وسيقف من جديد أمام المحكمة يوم الثلاثاء 25 يونيو، في الحوار التالي الذي أجراه معه محمد الكنودي يوضح ياسر أكميرة بعض المعطيات

-----------
ثـــــــلاثــــــــة أســـــــــــئلة
-----------

 

____________
إعداد: محمد الكنودي

ــــــــــ
1- حددت جلسة جديدة في أطوار الملف الذي على اساسه تتابع قضائيا هل يمكن ان توضح لنا خلفيات هذه المحاكمة؟
----------------------------------------
-
نعم، حدد يوم 25 يونيو الجاري كتاريخ لجلسة جديدة وغالبا ستكون للنطق بالحكم بعد شهور طويلة من التأجيلات المتتابعة بعد أن أصبح الملف جاهزا بعد جلسات عرفت نقاشا واستماعا للشهود ومرافعات المحامين ... إلخ.
أنا وكما تعلمون متابع في هذه القضية\المهزلة بتهمة محاولة قتل إحدى السيدات دهسا بالسيارة، وقد قمت بذلك أكثر من مرة حسب تصريح المشتكية المفترضة، وقد أصبتها حسب نفس الإدعاء على مستوى رجلها (وقد أحضروا شاهدا يدعي معاينته للواقعة)، بالإضافة إلى تهمة التهديد في حق هذه السيدة والتي ادعت كذلك أمام هيأة المحكمة بأنني كنت أهددها باختطاف أبنائها !! وغيرها من الأقوال التي تحاول النيل مني ومن سمعتي وتصويري كشخص منحرف ومجرم محترف.
طبعا الملف من الناحية القانونية فارغ تماما بحيث أن السيناريو تم حبكه بطريقة جد هاوية، فنجد تناقضات صارخة في تصريحات المشتكية أمام الضابطة القضائية وأمام المحكمة، وتناقضات أخرى بين أقوالها وأقوال الشاهد المزعوم، بالإضافة إلى غياب أي دليل على ادعاءاتهما وعدم وجود حتى شهادة طبية تؤكد إصابتها كما تدعي ... إلخ، كل هذا يجعل الملف خاليا من أي ركن من أركان الفعل الجنحي المنسوب إلي، وبالتالي يجعل التكييف القانوني للتهم من طرف النيابة العامة غير ذي معنى، أضف إلى كل هذا تقدمي بدلائل قاطعة تفند هذه الادعاءات ومنها ثبوت تواجدي في مكان آخر ساعة الوقوع المفترض لهذه النازلة، حيث أدليت بمحضر رسمي لاجتماع مكتب نقابة الصيادلة يثبت تواجدي فيه، كما حضر دكاترة أعضاء النقابة وأدلوا بشهادتهم وكلها تؤكد وجودي في ذلك الاجتماع ومساهمتي فيه ... إلخ، المهم التفاصيل كثيرة وكلها تؤكد أن هذا الملف من الناحية القانونية فارغ ولا يستحق أن تقرر بشأنه المتابعة وما تلاها من جلسات متتالية واستنزاف للطاقات على كل المستويات.
طبعا إذا قارنا من الناحية القانونية\الشكلية هذا الملف الذي أتابع فيه، بما وقع مثلا لمناضلي حركة 20 فبراير بسيدي سليمان أثناء الحملة المهزلة للتصويت بنعم على الدستور الممنوح، حيث تم إنزال للبلطجية الذين هجموا عل أعضاء ومناضلي حركة 20 فبراير وانهالوا عليهم بالضرب بالحجارة والأسلحة البيضاء مما خلف إصابات وجروح بليغة نقل على إثرها عدد كبير من المناضلين إلى المستشفى وسلمت لهم شواهد طبية بمدد طويلة، ومع أن أولئك البلطجية معروفون بالاسم وبمقر سكناهم (بل منهم بعض المنتخبين)، ورغم وجود عشرات الشهود، ورغم التقدم بشكايات للنيابة العامة مرفوقة بالشواهد الطبية، ورغم مراسلات الهيئات والمنظمات الحقوقية ... إلخ، نجد أن النيابة العامة لم تقرر المتابعة وتم إقبار الملف. هذا مثال فقط للمقارنة بين الحالتين\الملفين من الناحية القانونية يبين ما لا أحتاج إلى شرحه.
-------------------------------------------
2-  كيف ترى هذه التضيقات التي تنتهج ضدك وضد اعضاء اخرين في حزبكم خاصة في الاونة الاخيرة؟
-----------------------------------------
طبعا عبقرية المخزن اهتدت في الآونة الأخيرة إلى تلفيق التهم للمناضلين بطرق ملتوية، بعد دراسة حالة كل مناضل على حدة وبالتالي تقرير من أي باب يمكن النيل منه ومن يمكن تسخيره لذلك، وقد رأينا الطريقة التي تم بها تلفيق تهمة حيازة والاتجار بالمخدرات للرفيق حميد مجدي، وكيف تم الاشتغال على ذلك لمدة شهور قبل اعتقاله، وفي حالتي قد يبدو للبعض أن الملف ليس إلا نزاعا بسيطا بيني وبين أشخاص ولكن لا نحتاج لكثير من الذكاء لندرك حقيقة الأمور وخصوصا إذا ما وضعناها في سياق العديد من المضايقات التي كان أبطالها المعنيون بالأمر، وذلك منذ انطلاق حركة 20 فبراير، وتجسيدنا بعد ذلك لموقف الحزب الاشتراكي الموحد القاضي بمقاطعة الدستور ثم الانتخابات التشريعية ... إلخ، فالعديد من المضايقات والتهديدات التي كنت أتعرض لها على يد أزلام هؤلاء كانت مصحوبة بهتافات "عاش الملك" و "نعم للدستور"، وفي نفس الوقت كان مقر عملي قد تعرض لاقتحام من طرف باشا المدينة وأعوانه لينتهكوا حرمته ويعلقوا بداخله عنوة ملصقات لوزارة الداخلية تدعو للمشاركة في الانتخابات، كما أن محيط مقر الحزب الاشتراكي الموحد بسيدي سليمان كان يعرف إنزالا لرجال وأعوان السلطة كلما احتضن اجتماعا عاديا للحزب أو لتنسيقية شباب 20 فبراير، وإذا أضفنا إلى كل هذا تحركنا كمناضلين في العديد من القضايا العادلة للمواطنين وخاصة في المغرب العميق المستنزف والمهمش وضمنه إميضر بإقليم تينغير، وقبلها بنصميم في الأطلس المتوسط، وبوعرفة ... إلخ، نفهم بأنه لا ينظر إلينا بعين الرضا من طرف خدام الفساد في هذا البلد.

محمد ياسر أكميرة أثناء مسيرة التضامن مع عمال مناجم إيميضر

هذا وبدون الدخول في الكثير من التفاصيل هو السياق العام الذي تأتي فيه متابعتي على غرار عدد من رفاقي في مجموعة من المناطق، ونحن نعلم كيف أن الرفيق حميد مجدي اضطر لهجرة مدينة ورزازات نظرا للمضايقات الكبيرة التي تعرض لها على جميع المستويات وبأساليب منحطة، حتى بعد تبرئته من القضاء من تهمة حيازة المخدرات، ونعلم كذلك كيف حوكم الرفيق يوسف بنصباحية في بنسليمان ويتابع الرفيق غسان بنوازي بتيفلت، وسخر البعض لتشميع مقر الحزب بكلميم ...كما كان قد حوكم وسجن الرفاق نجيبي وكبوري وشنو بتهم ملفقة من قبل بالإضافة إلى المحاكمات والاعتقالات التي طالت عدد من النشطاء من هيئات صديقة ومن حركة 20 فبراير، كل هذا يأتي في إطار محاولة يائسة لاجتثات الفعل النضالي الحقيقي من المجتمع المغربي وإقبار الحراك الاجتماعي، ولكن يبدو أن أصحاب هذه النظرة الضيقة لا يستوعبون دروس التاريخ.
-----------------------------------------
 3-  هل لديك كلمة يمكنك أن تقولها وأنت على بعد أيام من جلسة المحاكمة
----------------------------------------
الآن وأنا على بعد بضعة أيام من جلسة 25 يونيو، لا يسعني أولا إلا أن أعبر عن افتخاري واعتزازي بالانتماء لحزب مناضل هو الحزب الاشتراكي الموحد، وكذلك بكل الهيئات المدنية التي أنشط فيها بغض النظر عن المسؤوليات التي أتحملها فيها، وأشكر بالمناسبة كل الرفيقات والرفاق في الحزب على دعمهم المعنوي الكبير الذي لم ينقطع منذ أن علموا بالأمر -والذي للإشارة لم أبح به بل كان "تسريبا" من أحد الرفاق- وعلى رأسهم الرفيقة الأمينة العامة، كما أشكر كل رفاقي المناضلين في مختلف الهيئات المناضلة الصديقة، والمعتصمين إلى حدود الآن على جبل ألبان بإميضر، وكل أصدقائي وصديقاتي، ولا يفوتني كذلك أن أشكر كل المحامين المتطوعين الذين قرروا تلقائيا مؤازرتي لإيمانهم ببراءتي من هذه التهم الملفقة.

مع الفقيد الحسين الإدريسي


الأربعاء، 12 يونيو 2013

ذ. محمد سبيلا وذ. محمد محيفظ في "زمن السياسة": تقييم "الحراك العربي"

ذ. محمد سبيلا وذ. محمد محيفظ في "زمن السياسة"
تقييم "الحراك العربي"
 
 ذ. محمد سبيلا--- ذ. محمد محيفظ

مصطفى لمودن
شارك ذ. محمد سبيلا وذ. محمد محيفظ في البرنامج الإذاعي "زمن السياسة" الذي قدمته مساء الأربعاء 12 يونيو إذاعة الرباط حول "الحراك العربي" تقويما واستعراضا للآفاق..
  اعتبر ذ. محمد سبيلا أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس أن "الحراك العربي" اتخذ مسارا آخر ليس ما كان منتظرا منه، أي من طرف الشباب وبعض التنظيمات السياسية (مصر ، تونس..)، وقد استولى الإسلاميون بعد ذلك على السلطة، وهم يرومون الحفاظ على نفس البنيات التقليدية مع بعض الإصلاحات الخفيفة، ورأى أن الواقع أو ما سماه التاريخ العيني لا يتوافق مع المتمثلات الذهنية للمثقف الذي يشتغل بالفكر، واستنتج أن هناك حديث عن "الحراك" فقط، بينما لا نبارح مكاننا بحكم ثقل الموروث التقليدي.. والأنظمة بدورها في حيرة، فهي تريد تحقيق دولة مدنية، لكن مع بنيات تقليدية عتيقة، فالإخوان في مصر مثلا "يريدون خونجة" الدولة، وهناك مزواجة بين التقليد والتحديث، لكن الثقل يعود للتقليد..
  تساءل ذ. محمد محيفظ أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة ابن طفيل عن أسباب غياب مسارات التغيير كما عرفتها شعوب مختلفة في كل بقاع الأرض وأعطى مثلا بالثورة الفرنسية، ويرى أن العائق يعود لاستمرار تواجد بنيات تقليدية في المجتمع كالقبيلة والعشيرة، لكنه اعتبر ذلك مرحلة من التاريخ ستمر، رابطا ذلك ب"تشاؤم الفكر وتفاؤل الإرادة" حسب قوله، فالمطالب التي حملها الشباب كانت حداثية، لكن القوى المنظمة (الإسلاميون) هي التي استفادت، والتغيير لا يأتي دفعة واحدة بل عبر طفرات، والمجتمعات العربية الآن تعيش بين نقطتي جذب، من جهة سطوة التقليد وتعثر الحداثة، ومن جهة ثانية العيش في عصر العولمة والتدخلات الخارجية، وأعطى مثلا بليبيا التي عاشت في ظل نظام عسكري ورغم الحديث عن "الكتاب الأخضر"، فقد بقيت نفس البنى الاجتماعية والثقافية طيلة أربعين سنة، وهي معرضة للتدخلات وفرض "دفاتر التحملات"..
  وانتقل بعد ذلك الصافي الناصري الصحفي المشرف على البرنامج بضيفيه إلى الحديث عن نماذج محددة.. فالأستاذ محمد سبيلا يرى في تونس الدولة التي عرفت "الحداثة" والإصلاح منذ فترة زمنية مبكرة، منذ عهد الدولة العثمانية (ق19م)، حيث عرفت الدستور، بالإضافة إلى مصر سواء مع العثمانيين أو بعد غزو نابوليون.. وتميزت تونس حسب رأيه بنظام سياسي كانت اختياراته حداثية  مع بورقيبة  في مجال التعليم وحقوق المرأة والتحديث الثقافي.. لكن في عهد بنعلي وقعت انزلاقات نحو الفاشستية والاستبداد.. وحول "حزب النهضة"، الذي ظهر كرد فعل ضد إصلاحات بورقيبة، فإن هذا الحزب الإسلامي حسب سبيلا "إسلامي تحديثي"، فرئيس هذا الحزب درس الفلسفة، ونخبه تعلمت في انجلترا، لكن هناك مزايادات تفرضها السياسة بينه وبين السلفيين..
   وافق الأستاذ محمد محيفظ أستاذه السابق فيما جاء به حول تونس، وكل ما وقع من "تحديث" في تونس، فقد ظهر تأثيره فيما بعد (الآن)، حيث يعرف المجتمع تجانسا باستثناءات بسيطة في "المناطقية"، (جهات بعيدة عن المركز)، وليست بالمجتمع التونسي انقسامات طائفية ومذهبية.. وحول "حزب النهضة" يذكر أستاذ الفلسفة السياسية أنها جزء من الطيف الإسلامي وتحاول أن تمتح من الحداثة،  لكن بعد تسلمها السلطة بدأت تظهر التناقضات.. ومع ذلك فمساهمة "النهضة" حسبه تبقى محدودة، لأن الثقافة الإسلامية لم تعرف عمليات إصلاح ديني، والسياسيون لا يجدون (عموما) مخارج دينية للمشاكل التي تعرفها المجتمعات.. ورأى بأن مسألة الإصلاح الديني قضية مفصلية..
   حول مصر، قال ذ. سبيلا إن القوى المعارضة للإسلاميين وخاصة "جبهة الإنقاذ" تكاد تعادل القوى الإسلامية.. وعمليات التحديث التي عرفتها مصر لم تذهب سدى، رغم أن خطوات التحديث بطيئة.
 في حالة مصر توقف  الأستاذ  محيفظ عند بعض الصعوبات، منها المسألة الديمغرافية غير المتحكم فيها، شح الموارد، ظروف اجتماعية مأساوية، تأثيرات الصراع العربي الإسرائيلي، نتائج النظام الاقتصادي والسياسي الذي انطلق منذ عهد السادات، وظهور طبقة طفيلية استفادت مما سمي بالانفتاح.. واستنتج بأن مصر ستعرف مشاكل أكثر وكوابح ضد التغيير  أمام "تغول الاتجاه السلفي"، وقد نتج هذا "التغول" عن عودة العمالة التي كانت في دول الخليج، مما أدى إلى ابتلاع مظاهر التحديث التي كانت منذ النظام الملكي..
 وخص البرنامج الإذاعي حيزا للمغرب، فالأستاذ سبيلا تحدث عن "تحول تاريخي تلقائي بعد موت الحسن الثاني، تحول من نظام الأب إلى نظام الابن، ولم يكن نتيجة أحداث، وصاحب ذلك انفراج سياسي صمات، وقع التمهيد له منذ عهد الحسن الثاني مع حكومة التناوب، وحدث تنفيس سياسي، مما قلل من حالة الاحتقان السياسي..
  من جانبه توقف الأستاذ محيفظ عند "موقع المؤسسة الملكية في النظام السياسي ككل"، حيث هناك بعض التمييز قياسا للتجارب السياسية الأخرى، فالتجاذب الذي يقع حول الدين له وصفة خاصة مع وجود "أمير المؤمنين".. ورغم كل ما يقال عن سنوات الرصاص، فمع ذلك يجب الإقرار بأنه بعد الاستقلال لم يتم إعدام السياسة بالمطلق.. وقد بقي مد وجزر، ما يعني استمرار الحياة السياسية، وهو ما ينعكس (إيجابا) على خبرة الشعوب.. لكنه توقف عن معضلتين؛ أولهما مشكلة التعليم، حيث سيجني المغرب من ذلك المزيد من التخلف. أما الثانية فهي في نظره "ضمور العقلانية" في تصرف النخب الاقتصادية والسياسية، وغياب "صراع عقلاني" في السياسة، واستمرار الريع في الاقتصاد وعدم الانخراط في التحديات التي يفرضها العصر..  

  

الاثنين، 10 يونيو 2013

الامتحانات الإشهادية بإقليم سيدي سليمان/ 2012-2013

الامتحانات الإشهادية بإقليم سيدي سليمان

أصدرت نيابة وزارة التربية الوطنية بسيدي سليمان بلاغا حول الامتحانات الإشهادية توصلت "مدونة سيدي سليمان" بنسخة منه حيث يذكر البلاغ أن "جميع العمليات والاستعدادات المتعلقة بالامتحانات الإشهادية قد تمت في جو مسؤول وبمشاركة جميع المتدخلين من سلطات محلية ورؤساء المراكز والسيدات والسادة الأساتذة تبعا للتوجيهات الرسمية المتعلقة بهذه المحطة"، ويضيف البلاغ أنه قد تم عقد "اجتماعات تحضيرية موسعة مع رؤساء المراكز تحت الرئاسة الفعلية للسيد مدير الأكاديمية يوم: 23 ماي 2013 والتي افتتحها بكلمة توجيهية ركز من خلالها على طرح مجموعة من التدابير والإجراءات كي تمر هذه المحطة الرئيسية في أحسن الظروف"، كما "عقدت السيدة النائبة بالموازاة مع ذلك عدة لقاءات مع الشركاء الاجتماعيين طالبة من الجميع الانخراط الإيجابي في هذا الاستحقاق الوطني"، وفق صيغة البلاغ الذي حمل كذلك الحث "على ضرورة التعبئة الشاملة، والتنظيم المحكم لمختلف مراحل الامتحان مع اعتبار الدلائل التي تم إعدادها مؤخرا كمرجعيات أساسية".
   واستعرض البلاغ جملة أرقام، حيث نجد أن المرشحين الرسميين  للباكالوريا 2155، والأحرار 2083، أما المرشحون الرسميون للباك الجهوي  فيصل عدد الرسميين إلى 2091، والأحرار وفق نفس المصدر 2083، يحرسهم جميعا 1898..   أما المرشحون لنيل الشهادة الابتدائية فيصل عددهم إلى 5996، وعدد المرشحين لنسل شهادة الثانوي الإعدادي 4871، وفي الثانوي التأهيلي (الامتحان الوطني) 4238، وفي الجهوي 4174.

 ومعلوم أنه لأول مرة يشارك أساتذة التعليم الابتدائي في حراسة امتحانات الباكالوريا، لأن وزارة التربية الوطنية قررت تخفيض عدد التلاميذ الممتحنين في كل حجرة غلى العشرين فردا. 

الاثنين، 3 يونيو 2013

عندما يفشل السياسي ويتهرب المثقف الفيلسوف/ محمد سبيلا: " أأنا المناضل الوحيد الذي تلقى كل تبعات النضال علي؟"

عندما يفشل السياسي ويتهرب المثقف الفيلسوف
محمد سبيلا: " أأنا المناضل الوحيد الذي تلقى كل تبعات النضال علي؟"
ذ. محمد سبيلا على اليمين في ندوة بالرباط

اقتباس وتعليق مصطفى لمودن
لنتمعن جيدا في هذا التحليل الصائب وفي هذا الموقف الذي يثير أكثر من سؤال، توضيح من مثقف وفيلسوف لوجهة النظر القائلة بهروب المثقف أو موته، والشرح الذي يعطيه الأستاذ محمد سبيلا لذلك في ظل خيبة الأمل من "السياسي"، لكن المثير هو عندما يبرر أستاذ الفلسفة موقف المثقف الذي قد يتهرب أو ينزوي وهو يرد على تساؤلات الملحق الثقافي لجريدة "الاتحاد الاشتراكي" عدد 10406 الصادر يوم الجمعة 24 ماي 2013، وهو يرد بقوله:
"أنا أقرأ دائما في الفكرة الرائجة حول موت المثقف، وجهين، الوجه الأول هو الحاجة التاريخية إلى نبوات جديدة، حيث ينتصب المثقف كمخلص تاريخي، كحامل لبشائر الأمل والخلاص في مجتمعات خاب أملها في نخبها، وخاصة في النخب السياسية والحزبية التي لم يسعفها شرطها التاريخي في أن تتحول فعلا وكما كان مأمولا، إلى نخب رائدة، موجهة، وحاملة لرؤى تاريخية بديلة. وذلك بسبب انغماسها في الحدثية السياسية، وانشراطها بها وانغماسها فيها، مع ما يعنيه ذلك من انشداد إلى أقصى من السلطة، والوجاهة والغنيمة، بمعنى أن القول بموت المثقف هو نوع من العزاء، هو نوع من النواح الذي يعبر به المجتمع عن خيبته في نخبه، وحاجته إلى نخب مستنيرة ومنيرة وطاهرة إلى حد ما، بديلا عن أشكال التعفن التي يفرزها تاريخ هذه المجتمعات.
 أما الوجه الثاني للقول بموت المثقف فهو يتعلق بالشروط الذاتية للمثقف نفسه. وهنا أذكر أنني كثيرا ما لمت سابقا صديقي المرحوم الشاعر أحمد المعداوي على صامته. فانتفض ذات مرة ورد علي بملاحظتين، أولاهما أن هذه التحولات العميقة والعنيفة مع ما صاحبها من امتساخات وتشوهات هي من العنف والعمق بحيث يتطلب فهمها واستيعابها وتفسيرها عقودا من التفكير معمق. فقد أصبح اليمين يسارا، واليسار يمينا. والقومي إسلاميا، والإسلامي قوميا، والحداثي تراثيا، ناهيك عن التحولات العنيفة التي حدثت على مستوى الأنظمة السياسية وتشوهاتها. ويكفي أن نذكر كمثال على ذلك، أن الثورة المصرية في سنة 1952 التي قامت على أساس قومي، من أجل تحري فلسطين قد انتهت في عهد مبارك إلى دولة مطبعة. المقصود هنا النظام السياسي طبعا الذي كان فيه مبارك كنزا إسرائيليا ثمينا.
 والرد الثاني، هو خيبات الأمل في التحولات التي حدثت، وفي الانتقلات السريعة التي طرأت، لا فقط في الموضوع الخارجي، الذي هو الأنظمة والمجتمعات بل أيضا في الذوات نفسها. فقد تبين أن الكثير من ادعاءات النضال والطهرانية هي مجرد انصوبات ذاتية تتغيى الارتقاء الاجتماعي. انظر مثلا إلى فلان، الذي كان أكبر المزايدين على الثورة والراديكالية والتطرف، كيف تحول إلى مجرد موظف حكومي يتسابق حول حيازة الممتلكات والألقاب. فكيف تريد مني أن أظل وحدي  أحمل على كثفي جثة " عمر دهكون"، بينما فلان يشرب الأنخاب على ذكراه. أأنا المناضل الوحيد الذي تلقى كل تبعات النضال علي؟"
  واضح إذا أن أستاذ الفلسفة محمد سبيلا جد متذمر من حصيلة الفعل والفاعل السياسي في المغرب..
  ويعتبر أن المناضلين مجرد مدعين للنضال، وغرضهم المصالح الشخصية..
  يؤكد على حدوث التباس في المواقف والمبادئ، حيث اختلط الحابل بالنابل..
وأكثر من ذلك، فهو لا يريد أن يحمل تبعات أي نضال أمام هكذا وضع..
 فما المقصور بنضالية المثقف؟ هل يجب أن يعوض فشل السياسي؟ وهل كل السياسيين وصلوا إلى النهاية والفشل؟ وكيف يعرض محمد سبيلا للساسية عموما في شكل انتهازي صرف؟ وإذا كان السياسي قد يوصف بالحربائية للضرورة، فهل يحق للمثقف أن ينسحب أو يتراجع وهو يقارن نفسه بوضعية السياسي؟
-----------------

الخميس، 30 مايو 2013

انتصار الضحية على الجلاد/ ذ. الطاهر محفوظي

انتصار الضحية على الجلاد

الطاهر محفوظي


(المدونة: الأستاذ الطاهر محفوظي من المعتقلين السياسيين في المغرب، وقد  نشر تجربته الإنسانية البليغة في كتاب "أفول الليل".. هذه الورقة ألقاها الكاتب/المناضل في المقر الجهوي لوزارة الثقافة بالدار البيضاء احتفاء بكتابات الاعتقال السياسي)
*************
شكري وامتناني لمختبر السرديات ونادي القلم المغربي والجمعية البيضاوية للكتبيين على تنظيم هذا الحفل الجميل .
لم يكن السجن ومخافر الشرطة مليئة فقط بالعذاب والمعاناة، فقد كان هناك حيز من السخرية والضحك، لقد انفجرت ضحكا في وجه قاضي التحقيق حينما واجهني بتهمة قلب النظام والتآمر واخبرني منتشيا انه سيكون لدي الوقت الكافي في السجن لأضحك. وفعلا ضحكنا كثيرا في السجن ولا زال القاضي النكرة عبوسا، أم هل يا ترى مات منسيا .
في مخفر الشرطة تواجد معنا قاتل اعترف بجريمته الأولى وينكر الثانية وحينما سمع أننا طلبة وتلاميذ وأستاذة معتقلون بتهمة سياسية صرخ: " أيها الشرطي أخرجني من هنا هؤلاء خطر " .
وضحكنا كثيرا حينما أخذ تلميذ يشرح لقاضي التحقيق الثاني أن هناك الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والاتحاد المغربي للشغل والاتحاد المغربي للمهندسين والاتحاد الوطني لطلبة المغرب فصاح فيه القاضي المفروض فيه المعرفة " كفاني من الاتحادات، أنا لا أعرف إلا الاتحاد الوطني !"
لماذا نكتب ؟
 - لحفظ الذاكرة، حتى لا يجيء لصوص وجلادون وسجانون ومؤرخون رسميون ومنافقون وانتفاعيون ويشكلوا عصابة لكتابة التاريخ والكذب علينا وعلى الناس وعلى التاريخ .
- الشهادة على حقبة معينة من تاريخ المغرب الحديث بالتوثيق، بالأسماء والأماكن والأشخاص مع ذكر المحاكمات والقضاة والمحققين .
- تكريم عدد من المناضلين الذين ناضلوا في صمت ونكران للذات وتواروا بعيدا عن الأضواء فاسحين المجال أمام الآخرين للتسابق نحو الأبواب الكبيرة بشاشية حمراء، والوقوف أمام الكاميرات إن لم يكونوا في رحلات خارج الوطن للدفاع عن حقوق الإنسان...
 - تأكيد المفارق البسيطة: يبقى الرجال ويذهب السجان والجلاد، يجمع المناضل ذاكرته يداوي جراحه، يلملم أطرافه ويواصل سيره بطرق شتى مرفوع الرأس يشارك في كتابة التاريخ وتقدم الوطن والبشرية والدفاع عن المبادئ الإنسانية. أما الجلاد فقلما ينهض، تعذبه ذكرياته ولا مجد له ولا تاريخ و لا قضية، كالمرتزق، هل سمعتم بمرتزق شهيد؟ أو مرتزق شاعر أو مبدع؟
في البدء كانت الكلمة، ربما على شكل صيحة مدوية في الغابات والقفار والمستنقعات، صيحة الإنسان الأول أمام جبروت الطبيعة وشراسة الحيوانات المفترسة، بعدما اكتشف الإنسان النار والحروف، سكن المغارات والكهوف، ثم جاء زمن الاستغلال وصار عدوا لأخيه الإنسان وهل هو أخوه؟ لنقل تلطفا شبيهه الأكثر ضراوة وقساوة...
منذ القدم حار البشر ووقفوا مشدوهين وجلين ومرهوبين أمام ظواهر الرعود والبروق والزلازل والخسوف والبراكين، ونفس الشيء إزاء الموت والجنون والسجن لما يمثله هذا الثالوث المرعب من جبروت لا غالب له... تعامل الإنسان مع كل هذه الأقانيم غير المقدسة بخوف شديد لا زال ساريا حتى الآن وسيستمر قرونا وإلى الأبد، بالمناسبة ما معنى الأبد؟ !
خلال فترة الاعتقال التعسفي والاختطاف والاحتجاز الغير قانوني، وطوال ساعات التعذيب الجسدي والمعنوي كنا وجها لوجه مع الموت والجنون، مع سادية الجلاد وفظائع السجن وخبث وقسوة السجان.
كان الغرض تحطيمنا وكان لزاما علينا الصمود رغم انعدام تكافؤ الفرص. كنا نخبئ الأحلام والأسماء والعناوين والأسرار بين الضلوع، نتمسك بالأمل في مواجهة الألم، نعض بالنواجد على جرحنا كما يعض السوط والقيود على لحمنا، لم نشتك، وممن في هذه الحال نشتكي؟
كانت الضربات ضريبة، فرض كفاية وقربان لآلهة القتل والتدمير الوحشي، كان الوقت إعصارا وكنا في عينيه، كنا أناسا لنا حلم وجنون وكان جلادنا جزءا من آلة جهنمية تعمل دون حلم ولا حلم ولكن بكل جنون الجنون، وهنا كنا متساوين....
فوق قمة الألم صادفنا الجنون وأقمنا معه حلفا شروطه مجحفة، في اليوم السادس والثلاثين من الإضراب عن الطعام رأينا شبح الموت يزحف نحونا بخبث وثبات كضبع جائع ينتظر الفرصة للانقضاض على فريسته... لكننا كنا فريسة مرة تأبى الاستسلام، أحصنة جامحة ترفض الخضوع تشد على الجرح النازف وتقف لتقاوم وتنتصر... ما كان لنا من خيار، فإما الانتصار أو الانتصار... ووحدها الضباع نزلت مهاوي الاندحار، يحفها النسيان، لعنة التاريخ وأكاليل العار.
لقد واجهنا كل هذا الفيض الموغل في العدوانية والسادية بقوة الإيمان في عدالة القضية، ومن أجل الانعتاق من التسلط والاستبداد، ومن أجل غد أفضل لعموم الشعب وخصوصا الطبقات المحرومة ...
في مخافر الشرطة السرية والعلنية وكذا بالسجون، تغدو كلمة طيبة من سجان بطولة، ومنحنا كسرة خبز مجازفة، وابتسامة متواطئة هدية وتضامنا وتشجيعا، يتحول صوت رفيق آت من وراء جدار سميك حصنا منيعا ونشيدا يدعوك للتشبث بالمبادئ والانتصار للقيم الجميلة والنبيلة والصمود حتى الموت.(في العشرين من العمر يكون المناضل أقوى من الموت والجلاد والسجان، لا يخشى شيئا، لا يهاب أية سلطة أو أين كان...).
كان بإمكان خبر سعيد أو رسالة رقيقة مشفرة أن يفتحا كوة باتجاه الشمس ومعانقة النجوم وتحطيم الأسوار... في أحلك اللحظات وأقساها كنا نقاوم بما تبقى لنا من أسلحة: الأنفة والصمود والإضراب عن الطعام والسخرية:" إن السخرية، يقول امبيرطو ايكو، هي أداة للبقاء على قيد الحياة". فما بالكم إذا كان هذا البقاء في شروط رهيبة مضادة للحياة.
كتب التاريخ ملأى بأسماء الأدباء والشهداء، فمن يذكر شاعرا عظيما أو كاتبا خالدا مقرونا بالحاكم المعاصر له؟
نتذكر اسم سقراط، لكن النسيان أكل قضاته الذين حكموا عليه بشرب السم.
نتذكر بحب وإجلال الفقيه البصري ومحمد بنونة، العمرين دهكون الباسق وبنجلون العملاق، والحنصالي وكان فيلقا لوحده، وأسد الريف الأمير المناضل، وفاطمة أوحرفو وأختها وأبوها وقبيلتها حين قرر الطغاة معاقبة الأطلس المتوسط بكامله للترهيب، وكانت نكبة الزيانية تشيب لها الولدان. نذكر المهدي الباسل وسعيدة رفيقة الرجال، نذكر الحسين المانوزي، بل كتيبة المانوزيين، نذكر زروال ورحال، نذكر إبادة الريف وشموخ الأبطال في مواجهة قنابل الغاز والاحتلال وجبروت دعاة الاستقلال... فمن يا ترى يتذكر شخوصا كانت تعتقد أنها شخصيات وهي في مجرى التاريخ نكرات، من قضاة باعوا ضميرهم وطبقوا تعليمات عوض النصوص رغم أنها كانت قاسية... لقد تكفل النسيان بهم وطواهم كخرقة قذرة: محمد اللعبي، افزاز، بوعشرين، الدليمي، الطيب الشرفي، محمد بن جلون، المكي- نو- الشريف، العراقي...
والآن وهنا ودون حقد أو ضغينة، لكن دون نسيان، فلا الشهداء تنازلوا عن دمهم ولا الضحايا قايضوا بذاكرتهم الموشومة بالسوط والحرمان المشوبين بالإرهاب والألم، نصر على أن كتاب "أفول الليل" كباقي كتابات الاعتقال السياسي التعسفي والاختفاء القسري هو انتصار الضحية على الجلاد، هزيمة الجبروت أمام الحق العنيد، تحية مدوية لمن عذبوا وقتلوا ولم يتركوا شهادة ولا شاهدة على قبورهم، ولا قبر لهم في وطن وهبوه كل شيء حتى أرواحهم وحرموا من تكريم وهم أحياء ومن لحود وهم شهداء، قوافل الشهداء في حبس قارة، سجن الجزيرة بالصويرة، دار بريشة، بولمهارز، قصور مراكش، ثكنات خنيفرة، ومكناس والرباط والناظور، قصر السوق، تازمامارت، اغبالونكردوس، العذير أكدز، قلعة مكونة (عاصمة الورود) الكورييس، لعلو، اغبيلة، السجن المركزي، عين علي مومن، درب مولاي الشريف، المعاريف، الساتيام، ضيعة مازيلا، دار المقري، تكونيت، ثكنات الوقاية المدنية المخزنية ضد الانتفاضات الشعبية، النقط الثابتة : PF4,PF3,PF2,PF1 الخ... لنا الأسماء المستعارة النضالية ولقوى التسلط والاستبداد مثلها، ياه كم هي عديدة أماكن الرعب على امتداد أجمل بلد في العالم !
في السجن، ومن أجل إركاعنا وتحطيم معنوياتنا، وهذه هي وظيفة السجن أصلا، منعوا عنا أشياء بسيطة وجميلة لكن حيوية: الموسيقى، الراديو، التلفاز، الشمس، الساعة، الجرائد، الكتب، التطبيب، الدراسة، وسلطت الرقابة على رسائلنا وكتبنا وزيارة أهلنا وأصدقائنا، وكتاباتنا وأشعارنا وصورنا...
ومع ذلك وضدا على هذا المنطق اللامنطقي، صمدنا وخرجنا لنشهد على كل هذه الفظاعات...
لقد أطمر حبس قارة، حطمت جدران تازمامارت، انتهت صلاحية درب مولاي الشريف واغبيلة ودار المقري ولعلو احتلت النوارس والنسور جزيرة موكادور، وامكونة لم تعد تحتفل إلا بشهر ماي الوردي وبالفقر باقي الشهور وتتذكر مرور فتية من أهل الكهف الحديث من بني هاشم ومقاومي الصحراء وجيش التحرير...
وكما الأنبياء وطائر الفينيق، يأت الشهداء للاطمئنان على أرواحهم وعلى شجرة الزيتون والأركانة، وتضميد جراح الأطلسيات والريفيات المرسومة على وجوههن كالوشم لا تزول... كما الإباء والإصرار، شامخات كطبقال، جميلات كالحق، أرزات باسقات يخجل المجد من قاماتهن...
هل كنا على خطأ عندما واجهنا التنين في عز صولته ونيرانه تحرق الأخضر قبل اليابس، ساعتها دخلت الضباع والذئاب جحورها وقال حكماؤها،"يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم" فجند سليمان سيدكون دوركم وهم عنكم غافلون، لكن خلفاء سليمان لم يكونوا غافلين، بل واعين وهم يدوسون على الرقاب بحقد عيونه مفتوحة على مصراع القسوة والإجرام مع سبق الإصرار.
"باق يا شعبي وعمر الطغاة قصير" يردد مع محمد مهدي الجواهري محمد القاسمي الذي فقئت عيناه وانتزعت خصيتاه وتكسر فكه ذات ربيع حين اجتاح الجراد خنيفرة الصامدة...
ومع ذلك لم تذهب نضالاتنا هباء بل حققنا مطالب أساسية كالحق في الدراسة والتطبيب والزيارة المباشرة وكم كنت مسرورا حينما اتصل بي سجين خلال برنامج إذاعي ليؤكد أن كل الامتيازات التي يحصل عليها سجناء الحق العام هي بفضل كفاح المعتقلين السياسيين، واعترف محمد أمين الركالة أنه مدين لليسار بمنحته التي سمحت له بإتمام دراسته الجامعية، إذ أن نضالات اليسار ( الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والنقابة الوطنية للتلاميذ ) فرضت على المخزن تعميم المنحة على كل الطلبة .
سأظل والوقت وقت حرث وزرع وفيا لمحراث أبي الخشبي، وله وللأرض التي عشقها كفلاح فقير، وفيا لوالدتي ربة البيت الفلاحة المكافحة... وفيا لجذوري التي علمتني الإباء والكبرياء، ولن أنحني وأعبر للضفة الأخرى منبطحا وفوق رأسي شاشية، فلا يمكن للمرء أن يخون ثم يظل واقفا، وليذهب إلى هناك حيث الرطوبة النتنة التي لن تخفيها لا عطور الغرب ولا بخور الشرق، رائحة تنبعث من بعيد تجتذب كواسر الجيفة وبنات آوى وما عاف السبع.
ويقودني المحراث الخشبي والوقت خريف، إلى الحديث عن جرار شغل الدنيا والناس، ليس كل الناس، أثار زوبعة من غبار، وأعجب كل العجب، كيف استطاع أن يحرث ويزرع ويحصد ثم يدرس في أسبوع واحد ويجمع كل الغلال والمحاصيل ولما يصل الشتاء ولا الصيف...
والجرار كما هو معلوم هو للحرث لكنه تحول إلى آلات متعددة الاختصاصات، كما في الرسوم المتحركة اليابانية، إنه زمن الأسطورة والمعجزات...
وكما لنا سوابق تشرفنا ولا نخجل منها، للمخزن سوابق في هذا الميدان ألم يهزم فرس انطلق متأخرا في السباق كل الأحصنة في السبعينيات وحتى الحمامة انتصرت على كل الحيوانات المحترمة قبل أن يتطاير ريشها لما مر الجرار المعلوم قربها...وعلى أي فالجرار الأزرق أقوى من كل الحمام، بل فيه مئات الأحصنة...
لا تأسى على عذر الزمـــــــان لطالما
رقصت على جثت الأســـود كلابــــــا
لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادهـا
تبقى الأسود أسودا والكلاب كلابـــــا
-----------------------
الدار البيضاء في 06/02/2010
---------------------
نشرت بموافقة الكاتب،