الأربعاء، 16 أبريل 2008

المهرجان السينمائي التاسع بسيدي قاسم:


    المهرجان السينمائي التاسع بسيدي قاسم:
             تضافر عدة جهود لتكون السينما في خدمة الوعي الاجتماعي والجمالي 
              البرنامج الكامل للمهرجان
    ينطلق المهرجان السينمائي التاسع بسيدي قاسم يوم الخميس 17 يناير 2008 ليمتد على مدى خمسة أيام، تتخلله عروض سينمائية من أبرزها فلم الافتتاح "فين ماشي يا موشي" وورشتان تكوينيتان حول القراءة الفيلمية والمونطاج الرقمي وندوة في موضوع " التنوع الثقافي في السينما المغربية". وقد اختير كشعار لهذه السنة " السينما من أجل تنمية الوعي الاجتماعي والجمالي"، ويكرم المهرجان هذه السنة المخرج محمد العبازي صاحب فيلم "ملواد لهيه" و " كنوز الأطلس"، حافظ المهرجان على ميزته الخاصة المتميزة وهي مسابقة محمد مزيان لأفلام الفيديو(كانت سابقا للأفلام القصيرة)، وتتخلل فعاليات المهرجان عرض أفلام سينمائية بالعالم القروي ودار الطالب، وعروض للأطفال واليافعين…
    يتأكد مرة أخرى أن النادي السينمائي بسيدي قاسم قد كسب رهان الحفاظ على المهرجان واستمراريته من خلال حضوره في الموعد، وإشراك عدد من الجيهات لدعم المهرجان، وفي سؤال لرئيس النادي ذ. عبد اللطيف بنقاسم حول القيمة المالية التي أصبح يتطلبها المهرجان، أجاب بأنه لا يمكن تحديد الميزانية، لأن عددا من الجهات يكون دعمها للمهرجان عبارة عن خدمات، هناك من يؤدي الغذاء، هناك من يطبع الأوراق الإشهارية، وأضاف ساردا بعض الأمثلة ك"الجمعية القاسمية للتنمية" التي تساهم في طبع الوثائق، وبعد طرح أسئلة عن بعض المدعمين بالتحديد أجاب رئيس النادي الذي التقيناه في مقر جمعيته عن كل حالة؛ فإحدى شركة الهاتف (ميدتيل) تلتزم بتأدية مصاريف جزء من الملتقى لم يرد أن يفصح عنه، أما المركز السينمائي فيساهم بالأفلام زائد منحة تختلف كل سنة حسب تقييم المسؤولين عن المركز السينمائي للمهرجان، والمجلس البلدي يقدم خدمات كلافتات ومحروقات للتنقل وقاعة البلدية وأحيانا وجبات غذائية، وجهة الغرب الشراردة بني احسن تعطي منحة قيمتها 10 ألاف درهم سنويا كباقي الجمعيات حسب قول رئيس النادي، أما عمالة الإقليم تؤدي بدورها خدمات كتأدية مصاريف إيواء الضيوف، وكذلك شركة "سمير" لتكرير النفط تمنح خدمات وإعانات أحيانا لتأدية نفقات الفندق. 
 dsc011 
ذ.عبد الليطف بنقاسم رئيس النادي السينمائي بسيدي قاسم
     وعن سؤال حول إمكانية الأداء من مدخرات تبقى من السنة المنصرمة، ذكر مستجوبنا أن ذلك غير صحيح، فعدد من المتعاونين يِؤدون المصاريف بعد فترة من انتهاء الملتقى، كما أكد أنهم لا يطلبون في النادي السينمائي مساهمات مالية من المدعمين، بل تأدية نفقات عدد من الخدمات والمصاريف بشكل مباشر من طرفهم.
  لقد نجح النادي السينمائي في ضمان ثقة عدد من الحاضنين والمدعمين، فبالإضافة لما ذكرناه من المؤسسات والشركات، نقرأ في الكاتالوك الأنيق المعد بالمناسبة أسماء داعمين آخرين كمديرية الجهة لوزارة الثقافة، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ونيابة وزارة التربية الوطنية بنفس المدينة، وشركات خاصة أخرى. ورغم ذلك يمكن حصر الميزانية التي يتطلبها المهرجان بما فيها الخدمات المقدمة.
   لم يبق أمام السينما في المغرب أمام الانحصار المستمر لعدد من القاعات السينمائية سوى المهرجانات التي تقام هنا وهناك في بعض المدن، ومدينة سيدي قاسم كذلك أغلقت بها قاعتان منذ مدة طويلة هما سينما "الريف" و"فوكس" وقد تحول مكانهما إلى عمارات، آخر قاعة بقيت هي سينما "وليلي" التي لا تقدم عروضا منتظمة، بل يتم كراء القاعة لمن أراد استعمالها، وقد ذكر ذ.عبد اللطيف بنقاسم في حوارنا معه أن صبحية بقاعة وليلي تكلف ما بين 500 و600 درهم، وأثناء المهرجان يكلف اليوم ما بين 1550 و 2500 درهم. غير أنه من الطبيعي أن يطالب المنتجون بمقابل مالي نظير مساهمتهم بعرض أفلامهم في المهرجانات، وقد أبدى ذ. عبد اللطيف بنقاسم ملاحظة حول إمكانية تغيير البرنامج بسبب رفض البعض تقديم أفلامهم.
     وتجدر الإشارة أن مساهمة بعض الجهات من أجل إنجاح المهرجان ليس إحسانا أوهباء يلقى في الفراغ، فبعضها يتحمل مسؤوليته من أجل إنعاش الثقافة والفن وإتاحة الفرصة للجمهور المحلي قصد الاستفادة من ذلك، وهذه الملاحظة تهم المؤسسات الإدارية والمنتخبة، أما القطاع الخاص فهو يستفيد على مستوى الإشهار وإعلان خدماته، وهذه المؤسسات بدورها لاشيء يمنعها بأن تتحلى بصفة " المقاولة المواطِنة" الداعمة للثقافة والفكر والبيئة…   
dsc011
سينما وليلي(سابقا) المحتضنة لغالبية العروض
                           مصطفى لمودن  
120837
 
   ـــــــــــــــــــــــــ 
  البرنامج العام للمهرجان  
     I. برنامج  العروض السينمائية بقاعة سينما وليلي 
الخميس 17 أبريل
ـ 18.30 (الساعة) مساء حفل افتتاح المهرجان
       ـ الشريط المطول: "فين ماشي يا موشي" لحسن بنجلون
ـ 20 : الشريط المطول: "تليلا" لمحمد مرنيش
الجمعة 18 أبريل
ـ 15: عرض أفلام الفيديو المشاركة في مسابقة محمد مزيان
   ـ "كيف كيف" لمحمد أمين ـ "المنسيون" لرشيد أجرعام ـ "عيشة" لمحمد حافضي ـ "حبس الأحلام" لمحمد كومان ـ "العربي" لخالد الغرد ـ "آخر الخطوات" لهشام اللدقي.
 ـ 16: الشريطين القصيرين:
   ـ "جدول الضرب" لعبد اللطيف فضيل ـ "قطرة قطرة" لرشيد زكي 
   ـ الشريط المطول: "أركانة" لحسن غنجة.
ـ 19: عرض أفلام الفيديو المشاركة في مسابقة محمد مزيان
 ـ "نور" لبوشتى المشروح ـ "نكين دمي" ليوسف الكتبي
 ـ "البرتقال في المغرب" لعبد اللطيف أمجكاك
 ـ "رجوع الأمام" ليوسف غازي ـ "إدير عيش يوم آخر" لمراد خلو
 ـ "طالبو" لعلال دحيلي ـ "المدينة كلمات أخرى" لهشام المداحي.
ـ 20: الشريطين القصيرين:
   ـ "الضربة القاضية" لإدريس الروخ ـ "الرضا" لرشيد الهزمير
   ـ الشريط المطول: " الغائب الموعود" لأحمد زياد
          السبت 19 أبريل
 ـ 9: الشريط القصير: "جدول الضرب" لعبد اللطيف افضيل
   ـ الشريط المطول: "هاري بوتر" لفائدة الأطفال واليافعين  
ـ 17.30 : ـ حفل تكريم المخرج محمد العبازي 
            ـ الإعلان عن الفائزين بمسابقة محمد مزيان
           ـ الشريطين المطولين:
       ـ "ملواد لهيه" و " كنوز الأطلس" لمحمد العبازي  
   الأحد 20 أبريل
ـ 9.30: عرض شريط قصير:
    ـ "جدول الضرب" لعبد اللطيف افضيل
    ـ عرض الشريط المطول: 
    ـ "هاري بوتر" لفائدة الأطفال واليافعين
ـ 15.30: ـ الشريطين القصيرين: ـ" المياه تجري" و" تستمر الحياة" لليلى التركي 
   ـ الشريط المطول: "نانسي والوحش" لمحمود فريطس 
ـ 19: الشريطين القصيرين: "دمية من قصب" لأحمد بيدو ـ "شيفت +حدف" لجيهان البحار
   ـ الشريط المطول: "الحلم المغرب" لجمال بلمجذوب
     II. برنامج القوافل السينمائية ـ السينما المتنقلة
الجمعة 18 أبريل
بفضاء دار الطالب بحي صحراوة: ـ الشريطين القصيرين: 
   ـ " قطرة قطرة" لرشيد زكي ـ "شيفت + حدف" لجيهان البحار
 ـ الشريط المطول: " الراقد" لياسمين قصاري
        الأحد 20 أبريل
 بفضاء دائرة زيراة: ـ الشريطين القصيرين: 
   ـ " قطرة قطرة" لرشيد زكي ـ "شيفت + حدف" لجيهان البحار
   ـ الشريط المطول: " الراقد" لياسمين قصاري
   III. الأنشطة الموازية للعروض السينمائية
الجمعة 18 أبريل 2008 
ـ 10: ورشة تكوينية في مجال القراءة الفيلمية في موضوع: المكون الأمازيغي في السينما المغربية من تأطير: إبراهيم الحسناوي (باحث وناقد بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية).
         السبت 19 أبريل:
ـ 10: ورشة تكوينية في مجال: المونطاج الرقمي ومهن المختبر الكيميائي من تأطير المخرج حسن دحاني والدكتور موساوي موحى، رئيس المختبر بالمركز السينمائي المغربي.
    الأحد 20 أبريل:
ـ 10: ندوة: "التنوع الثقافي في السينما المغربية"، بمساهمة السادة: أحمد أعراب عن المركز السينمائي المغربي ومحمد صلو عن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية . والنقاد: حميد اتباتو وعمر بلخمار وعبد المطلب اعميار وعز الدين الخطابي وإدريس القري.
 يترأس هذه الندوة: السيد جمال الدين راشيدي النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بسيدي قاسم
( عن وثيقة رسمية للمهرجان)
dsc011  
جزء من شارع محمد الخامس بسيدي قاسم
dsc011 
إحدى اللافتات حول المهرجان على حائط مقر النادي السينمائي

خٍطابُ الطّينِ ذ.جواد المومني٭


            خٍطابُ الطّينِ  
 
      ذ.جواد المومني٭
          120830
 
                              ـ 1 ـ 
    نَقَرْتُ للشّمْسِ ظِلاًّ وَاهِيًا،
    مِنْ فِخاخِ الْعُبّادِ نَسَجْتُهُ.
    تَسَيَّدَتْ لَعْلَعَةُ الوِهاجِ، وقَطَّبَتْ لِروح الأهازيج بُؤْسَها الشَّمْسُ. مَنِ احْتَلمَ لذرّات الْبُنّ فِسْقَها
    غَيرُ عُروشٍ، مِنْ دِنانِ خُيوطها اغْترفَ الشّاعرُ بُؤْسَه المَهجُور، وَحْدها رَتَقَتْ لِلَّحْظِ موْعدا كان أنِ استقاهُ البَجَعُ… رائدُ البِركِ، والسّيّدُ، إثرَ فَجيعها الوحيدْ.  
 
                ـ 2 ـ 
   بعد أن نَقرْتُ للشّمس ظِلاًّ…
   ذاك فجْرٌ أهَلَّ؛ يَطْوي لُعابَ السَّهارى. احتمَلتُه أنا الغريقُ الصَّاعدُ إلى دُرْج المَهاوي البَلّوريَّةِ لأنَفّذَ وصيَّةَ الجُمْجُمةِ المُتبقّيةِ؛ وحْدها لا غيْرَها. وحدها تُحدّثُ عنْ سِرّ الأوْقات النّافِرَةِ.
   قَدْ عَثرتْ عليَّ. في سَديم الحُرْقَةِ، والدّخانُ مَلأ صَدْري، مُقيمًا كُنتُ. أتهجَّى الخُيوطَ الجائِيةَ إليَّ، وعنْ مراتِع الماءِ النَّقِعِ حَدَّثتني:
    هذا خطابُ الطّين، حمَلتْه السّيّداتُ.
    تُحَمّلْنَه لكُم.
    اِحْمِلْهُ في خُضْرَةِ الأصيصِ يحْميكَ من صَفَاقَةِ
    الحَجْرِ؛ الطّائِرُ الغِرّيدْ.  
 
               ـ 3 ـ 
    بَعْدَ أنْ أهَـــلَّ ذلك الفجْرُ…
    راوَدتْنِي المساءاتُ اللّواتي مَضَتْ. سَلبْـتُها واحَةً فارغةً. عميقًا كان وَجْدُهَا إذْ ودّعْتُهُ؛
    ونَمَّطَني، فَأغَرْتُ عليْه، أهْديهِ رُؤُوسي المَليحَةَ، تِلْكَ التي ما خَمَدَتْ إلا لِهُبوبٍ جديدٍ.
 
           ـ 4 ـ
    بعْد أنْ راوَدتْني المَساءاتُ…
  اصْطليتُ نارها؛ ومِنْ زعِـيقِ هَلاّلٍ زوّجْتُ دمائيَ لنوافِير الرّيح. نَجْلاءَ كانت وأنا أهَـدْهِدُها بيْنَ صَعقاتِ الرُّموش. يا لَهَـوْلي هديَّةَ الظّلال! هَـلّلي! هلْ لي مِنْكِ هذا الوَهَجُ؟ حَسْبُكِ!فَـبَعْدُ لمْ يُلْقَ الطّينُ خطابَه!! وبَعْـدُ ما صاتَتْ شمْسُ الوليدْ. 
 
                      الدار البيضاء 09 نونبر/ تشرين الثاني 2001
 ـــــــــــــــــــــــــــــــ
٭ الأستاذ جواد المومني مدرس اللغة العربية بإعدادية عبد الخالق الطريس، مجاز في الأدب العربي من جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، نشر عدة قصائد بجرائد ومجلات مغربية ومشرقية…

الثلاثاء، 15 أبريل 2008

برهان غليون في حوار حول أزمة المجتمعات في الوطن العربي


 برهان غليون في حوار حول أزمة المجتمعات في الوطن العربي
 
                        120821 
                   برهان غليون
                                 إعداد عبد الواحد بلقصري ٭   
  يتحدث المفكر والكاتب برهان غليون في هذا الحوار الذي ندرج نصه كاملا عن شروط تأسيس الدولة الديمقراطية، وعن أزمة السلطة السياسية والاجتماعية والأخلاقية معا، نتيجة تفكك عدد من الروابط وانبعاث عصبيات قاتلة، وفي نظره لا انفكاك من ذلك سوى الارتباط بالخيار الديمقراطي الإنساني وبناء وضع جديد يأتي من الداخل بما فيه بناء الفرد… وجوابا عن سؤال حول انتشار "حركات الإسلام السياسي" ذكر أن ذلك يتطلب إعمال آلية النقد الاجتماعي التاريخي، وقد فرق بين الاستعمال السياسي للإسلام، وبين عودة الجمهور المسلم إلى المقولات الدينية باعتبارها رؤى وتطلعات، ودعا إلى تشكيل "كتل فاعلة" على أسس ديمقراطية غير متنابذة، ولم يبد قلقه من " ضيق انتشار الفكرة الديمقراطية" إلى أن تلتئم الشروط الموضوعية التي رأى أنها ستتم عبر الفرز التدريجي للفئات المتصارعة. كما حاول وضع مقارنات بين المشاريع الإسلاموية ومشاريع السلط المستبدة في البلدان العربية، مادام خصمهما المشترك هو" الحرية الفكرية والسياسية والاجتماعية"، ليتداخل ذلك ضمن تصادمات المصالح ما بين الداخلي والخارجي، وقد انتقد بشكل واضح الأطراف المتنازعة التي منها من يبحث عن سند خارجي… ولم تفته المناسبة من أجل الحديث عن دور " المربين والكتاب والصحفيين والمفكرين والسياسيين" لتجاوز الأزمة، وكذلك عن الدور المحوري للجامعة في ذلك، خاصة من أجل التفريق المنهجي بين المعرفة والإيديولوجية حسب رأيه في هذا الحوار الهام الجدير بالتأمل (المدونة)  
120822
السؤال الأول:تعيش المنطقة العربية نماذج من التغييرات السياسية والعسكرية تكاد تلمس جميع البلدان العربية .قوات الاحتلال في العراق، صراعات إقليمية مختلفة، أنظمة تسلطية لا تتقن سوى التعامل مع الأهداف الإستراتيجية للقوى العظمى، حركات سياسية ليس لها أي عمق جماهيري.
هل المخرج في نظرك هو التأسيس لدولة ديمقراطية حداثية عبر الانفتاح على الخارج بشروط غير مقبولة، أم يجب تكثيف المقاومة المدنية، أم يعزى الأمر إلى أسباب أخرى؟

غليون:التأسيس لدولة ديمقراطية حديثة هو الهدف. لكن الوصول إليه يستدعي كفاحا طويلا ومريرا ضد قوى داخلية وخارجية، وضد عقليات وأنماط تفكير ومنظومات قيم وسلوكات، فردية وجماعية، كثيرة ومتداخلة. وبناء مفهوم هذا الكفاح ونظريته، وبلورة استراتيجيته، وتحديد وسائل العمل لإنجاحه، يشكل كل ذلك مهمات رئيسية ولا غنى عن تحقيقها للوصول إلى هذا الهدف.
هذا يعني أنه لا يوجد مخرج جاهز وفوري للأزمة المجتمعية العميقة التي تعيشها المجتمعات العربية، والتي تتجلى من خلال أزمة السلطة السياسية والاجتماعية والأخلاقية معا، ويعكسها تهلهل وزن الدول وانكسارها، وتحلل الروابط الاجتماعية، وتفكك نظم التسيير والعمل والتفكير والتواصل بين الأفراد والجماعات، ومن ثم انبعاث روح العصبية الدينية والقبلية والاقتتال الأهلي وغياب القيادة السياسية الوطنية. ولا يمكن تأسيس دولة ديمقراطية بالمحافظة على منظورات السلطة والقيادة والتنظيم والتسيير والتفكير القديمة، ولا من خلال إصلاحها وترميمها، وإنما عبر إعادة بناء هذه النظم أي المجتمعات على أسس جديدة تمكنها من الرد على التحديات التي كانت في أساس نشوء الأزمة. ومن هنا، يرتبط الخيار الديمقراطي بالعمل على دفع حركة التجديد والتغيير في الفكر والسياسة والمجتمع والأخلاق. ولأن المسألة لا تتعلق بعودة وإنما ببناء وضع جديد مختلف عن السابق، فهي تبدأ لا محالة وتشترط القيام بنقد الأسس التي قام عليها الوضع السابق المتهاوي. وإذا كنا لم ننجح في التقدم على طريق إعادة البناء هذا بعد، ولا نزال نعيش تفاقم الأزمة، فذلك لأننا لم نتقدم كثيرا على طريق تحقيق هذا النقد الاجتماعي التاريخي الذي يعني كشف أسباب فساد النظم السابقة وهشاشتها بقدر ما يعني بلورة نظرية ورؤية ايجابية للوضع الجديد المأمول وتبيان شروط وفرص إنتاجه في الواقع التاريخي.
لا يطرح الأمر إذن كخيار بين الديمقراطية والمقاومة فهما مكملان واحدهما للآخر. فالمقاومة للقهر المحلي والاستعماري ليست بديلا للديمقراطية ولكنها الطريق إليها. وبالمثل لا قيمة لمقاومة مفتقرة لأفق سياسي إنساني واضح، أي غير ديمقراطية. ولذلك فرقت في أحد مقالاتي الأخيرة بين ثقافة المقاومة وثقافة الانتحار وقلت إن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق بضربة خارجية، انقلابية أو أجنبية، ولكن بمراكمة عناصر اليقظة والتحول والتطور الذاتية التي تنشأ وتتفاعل عبر المقاومة الوطنية والسياسية والمدنية والأخلاقية. فلا يكمن الحل في ترك المقاومة أو إلغاء قيمها والاندماج أو الانصهار بالمعتدي والمتسلط والمتجبر، الداخلي والخارجي معا، وإنما في إخضاع برنامج المقاومة لبرنامج بناء الذاتية والقوى الذاتية. وهو ما يجعل من بناء الحرية الشخصية، أي بناء الوعي والضمير والإرادة عند كل فرد، ومن وراء ذلك تأسيس الفعل الأخلاقي، وتاليا الثقافة، شرطا للحرية الخارجية. من دون ذلك لن تكون المقاومة إلا استهلاكا للذات وإفقارا مستمرا للروح واستنفادا لآخر ما تبقى لنا من قيم المدنية الموروثة وتراثها. لن نتغلب على القوى الوحشية المسيطرة بتبني وسائل همجية، حتى لو حققنا بعض انتصارات مادية عليها، تكلفنا أضعافها من الناحية المدنية والروحية، كما يدل على ذلك ما يحصل في العراق من انفلات النزاعات الطائفية والعشائرية والمذهبية. وهو ما يعني أنه ليس هناك حل خارج إعادة بناء الثقافة والحياة المدنية والأخلاقية التي لا تقوم دولة من دونها.

السؤال الثاني:
أضحت حركات الإسلام السياسي في عالمنا العربي بجميع تلاوينها تحظى بأولوية إعلامية وسياسية كبيرة (الإسلام الراديكالي، الإسلام المعتدل) وذلك بالنظر إلى المتغيرات الدولية المعقدة المرتبطة بالحرب على الإرهاب من جهة، من جهة أخرى بالنظر إلى الاستهدافات التي أصبحت تباشرها هاته الحركات نتيجة انتشار فكر الأساطير وثقافة الهروب وغياب الهوية الوطنية لدى المواطن العربي؟
في نظرك كيف يمكن مواجهة هاته الظواهر، هل بتكريس الوعي الديمقراطي، الذي من شأنه أن يخلق علمانية حقيقية في الوطن العربي، أم الاهتمام بالفكر العلمي النقدي في الجامعات والمنابر الفكرية والإعلامية العربية؟

غليون:تبدأ المواجهة أولا، بنقد حركات الإسلام السياسي هذه من منظور النقد الاجتماعي التاريخي الذي ذكرت أعلاه، أي من فهم شروط ظهورها التاريخية والمجتمعية ومغزاها، ليس باعتبارها نشازا، بالمقارنة مع اتجاه تاريخي علماني أو ديمقراطي أو قومي مقياسي، وإنما تعبيرا رئيسيا عن هذه الأزمة المجتمعية التاريخية، وتجسيدا عميقا لها بما تعنيه من انهيار أسس التفاهم والتواصل المجتمعي وتخبط المعايير الفكرية والأخلاقية معا، وتكاثر الردود العشوائية عليها، وتضارب الإجابات المقترحة للخروج منها. وسوف نكتشف عبر ذلك مباشرة أن ما ندعوه حركات الإسلام السياسي لا يعبر عن مضمون مجتمعي واحد، حتى لو أنه يكتسي وشاحا مشتركا هو الرجوع في صوغ الحلول أو الإجابات المقترحة إلى الإسلام، كنص أو كتراث تاريخي أو كمثال أخلاقي. لكن ليس هناك علاقة بين الرد الإسلامي الليبرالي التركي مثلا والرد الجهادي التكفيري الذي تجسده القاعدة. وبالمثل لا يمكن إيجاد علاقة ذات قيمة من منظور السياسة والاجتماع والتطور التاريخي بين حركات الإسلام السياسي على تنوعها، وبين عودة الجمهور المسلم الواسع إلى المقولات الدينية للتعبير عن تطلعات هي في العمق مساواتية واستقلالية وقانونية حديثة. ففي ما وراء وحدة المرجعية الشكلية توجد مطالب وردود أفعال وتطلعات ورؤى مختلفة أيضا لطبيعة المهام المطلوبة لبناء الوضع المجتمعي الجديد، ولمفهوم هذا الوضع وطبيعته.
ما قلته يعني أن الخطابات الإسلامية والعلمانية لا ينبغي أن تمنعنا من رؤية تنوع المشاريع المتنازعة في إطار إعادة بناء المجتمعات العربية المهدمة والمخربة، في ما وراء القشرة الإيديولوجية التي تغطى عليها. وكما أن من الممكن لقوى اجتماعية إسلامية المرجعية أن تساهم مساهمة كبرى في نجاح الخيار الديمقراطي وترسيخ أسس استقراره، وهذا ما حصل في تركيا في العقد الأخير، هنا بالعكس حركات وتيارات واتجاهات إسلاموية لا تفيد إلا في تفاقم الأزمة ودفع المجتمعات العربية نحو المزيد من الانهيار والانحلال والغرق في المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والدينية غير الممكن حلها.
هذا يعني أن علينا كباحثين أو ناشطين ديمقراطيين أن نتجاوز في نظرتنا لما يحصل مستوى المظاهر السطحية الخارجية، لنركز على الاختلاف بحسب الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، حتى نستطيع أن نشكل كتلا فاعلة أو فاعلين تاريخيين قادرين على العمل من منظور إعادة بناء المجتمعات العربية على أسس ديمقراطية حديثة. أما إذا تثبتنا على مظاهر الانقسام الايديولوجي ونزعنا إلى تكريس خريطة المعسكرات المتنابذة، التي لا إمكانية للتواصل بينها، بعضها إسلامي المرجعية وبعضها علماني، فلن يكون لدينا أي حظ للخروج من أزمة التحلل المجتمعي الراهن، لأننا سوف نكرس الأزمة ونعيد إنتاجها. فهذا التصدع الفكرية والنفسي والديني، مثلما يشكل تجسيدا للأزمة، يقوم أيضا بإعادة إنتاجها، وبصورة أكثر تفاقما مع انبعاث الطائفية والعشائرية بموازاة ذلك. لا ينبغي أن نقبل بهذا التقسيم كأمر نهائي واقع، ونعمل على أساسه، وإنما علينا تفكيكه ومقاومته وحله في منظومة فكرية وسياسية تتجاوز الإسلاموية والعلمانوية، أي تقوم على خيارات سياسية ديمقراطية ووطنية/مواطنية معا. وفي هذه الحالة ليس هناك ما يمنع من الجمع بين التوعية الديمقراطية، كعمل ايديولوجي سياسي، وبين تطوير النقد العلمي والأكاديمي لمظاهر الأزمة المجتمعية والدينية معا.
السؤال الثالث:يعيش العالم العربي العديد من الخطابات المتعلقة بالديمقراطية ومشاريعها (المشروع الحداثي الديمقراطي، حماية الانتقال الديمقراطي….) لكن في المقابل نجد بعض هاته الخطابات تكاد تتبناها الدول وأنظمتها السياسية والأحزاب في برامجها ولا نجد لها داخل بنية المجتمع أي أثر.
في نظرك كيف يمكن تكريس الفكر الديمقراطي فكرا وتربية وممارسة؟

غليون:
لا يزعجني ضيق قاعدة انتشار الفكرة الديمقراطية ولا يدفعني لليأس. فمن جهة أولى لا تختزل التحولات المجتمعية المطلوبة، أي تحديث المجتمعات العربية في العمق ودمجها في حضارة عصرها، وتنمية فرص انبعاث الإنسان الحر والمبدع فيها،على الديمقراطية، كما أن الديمقراطية لا تحصل في الفراغ وإنما هي جزء من عملية مجتمعية تاريخية أوسع لا ينبغي نسيانها ولا تجاهل ترابط أجزائها وأبعادها. ومن جهة ثانية لا يرتبط الدخول في الحداثة السياسية أو التحول نحو الديمقراطية بانتشار المفهوم الديمقراطي أو بتحول الديمقراطية إلى ايديولوجية غالبة. كثيرا ما تقود الأحداث المجتمعات، إلى الدخول في توازنات سياسية وجيوسياسية واجتماعية معينة تدفع هي نفسها إلى ولادة سيرورة تعددية تساهم في اكتشاف الديمقراطية وتطوير مفهومها. لا أعتقد، على سبيل المثال، أن مجتمعات أوروبة الشرقية وروسيا قد تعمقت في فهم الديمقراطية، أو شهدت انتشار فكرتها على نطاق واسع قبل أن تنتقل إليها بعد انهيار النظام السوفييتي. لقد نشأت الثورة المدنية على النظام القائم بسبب قصور هذا النظام عن تلبية المطالب الأساسية لمجتمعاته، كما تحددها الحقبة التي وجدت فيها، وانكشاف عجز منظوماته عن الإنجاز، وتضاؤل مردوده عموما في جميع الميادين. وحصل التحول للتعددية والديمقراطية بسبب عدم وجود نموذج بديل آخر. ولذلك وجدنا العديد من هذه البلدان، بما فيها روسيا بوتين، تعود بشكل ما تحت سيطرة النخب القديمة الشيوعية، التي بدلت ثوبها، لكن احتفظت بعقليتها، هربا من الفوضى التي أحدثها انهيار النظام.
قد يحتج بعضهم بالقول إن ما يميز مجتمعاتنا هو وجود الإسلاموية كبديل للديمقراطية آخر. وهو ما لم تعرفه المجتمعات الشيوعية السابقة. وليس هناك شك في نظري في أن انتشار شعار الإسلام هو الحل يشكل عقبة أمام تطور الفكرة الديمقراطية في البلاد العربية، سواء أكان ذلك بسبب ما يقدمه من حلم بعدالة اجتماعية مستمدة من الوحي، أو بسبب خوف قسم من الرأي العام من البديل الإسلامي وتخويف النظام منه. لكن هذا على المدى القصير وفي المظهر فحسب. فالواقع أن الإسلام قد يقدم، مثله مثل أي دين آخر، نموذجا بديلا للأخلاق والقيم، لكن ليس للاقتصاد ولا للدولة ولا للعلم ولا للتقنية ولا للتنظيم الاجتماعي. ويشكل الخطاب الإسلامي المتنوع اليوم عاملا من عوامل التشويش على وعي الأزمة وبشكل خاص على بلورة فكر واقعي وعملي تاريخي للخروج منها. بيد أنه لن يحول طويلا دون إدراكها. وبقدر ما سوف تلتئم الشروط التاريخية، السياسية والجيوسياسية، والفكرية للتقدم على طريق الخروج من أزمة التخبط الراهنة، سوف تبرز الخلافات العميقة بين المنتمين للمرجعية الإسلامية الواحدة، ويتم الفرز داخل الإسلاميين بين التيارات الأغلبية التي ستختار طريق الاندماج في حضارة العصر والعيش في شروطه، مع الاحتفاظ بالإسلام كمنارة أخلاقية، والأقلية التي ستفضل النكوص إلى الماضي. فالانتماء إلى المرجعية الإسلامية يغطي مطالب وتطلعات كثيرة ومتباينة ولا يتعارض بالضرورة ودائما مع المطالب المادية والسياسية والأخلاقية التي تقوم عليها المجتمعات الحديثة.
من هنا ليست المشكلة الأكبر التي تحول دون نمو القوى الديمقراطية هو انتشار إيديولوجية الإسلاميين، وإنما هناك عوامل أخرى رئيسية ربما كان أهمها التحالف الموضوعي بين النخب الحاكمة المنفصلة عن الشعوب والقوى الكبرى الصناعية التي تريد الحفاظ على سيطرتها الكاملة على القرار في منطقة استراتيجية حساسة، أي بين نظم السيطرة المحلية الزبونية ونظم الهيمنة الدولية شبه الاستعمارية. وليس انتشار الايديولوجية الاسلاموية نفسه سوى نتيجة غير مباشرة وأحيانا مباشرة للمأزق السياسي والاجتماعي والفكري الناجم عنه. وهذا، من دون أن ننسى عوامل أساسية أخرى تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والثقافية والعلمية التي تميز المجتمعات العربية وتحرمها أيضا من فرص نمو توقعات الدخول في الحداثة والاندماج الفعال والايجابي في الحضارة الراهنة.

السؤال الرابع:
بشأن الأوضاع المعقدة الأخيرة التي تعيشها فلسطين ولبنان بشأن انعدام الائتلاف الوطني.
ما هي العبر التي يمكن الخروج بها من خلال تشخيصك لهذه الأوضاع المعقدة؟

غليون:كما ذكرت، التعبير الرئيسي للأزمة التي تعيشها المجتمعات العربية هو تصدعها وانقسامها بين أكثرية فقدت الثقة بالصيغ والحلول الحديثة أو المرتبطة بفكرة الحداثة ومفهومها، وتكاد تيأس منها، وتعتقد أن المسؤول عن الأزمة أو التخبط الراهنين هي هذه الصيغ والمفاهيم، وأقلية تعتقد أن السبب هو في تقاليد المجتمع والدين المحافظة وفي رفض النخب الحاكمة تبني الحلول الجذرية التحديثية. والفئة الأولى تطالب بتطهير المجتمع والبلاد من آثار التغريب والحداثة، والفئة الثانية تنادي باستئصال ما تسميه قوى الظلامية والرجعية.
ويولد هذا الانقسام بل الفصام، المستند على هيجانات واحتقانات نفسية وسياسية لا على مقاربات عقلية وموضوعية، قطيعة متزايدة بين الطرفين لا مخرج منها. ليس لأن الأقلية التي تسمى علمانية، وهي ليست كذلك، تحتكر، في مواجهة الأكثرية الإسلامية، في أغلب البلدان، السلطة وموارد القوة واستخدام العنف فحسب، ولكن أكثر من ذلك لأن كلاهما، مشروع الدولة الإسلامية ومشروع الدولة العلمانية، أو شبه العلمانية، التي تريد أو تدعي أنها تريد أن تكرس خيار الحداثة وتدافع عنه، بالوسائل القهرية والعنف والاستبداد، طريق مسدود. المشروع الأول لأن الإسلاموية كما ذكرت ليست مشروعا أصلا، وإنما هي غطاء لمشاريع أو لأشباه مشاريع ومطالب وتطلعات مختلفة ومتباينة ومتناقضة، لا يمكن أن تقود، عندما تواتيها فرصة الوصول إلى السلطة، إلا إلى الانقسام المتزايد والاقتتال بين الإسلاميين أنفسهم. وهو ما جرى في جميع النظم الإسلامية التي انبثقت في العشرين سنة الأخيرة، وأحيانا قبل الوصول إلى السلطة. والمشروع الثاني لأن الاستبداد لا يمكن أن يقود، تحت أي يافطة جاء، إلى شيء آخر سوى خيانة الحداثة وقيمها، وتحويل الدولة إلى مزرعة للأسر المالكة أو الحاكمة لا فرق، بقدر ما يعني تحييد الرأي العام، وتفريغ المجتمع من الحياة السياسية، وإكراه الأفراد على الخضوع والطاعة العمياء. فإلغاء الحريات هو الأساس لإجهاض الحداثة وقطع الطريق على أي تقدم آخر، في الاقتصاد والسياسة والعلم والتقنية والإدارة والأمن الوطني والأهلي على حد سواء. فالحرية الفكرية والسياسية والاجتماعية هي منطلق الحداثة وشرط وجودها، لأنها الأساس الذي يقوم عليه بناء الفرد كمواطن مستقل ومسؤول، ومبدأ تربيته كمصدر وعي وصاحب إرادة ومبادرة، وبالتالي كمشارك أو شريك في جماعة سياسية تتجاوز الرابطة الدموية أو الدينية والمذهبية. ومن دون ذلك ليس هناك أمل لا في قيام أمة ولا دولة حديثة ولا مجتمع مدني.
كان من الممكن أن يقود هذا الانسداد المزدوج إلى انتشار إدراك أعمق بالأزمة التاريخية التي تعيشها المجتمعات العربية، ويمهد للخروج منها بصورة أسرع، لو لم ينفتح الانقسام الداخلي ويرتبط التصدع الوطني بصراع أوسع، دولي وإقليمي، يشكل الشرق الأوسط، والمشرق العربي خاصة، مسرحه الرئيسي. بيد أن اندراج الطرفين المتنازعين في الاستراتيجيات الدولية واصطفافهما وراءها قد عملا على تعزيز هذه القطيعة، ودفع نحو حرب داخلية مرتبطة بالحرب الدولية والإقليمية ورهينة لها.
هكذا أصبحت الإسلاموية، التي بدأت كحركة احتجاج داخلي على الظلم الاجتماعي والتسيب القانوني والاستهتار بمصالح الناس ومستقبلهم، حركة دفاع عن الهوية في وجه الثقافة والقيم العصرية، بوصفها قيما غربية. وهو ما عززته السياسات الغربية التي وجدت هي نفسها في الإسلاموية عدوا استراتيجيا وتاريخيا بديلا يعوضها عن انهيار العدو السوفييتي، ويبرر للمركب الصناعي العسكري، وللمصالح الاستعمارية أو شبه الاستعمارية عموما، الاحتفاظ بمواقعها ونفوذها في البلدان الصناعية. وبالمقابل، تحولت شعارات الديمقراطية والعلمانية إلى حصان طروادة لتلك القوى الدولية الرامية إلى الاحتفاظ بنفوذها في مواجهة الموجة الإسلامية، أو إلى منطلق لترميم النظام شبه الاستعماري الذي يستند إليه هذا النفوذ.
وهكذا تمفصل الصراع الداخلي مع صراع خارجي يتبع أجندته الخاصة، وتعقدت سبل المواجهة الداخلية، ومعها فرص اليقظة والخروج من الأزمة. فقد أعطى هذا الصراع للفريق العلماني المحلي، في كل البلدان العربية وعلى مستوى المنطقة ككل، الانطباع أن بإمكانه الفوز بالمعركة وحسم الموقف لصالحه طالما أنه يحظى بدعم دولي واسع، كما أعطى الانطباع للفريق الإسلامي بأن التنازل أمام الأقلية العلمانية المسيطرة لا يعني خيانة الأغلبية المؤيدة له فحسب وإنما أكثر من ذلك الاستسلام أمام قوى الهيمنة الدولية والاستعمارية.
هكذا تحول الاحتجاج الاجتماعي باسم الإسلام، كما جسدته الحركة الإسلامية في بداياتها، إلى ما يشبه الحرب العالمية ضد "الإمبريالية" والسيطرة الخارجية وقواعدها المحلية. كما تحول الدفاع عن مشروع الحداثة العلماني إلى حرب "وطنية" ضد الإسلام والإسلاميين، ومن وراء ذلك إلى ذريعة لتبرير الاستبداد والتحالف مع القوى الاستعمارية. لقد ضاعف ربط الصراعات الداخلية بالصراعات الخارجية من تعقيد المشكلة ومن تفاقم الأزمة، حتى لم يعد من الممكن مواجهة أي نزاع داخلي بمعزل عن الأقطاب الدولية.
وبدل أن نتجه نحو تسويات وطنية، كما حصل في جميع المجتمعات التي عرفت العديد من الأزمات، أصبحنا، مدعمين كل منا بحليف خارجي، نتجه بشكل أكبر نحو القطيعة والتخوين المتبادل والمواجهات المفتوحة من دون نهاية. وبدل أن تقودنا مقاومة الأجنبي "وعملائه" إلى تعزيز استقلالنا الوطني عن الدول الكبرى، أو تدفع بنا العلمانية إلى تعزيز التحولات الديمقراطية، عشنا في العقود الماضية التجربة المريرة للسقوط بشكل أكبر في التبعية والالتحاق بالقوى الأجنبية و تعزيز نظم العسف والاستبداد معا.
ليس المسؤول عن ذلك الإسلاميين أو العلمانيين، وإنما تبني خيارات خاطئة وغير ناجعة في المقاومة وفي المحافظة على الدولة والنظام "العلماني" معا. فلم نر في المقاومة احتجاجا ضد الظلم والعسف والطغيان، ولكن نبذ القوى والأفكار والمواقع الأجنبية، التي طابقنا بينها والأفكار والقيم والقوى الحديثة. وهو ما يزيد من تعميق الشرخ داخل المجتمعات. وبالمثل، لم نر في الحفاظ على النظم الحديثة العلمانية أو شبه العلمانية سوى سياسات الأمن والقمع وقتل الحريات التي ليس لها نتيجة أخرى سوى تعزيز قبضة الممسكين بالسلطة على ثروة البلاد والمجتمعات ومواردهما، وتحويل الفساد إلى سياسية وطنية. وفي النتيجة لم نعمل بخياراتنا الخاطئة هذه سوى على تعميم الاقتتال وتخليده من خلال ربطه بأجندات خارجية. وقد عملت المطابقة الكلية بين مقاومة النفوذ الأجنبي والوطنية، وبين الحفاظ على النظم الحديثة والعلمانية، على خلط في الأوراق قضى على ملكة التمييز عند الرأي العام، وجعل من شعار العلمانية أفضل وسيلة لحل عرى الوطنية ودولتها الحديثة، كما جعل من شعار المقاومة الإسلاموية أفضل وسيلة لتحويل حركة الاحتجاج الاجتماعي عن أهدافها الديمقراطية وجعلها غطاءا لنظم البطش والفساد والطغيان. وها هي مجتمعاتنا تتمزق بين أقليات اجتماعية تعتقد أنها لا تضمن حقوقها الإنسانية وحرياتها إلا بالتعامل المباشر مع القوى الأجنبية، وجماهير مهمشة ومنبوذة لا تجد في مواجهتها من وسيلة سوى بعث العصبية الدينية أو الإثنية أو الطائفية أو القبلية في غمار مقاومة لا ثمرة منها سوى تقويض أسس الحياة الوطنية.

السؤال الخامس:كيف يمكن بناء فكر نقدي في الجامعات العربية من شأنه أن يبني لنا وعيا مجتمعيا يمكن أن يكون مدخلا للتأسيس لدول حداثية ديمقراطية ؟غليون:
بناء الوعي النقدي والوعي الاجتماعي المؤسس لدول حديثة ديمقراطية ليس الواجب الأول للجامعة ولكنه واجب المربين والكتاب والصحفيين والمفكرين والسياسيين. وهو لا يحصل في الجامعة إلا عرضا لأن مكانه وسائل الإعلام والثقافة والمنظمات المدنية والأحزاب التي تعلم الناس العمل الجمعي وروح التعاون والتضحية والمسؤولية الجمعية. أما الجامعات فواجبها الأول هو تنمية المعرفة وتطويرها وبنائها على أسس قوية، أي بناء العلم. والمعرفة العلمية لا تنمو وتتراكم وتتطور إلا بقدر ما تميز نفسها عن الإيديولوجية، أي بقدر ما تميز الأحكام الواقعية الوجودية أو ملاحظة الوقائع، عن الأحكام القيمية والمعيارية، أو تقرير ما ينبغي أن يكون أو لا يكون. وعندما تنجح الجامعات في بناء مثل هذه المعرفة العلمية المرتبطة بفهم الواقع كما هو وليس بعلاقته بالقيم المجتمعية، تكون قد أسدت معروفا عظيما للديمقراطية وعلمت الناس كيف يميزون بين خياراتهم الواقعية وتلك الوهمية.
وهذا يعني أن الثقافة لا تبنى في الجامعات ولكن للجامعات مهمة رئيسية هي توفير البنية المعرفية العلمية السليمة للثقافة. فثقافة من دون قاعدة علمية متينة، تبقى ثقافة هشة ومعرضة للهزات والتقلبات وربما في عصرنا الراهن للانحسار، وفي أحسن الحالات تظل غارقة إذا نجحت في البقاء في الأحلام والأوهام. لكن ثقافة من دون عقائد وجدالات إيديولوجية، وآداب وفنون وهياكل أسطورية وخيالات وأوهام ليست أيضا ثقافة، ولا يمكن أن تستمر.
ولعل أكثر ما أساء لجامعاتنا، وبالتالي لثقافتنا الحديثة لما بعد الحرب العالمية الثانية، هو سيطرة السياسة عليها، وإخضاع المعرفة فيها للخيارات العقائدية. فلم يفرغ مؤسساتنا من مضمونها ويقضي على الوعي وليس على الوعي النقدي والديمقراطي فحسب، سوى فكرة العقائدية وتعميمها في الجامعة والجيش والدولة والعائلة، سواء أكانت العقيدة المقصودة قومية أو وطنية أو اشتراكية أو إسلامية. ومنذ اللحظة التي تضع فيها الوزارة صورة الملك أو الأمير أو الرئيس على الصفحة الأولى من الكتب المدرسية، ينبغي أن نعرف أنها قضت على أي مستقبل للعملية التعليمية، وحطمت الأساس الذي يقوم عليه العلم والذي يبرر إقامة المدارس والجامعات.
هذا لا يعني أنه لا ينبغي على الطلبة والمدرسين وغيرهم أن يعملوا في السياسة، وأن لا يكون لديهم إيديولوجية. هذا غير ممكن وعكس المطلوب. كما لا يعني أن تكون هناك معرفة مفصولة عن التربية وعن الخيارات الإيديولوجية الحاسمة. لكن الإيديولوجية والخيارات الأخلاقية والسياسية ينبغي أن تبقى مسألة متميزة عن المعرفة العلمية، ومرتبطة بخيارات الأفراد الشخصية، لأنها تتعلق بحرياتهم الأساسية ولا وجود لها أو قيمة خارج الاختيار الحر للأفراد. ربما كانت التربية، جزءا من عملية التكوين على مستوى العائلة والحضانة والمدارس الابتدائية والثانوية، لكن الجامعات هي بالأساس مؤسسات علمية، أي متخصصة في التكوين العلمي والمهني والبحث وإنتاج المعرفة وتنميتها. والمطلوب منها أن تسهر على تخريج علماء يتقنون مجموعة معينة من المهارات والقدارات والمعارف التي تمكنهم من القيام بالواجبات التي تقتضيها وظيفتهم العلمية أو الإدارية أو التقنية، من دون أن يتأثر هذا التكوين باختياراتهم السياسية والأخلاقية، أو يؤثر فيها، ليبرالية كانت أو اشتراكية أو قومية أو إسلامية أو غير ذلك. ولا يمكن للجامعة أن تجمع بين تكوين قدرات الناس العلمية ومهاراتهم، بصرف النظر عن خياراتهم السياسية والأخلاقية، إذا تبنت بعض هذه الاختيارات. فهي لا يمكن أن تخلط بين الوظيفتين العلمية والإيديولوجية من دون أن تهدد بالتشويش على وظيفتها الرئيسية وربما بخيانتها.
لكن في مجتمع تحرم فيه السلطة، لأسباب سياسية وإستراتيجية أمنية، كل النشاطات الفكرية والسياسية الحرة، فلا تسمح بوجود منتديات فكرية ولا صحافة حرة ولا جمعيات مدنية مستقلة ولا أحزاب سياسية حية، من الطبيعي أن ينتقل النشاط الإيديولوجي، الذي لا غنى عنه لأي مجتمع، إلى الجامعة، بوصفها تشكل مركز تجمع العاملين بالبحث والفكر والثقافة عموما. وأحيانا يشكل هذا الخيار جزءا من سياسات بعض الحكومات التي تعتقد أنها تستطيع بذلك أن تحصر النقاش المتعلق بقضايا سياسية ووطنية حساسة في إطار مغلق ودائرة محدودة، وتمنع الرأي العام من الاتصال بالمثقفين والباحثين أو التواصل مع أفكارهم والتأثر بهم. ونحن نعرف اليوم نتائج هذه السياسة وتأثيرها المدمر على منظومة إنتاج المعرفة وتطوير العلم والبحث والتقنية في البلاد العربية.
ــــــــــــ   
120822
 
 
120821
 ٭عبد الواحد بلقصري باحث في العلوم السياسية، يقطن مدينة بلقصيري، وقد أمدنا بهذا الحوار المهم الذي أجراه مع المفكر والكاتب برهان غليون، وقد سبق أن نشر في الحوار المتمدن، نعيد نشره لفائدته.
 
 

الأحد، 13 أبريل 2008

منع الوقفة الاحتجاجية التي دعت لها تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية.


  منع الوقفة الاحتجاجية التي دعت لها تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية.
    تفريق جموع الحاضرين باستعمال القوة العمومية
      نص كلمة المنسق الوطني في الختام المفترض للوقفة الممنوعة  
   الإعلان عن 17 أبريل كيوم وطني للاحتجاج في مختلف المناطق 
dsc011 
كلما تجمع حشد من المحتجين تفرقهم القوة العمومية

   ذكر منظمون للوقفة الاحتجاجية التي دعت لها تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية أنهم تلقوا قرار المنع بشكل شفوي، ورغم ذلك حضر عدد من المناضلين والمواطنين إلى أمام البرلمان  عشية السبت 12 أبريل 2008 حيث أعتاد المكان على أصناف من المحتجين.. بشكل يكاد أن يكون يوميا. 
 لوحظ قبل ذلك حضور قوى أمنية من الشرطة والقوات المساعدة طوقت المكان من جميع جوانبه، ولم تسمح بالمرور إلا في الجهة المقابلة لمقر البرلمان في طريق مزدوج يعرف حركة مرور كثيفة، وقد اعتاد عدد من المواطنين التجول والمكوث بنفس الشارع، باعتباره متنفسا وسط المدينة، كلما تكوّن تجمعٌ صغير من المواطنين يتم تفرقه بحث المواطنين على التحرك.
    في بداية الفترة التي كان من المقرر إجراء الوقفة أثناءها وحين حضور المحتجين إلى المكان كانت القوى الأمنية تفرق المتجمعين، مما خلق أجواء من التوتر والاحتجاج.
   كما طوقت مجموعة أمنية نواة نشيطة من المحتجين كانت قيد التشكل وساقتها بالقوة إلى أحد الشوارع الفرعية وهي ترفع شعارات منددة، بينما في نفس الوقت تنضاف جماعات أخرى من المحتجين للمكان، وتتلقى نفس المعاملة، أي التفريق بواسطة الدفع والتعنيف.
    أصيب أحد الحاضرين للوقفة ذُكر أنه صحفي بجروح لم نستطع تحديد مستواها ودرجة خطورتها، وهو يمثل إحدى القنوات الفضائية كما ذُكر وقد حملته سيارة الإسعاف إلى المستشفى.
    أصر عدد من المحتجين على البقاء في مكان الاحتجاج إلى نهاية الفترة المخصصة لذلك بما فيهم قيادات من أحزاب وطنية، كما تلى المنسق الوطني لتنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية بيانا أمام مقهى "باليما"( جمع عمالها الكراسي) ذكّر فيه بدواعي اللجوء إلى الاحتجاج حيث قال أن ذلك جاء بعدما وصلت " سياسة الغلاء إلى أوج شراستها" وأن "هناك من المسؤولين من لم يقموا بواجبهم… يتحملون مسؤولية جوعنا ومرضنا"، كما أرجع ارتفاع الأسعار لأسباب داخلية منها تخلي الدولة عن الاستثمار وتحرير الأثمان وتشجيع الاحتكار والخوصصة وتطبيق إملاءات صندوق النقد الدولي حسب المنسق الوطني وليس إلى ارتفاع الأسعار في السوق الدولي أساسا، كما ذكّر بقرار مجلس التنسيق الوطني الإعلان عن يوم 17 أبريل كيوم وطني للاحتجاج في مختلف المناطق… قبل أن تداهم الحلقة التي أحاطت به من مناضلين ومواطنين وصحافيين القوةُ الأمنية لتفريق الجميع.  
    ذكر محمد غفري أثناء سؤاله من طرف صحفيين عن أسباب المنع فقال نحن لا نعرف دوافع وأسباب المنع، وأضاف أن التنسيقيات مشكلة من أحزاب ونقابات وجمعيات مسؤولة، وأن خسارة المنع بالنسبة للدولة أكبر من السماح بإجراء الوقفة في وقت قصير بانتهائه ينتهي الأمر…إننا ـ يقول ـ لا نملك غير حناجرنا وإرادتنا للاحتجاج ضد الغلاء وارتفاع الأسعار، وأنه ليست هناك سياسة رسمية لتحسين وتقوية الإنتاج، فأغلب المنتوجات الفلاحية والصيد البحري موجة للتصدير، أما السوق المحلي فلا أحد يهتم به حسب رأيه.
   وقد رفع المحتجون بين الفينة والأخرى بعض الشعارات المنددة بتفاقم الأسعار، مثل : " احنا أعلاش جينا …المعيشة أغلات أعلينا".
وتجدر الإشارة أن منسقيات مناهضة الأسعار لم تنج من آفة الإنشقاقات، حيث انقسمت إلى شطرين ابتداء من اللقاء الوطني للتنسيقيات المنعقد في 2 مارس بالدار البيضاء، وكل تنسقية تدعو إلى لقاءات ووقفات خاصة بها، علما أن مواجهة مثل هذه القضايا تقتضي التنسيق مع مختلف الحاملين لهموم الجماهير الشعبية.
      نص كلمة المنسق الوطني لتنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية، التي تنفرد المدونة بنشرها كاملة بعدما خصنا بها المنسق الوطني محمد غفري في مسودتها الأصلية، وكي نزود بها  بعض الصحافيين الحاضرين ممن فاتتهم فرصة الاستماع إليها حيث أبدى بعضهم رغبته في ذلك: 
dsc011
 محمد غفري يلقي البيان وسط حلقة من المحتجين
dsc011
حلقة من المحتجين تستمع لبيان المنسقيات…
   «أيتها المناضلات أيها المناضلون، أيتها المواطنات أيها الموطنون، أيتها الفعاليات والإطارات الحقوقية والسياسية والنقابية والنسائية والشبيبية والجمعوية…جاء الإعلان عن هذه الوقفة الاحتجاجية في وقت تصل فيه سياسة الغلاء أوج شراستها، ومنذ آخر وقفة وطنية يوم 18 شتنبر 2007، وبعد كل الوعود والتصريحات المسكنة التي أدلى بها المسؤولون عن تدبير شؤون الوطن، عرفت جميع المواد الأساسية الأربعة المدعمة والمواد الأساسية غير المدعمة ارتفاعات متتالية وتصاعدية في أسعارها، والتي طالت الدقيق والماء والكهرباء والأدوية وحليب الأطفال…
   إذا رفعنا شعار اعلاش جينا واحتجينا… المعيشة غاليا اعلينا، فليس لأننا محترفي الاحتجاجات، بل لأن لنا دوافع اجتماعية حقيقة للاحتجاج.
     لماذا أعلنا الاحتجاج؟ لأن هناك من المسؤولين من لم يقموا بواجبهم، لأن هناك من تولوا تسيير شؤون هذه البلاد مسؤولين عن جوعنا ومرضنا، ونفس المسؤولين راضين ويتحدثون عن الانجازات، بينما حالنا يعرف اتساع دائرة الفقر واتساع الهوة بين الغني والفقير، ثم يضيف المسؤولون للتغطية عن كبواتهم تبريرات أبرزها غلاء السلع في السوق العالمي، علما أن هناك أسباب داخلية أوصلتنا لما وصلنا إليه؛ انسحاب الدولة من الاستثمار أدى إلى قلة فرص الشغل. وارتفاع الأسعار جاء نتيجة تحرير الأثمان ولإطلاق العنان للاحتكار والخوصصة وانسحاب الدولة من النشاط الاقتصادي… هذه هي الاملاءات الخمس لصندوق النقد الدولي، والنتيجة بطالة وفقر وتفاوت طبقي صارخ، لهذه الأسباب قامت فعاليات حقوقية ونقابية وسياسية وشبابية وجمعوية، وهي شخصيات معنوية وقانونية ومعترف بها بتشكيل تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية منذ أكتوبر 2006، وإلى اليوم مازالت تناضل من أجل مطالب أقل ما يمكن وصفها به أنها الحد الأدنى للعيش الكريم.
    إن وقفة 12 أبريل ما هي إلا مقدمة لسلسلة من النضالات الوطنية والمحلية ستعلن عنها التنسيقيات المحلية لاحقا.
    إننا كلجنة المتابعة الوطنية إذ نترجم قرار مجلس التنسيق الوطني بالإعلان عن يوم 17 أبريل كيوم وطني للاحتجاج، تحت إشراف التنسيقيات المحلية في جميع المدن والقرى، نعلن كذلك أن نضالنا سيستمر إلى غاية تحقيق مطالبنا، وبدل نهج سياسة منع الوقفات والاحتجاجات يجب البحث عن حلول جذرية.» 
     dsc011
 dsc011
 dsc011 

dsc011
حضور المحتجين لشارع محمد الخامس وحصار أمني ملفت

       dsc011     
    dsc011
دفع أول كوكبة تكونت من المحتجين لشارع جانبي ليتم تفريقهم بالقوة
dsc011
وصول ذ.محمد الساسي إلى مكان الاحتجاج
dsc011
لبس أفراد القوات المساعدة للخودات وبداية الاستعداد لقوة أكثر

      dsc011    
أحد المواطنين يحتج بطريقة أكثر تعبيرا بحمله لعلب مواد غذائية فارغة 
   dsc011
      120804 
 تلقي أحد الحاضرين بمكان الوقفة للضرب أصيب على إثره وقد حمل إلى المستشفى وذُكر أنه مراسل قناة فضائية
 (علمنا فيما بعد أنه مصطفى البقالي مراسل قناة بي بي سي)
     dsc011
        
                          dsc011
حضور ممثلي عدد من الهيئات ، يظهر في الصورة ذ.عبد الرحمان  عمرو وذ.محمد الساسي وآخرون

                      dsc011 
أصر عدد من الواطنين والمحتجين على البقاء في المكان إلى نهاية فترة الاحتجاج رغم كل التنكيل الذي لاقوه
dsc011
 محمد غفري يدلي بتصريح للصحافة

dsc011
 حمى عدد من المواطنين المنسق الوطني محمد غفري من جميع الجوانب ليلقي كلمته ورغم ذلك هوجموا عند الإنتهاء من إلقاء البيان

                      مصطفى لمودن             
للاطلاع على المدونة استعمل الرابط التالي: 
       إضافات:
 ـ علمنا فيما بعد أن الصحفي المنقل إلى المستشفى هو مصطفى البقالي مراسل قناة بي بي سي
 ـ وتوصلنا من الصحفي منير الكتاوي بصورة تبين إصابته بجروح في ساقه أثناء الوقفة، وهو يعمل بأسبوعية "الوطن الآن"

120821

السبت، 12 أبريل 2008

ثقافة المشاركة اعداد نجاة الراضي*


  ثقافة المشاركة
                             اعداد نجاة الراضي*
كثر في السنوات الاخيرة، في المشهد السياسي والمدني المغربي الحديث عن المشاركة في شقها السياسي.   البعض يتحدث عن اللامشاركة و اللاتسيس بالنظر إلى نسب المشاركة الضعيفة التي طبعت الانتخابات السابقة (انتخابات2007 ) والبعض يتحدث بنوع من العمومية بكون المشاركة السياسية هي السبيل الوحيد لتحقيق الانتقال الديمقراطي .
والبعض الآخر يذهب بعيدا ويتحدث عن المشاركة بشكل قطاعي. المشاركة وعلاقتهما بقطاع الشباب وبقطاع المرأة…ويتم تبرير هاته العلائقية بالأهمية التي يكتسبها هذان القطاعان، كما يتم الإشارة إلى(نسبها الضعيفة التي ترجع إلى أسباب سوسيو سياسية متعددة كالأمية والفقر…)
وبين هذا وذاك يتيه مصطلح المشاركة بين تيهان كل هاته الآراء. إن الحديث عن المشاركة هو شيء إيجابي ومهم، وبدونه لايمكن التقدم إلى الأمام. لكن قبل الحديث عن مصطلح المشاركة بوجهيه الجزئي
micro والكلي macro يجب الحديث عن ثقافة المشاركة. ماذا يقصد بها؟ كيف يمكن ترسيخها؟ وماهو دورهافي تعزيز الحياة الديمقراطية عبر تمثيلية قوية وارادة  حقيقية.
وبالحديث في هذا الجانب عن التجارب المقارنة، أي الدول التي عرفت انتقالات ديمقراطية. وأصبحت نماذج إرشادية بوصفاتها ومؤشراتها، ذات النسب المتقدمة فيما يخص التمثيل والمسائلة، نجد أن تعزيز المشاركة في هاته البلدان اعتمد على مقاربة ثقافية، ثم التركيز لنشر هاته الثقافة على المدارس والجامعات أولا. وعبرتوسيع المشاركة باتجاه الفئات الأصغر سنا ثانيا.
وعبر ابتكار آليات التواصل مع الجمهور واستغلال الطفرة التكنولوجية والمعلوماتية في ذلك، وذلك عبر التواصل مع مختلف الطبقات السياسية والثقافية والمدنية .  كل هذا دفع بهاته البلدان عبر ديمقراطيتها المعاصرة، بكون إعطاء الثقة للمجتمع لن يتم إلا بالمشاركة الفعالة التي تعتبر الضمان الوحيد لأي تغيير حقيقي، وليس مجرد تغيير شكلي.
ففي الحديث عن هاته التجارب المقارنة عِبَرٌ كبيرة يمكن الاستفادة منها، بالرغم من الإختلاف في الجغرافيا الثقافية والإقتصادية والسياسية بيننا وبينهم.
إن الحديث عن ثقافة المشاركة مسألة يجب أن تعطى لها قيمتها الحقيقية، ولكي لا تصبح مصطلحا عابرا ومائعا ومناسباتيا يجب التأسيس لمناخ ديمقراطي بواسطة أم القضايا، وهي قضية المشاركة. وقضية تفعيلها تستدعي جهود كل الأطراف وبمشاركة جميع المواطنين.
وهنا يأتي دور المؤسسات التعليمية ودور الأحزاب الديمقراطية. وبالرغم من أننا ورثنا تراكمات سلبية من مناخ سياسي كرس الإستبداد وقواعد انتخابية لا تتسم بالنزاهة. أعطتنا هاته التراكمات السلبيةُ اللاثقةَ  اللامشاركة واللاتسيس. وبتكريس المشاركة المجتمعية الفعالية المبنية على وعي مجتمعي حقيقي يمكن أن نبنى  ثقافة للانتقال الديمقراطي الحقيقي الذي نريده والذي تتطلع إليه مختلف فئات هذا المجتمع.  
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
باحثة في علم الاجتماع
كلية الاداب والعلوم الانسانية
القنيطرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   
المدونة: توصلنا بهذه المساهمة عبر بريد المدونة، ونرحب بكل المساهمات

الجمعة، 11 أبريل 2008

ضيعات الخواص أشواك على جانب الطرقات وضعف المساهمة في التنمية المحلية


   ضيعات الخواص
أشواك على جانب الطرقات وضعف المساهمة في التنمية المحلية
تمر بعض الطرق بمنطقة الغرب قرب ضيعات تحيط بها أشواك، غير أن هذه الأشواك تطول وتكبر إلى أن تحتل كامل قارعة الممر الطرقي، بل تهجم أحيانا على جزء من الطريق المعبدة، وهو ما يعرقل حركة السير، خاصة لما تتلاقا عربتان أو أثناء التجاوز، وهو ما يحتم تدخل السلطات لدى أصحاب هذه الضيعات قصد قطع ما استطال من الأغصان المشوكة، رغم أن بعض أصحاب هذه الضيعات من ذوي النفوذ الذين لا يأبهون لما قد يضر بقية المواطنين، وكل تنبيه لهم قد يعتبرونه تنقيصا من " قيمتهم" وتدخلا في شؤونهم، ورغم ذلك يجب أن يكون القانون فوق الجميع.
نعرض نماذج من الأشواك التي تساهم في عرقلة السير، وأي جولة بالطرق الثانوية وغير المصنفة وبعض المعابر المؤدية للقرى المحادية لبعض الضيعات ستجعل كل مستطلع يكتشف ما ذكرناه بشكل ملفت.

dsc007

dsc007 

dsc007 
dsc010 
إن بعض ملاكي الضيعات في منطقة الغرب يقيمون في المدن الكبيرة كالرباط، ومنهم من يتوفر على مناصب، وهذه من معضلات ضعف تنمية منطقة الغرب عموما، فعائدات هذه الضيعات تحول إلى مدن ومناطق أخرى، وغالبا ما يستثمر في اقناء العقارات وأشياء اخرى قد لا توفر أي قيمة مضافة على الاقتصاد، علما أن ملاكي جل الضيعات يؤدون أجورا زهيدة للعمال ولا يحترمون حقوقهم، ولا يؤدون أي ضرائب وطنية أو محلية، والدولة تتكفل بإيصال التجهيزات إلى ضيعاتهم أو إلى مقربة منها، كما هو عليه الحال بالنسبة للطرق والكهرباء والتجهيزات الهيدرومائية بما فيها السدود… وذلك من المال العام، بدون أن تكون لهؤلاء الملاكين الكبار أية مساهمة في التنمية سواء المحلية أو الوطنية
بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية تَفْرض فيها بعض الولايات ضرائب على كبار الملاكين من أجل التنمية المحلية خاصة مساهمتهم لتمويل التعليم، عن طريق سن ضرائب لذلك.
 قد يقول بعض الملاكين انهم يساهمون ضرائبيا أثناء اقتناء مشترياتهم، وهو مبرر مردود عليه حيث أن الضريبة تؤدى عن الدخل المحصل عليه، فكيف يؤدي جميع المواطنين ضرائب مرتفعة تفوق أحيانا 40 في المائة من المدخول، بينما آخرون يربحون الملايين دون أن يؤدوا أي ضريبة، فعن أي عدالة ضريبية يمكن الحديث؟
لا نفهم ذلك سوى من استقراء الواقع السياسي للبلد، حيث اعتبر دائما الفلاحون الكبار أهم زبناء المخزن، بل منهم ومن أبنائهم كانت دائما تتشكل النخب المشاركة في الحكم، وبالتالي يحصلون على امتيازات من هذا الاعتبار، وهي الحالة التي لا يجب أن تستمر، لإحقاق العدالة بين كافة المواطنين، وتحصيل موارد للدولة حتى تفي بالتزماتها، ثم لتكون الضريبة حافزا على الانتاج وتحسين المردودية بالنسبة للأراضي الزراعية
                  مصطفى لمودن

الخميس، 10 أبريل 2008

تعيين مساعد المدير بالفرعيات المدرسية


 تعيين مساعد المدير بالفرعيات المدرسية
 
 
        من المنتظر أن يتم تعيين مساعد مدير بفرعية المجموعة المدرسية بالعالم القروي قبل نهاية شهر أبريل الحالي على الأرجح، حيث سيتوصل المعين الجديد/ مساعد المدير بقرار تعيينه من طرف النيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، ولن يكون هذا المساعد الجديد سوى أستاذ أو أستاذة بنفس الفرعية التي يعمل بها.
     كان من المرتقب أن يتم اللجوء لهذه الصيغة منذ السنة المنصرمة، حيث أثيرت بشكل رسمي في عدد من المحطات، منها منتديات الإصلاح التربوي الرابعة التي تشرف عليها الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والتي جرت ما بين 3 و7 أبريل 2007 (انظر تغطية لأحد هذه المنتديات بهذه المدونة)، وذلك لحل بعض المعضلات التي تتخبط فيها المؤسسات التعليمية بالعالم القروي، حيث يمكن اعتبار كل فرعية تعليمية وحدة متكاملة لكنها بعيدة عن المركزية حيث يوجد المدير، وهذا الأخير يصعب عليه تتبع كل ما يقع في بقية الفرعيات.
    حسب بعض الأصداء التي وصلتنا فقد برز تهافت من بعض الأساتذة في الفرعيات على اقتراح أنفسهم لتحمل هذه المهمة، رغم أن تحديد المهام غير واضح، ولم تصدر من أجله أية مذكرة أو مرسوم، والقانون الأساسي لموظفي التربية الوطنية لا يشير لهذا المعطى الجديد.
    ما يتم الحديث عنه بشكل شبه رسمي ما دام لم يظهر على الواقع، هو مقدار التعويض الذي سيحصل عليه مساعد المدير، الذي حدد في 400 درهم شهريا، وربما لهذا السبب أبدى البعض اهتمامه بنيل المنصب الجديد، دون أن يعرف أحد هل هو خاضع للضريبة وباقي الاقتطاعات. كما أن مساعد المدير لا يحق له بعد تعيينه تخفيض ساعات عمله التي تصل إلى 30 ساعة في الأسبوع، أو التفرغ لمهامه الجديدة.
   حسب مذكرة تنظيمية اطلعنا عليها أعطيت الصلاحيات للمدير قصد اختيار العنصر المناسب لينوب عنه في الفرعية التي تتعدى أقسامها الثلاثة، دون تحديد أي مواصفات، فقط أقدمية العمل لمدة سنة بالفرعية، وعدم التعرض لأي عقوبة تأديبية، وملء طلب من أجل ذلك، وإرساله للنيابة التي بدورها تخبر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين وقسم الموارد البشرية بالوزارة.
   تعرف بعض الفرعيات تجربة مماثلة منذ مدة، لكن في علاقة بالمطعم المدرسي، حيث يتم تكليف مدرس حسب اختياره لتسيير المطعم المدرسي بالفرعية لمساعدة الطباخ (ة) مقابل الحصول على تعويض، رغم أن مثل هذه العملية غير معممة وغير منتشرة بشكل موسع تشمل جميع الفرعيات.
    لجوء المسؤولين عن قطاع التربية والتعليم لتعيين مساعد مدير بالفرعيات قد يحل بعض المشاكل ذات الطبيعة الإدارية الصرفة، لكنه غير مجد لفك واقع تدني المستوى التعليمي وضعف مردوديته، والتخفيف عن التلميذ من كثرة المواد والدروس التي لا طائل من ورائها على المستوى المعرفي أو السلوكي أو القيمي…، ومحاربة الهدر المدرسي وحث بقية الشركاء المحتملين على الانخراط في مساندة المدرسة كالجماعات المحلية مثلا، وتحسين فضاء المؤسسة التعليمية، والاهتمام بالأنشطة الموازية…  
     إن تحسين جودة التعليم وتعميمه يقتضي إجراءات عديدة مندمجة منها طبعا ما هو إداري، لكن لا يجب إغفال مراجعة المناهج والمقررات، توفير وإدماج التعليم الأولي ضمن التعليم الابتدائي، تحسين فضاء المؤسسة التعليمية وتوفير كافة المرافق الضرورية (بما فيها المراحيض غير المتوفرة للأسف) وتعيين حارس لها، منح المدرسين والمدرسات العاملين بالعالم القروي تعويضات تناسب حجم معاناتهم في عزلتهم أو تنقلاتهم اليومية، توفير الوسائل التعليمية…   
                    مصطفى لمودن   
 
 

       سجل بهذه المدونة رأيك في الموضوع