التعليم إلى أين؟
1 - الدخول المدرسي في العالم القروي
بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، للموسم الدراسي 2008/09، نشرع في إشراك القراءمعنا حول هموم التربية والتعليم، أولا لنبسط أهم المشاكل، وبعد ذلك يمكن أن نقترح حلولا لها، في ظل وضع تعليمي متأزم باعتراف الجميع، سنسعى حسب المستطاع الوقوف على بعض التفاصيل الصغيرة، والتي قلما يتم الانتباه لها، ونخص بالأساس التعليم الابتدائي، قاطرة السلسلة وركنها الأساسي، كل ما له علاقة بهذا المستوى التعليمي، علما أننا راكمنا تجربة ميدانية وعملية في مهنة التربية والتعليم لما يقرب من ربع قرن من الزمن، وقد عايشنا بعض التجارب والتحولات، وشاهدنا نجاحات وإخفاقات، غير أن ملاحظات القراء عموما وانتقاداتهم وتوجيهاتهم تدعم كلما سنأتي على ذكره.
—— ——
بعد قضاء العطلة الصيفية، يأتي اليوم المنتظر، أول أربعاء من شتنبر، الدخول المدرسي الرسمي، في هذا اليوم يتوجه جميع المدرسين لمؤسساتهم التعليمية لتوقيع محضر الدخول واستئناف العمل، غير أن المدرسين العاملين بالوسط القروي، لا يستقبلون هذا اليوم بالحفاوة المطلوبة، تجد عددا كبيرا منهم متجهما قانطا، ليس حزنا على فقد عطلة امتددت على شهرين من الزمن، وليس حبا في الخلود لراحة طويلة أخرى، وليس هروبا من عناء رحلة يومية في ظروف صعبة من مقر السكن إلى المدرسة، وليس تخوفا من العيش فى عزلة قاتلة في عالمقروي ينعت بضعف التجهيزات…ولكن تحسبا لما ينتظرهم من مشاق وتعب، يختلف عما يعترض بقية المدرسين في مواقع أخرى.
أول هذه المشاق التي تصل حد الإهانة، تنظيف الحجرة الدراسية، فغالبا ما يجدالمدرسون هذه الحجرات عبارة عن مزبلة بكل ما تحمله الكلمة من دلالة، ولا غرابة في ذلك إذا كانت أغلب الحجرات بدون أبواب وأحيانا بلا نوافذ، وتبقى طول الصيف عرضة لمن هب ودب، وغالبا ما تستظل فيها المواشي من حرارة الشمس،ويقضي فيها البعض حاجته الطبيعية، وبذلك تتعرض بعض التجهيزات على قلتها للتخريب والإتلاف، تتكسر بعض الطاولات، وتسقط السبورة أرضا، وتلطخ بكل ما يمكن التخطيط به، حتى روت البهائم، وتُبعتر بعض الوسائل التعليمية البسيطة التي يمكن أن تترك في الحجرات سهوا، وهي غالبا ما تكون قد جلبت من طرف المدرس والتلاميذ طول السنة الدراسية، تقلع وتمزق الصور التي بقيت على الجدران، وعلى المدرس أن يعيد كل شيء إلى سالف عهده من ماله الخاص طبعا.
بعض المؤسسات التعليمية لها منظف يتقاضى أجرا هزيلا من الدولة مقابل تنظيفه للحجرات، لكن عددا كبيرا من المؤسسات التعليمية بما فيها الفرعيات ليس لها أي منظف، فيتعاون المعلم أو المعلمة مع التلاميذ لتنظيف الحجرات، بلالمزابل، ليس إزالة الغبار من على الطاولات والأرضية فحسب، بل حمل ما ثقل من نجاسة وإلقائها خارجا، مع ما يصاحبها من روائح كريهة تتقزز منها الأنفس، فكيف يمكن أن يكون لمدارس العالم القروي عيد يسمى « عيد المدرسة»، يوافق اليوم العاشر من الدخول المدرسي، بعد قضاء عشرة أيام في التهيؤ للبدء العملي التدريس.
تقديرا لدور المدرسة في المجتمع، يجب أن تعود لها هيبتها، أول بادرة تحصين البناية وحمايتها، وتوفير كافة المستلزمات الضرورية للتمدرس والتعليم. من ذلك:
ا ـ تعيين حراس قارين لكل مؤسسة تعليمية حماية لها ولتجهيزاتها قصد تهيئ الظروف المناسبة للجميع.
ب ـ توفير ميزانية للمؤسسات التعليمية، تكون رهن تصرفها في عدد من النفقات الخاصة بها، يكون مجلس تدبير المؤسسة هو الساهر على ذلك في تعاون مع المدير.
ج ـ القيام بالصيانة المستمرة واللازمة لجميع المؤسسات التعليمية بالعالم القروي.
د ـ خلق الآلية الكفيلة بفتح نقاش مستمر مع السكان، حتى يدعموا عن قناعة المؤسسة التعليمية، ويساهموا في حمايتها والدفاع عنها.
ه ـ إلزام كافة الأطراف المعنية بدعم التعليم والتمدرس عموما، تكون المؤسسات الحكومية أول نواته الصلبة، مع تحفيز الجماعات المحلية على ذلك
وـ وضع خطة للتخلص باستعجال من حجرات البناء المفكك المتقادمة لما تحتويه من خطر صحي، وعدم استعمال ذات البناء في المستقبل.
كل المقترحات تظل حبرا على ورق، وككل سنة سيساهم المدرسون والمدرسات والتلاميذ وحدهم في تهيئ الشروط المناسبة في حدها الأدنى من أجل ولوج أربعة جدران تسمى تجاوزا قسما، في انتظار صحوة ضمائر البعض، للنهوض فعلا بهذا القطاع الحيوي، ضامن تقدم الشعوب ورقيها.
مصطفى لمودن