مسرحية"بين الزناقي"
سلطة، قهر، ومدينة تموت…
مصطفى لمودن
عند مشاهدة العرض المسرحي "بين الزناقي"، تشعر فعلا أن هناك "تواطؤا" وقع بين كاتب المسرحية مصطفى لكليتي ومخرجها يوسف الساسي، وكذلك الممثلين.. تواطأ الجميع على تقديم مسرحية مخالفة للمعتاد وما تعود الجمهور على رؤيته، يمكن القول بأن المسرحية تمثل صدمة قوية للمشاهدين، سواء بنهايتها المأساوية، أو بما تطرقت إليه وكيف تطرقت إليه.
تجري أطوار المسرحية في جانب مظلم من مدينة عملاقة، فتظهر في الخلفية لوحة كبيرة على بلاستيك، تمثل عمارات ومنازل شبح، بعضها يظهر من نوافذها نور خافت.. بهذا الجانب الهامشي من المدينة حيث نحن (المشاهدون)والممثلون، نشارك ونتابع ونصنع الحدث، وأي حدث؟
إنه ليس سوى لقطات من حياة بئيسة لمجموعة من المشردين، يجمعهم المكان الهامشي الفقير لكل شيء.. سوى من نفايات وبقايا أشياء مبعثرة، فإذا كانت المسرحية لم تحتاجَ لديكورات تتبدل ولا لأجهزة وأدوات مساعدة، فقد اعتمدت على القوة التعبيرية للمثلين، وعلى قوة النص الصادم للمشاهدين، إنه فعلا مسرح فقير يتحدث عن الفقراء.
قدمت المسرحية في ستة فصول، تخللتها صراعات حول السلطة وتملك الفضاء والمتاح من وسائل العيش، فإذا كانت "بنت البلاد"، الذي قد تعني الرغبة أو السلطة أو مجرد "حلالة"، أي مدينة القنيطرة.. فقد كانت دائما تحت رحمة "بوكطاية"، رغم أنه لا يسلم بدوره من استهزائها به، ومن جهة ثانية محاولة آخرين التقرب من "بنت البلاد"، أو الرغبة في تملكها بكل بساطة من طرف الجندي المتقاعد (الكبران) رفقة "النزق" وهو يمثل الشباب، وقد استطاع هؤلاء الانقلاب على "الزعيم"، لكن "الزعيم بوكطاية"، فضل خنق "بنت البلاد" على أن يشاركه آخرون فيها، اي الشمكارة الذين ثاروا بعدما تحششوا بما يكفي.
تثير المسرحية بحدة حقوق المقهورين، وتتحدث بقوة عن مدينة القنيطرة، وما تعانيه من مشاكل مختلفة، والمسرحية بمثابة إعلان وفاة/ قتل مع سبق الإصرار والترصد للمدينة المنظمة (سابقا)، حيث لم يعد أي تواجد لقيم التضامن والمواطنة.
واعتقد أن المسرحية لم تترك أي فرصة للأمل أو للحياة أو للمستقبل، لقد حملت إدانة قوية للجميع، وانتهت بموت آخر فرصة للأمل. فمن حق أصحاب المسرحية أن يحملوا ويؤمنوا بالرؤية التي تناسبهم.. وقد يكون في التراجيديا علاج لبعض المآسي الواقعية.
قدم مشهدان أثناء العرض المسرحي وكانا عبارة عن مونولوك، وبغض النظر عن براعة وبلاغة العرض، وقدرة الممثل فؤاد الغلالطي على تقمص شخصيات ووضعيات مختلفة بكفاءة عالية، فإن ذلك المنولوك كان بمثابة وقت مستقطع من المسرحية، وليس له رابط مقنع مع بقية فصول المسرحية. ونفس الشيء يمكن أن يقال عندما يتحدث ممثل وحده أو إلى الجمهور في مشهد خطابي لا يليق بالمسرح، إذ يتطلب الأمر بناء دراميا متسلسلا للأحداث يجعل المشاهدين مأخوذين مشدوهين ومتتبعين بعناية.
كما أعتقد أنه ليس بأسلوب تصويري يعكس بشاعة عيش البؤساء يمكن أن ندافع عن الفقراء، فلدى الفقراء والشمكارة وبقية الناس الموجودين في أسفل الهرم الاجتماعي اعتبار للحياة وللجمال وللكون، وليس من الضروري أن ندفع البعض ليقتنع بأن هؤلاء يستحقون "حياة الكلاب"، يكفي أن ننصت لمختلف شرائح الفقراء لنجد ذلك. وإذا كان المقصود هم آخرين من أصحاب سلطة ومسؤولين عن واقع الناس والمدينة فلماذا لا تكون الإشارة إليهم مباشرة؟
وأريد أن أسجل ملاحظة قوية، فالشمكارة ـ حسب المسرحية ـ لم يصلوا إلى مستوى الوعي بحقيقتهم، وإلى الرغبة في "الثورة" على الزعيم المسؤول عن مأساتهم، سوى بعدما تجرعوا ما يكفي من المخدرات، وتنقص مثل هذا التصور "حكمة" المثقفين، ككاتب للنص وكمخرج تبناه وكممثلين يؤدونه على الخشبة، أعتقد كان من الأجدى ربط الانتفاضة والشعور بالمسؤولية بعد حضور العقل وما يرافقه من ثقافة وتنظيم وهي خصال إنسانية، حتى يترك ذلك انطباعا مناسبا لدى المتلقين وخاصة الشباب.
وتجدر الإشارة أن المسرحية تميزت بلحظات معبرة أثارت الجمهور الحاضر، مثل الدعوة للنظر في المرآة، والدور البارع للجندي المتقلب المزاج، وقدم الممثلون الشباب العرض بكفاءة، وأثارت المسرحية بنجاح نسبي الأخطاء التي تترتب عن احتكار السلطة، والأنانية البشرية، وخنق المدينة (الحياة).. رغم عدم طرحها (المسرحية) لبدائل، وهو الأمر غير المطلوب عموما من الفن. من تقديم "فرقة الفضاء المسرحي" القادمة من القنيطرة إلى دار الشباب 11 يناير بسيدي سليمان عشية الخميس 29 مارس 2012، بمناسبة اليوم العالمي للمسرح، وبرعاية مندوبية وزارة الثقافة بالجهة، حيث هناك ثلاث فرق مسرحية محلية تتناوب بعروضها على دور الشباب بالقنيطرة وبلقصيري وسيدي قاسم وسيدي يحيى وسيدي سليمان.. في هذه الأثناء مرة في كل أسبوع، وإن كانت المبادرة محمودة ويجب التنويه بها، فيحتاج الفن والثقافة عموما إلى مزيد من الدعم وإتاحة الفرصة للترويج والعرض والنشر والانتشار.
شارك في التمثيل رشيد بنزوية، رشيد برائيم، هشام عمراني، أمين لحلو، فؤاد الغلالطي، فاطمة دويميك.
____________