نظم فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ندوة تفاعلية في موضوع: "أية علاقة للحقوقي بما هو سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي…؟"، وذلك ليلة الخميس 9 شتنبر 2009، وقد حضر الندوة أغلب المدعويين للمساهمة بتدخلاتهم، وأعقب ذلك نقاش خصب تفاعل مع مختلف الآراء التي راجت، نعرض الأرضية التي أطرت للندوة، وهي من اقتراح مكتب الفرع، كما يمكن نشر ـ في وقت لاحق ـ تقريرا تركيبيا لأهم ما دار.
أرضية ندوة الجمعية م. ح. الإنسان بسيدي سليمان
ارتأى مكتب ج.م.ح.إ. بسيدي سليمان تخصيص نشاطه الإشعاعي الثاني بمناسبة مرور ثلاثين سنة على تأسيس ج.م.ح.إ. في 24 يونيو 1979 لموضوع ذي طبيعة إشكالية ومعرفية قبل أن يكون حقوقيا صرفا أو أي شيء آخر، لنطرح ونتطارح جميعا سؤال:" أية علاقة للحقوقي بما هو سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي…؟"
واقترحنا أن يكون"الحقوقي" هو المحور الذي تلتف حوله بقية "المؤثرات"، ليس باعتبار ما يجمعنا هو "الحقوقي" فقط، ولا نرغب في أن نتطاول على المهام المفترضة لبقية المتدخلين في الشأن العام من أحزاب ونقابات…
ولكن، في نفس الوقت لا نعتبر "الحقوقي" جزيرة منعزلة، أو موضوعا معلقا في السماء، ولا رابط بينه وبين الواقع بمختلف إكراهاته، بل نعتبر أن فضاء "الحقوقي" قد يشمل بقية العناصر المشار إليها، بحيث ينسحب المجال "الحقوقي" على ما هو سياسي وثقافي واقتصادي واجتماعي… وقد درجت ج.م.ح.إ. في أدبياتها وتقاريرها على جرد مجمل الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وجعلها ضمن مجال اهتماماتها، بل أهم ما تشتغل عليه، أي كل ما يشمل مناحي حياة الإنسان/ المواطن.
لكن في نفس الوقت من الأسلم منهجيا ومعرفيا طرح التساؤلات التالية:
ـ أيهما الأسبق الحقوقي أم السياسي؟ بمعنى هل يكون مدخل السياسة هو الكفيل بمضمان بقية الحقوق؟ في حالتنا بالمغرب، هل التغيير الدستوري المنشود القائم على فصل السلط ومحاسبة جميع المسؤولين على السلطة التنفيذية وجعل صناديق الاقتراع هي مصدر القرار ومنح صلاحيات حقيقية للحكومة… هل هذا المدخل كفيل بتحقيق أغلب الحقوق الجمعية الأساسية؟ وفي نفس الوقت هل من الواجب مناقشة الوضع السياسي الراهن، خاصة بعض أهم تجلياته، مثل الانتخابات، ودور المجالس المنتخبة، وهل ما يقع محليا ووطنيا في ذلك يكرس السلوك الديمقراطي أم العكس؟ ما رأي الحقوقيين في الأمر؟
ـ هل ضمان عيش كريم وتحقيق نمو اقتصادي شامل يعود نفعه على جميع المواطنين ويرفع من مداخليهم ويحسن من مستوى عيشهم، ويفرض استقلالا اقتصاديا للوطن عن مراكز الهيمنة الأجنبية… هل تحقيق ذلك سيجعل المواطن ينتقل إلى جملة مطالب أخرى من أجل مشاركة فاعلة في اتخاذ القرار، ويجعله ينفتح على بقية الحقوق؟ أم أن الفاقة والفقر والحاجة تدفع المواطن المحتاج لاحتجاج من أجل تغيير وضعيته بشكل جذري، وبالتالي اقتراح وفرض الحلول الشاملة لمشاكله؟
ـ أية علاقة للثقافة بما تعنيه من وعي وتعليم وتثاقف في ظل عالم أصبح صغيرا بخيارات الإنسان الكبرى؟ هل تحصيل وعي معين ومستوى تعليمي محدد، ومتابعة المستجدات المعرفية والعلمية، تجعل المواطن في موقع من يحسن الاختيار، وبالتالي القادر على الدفاع عن حقوقه وضمان ترسيخها؟ هل يستطيع الإنسان من منلطق الثقافي والمعرفي التشبث بالمبادئ الكونية لحقوق الإنسان؟ هل الحقوقي ملزم بحكم الضرورة ضمان كمّ معرفي وقيمي للمواطن حتى يسهل التخاطب معه، ويمكنه بعد ذلك أن يكون فاعلا في الدفاع عن حقوق الإنسان؟ هل كل أزمة تعليمية وثقافية يكون ضحيتها الأول المجال الحقوقي؟
ـ كيف يؤثر الجانب الاجتماعي للفرد على تفاعله مع قضايا الوطن والمواطنين؟ هل يمكن للفقر والتفكك الأسري وأشكال الوشائج الاجتماعية… أن يكون لها تأثير سلبي أو إيجابي على سلوك الفرد وبالتالي على توجهاته، وانخراطه ضمن سيرورة الدفاع عن حقوق الإنسان؟ بل يمكن طرح تساؤلات أكثر حدة حول نوع الانتماء، وكيفية نشوء الولاءات في ظل عدم ترسيخ القناعات وهشاشة التشبث بالمبادئ والنزوع نحو الانتهازية لدى البعض؟ وفي نفس السياق هل يمكن الحديث عن أي روابط اجتماعية يمكن أن تربط مناضلي حقوق الإنسان فيما بينهم، وهل بالضرورة أن يؤثر ذلك على درجة الفعل الحقوقي لدى المناضلين عامة؟
تساؤلات ضمن موضوع شاسع، يمكن أن تكون الآراء فيه متقاربة كما يمكن أن تكون متباعدة تسجل لمستوى من الاختلاف المحمود الذي لا يفسد للود قضية، خاصة أمام التحولات التي طرأت على مستوى سلوك وعي ودرجة انخراط المواطن وحاجياته، مما يفرض طرح أجوبة لإشكالات معلقة كثيرة، يبقى الفكر اليساري عموما مطالبا بإيجاد أجوبة عن ذلك من قبل مناضليه الذين تشعبت بهم السبل في السنوات القليلة الماضية، مع استحضار الدعوات الآنية للم الشتات والشمل، فهل سيلتقط شعب اليسار الإشارة، ويحولها إلى فعل؟
سيدي سليمان في 10ـ 09ـ 2009
ـــــــــــــــــــــــــــ
عن مدونة الجمعية:
http://amdhsd.maktoobblog.com/