الجمعة، 19 مارس 2010

هل هناك نية للتضييق على المجتمع المدني بسيدي سليمان؟ السلطة المحلية تنزع لافتة تعلن عن نشاط إحدى الجمعيات


هل هناك نية للتضييق على المجتمع المدني بسيدي سليمان؟ 
السلطة المحلية تنزع لافتة تعلن عن نشاط إحدى الجمعيات

تواترت مؤخرا عدة أحداث يمكن أن تعطي تفسيرا لهذا الاحتمال، أولها عدم صرف منح من المجلس البلدي للجمعيات التي تطالب بذلك، رغم ما يقال كمبرر غير مقنع؛ مثل وجود "خطأ إداري" ما،  ورغم هزالة هذه المنح حسب ما جرى به العمل سابقا، فذلك يساهم في التخفيف من بعض الأعباء فقط.
ثانيها الصعوبة التي أصبحت تكتنف الحصول على ترخيص باستعمال قاعة " الخزانة البلدية"، بحيث وقع تراجع عن المسطرة التي تعودت عليها أغلب الجمعيات، وهي الاكتفاء بوضع طلب لدى المجلس البلدي، وتسجيله ضمن الواردات مع منح نسخة موقعة من مكتب الضبط  لدافعي الطلب، الآن يلح المسؤولون الجدد على تقديم طلب مماثل إلى السلطة المحلية، وانتظار ترخيصها أو موافقتها، وقد اعتبرت بعض الجمعيات أن إخبار السلطة المحلية ليس من اختصاصها، مادامت تعمل في إطار القانون، وهي تتوفر على الشرعية الكاملة، وبما أن القاعة المطلوبة تحت وصاية المجلس البلدي، فإن هذا الأخير مكلف بالتنظيم فقط…
أما ثالث الظواهر الجديدة، فهي إزالة لافتة من جانب سياج العمالة من طرف السلطة المحلية، حيث تعودت مختلف الجمعيات على وضع لافتاتها هناك أو على سياج الحديقة السابقة الذي أزيل مؤخرا، وقد وضع مساء الخميس 18 مارس أعضاء جمعية "العقد العالمي للماء"ـ مجموعة سيدي سليمان ـ اللافتة هناك بعد استكمال كل الإجراءات المطلوبة، كما تساءل رجل شرطة كان واقفا حينه عن ذلك، فتلقى الشروحات الضرورية، وحسب عضو الجمعية الذي كان في ذلك الوقت، فقد بدا له أن رجل الشرطة اتصل حول ذلك برؤاسه. لقد استرجع أعضاء الجمعية اللافتة المنزوعة، والتي احتفظت بها السلطة المحلية دون أن تكلف نفسها عناء الاتصال بالمعنيين بالأمر، وتجدر الإشارة أن اللافتة المذكورة تتضمن إعلانا عن تنظيم ندوة  في موضوع" تدبير الشأن المائي في المغرب بين الواقع والبدائل الممكنة" بالخزانة البلدية مساء السبت 20 مارس..
في الختام يجدر وضع التساؤلات التالية:  
ـ هل العمل الجمعوي يبقى من "اختصاص" فئة أو جماعة معينة، أم هو مفتوح على جميع المواطنين في إطار القانون الجاري به العمل؟
ـ هل هناك "نية" من أجل ضبط تحركات العمل الجمعوي، وجعله يدخل تحت يافطة أو يافطات معينة؟ سواء من أجل أغراض انتخابوية من قبل البعض، أو من أجل الحد من تحركات جمعيات "مغضوب عليها" ولا تتماشى توجهاتها مع أهداف جهات معينة؟
ـ لماذا لا يتكلف المجلس الحضري للمدينة (وبدون تعقيدات)بوضع لافتات الجمعيات في مكان معين يشاهده الجمهور على نطاق واسع، وهو(أي المجلس) من يتوفر على الآليات الخاصة بذلك.
ـ إذا كان هناك ضغط على القاعة الوحيدة بالمدينة الصالحة نسبيا للعروض والمنقاشات، أي قاعة الخزانة البلدية، بعدما تم تغيير قاعة البلدية السابقة التي كانت تحتضن أنشطة مماثلة إلى جزء من بناية مؤقتة للعمالة، فلماذا لا يتم التفكير في إنشاء مركب ثقافي يؤدي خدمات مختلفة للمدينة، والجميع يعرف بأن بناء دولة الحق والقانون من ضمن ما يتطلب إتاحة الفرصة للنقاشات العمومية في مختلف المناطق، بل والتشجيع على ذلك، وتوفير الوسائل الضرورية… كيف يعقل ألا يكون في مدينة كسيدي سليمان حتى أدوات تكبير الصوت، بحيث تضطر الجمعيات إلى كرائها من الخواص، كأنها تنظم عرسا، إن الجمعيات أداة تطوعية تساهم في تأطير المواطنين رغم أن النص الدستوري قد استثناها من ذلك.
يرجى الانكباب على هذا الموضوع بما يستحقه من موضوعية ومسؤولية.

وَســــــــاوِسُ


وَســــــــاوِسُ  

شعر: ذ.جواد المومني(*)    
قَطْرةٌ تــمْضي…
وهـذا دُخانٌ يغرَق فيها
يحُـلّ الْمساء،
وحده يُـفضي
إلى ذِكْـراها
مدائــنُ لا تحِـــلُّ 
لغـيـر ناسِـكيها.
ويْـلَـكَ يا مَنْ
…يَهْـــذي !!
ليست الْـبحار قاطِـرةً 
ولا الـسّمواتُ
رافِـــدةً
ولا الأثــيــرُ
مُـرْساها.
عَـصيّةً تـأتي…
 الْقصائِـدُ؛
يَخْلو ٱلْعَذْبُ مِنها
 يحْلو الْعـذابُ فيها 
ومَا صاهَـلَ الرّنـينُ
مَـمْشاها.
لخَــريفِ ٱلضَّحَـكاتِ
مَـطـرٌ يَـنْعِــي
لَهـــيـــبَ مَـــداها
يا لَــيْــتهُ الْــوَرْقُ
يُحْـــيِــي 
 نَســيــمَ لُــقْــيَاها…
 لِـمَــنْ يَـشْــدو
هذا الْــعــودُ؟
ترانيــمه أحْــزانــًا
 تَــرْثـــــــــــــــي 
 بُــؤْسَ الـــنَّقَــراتِ
 وَكـيْـف لا يُــفــشِـي
 هـــذا التَّـــقــسيــمُ
 رســمَ الدَّمــع؟ 
فِــيه مَــسْـــراها،
فيه نَجْــواها
 عــجـــيبةً نَســائــمُهُ
رَقــيقَــةً مَــنــازِلُــهُ
 شَهِـــيٌّ مَــلْــقــاها !!

انتهى في: Perpignan، يوم السبت 10 أكتوبر 2009
ـــــــــــــــ
(*) شاعر من سيدي سليمان، انتقل إلى التدريس في فرنسا، وقد أمد مدونة سيدي سليمان بآخر ما جادت به قريحته هدية منه للقراء، نحييه بمناسبة اليوم العالمي للشعر الذي يحتفل فيه محبو الكلمة الحالمة الصادقة الجميلة بهذا الكائن المسمى شعرا في 21 مارس من كل سنة، وبالمناسبة نحيي كذلك كل الشعراء.

الأربعاء، 17 مارس 2010

وزراء نائمون في منطقة الغرب.


وزراء نائمون في منطقة الغرب.

حـــــــميــــــــــد هيـــــــمة.
إذا  كان  الشاعر العراقي، معروف الرصافي، قد " أثنى " على النائمين في بيت شعري يقول فيه: " ناموا ولا تستيقظوا … فما فاز إلا النوم "، فإنه لم يكن يتوهم يوما أن  يوجد، من موقع سلطة القرار، من  ينفذ "وصيته" الثمينة.  لكن تشاء الأقدار أن نتشرف في المغرب، في ظل حكومة مولا نوبة، بأن نكتشف الميولات الأدبية الرفيعة لوزرائها وتعطشهم للشعر، بل وتهافتهم من أجل تطبيق وصايا الشعراء والأدباء. كيف عمل الوزراء  بنصيحة الرصافي، هذا ما نبهتنا إليه فيضانات منطقة الغرب؟

  
 
 
منشأة خط السكة الحديدية الجديد لم يراع الظروف البيئية والمعطيات المناخية (الصور خاصة)
وزير الإسكان ، صاحب الطلعات الإعلامية البهية، مكنته الفيضانات الأخيرة من تنفيذ مشروعه الطموح الرامي إلى القضاء على السكن العشوائي بجهة الغرب الشراردة بني أحسن. فقد سوت السيول الجارفة المنازل الطينية مع السطح، دون تدخل القوات المساعدة والأمن. وسيتم الإعلان، لاحقا، عن تفاصيل مشروع إعادة إسكان المستفيدين في سقف زمني غير قريب.
وإذا كانت الطرق " المعبدة" لوزير التجهيز عجزت عن الصمود أمام السيول المائية، التي تركت ندوبا عميقة لم تفلح كل الماكياجات الخفيفة في تجميل وجهها الأسود؛ فإن خط السكة الحديدية الذي يخترق منطقة الغرب، وخاصة الخط الجديد الذي يرتقب أن يربط سيدي يحي الغرب بمشرع بلقصيري، قد تحول لأكبر شواية في العالم ( حسب تصنيف جديد ل "غينيس " ستتوصلون به قريبا)، بعدما جرفت المياه الأتربة والأساسات التي تسند قطبان السكك الحديدية وجعلتها معلقة في الهواء. ويندرج هذا العمل الإنساني لوزارة التجهيز، حسب ما يستفاد، في إطار التضامن مع المنكوبين، ليتمكنوا من شواء أبقارهم وأغنامهم التي نفقت.
وزيرة الصحة لم تحرك ساكنا أمام الهجوم المبكر لجيوش " الناموس / اشنيولة " على ساكنة الغرب. فقد لاحت تباشير هجوم عدواني وغير مسبوق ل " اشنيولة " على المنطقة  في الصيف القادم. وما يتخوف منه السكان هو مشاركة كثيبة " اشنيولة موديل  2010 مولات الموصطاج "  ذات القدرة الحربية والدهاء التكتيكي؛ الذي اكتسبته في دورة تدريبية احتضنتها قنوات الصرف الصحي والمستنقعات في غفلة عن الوزارة المذكورة. الأمر الذي يستدعي، حسب متتبع، تدخل قوات الجيش لوقف هذا العدوان للقوات الجوية ل "اشنيولة موديل 2010".
وزير الإعلام ، الرفيق خالد الناصري القيادي في حزب المعقول، اجتهدت  قنواته الإعلامية على تغطية الفيضانات التي اجتاحت صديقتنا فرنسا والآثار الاجتماعية للزلزال الذي ضرب إخواننا في هايتي. ورافق هذه التغطية تصريحات الاطمئنان للسادة الوزراء الكرام في شأن أحوالنا. وبذلك يكون الإعلام الرسمي قد " غطى "، بدلالة هذا الفعل في التداول الشعبي، على  فيضانات منطقة الغرب. بعض الحاسدين وصفوا ذلك ب"التعتيم الإعلامي " المضروب على المنطقة. اللهم لا حسد.  
و في إطار الشراكة المبرمة بين المكتب الوطني للماء الصالح للشرب ومصلحة الفيضانات المحدثة أخيرا، قامت هذه الأخيرة بربط دواوير منطقة الغرب بالماء غير الصالح للشرب بالمجان ودون أداء الفواتير الملتهبة المترتبة عن استهلاكهم لهذه المادة الحيوية. 
السيد أحمد أخشيشن، وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر، وحده المستفيد من الفيضانات  بتنفيذها لوعد سابق له، عبر عنه في حوار صحفي مع يومية المساء، باستعداده لهدم أسوار المؤسسات التعليمية ربما باستعمال التراكتورات الموجودة في المنطقة.  السيول الغاضبة هاجمت المؤسسات التعليمية  دون أن تمهل وزيرنا الوقت الكافي لصياغة وتعميم مذكرة في هذا الشأن. بل إن الفيضانات أصدرت " مرسوما " جديدا ومعدلا للمرسوم الوزاري في شأن تحديد الأيام الدراسية والعطل، عندما فرضت عطلة قسرية على المؤسسات التي اجتاحتها المياه، أو بتحول العديد منها إلى ملاجئ لإيواء المنكوبين. وبذلك تكون الفيضانات قد ساهمت في استكمال تنفيذ مشروع " الجامعات الشعبية " لوزير الشباب الأسبق  محمد الكحص، مما سيؤدي إلى التقليص من نسبة الأمية في منطقة الغرب، لأنها وفرت فرصة مناسبة، و غير مسبوقة، للسكان للولوج إلى المدرسة؛ بعدما كان ذلك متعذرا عليهم في الماضي لانصرافهم إلى تطبيق وصية الزعيم الوطني: سيروا أنتوما خدموا فالفلاحة وأولادنا أيمشيو إقراو فابلاصتكم. غفر الله لزعيمنا الوطني.
غرباوة، وأنا منهم، معروفون بقدريتهم ( الفيضان فيه الخير، الله تيحاسبنا على ذنوبنا ،،،)، لكن الفيضانات الأخيرة جاءت لتنبههم إلى أن  وزراء حكومتنا نائمون في منطقة الغرب. فهل يبادر غرباوة لإيقاظ هؤلاء من سباتهم العميق؟  
مشرع بلقصيري 17/03/2010

الثلاثاء، 16 مارس 2010

بيان من العدل والإحسان


بيان من العدل والإحسان 
أصدرت جماعة العدل والإحسان بسيدي سليمان بيانا تطرقت فيه لمخلفات الفيضانات وتأثيرها على السكان، ووقفت فيه على ما أسمته عجز " السلطات المحلية في المدينة عن مد يد العون لهم إلا من النزر اليسير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يقي من برد"، وجاء في البيان الذي توصلت المدونة بنسخة منه حديث عن منع "السلطات أبناء الجماعة من مساعدة  المنكوبين كما كان الشأن في السنة الفارطة"، كما ذكر نفس البيان أن السلطة المحلية اقتادت13 عضوا إلى مصلحة الأمن في 11 مارس الجاري(تاريخ إصدار البيان)، أطلق سراحهم بعدما حررت محاضر لهم، على خلفية تنظيم "إفطار جماعي… " كما جاء في البيان الذي أضاف بأن أعضاء هذا التنظيم يستنكرون التضييق الممنهج على جماعتهم وأن ذلك لن يجعلهم يسقطون "في متاهات العنف والتطرف" حسب لغة البيان دائما.
وتجدر الإشارة أن "العدل والإحسان" تنظيم محظور ظهر سنة  1983م على يد مرشده عبد السلام ياسين، ويعرف علاقة جد متوترة مع الدولة، وله رؤية خاصة تمتح من مؤلفات زعيمه التي بدأت تصدر في 1974م، مما يجعله (التنظيم) في تعارض مع توجهات أغلب الأحزاب المغربية إن لم نقل كلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
المدونة: مدونة سيدي سليمان مفتوحة في وجه كل التوجهات

حــــالــة 2 تتمة لحالة 1


حــــالــة 2
مصطفى لمودن
حالتك لا تختلف كثيرا عن بقية حالات كثيرة مشابهة، كنت عندما تقصد المكان المعلوم، تجد أمثالك ينتظرون بدورهم، هناك من يوقدون نارا عليها يستدفئون، وهناك من يكوّنون جماعة صغيرة ملتفة يتحدث أفرادها بصوت منخفض، لم تكن لك رغبة في معرفة الموضوع الذي هم فيه منهمكون، كنت تعرف أن قضيتهم قضيتك، ولكن لا تريد حسب أخلاقك العالية أن تصبح متطفلا، كنت تقول لو أرادوا إشراك أحد آخر لنادوا عليه، وعلى أي لم تكن مكثرتا بالأمر، لو كان في الأمر شيء مهم سيعرف الباقون، وأنت طبعا واحد منهم… الآخرون، كل المنتظرين، منهم من يتكئ على جدار، ومنهم من يجلس على الطوار… الجميع ينتظر، تنضاف أنت إلى المجموعة المنتظرة، تعرف أن كل واحد يعرف الآخر، كأنكم جماعة واحدة، رغم أن كل فرد قادم من وجهة معينة، لكل  ظروفه الخاصة به، غير أن ما يجمعكم جميعا هو المكان والهدف المشترك، أحينا تتبادلون الحكايات بعفوية لا يمتلكها غيركم، ليس لكم ما تخفونه، أغلب المتحدثين يتكلمون عن أنفسهم، أصلهم، تاريخهم، طفولتهم، الأبناء والجيران، والرغبات الصغيرة والكبيرة، والأحلام الموءودة، منكم من يتحدث عن كلام في السياسة، تصغون له بتمعن، تشعر بأن لكم تقريبا نفس الآراء والمواقف، لكن يمكن أن تكون للبعض أحيانا أراء أخرى، تتحدثون عن الانتخابات والأسعار والأحزاب، وآخر الأخبار الدولية، ولا ينسى بعضكم الحديث عن الكرة والبارصا والريال، والرجاء والوداد… في السابق كلما انضم إلى جماعتكم رجل جديد، تعرفون بسرعة من أين جاء وما هي أحواله، وهل يستحق أن يدمج بسرعة في جماعتكم الواسعة، هل يحق له مشاركتكم لعبة الورق المحببة لكم، هل يمكن أن تدعونه لحفلاتكم الخاصة، أو أن تبقى درجة الارتباط به في حدود المكان المعلوم، إذا كان لا يستحق ثقتكم…
 لكن بعد ذلك لم تعودوا قادرين على التعرف على كل من يحضر، حتى كلمات المجاملة الضرورية لم تعودوا توزعونها فيما بينكم جميعا، تتساءل مع نفسك؛ كيف تغيرت الأحوال فجأة؟ بل تطرح أسئلة أعمق؛ وكما تتذكر دائما، في الأول كنتم الرجال فقط، فيما بعد انضافت بضع نساء، تنقلب المعادلة وتصبح النساء أكثر من الرجال! تحاول أن تجد تفسيرا، هل الرجال انزووا بعيدا وتركوا المكان للنساء؟ هل استطاع الرجال أن يجدوا بديلا فاستغنوا عن القدوم للمكان المعلوم؟ وذلك قبل أن تكتشف معطى جديدا لم يكن يخطر لك ببال.
تتذكر يوما عندما صعدتم قبل الفجر شاحنة، توجهت بكم نساء ورجالا إلى ضيعة بعيدة، هناك على ربوة تعرف ضبابا ورذاذا خفيفا كل صباح، هناك حيث تعمل أصابعكم بقوة قبل أي جزء آخر من أجسادكم، يريد مشغلوكم دائما أن تخدموا بأصابعكم وأيديكم وتتركوا عقولكم جانبا إلا لغرض واحد، وهو تشغيل الأصابع والسواعد لإتمام العمل الذي أنتم فيه..
  في الشاحنة تتزاحم الأجساد، تتقارب، تتكاثف، تتداخل… والبرد
 يلسع الوجوه، والأسنان تصطك من برد لا يرحم، لا يختلف في قساوته عن "الشاف"، بدوره لا يرحم، يصعد فوق مقصورة الشاحنة ويوزع نعوته النكراء على الجميع، يلعن من هنا وهناك، بل يسب ويشتم، تسمونه "جيرا"، مسير الضيعة، ضخم الهيكل، وجه أبيض مستدير، له شارب كث متدل…
من أول يوم أمرك أن تحمل الصندوق الحديدي المربوط على ظهرك، وأن تمر بين الخطوط كباقي الحمالين، ليفرغ لك الآخرون ما جمعوه من عناقيد العنب، وعليك بسرعة أن تقصد الشاحنة، أي شاحنة أفرغت حمولتها وعادت، تصعد سلم حديديا وتفرغ بحركة نصف دائرة محتويات الصندوق الذي على ظهرك، ليتكلف عامل أو عاملان بتسوية العناقيد المتراكمة، وهم يعسفون بدون رحمة على حباتها الناضجة، "والشاف" يصيح من أعلى شاحنة متوقفة بجانب الحقل تنتظر دورها… قبل أن ينصرف على متن سيارته إلى وجهة لا يعرفها أحد، تاركا "شافات" آخرين أصغر منه يراقبوننا باستمرار…
 من جانب الشاحنة وأنت على آخر درجة من السلم الحديدي يترأى لك العمال والعاملات الذين يجنون العنب كنمل صغير يتحرك ويتقافز… الجميع من أجل جمع أكبر قدر من المنتوج ونقله إلى إحدى المعاصر، من أجل جني أرباح لا يصلكم منها شيء، فقط أجركم الزهيد الذي تنالونه كل خمسة عشر يوما، وضجيج الشاحنة التي تقلكم كل صباح مساء، وانتم تتمايلون بأجسادكم كلما دارت إلى اتجاه.
 ساعة بالتمام لتناول وجبة الغذاء، يحسبونها بالدقيقة، ثم تقومون إلى قرب مغرب الشمس، وسفر من جديد، أوبة إلى المنازل والبيوت لأخذ قسط من الراحة، والقيام في الهزيع الأخير من الليل، تقول عن ذلك في نفسك؛ هل نحن آلات من حديد؟ حتى الحديد، من شاحنات وجرارات ومضخات… تراهم عاكفين على الاعتناء بها أو إصلاحها أو وضعها في جانب مخصص لها… عكس البشر كما تؤكد ذلك لزوجتك باستمرار…
لماذا قل الرجال في الموقف؟ تتساءل؟ لم تعد تجد بعض زملائك السابقين، حينما تأتي باكرا كعادتك، تحملق في الوجوه، تتحرك بين الواقفين والجالسين والمقرفصين، لعلك تجد أحد معارفك القدامى… هل أنت فقط من بقي من الجيل القديم؟ هل أنت وحدك من كان نصيبك هذا الشقاء الذي سيلازمك طول عمرك؟ هل اغتنى الآخرون أم وجدوا شغلا آخر يغنيهم عن القدوم للموقف وانتظار ما قد يأتي وما قد لا يأتي، أحيانا تظل تنتظر من يأخذك لعمل، من يطلبك لشغل، من يضيفك إلى من اختارهم أي رب عمل أو تاجر خضر أو راغب في كنس حظيرة حيوانات أو … لكن تلاحظ أنهم يختارون نساء أولا ثم شبابا أصحاء في مقتبل العمر… وأنت لا يعيرك أحد اهتماما، أنت متأكد من قدراتك على العمل، متأكد من صحتك التي ما تزال تملكها، هي كل ما تملكه، لكن لا ينادي عليك أحد إلا في بضع المرات القلائل، أو يعتذر لك أحدهم، فيقول، لقد اكتفينا، حتى لمرة قادمة… ورغم ذلك تصر على الاشتغال، ليس لك منه بد…
 وأخيرا لما قررت البحث عن بقية رفاقك السابقين، علمت أنهم فقط غيروا المكان! وكما ذكر لك زميل لك في مختلف الأعمال الشاقة التي تخوضونها باستمرار، لقد مللنا تلك الأشغال، وطريقة اختيارنا من قبل مشغلينا، ألم تلاحظ أنهم لم يعودوا يرغبون فينا؟ ألم تلاحظ أنهم يفضلون البنات والسيدات؟ إننا نعرف السبب كما تعرفه أنت، لهذا غيرنا المكان، لكن تأكد أنها نفس الأشغال الشاقة، لكن بأسلوب آخر، عليك أن ترافقنا لترى…
وهذا ما كنت تنتظره، وصلت بدورك باكرا إلى المكان الجديد، وبدوره المكان لا يختلف عن كل الأماكن التي يقصدها طالب شغل يومي، طبعا ليس فيه قاعة انتظار أو كراسي أو حتى حصير ممزق… على مدخل المدينة، بجانب الطريق، وكالعادة هناك من يبقى واقفا وهناك من يجلس ممددا على التراب… في انتظار مشغل من نوع آخر، هذه المرة تقوم الأشغال على الحمل أو الوضع، حمل السلع أو وضعها، من أكياس مختلفة الأشكال والأحجام؛ دقيق، سكر، قمح، أسمدة… آجور، إسمنت، حديد البناء… وليس للعمل وقت محدد، يمكنك البقاء هناك طول اليوم، وكل مرة يأتي صاحب شغل معين، تتناوبون فيما بينكم، هناك من يصعد الشاحنة ويذهب للعمل، وهناك من يبقى ينتظر دوره مع مشغل آخر…
 تتعجب؛ ليس في هذا العمل نساء، كيف؟ تتساءل مع نفسك، هل هو شاق فعلا؟ كل الأعمال شاقة؟ كل الأعمال تتطلب منكم جميعا جهدا وعناء، وتضيف متسائلا، هل سيأتي الدور على هذه الأشغال، لتؤمها النساء والفتيات في مستقبل قريب؟ أم ستبقى من اختصاصكم أنتم الرجال، ما دامت فيكم قوة،ولديكم عضلات تستجيب، تبسط كفك وتتأملها، ليس لقراءة خطوطها، تعرف أنها لا تحمل جديدا، وأنت من طبعك لا تتق في خرافات لا تسمن ولا تغني من جوع ولا توفر دقيقا أو زيتا، ولكن لترى مقدار تلك الشعاب التي خطت لها منعرجات على كفك، تظهر لك كوديان تقود نحو مجهول، أو نحو مغارة دون نهاية، وتقول مع نفسك، إنني أعمل وأشقى وأتعب لأضمن قوت أبنائي بعرقي، أعرف أن ما أعطى من اجر هو هزيل جدا، اعرف أننا ضحية قانون سوق همجي لا يعترف بالضعفاء مثلك، ورغم ذلك تعود إلى بيتك المتواضع مساء، إلى حضن أسرتك بكامل شرفك ونخوتك وعزتك…