مأزق النقابة
لن يصلح حال النقابة إلا بإصلاح بيتها الداخلي
أولا، وإصدار قانون ينظم عمل النقابات
مصطفى لمودن
تعيش النقابة كمؤسسة تضم الأجراء مأزقا فعليا؛
انخفضت مصداقيتها بشكل مريع، قل عدد المنخرطين فيها عن طواعية بقدر لا يستهان به،
كما تعرف أزمة خانقة على مستوى الحكامة والتدبير الذاتيين..
من الطبيعي أن يكون للنقابة خصوم متعددون؛ من طرف كل من يسعى للتقليل من
قيمتها حتى لا تقف فعلا بجانب الأجراء، حتى لا ترفع مطالبهم وتدافع عنهم، لأن في
ذلك "خسارة" عند دافعي الأجور والتعويضات.. لكن الموضوعية تقتضي أن تكون
النقابة شريكا، بينما مناوئوها يجعلون منها خصما، وإذا لم يكونوا ضد تأسيسها،
فغرضهم المستمر هو إضعافها للتحكم في قراراتها، أو إبعادها بالمطلق..
لكن الواجب يقتضي كذلك الإشارة إلى سوء التدبير
الداخلي، فالنقابات بالمغرب عرفت تشظيا وانقساما مستمرين منذ زمن بعيد يعود لمنتصف
الستينيات (نواة الانقسام سنة 1959).. النقابة تعرف تكالب فئة من مسؤوليها على
إفراغها من كل فعل ديمقراطي ومن كل آلية ممكنة لاحتواء الخلافات.. وفي ظل توطد
أشكال من "الريع" النقابي، أصبح تشبث تلك الفئة الانتهازية بتملك
(المِلْكية) المسؤوليات والمهام شكلا مرضيا يصعب علاجه، فالمتفرغ النقابي يكاد
"يقاتل" كل من يدعو لدمقرطة التفرغ وجعله شفافا وفق تعاقد واضح، بينما
أغلب المسؤولين في النقابات وعلى مختلف الأصعدة أسميهم بدون ترددا"امبراطوريون"
على "امبراطورية" من ورق.. فقد
يكتفي الواحد من هؤلاء ب"حظوة" مجالسة بعض المسؤولين هنا وهناك، ودعوته
بصفته "النقابية" للحضور في بعض المناسبات، وإشراكه في بعض
"المفاوضات" الوهمية، التي يراد منها الحفاظ على توهج وحضور كاذب
للنقابة.. إن أخطر عدو للنقابة هم هؤلاء الانتهازيون الذين سيطروا على "صناعة
القرار" بالنقابة عبر أشكال مشبوهة واعتمادا على زبانية مقربين منهم.. بينما
الكثير من الشرفاء فضلوا الانزواء بعيدا عن هذه "المعارك الدونكيشوطية"
التي لا نفع فيها حسبهم.. يكفي الانتهازيين المسيطرين على النقابة أن تبقى النقابة
هيكلا فارغا على الورق لدى السلطة المحلية، ولا يهم الباقي..
في نهاية السنة الدراسية المنصرمة أصدرت وزارة
التربية الوطنية مذكرة رسمية تمنع بموجبها حضور النقابات في عدد من العمليات التي
تجري على المستوى المحلي والجهوي والوطني كمتابعة الحركة الانتقالية، عكس ما كان
يعمل به سابقا، فعلت الوزارة ذلك لأنها تعرف مستوى الضعف الذي وصلت إليه النقابة
بفضل "امبراطورييها" العظام، وبالتالي فهي غير قادرة على الاعتراض على
مثل هذه القرارات التي تبعدها عن المشاركة، لأنها فقدت مصداقيتها ولن يلتفت إليها
أحد أثناء أي محاولة للاحتجاج على ذلك. ولهذا لم يتعد الاحتجاج إصدار البيانات
التي لم تثر حتى زوبعة في فنجان.. بينما فئة كبيرة من نساء ورجال التعليم تنفسوا الصعداء
جراء ذلك بسبب ما أصبح ينسب للنقابيين من مشاركتهم في التلاعبات التي تحصل
بموافقتهم وبحضورهم !!..
أما على مستوى القطاع الخاص، فمجال النقابة يضيق
باستمرار، لأن الفعل النقابي يحارب على قدم وساق داخل المقاولة الخاصة في غياب أية
حماية من طرف الدولة، علما أن المغرب لم يصادق بعد على الاتفاقية الدولية الخاصة ب
"الحرية النقابية"..
لن يصلح حال النقابة إلا بإصلاح بيتها الداخلي
أولا، وإصدار قانون ينظم عمل النقابات كما
صدر شبيه له يخص الأحزاب، يقرن الاعتراف بالنقابة بمدى حرصها على التناوب لتحمل
المسؤوليات بشكل ديمقراطي داخل هياكلها التنظيمية.. مادامت النقابة مؤسسة ضرورية
في أي مجتمع يهدف إلى فصل السلط وتكاملها والحفاظ على حقوق الجميع..
------------------