السبت، 12 مايو 2007

مسلسل"وجع التراب" من العلاقات المتأزمة إلى التمطيط المفتعل.


مسلسل"وجع التراب" من العلاقات المتأزمة إلى التمطيط المفتعل.  
مصطفى لمودن
     وأخيرا انتهت القناة الثانية من بث آخر حلقة من المسلسل التلفزيوني المغربي "وجعالتراب"، الذي ألفه شفيق السحيمي ومثل بطولته وساهم في إخراجه مع رضوان قاسمي! هذا الأخير كان قد حل للمساعدة أثناء التصويرلحل مشاكل علقت بسبب "إدارة" الممثلين. عماذا تحدث المسلسل ؟ وفي أي قالب فني؟ 
  إذا كان السحيمي يحرس كما في مسلسل سابق له(العين والمطفية) على التطرق لقضايا العالم القروي، ومشاكل الأرض، والعيش، والعلاقات الاجتماعية…فإنه في المسلسل الأخير، الذي يحيل في اقتباسه إلى قصة لإيميل زولا الذي عاش في القرن التاسع عشر، ربما بنية التأكيد على تشابه القضايا الإنسانية في ديمومهتا زمانا ومكانا، فإنه ازداد انغماسا أكثر في فضاءات الأرياف، وما ترزح تحته من تخلف مركب، يشمل البشر والتجهيز… خاصة تأزم العلاقات الاجتماعية، إلى حد التنكر لكل العلائق العاطفية والقرابية، والتشبث بغرائز البقاء، ولو أدى ذلك إلى قتل الأب والأخت، ونكران كل مودة يمكن أن تجمع بين الإخوة والأصهار…مما جعل تلك الصراعات تظهر أحيانا مفتعلة، وبدون مبرر معقول، بلا حبكة متدرجة تقود إلى الإقناع، وهو ما أغاض بعض جمهور المسلسل بسبب المبالغة في الجحود ونكران الجميل، حسب عدد من المشاهدين تحدثنا معهم في الموضوع من منطقة الغرب، الجهة التي صورت بها أجزاء من المسلسل، لكن للحقيقة فقد كان التتبع بنهم،  من طرف القرويين الذين رأوا فيه انعكاسا لدواتهم ومشاكلكهم.
  يعالج المسلسل جملة قضايا دفعة واحدة، تتمحور حول الأرض والمرأة، وما تحيل إليه كل واحدة من حمولة دلالية ورمزية، تتركز حول الجذور والحياة والمصير، فما أن تُفقد إحداهما حتى يضيع كل شيء، فرط بابا أحمد(شفيق السحيمي) في الأرض، فاضمحلت روابط علائقه الاجتماعية، وتنكر له الأبناء، وأصبح "سكة" قديمة، هائما غير مرغوب فيه، رغم ما يحمله من صفات الحكمة ودور التحكيم…يُطرد علال(حسن مضياف) منكبا على وجهه لما فقد المرأة/التايكة (جميلة الهوني)، فانقطع نسله، وكان ذلك مدعاة لزهو طارده المهيدي(أمين الناجي)، لكن الإشارة ذات الحمولة القدحية للغريب بالشكل الذي قدمت به، تكرس نزعات "عنصرية" ما تزال متجدرة لدى بعض القبائل بأعماق البوادي.
      هل خاتمة المسلسل، تحمل رؤية تنتصر للمدينة/الحداثة على حساب القرية/التقليد، حيث توفر الشغل لعلال المنبوذ، ولقمة الخبز لأحمد المطرود؟ 
    يبقى الحضور القوي لبعض الممثلين كمحمد بسطاوي في دور شعيْبَة، وفاطمة وشاي(دادية)، سلوى الجوهري(السعدية)، نفيسة الدكالي (الكبيرة)، وآخرين قد أضافوا نكهة متفاوتة حسب القدرات الخاصة لكل واحد، لأحداث متشعبة تجري بالبادية، لن يستشعر دقة تشخيصها إلا من عاش فعلا هناك، أو عايش أهلها.
     أشار المسلسل إلى عدد من المؤسسات والفئات الاجتماعية المختلفة، في تناقضاتها وتكاملها، من الأسرة إلى العائلة الممتدة، مرورا بسكان القرية والقبيلة…بالإضافة إلى ما تؤثر به على الأحداث شخصيات مثل القايد والبرلماني ورئيس الجماعة القروية والحاكم القروي ورجال الدرك والمحاسب والبنكي والشوافة…في خضم لا يسعف في فك رموزه إلا من يحمل ترسانة مفاهيمية من حقول التاريخ والسوسيولوجيا والسياسة والأنتروبولوجيا وعلم النفس…لكن رغم ذلك يحدث أحيانا تداخل يخل بتسلسل الأحداث، وتظهر إضافات بدون داع، نذكر منها على سبيل المثال مشهد اقتراض احد الشبان خمسين درهما من معلم القرية!..
      عرف المسلسل على مستوى بنائه الفني جهدا في كتابة السيناريو، لولا التبعثر الذي نحسه أحيانا، ومجهودا في المونتاج حيث تجمع لقطات من أحجام مختلفة ومن زوايا متعددة، حتى المشهد الواحد،  باستثناء بعض الهفوات التي لم تراع التعاقب الزمني داخل نفس المشهد، حيث يختلط الليل بالنهار! إضافة إلى تنوع في فضاءات التصوير مما يمتع النظر، لكن الانتقالات المفاجئة على مستوى خلفية الصورة(الجبل، الهضاب، الوادي، لون التراب من الدهس إلى الحمري، الغابات المختلفة من حيث نوعية الأشجار…) تشوش على المعنى، خاصة بالنسبة للقرويين ذوي النظر الحاد لمعالم المحيط، وما يستشعرونه من حميمية لجزيئات المكان.
      حصل اجتهاد كذلك في أغنية الجنيريك، ذات الإيقاع الصوفي الحزين، مما ينسجم مع المضمون الدرامي للمسلسل، ونفس الشيء بالنسبة للموسيقى التصويرية التي وضعها عبد الفتاح نكادي، ماعدا بعض "السهو"، إذ تستمر نفس الموسيقى رغم تبدل المشهد والحدث، وأحيانا تغيب الموسيقى رغم الحاجة إليها. 
       كما نسجل عدم الإشارة بالاسم إلى مساهمين في تشخيص المسلسل كأم راضية(راضية من شخوص المسلسل!)، عدد من نساء القرى، تجار، شباب…كان من الممكن على الأقل الإشارة إلى قراهم ومدنهم. أما التمطيط في حلقات مرة في الأسبوع وطيلة سبعة شهور انطلاقا من رمضان المنصرم، فذلك هو الطامة الكبرى، كأنها عقاب لكل من يرغب في متابعة أحداث المسلسل، تتحمل مسؤوليته إدارة القناة. 
____************____
 نشرت بجريدة" اليسار الموحد"

الجمعة، 11 مايو 2007

معيقات إعمال المعايير الدولية أمام المحاكم المغربية للنهوض بحقوق المرأة


معيقات إعمال المعايير الدولية أمام المحاكم المغربية للنهوض بحقوق المرأة
                       حصيلة يوم دراسي بسيدي سليمان
        عرفت سيدي سليمان يوما دراسيا جهويا حول "النهوض بحقوق المرأة من أجل التقاضي باستعمال المعايير الدولية أمام المحاكم المغربية"، وذلك يوم السبت 5 ماي 2007، من تنظيم مركز الدراسات القانونية والحقوقية بنفس المدينة، وجمعية المحامين الشباب بالخميسات ومنظمة
.Clobale rights   

    قصد تدارس ومناقشة مدى القبول الذي تحظى به المعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة لدى الجسم القضائي المغربي، وقوة وتراتبية هذه النصوص في إصدار الأحكام بالمقارنة مع القوانين الداخلية، و لماذا لا يتم الاحتكام لهذه القوانين المصادق عليها؟ هل ذلك عن قصد أم بسبب عدم المعرفة والإطلاع؟… الفئة المستهدفة من خلال هذا اليوم هي عدد من المحامين من جهة الغرب الشراردة بني احسن ونشطاء حقوقيين…قدم عرضان، وتكونت ثلاث لجان.

 في التقديم المؤطر لليوم الدراسي أشار ذ. خالد المروني رئيس مركز الدراسات القانونية لبعض المكتسبات في إعمال المساواة بين الجنسين من خلال مدونة الأسرة وقانون الجنسية…لكن العمل بمضمون الاتفاقيات الدولية تعترضه صعوبات، منها التحفظات التي تسجلها الدولة المغربية،  أو عدم ملاءمة القوانين المحلية معها، وأعطى مثلا باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مما يؤدي إلى عدم المساواة في كافة الحقوق، مضيفا أنه رغم تنصيص الدستور على احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وتعهد الدولة باحترام التزاماتها حسب ما تقتضيه المواثيق الدولية، فإن إشكالية سمو الاتفاقيات الدولية على القانون الوطني تبقى المعضلة الأساسية.
    لتقدم بعد ذلك كل من السيدة ستيفاني وليام بوردا مديرة البرنامج بالمغرب، والسيدة سعيدة كوزي الخبيرة القانونية في المكتب الميداني لدى "كلوبل رايتس" تعريفا بالمنظمة التي يمثلانها، وهي تعنى حسبهما بالدفاع والتعريف بقضايا حقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة في العالم، منذ 28 سنة، واحدث مكتبها في المغرب منذ 8 سنوات، عرضتا في حديثيهما للبرنامج الذي يعملون
عليه في المغرب العربي، خاصة في مجال التقاضي وإعمال المعايير الدولية، من خلال المعاهدات والمواثيق، كما تطرقتا لمحتويات "دليل من أجل التقاضي باستعمال المعايير الدولية" في المنطقة المغاربية للنهوض بحقوق المرأة حسب المنطوق الوارد، وهو نتيجة بحث ودراسة ميدانيين، شارك فيه عدد من المهتمين، يقع الدليل في كتاب من 131 صفحة، يقابله قرص مدمج وزع على الجميع، بالإضافة إلى عدد من الكتيبات التي لها علاقة بالموضوع.   
    كما وزعت جمعية المحامين الشباب نص استمارة، تهدف إلى الإجابة عن إشكالية "ضمان حقوق المرأة بين القوانين الخاصة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان" بهدف "مناصرة النساء أمام المحاكم باستعمال المعايير الدولية…"، وقد أضاف ذ. أحمد بن الشيخ بصفته رئيس جمعية المحامين الشباب بالخميسات، أنهم يسعون لجمع 1000 استمارة على المستوى الوطني، لتقدم نتائجها في العاشر من دجنبر القادم(اليوم العالمي لحقوق الإنسان)، وللعلم فالاستمارة تتضمن ثماني أسئلة رئيسية وأخرى فرعية، حول العلم بالاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، ومستوى تطبيقاتها واعتمادها في المحاكم المغربية…
    أشار ذ. أحمد أرحموش في عرضه المتمحور حول: "إشكالية إعمال المعايير الدولية لحقوق الإنسان في المنازعات القضائية بين المنظور التقليدي والمنظور الحداثي" إلى ثلاث درجات متفاوتة في التعامل مع هذه المعايير في المحاكم المغربية، ثم إلى مكانة المواثيق والمعاهدات الدولية داخل التشريع الوطني، ودور المحامين في التعامل مع هذه المصادر القانونية، مادامت هذه المنظومة نتيجة جهد ومساهمة كافة الشعوب والأمم، عبر تراكمات لمناهضة التجاوزات التي تستهدف حقوق الإنسان حسب قوله، مذكرا بالمرجعية القانونية التي يمكن الاعتماد عليها في ذلك، خاصة ديباجة الدستور، المحددة للفلسفة والمباديء العامة للدولة، وما يلتزم به المغرب من خلال عضويته بهيئة الأمم المتحدة، ومصادقته على عدد من المعاهدات والمواثيق، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة…الخ، رغم بعض التحفظات. وقد توقف بتدقيق على عدد من الأحكام القضائية بإحالاتها المضبوطة، صدرت عن محاكم مغربية، تعاملت بالسلب أو الإيجاب مع المعايير الدولية في التقاضي، مستشهدا بأمثلة كموضوع الإكراه البدني لاسترداد الدين، حرية التنقل، قضايا الأسرة…ليخلص باستنتاجات منها غياب نص دستوري يعالج المسألة، ضعف الاستيعاب والشجاعة في إعمال المعايير الدولية لدى  بعض القضاة والمحامين، ضعف التكوين، عدم ترسيخ مباديء حقوق الإنسان والاقتناع بها لدى أطراف أخرى…
    في عرضها حول موضوع "حقوق المرأة بين المواثيق الدولية الخاصة بالنسبة للنساء ومدونة الأسرة" اعتبرت ذة. نزهة العلوي مدونة الأسرة ذات بعد مساواتي، في تنصيصها على التكافؤ بين الرجل والمرأة في تحمل مسؤولية الأسرة، وتحديد سن متساو للزواج، إلا في بعض الحالات التي يتدخل فيها القاضي، لكنها توقفت عند عدد من القضايا التي مازال فيها تمييز ضد المرأة، بينما تعطى للرجل امتيازات في بعض الحالات، "كالوصاية الشرعية" غير المضبوطة على الأبناء…  لتخلص إلى أنه ليست هناك جرأة في رفع دعاوى باعتماد المعايير الدولية، كما أن هناك اعتراضات "ذهنية"، ونقص في الخبرة، داعية المحامين الشباب الذين كانت نسبتهم واضحة في هذا اليوم الدراسي إلى استغلال الظروف المناسبة الآن، للعمل على الاحتكام إلى نصوص الاتفاقيات.
    تدخل عدد من المحامين تمحورت أغلب مناقشاتهم حول العوائق التي تعترض التطبيق، خاصة الدستورية والقانونية، التي تحول دون إعمال منطوق المواثيق والمعاهدات الدولية في المحاكم، كما وقف بعضهم على البعد النفسي وعامل التنشئة الاجتماعية والتذرع بالهوية والخصوصية كمبرر ضد الرجوع لهذه القوانين، وقد طرح كذلك موقع المتن الفقهي والشرعي من كل ذلك، واجمع الكل على ضرورة إعادة النظر في منهجية التكوين بالنسبة للمحامين والقضاة معا، والتعريف بنصوص المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، وهناك من دعا إلى إشراك القضاة في مثل هذا اليوم الدراسي، ومنهم من سرد أمثلة عن حالات تم فيها رفض تعليل أحكام استنادا للمعايير الدولية، بل هناك أحكام تختلف من مدينة لأخرى لقضايا متشابهة، مما يحتم ضرورة التواصل وتبادل الخبرات، كما قال البعض، وهو ما أجابت عنه إحدى الورشات التي انعقدت بعد الزوال في موضوع التواصل نفسه، أما الورشة الثانية فكان موضوعها المعيقات القانونية والثقافية، والورشة الثالثة حول المعيقات المرتبطة باستقلال القضاء؛ مما جاء في تقارير اللجان الدعوة إلى تكوين بنك معطيات، واعتماد التقنيات الحديثة في التواصل، التعريف بالمواثيق الدولية وإعمالها أمام القضاء المغربي، والتنصيص على ذلك دستوريا، واعتبار القضاء سلطة مستقلة مع الإشارة إلى دور التربية والإعلام في إشاعة مباديء حقوق الإنسان…
                                                          مصطفى لمودن
نشرت بجريدة " اليسار الموحد"

الخميس، 10 مايو 2007

قصة قصيرة: الجذور والعاصفة


 قصة قصيرة:      الجذور والعاصفة                  

عندما اصفر أديم الشمس وشحب الأفق، رفع المعطي رأسه، استقامت قامته المنثنية طول النهار. مسح بكمه عرقا باردا تصبب على الجبين، تأمل الشجرة الوحيدة الباسقة في إباء وعنفوان وسط حقله الصغير متحدية جميع العواصف كقمة جبل شامخ… كان جده يوسف جادا في تلقين أحفاده درسا في الكبرياء والثبات، هو من غرس الشجرة منذ عقود خلت، وأوصى برعايتها… تظهر من بعيد، تميز حقله عن الحقول الأخرى، كانت الوحيدة إلى أن فطن الجيران لفائدة غرس الشجر. لكن شجرة الجد يوسف بقيت هي الأعلى، كان المعطييذكر باستمرار أن من جذوره ممتدة لا تحركه ريح ولا تهيجه غواية.
ينتقل بصر المعطي إلى النظر في التربة الداكنة، وهي تدثر بذورا ظل ينثرها طول النهار، يقبض كمشة من التراب، يذريها بنفخة من رئتيه، يتشبث غبار بخياشيمه، ويلتصق تراب بصدرته المبللة بالعرق، يضرب بعتلته الأرض متحسرا على زمن كانت فيه المحاصيل تكفي أسرته على مدار العام، ويبيع منها الباقي…أما الآن فقد طرأت على المنطقة متغيرات.
تكاد كارثة تعصف به وبجيرانه الفلاحين، لم تعد ساقية الماء تحمل للحقول ما يكفي، حفروا الآبار فغار الماء سنة بعد أخرى، زادوا في الحفر إلى أن هدت سواعدهم، أما جارهم الثري، المستثمر الجديد كما يسمعون تسميته على كل لسان،والذي لا يعلمون عنه شيئا، بل لم يرونه قط، من أين حل؟ لا أحد يملك جوابا! قد يكون مترفا من إحدى المدن، يكتفي بالإطلاع على دفاتر الحسابات لمقاولاته الكثيرة، قد يكون مجرد شركة عابرة للقارات تملك أسهما وسندات في بورصات العالم، قد وقد… المهم أن حقول المستثمر الجديد تينع، ويرتفع مردودها، تصطف باستمرار على جنبات حقوله شاحنات متنوعة لنقل المنتجات إلى أسواق بعيدة…العمال المجلوبون يوميا عبر شاحنات مكشوفة، يتقافزون من هنا وهناك، والآليات المختلفة تملأ المكان بالضجيج والدخان…
في البداية اقتنى المستثمر الجديد حقلا مهجورا رحل وارثوه إلى الخارج لتتوسع أرضه باستمرار… كل الأشجارالمغروسة تتساقط بإعدام سريع، تزأر المناشير الآلية وفي لمح البصر تتناثر الجذوع كأنها جثة جنود سقطوا ضحية غارة غادرة… يعري الأرض ليزرعها بنباتات فصلية كما يريد! بعد بضعة شهور يقلع بقاياها الذابلة، يعوضها بأخرى سريعة ألإنبات وفيرة الإنتاج، تشحب بدورها وتزال في بضعة شهور…
تزحف البيوت البلاستيكية إلى محاذاة حقل المعطي، وهي تشبه قبوراعملاقة متحركة، تحجب مزروعات مختلفة، استحوذ المستثمر الجديد على كل المياه، واستحدث آباراإضافية أعمق.
المعطي يشتَمّ يده التي احتضنت التراب، يجعل أسنانه تصطك، يسمعلها رنينا يطن داخل جمجمته، تُحدث له حمى خفيفة، توقظ فيه هوسا بدأ يظهر عليه وينقطع، وقد اعتبره كل عارفيه بداية جنون أوعتهٍ، يَعُدّ على أصابعه ويتمتم، يقلّباحتمالات مصيره، ومستقبل أبنائه؛ قد يرحل، قد يبيع أرضه، قد يصبح أجيرا بثمن زهيد لدى المستثمر الجديد، قد يتشرد، قد…
يتمشى بخطوات عريضة متثاقلة، يقيس مساحة حقله بالخطوات… يتساءل: إذا باع كم سيأخذ؟ ماذا سيفعل بالنقود؟ السماسرة يدقون بابه باستمرار، تتساقط التساؤلات على رأسه، كأنه في لجة من نار يتقاذفه اللهيب.
توسط الحقل، مال على جدع الشجرة الباسقة، تهاوى جسده، لم تعد رجلاه تقويان على حمله، انغرزت أصابعه في التراب… وهو في شبه غيبوبته المفاجئة تناهى إلى سمعه نداء باسمه، بحركة بطيئة رفع رأسه، فرك عينيه، رأى ثلة من جيرانه الفلاحين قادمين نحوه، نفض عنه دوخته كما ينتفض الديك من بلل قطرات المطر، أجهد نفسه ليستقبلهم بجمل الترحاب المعهودة، سألوه عن حاله، رغم أنهم على علم بها، فوضعيته لم تعد تخفى على أحد.
     أحاطوا به، لم يقف المعطي، أحنى رأسه أكثر، شعروا بعجزه الفظيع، تبادلوا النظرات التي تغني عن كل المعاني…بادر أحدهم ممزقا رداء الصمت الرهيب:
    ـ أنظروا لحالتنا كيف أصبحت، كل يوم نفقد جزءا من الأرض، وقريبا سنصبح عاجزين عن الإيفاء بضروريات أسرنا…
    جلسوا مفترشين التراب، جعلوا من المعطي حلقة لسلسلة دائرية من أجسادهم المنهكة، بذلك يستطيعون رؤية بعضهم البعض، الموضوع خطير يحتاج تبادل الرأي والاستماع لكل واحد من الجماعة… ، اتفقوا على دمج حقولهم وتكوين تعاونية فلاحية، وتغيير أسلوب العمل، وتحديث أدوات الإنتاج، والمطالبة بنصيبهم العادل من الماء،"سنهد أي عائق يقف أمامنا"،  بجملة واحدة تأكدوا من إصرارهم الجماعي على التحدي… وافقهم المعطيالرأي لكن بشرط واحد.
     رفع سبابته إلى السماء، فأرهف الجميع السمع منتبهين لفرد منهم ظل طول الوقت صامتا، أطلق العنان لصوته المجلجل المعهود:
       ـ لن تقطع شجرة، سأمنعكم من قطع الشجر، حتى ما ينبت في حقولكم! 
      تبادلوا النظرات التي توحي بالاطمئنان ولو على حالة المعطي. خاطبه مالك اقرب حقل له  من جهة الشمال:
    ـ كن مطمئنا لن نزيل شجرة جذورها تمتد لقلوبنا…
    أرادوا إيقافه فنهض مسرعا كجمل جافل أعياه الجثوم.
     قرروا إضافة بند أخر إلى نص اتفاقيتهم المنتظرة، تضمن الإبقاء على الأشجار وغرس أخرى كلما أمكن ذلك، وتواعدوا على اللقاء في الصبح القادم.
             
               مصطفى لمودن
(سيدي سليمان)     

هل يعلم السيد عبد الواحد الراضي أنه حكيم المجتمع والأمة ويختزل البرلمان في شخصه؟


  هل يعلم السيد عبد الواحد الراضي أنه حكيم المجتمع والأمة
        ويختزل البرلمان في شخصه؟!
يحمل السيد عبد الواحد الراضي رئيس مجلس النواب عدة صفات تؤهله ليدخل كتاب غينس المغربي للأرقام القياسية إن وجد، فهو نفسه يذكر في عدة استجوابات أنه كان أصغر نائب برلماني ينتخب في أول تجربة برلمانية عرفها المغرب، وأنه يعود لنفس البرلمان في جميع التجارب التي عرفها المغرب بعد استئناف "المسلسل الديموقراطي" سنة 1977. بل استطاع أن يصل إلى سدة مجلس النواب على دورتين انتدابيتين متتاليتين، آخرها ستكتمل بانتهاء الدورة الربيعية الأخيرة. 
لكن الغريب في الأمر هو إضفاء صفات عجيبة تتنافى مع الأعراف الجاري بها العمل على هذا الاتحادي الذي ينعته بعض خصومه "بالممخزن"، على أي فقد كان دائما يحتفظ بخيوط ودّ    ممدودة مع السلطات الحاكمة، حتى في أحلك الظروف التي كانت تتوتر فيها الأجواء السياسية داخل المغرب… كانت أول محطة أريد للرجل أن يتقمص فيها نعوتا لا تناسب الأعراف البروتوكولية والإدارية انطلاقا من دائرته الانتخابية، التي يتقاسم تمثيليتها مع نائبين آخرين، إذ تم تسريب محضر اجتماع عقد بمدينة سيدي سليمان في 15 دجنبر 2006،  يحمل توقيعه بصفته رئيس مجلس النواب، إلى جانب ممثلي السلطات المحلية وجمعيات من عين المكان، من أجل ترحيل الجوطية من جانب البلدية إلى مكان آخر، وهو القرار الذي لم تستسغه أطراف أخرى، مما أحدث زوبعة من الاحتجاجات و الإعتصامات المفتوحة حينئذ، خاصة من قبل بائعي سلع الجوطية والتجار المتنقلين… فتدخل على الخط الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي استغرب قي بيان له " لتدخل برلماني الدائرة بصفته رئيسا لمجلس النواب في إصدار قرار إداري تحكمي اتجاه ضحايا البطالة والتهميش والفقر بالمدينة". ليسخن الطرح وتتشابك الخيوط الظاهر منها والخفي، حسب المصالح المتناقضة والمتضاربة، وتصدر أربع جمعيات محلية (أغلبها لتجار) ومنتخبين اثنين بالغرف الحرفية بيانا مشتركا ومطولا في صفحتين بتاريخ 21 يناير 2007، مما جاء فيه أن " الأستاذ عبد الواحد الراضي(…) اُستدعي إلى الاجتماع بصفة غير رسمية باعتباره نائب الدائرة وحكيم المجتمع والأمة الذي يتوق الكل إلى نصائحه ومشورته في فض كل نزاع وخلاف". لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يتكرر في أحدث واقعة، ففي ورقة معدة من قبل "جمعية ملتقى الشباب للتنمية" التي أغلب مسيريها منتمون للإتحاد الاشتراكي، ومن خلال تسطير فقرات البرنامج الذي قدمته الجمعية بسيدي سليمان يوم السبت 21 أبريل 2007 حول العولمة والمقاولات، هناك إشارة إلى أن " الكلمة الافتتاحية لرئاسة البرلمان"! والمقصود بذلك رئيس مجلس النواب،  فهل سيمثل في هذا النشاط المحلي بدائرة المنتخب عبد الواحد الراضي البرلمانُ بغرفتيه؟ وبالتالي ما حظ البرلمانيين الآخرين بمثل هذه" الإلتفاتة"؟ وهل صادق مكتب الغرفتين بمجلس النواب على هذه المهمة؟ وهل يدخل مثل هذا العمل في اختصاصيهما أصلا؟…  أم أن الأمر مجرد قصور معرفي، يختزل الغرفتين أو مجلس النواب في شخص رجل واحد؟ هو بالتأكيد رئيس الغرفة العليا فقط للبرلمان، وعند الإقرار بهذا الاختزال سنكون حينذاك أما سابقة تاريخية تأتي من"القواعد" ومن "الشعب"،  جديرة بنشرها في العالم أجمع، تغني الكل عن الانتخابات والحملات الانتخابية العسيرة والمكلفة،  بل وحتى عن التنظيمات الحزبية!!… فيقتنع الجميع باقتصار المؤسسات المنتخبة على شخص أو بضعة أشخاص، وكفى الله المواطنين شر الانتخابات.  كل هذا قد يعتبره البعض جزئيات بدون معنى، لكنه يؤشر إلى مستوى التمثلات التي يحملها كثير من المواطنين عن المؤسسات التي تمثلنا، بما فيهم منتمون لأحزاب يفترض فيهم مقدرة على الفهم والتمييز، وكذلك دور النخبة السياسية التي تستمريء تسميات ونعوت في غير محلها تتناقض مع مفاهيم الديموقراطية "والثمتيلية الانتخابية" وجانبها البيداغوجي خاصة،  فهل يعلم السيد عبد الواحد الراضي بهذه "الهفوات" أم هو راض عنها؟
نشرت بأسبوعية "اليسار الموحد" عدد 184ـ ـ 26 أبريل 2007