مصطفى لمودن
وأخيرا انتهت القناة الثانية من بث آخر حلقة من المسلسل التلفزيوني المغربي "وجعالتراب"، الذي ألفه شفيق السحيمي ومثل بطولته وساهم في إخراجه مع رضوان قاسمي! هذا الأخير كان قد حل للمساعدة أثناء التصويرلحل مشاكل علقت بسبب "إدارة" الممثلين. عماذا تحدث المسلسل ؟ وفي أي قالب فني؟
إذا كان السحيمي يحرس كما في مسلسل سابق له(العين والمطفية) على التطرق لقضايا العالم القروي، ومشاكل الأرض، والعيش، والعلاقات الاجتماعية…فإنه في المسلسل الأخير، الذي يحيل في اقتباسه إلى قصة لإيميل زولا الذي عاش في القرن التاسع عشر، ربما بنية التأكيد على تشابه القضايا الإنسانية في ديمومهتا زمانا ومكانا، فإنه ازداد انغماسا أكثر في فضاءات الأرياف، وما ترزح تحته من تخلف مركب، يشمل البشر والتجهيز… خاصة تأزم العلاقات الاجتماعية، إلى حد التنكر لكل العلائق العاطفية والقرابية، والتشبث بغرائز البقاء، ولو أدى ذلك إلى قتل الأب والأخت، ونكران كل مودة يمكن أن تجمع بين الإخوة والأصهار…مما جعل تلك الصراعات تظهر أحيانا مفتعلة، وبدون مبرر معقول، بلا حبكة متدرجة تقود إلى الإقناع، وهو ما أغاض بعض جمهور المسلسل بسبب المبالغة في الجحود ونكران الجميل، حسب عدد من المشاهدين تحدثنا معهم في الموضوع من منطقة الغرب، الجهة التي صورت بها أجزاء من المسلسل، لكن للحقيقة فقد كان التتبع بنهم، من طرف القرويين الذين رأوا فيه انعكاسا لدواتهم ومشاكلكهم.
يعالج المسلسل جملة قضايا دفعة واحدة، تتمحور حول الأرض والمرأة، وما تحيل إليه كل واحدة من حمولة دلالية ورمزية، تتركز حول الجذور والحياة والمصير، فما أن تُفقد إحداهما حتى يضيع كل شيء، فرط بابا أحمد(شفيق السحيمي) في الأرض، فاضمحلت روابط علائقه الاجتماعية، وتنكر له الأبناء، وأصبح "سكة" قديمة، هائما غير مرغوب فيه، رغم ما يحمله من صفات الحكمة ودور التحكيم…يُطرد علال(حسن مضياف) منكبا على وجهه لما فقد المرأة/التايكة (جميلة الهوني)، فانقطع نسله، وكان ذلك مدعاة لزهو طارده المهيدي(أمين الناجي)، لكن الإشارة ذات الحمولة القدحية للغريب بالشكل الذي قدمت به، تكرس نزعات "عنصرية" ما تزال متجدرة لدى بعض القبائل بأعماق البوادي.
هل خاتمة المسلسل، تحمل رؤية تنتصر للمدينة/الحداثة على حساب القرية/التقليد، حيث توفر الشغل لعلال المنبوذ، ولقمة الخبز لأحمد المطرود؟
يبقى الحضور القوي لبعض الممثلين كمحمد بسطاوي في دور شعيْبَة، وفاطمة وشاي(دادية)، سلوى الجوهري(السعدية)، نفيسة الدكالي (الكبيرة)، وآخرين قد أضافوا نكهة متفاوتة حسب القدرات الخاصة لكل واحد، لأحداث متشعبة تجري بالبادية، لن يستشعر دقة تشخيصها إلا من عاش فعلا هناك، أو عايش أهلها.
أشار المسلسل إلى عدد من المؤسسات والفئات الاجتماعية المختلفة، في تناقضاتها وتكاملها، من الأسرة إلى العائلة الممتدة، مرورا بسكان القرية والقبيلة…بالإضافة إلى ما تؤثر به على الأحداث شخصيات مثل القايد والبرلماني ورئيس الجماعة القروية والحاكم القروي ورجال الدرك والمحاسب والبنكي والشوافة…في خضم لا يسعف في فك رموزه إلا من يحمل ترسانة مفاهيمية من حقول التاريخ والسوسيولوجيا والسياسة والأنتروبولوجيا وعلم النفس…لكن رغم ذلك يحدث أحيانا تداخل يخل بتسلسل الأحداث، وتظهر إضافات بدون داع، نذكر منها على سبيل المثال مشهد اقتراض احد الشبان خمسين درهما من معلم القرية!..
عرف المسلسل على مستوى بنائه الفني جهدا في كتابة السيناريو، لولا التبعثر الذي نحسه أحيانا، ومجهودا في المونتاج حيث تجمع لقطات من أحجام مختلفة ومن زوايا متعددة، حتى المشهد الواحد، باستثناء بعض الهفوات التي لم تراع التعاقب الزمني داخل نفس المشهد، حيث يختلط الليل بالنهار! إضافة إلى تنوع في فضاءات التصوير مما يمتع النظر، لكن الانتقالات المفاجئة على مستوى خلفية الصورة(الجبل، الهضاب، الوادي، لون التراب من الدهس إلى الحمري، الغابات المختلفة من حيث نوعية الأشجار…) تشوش على المعنى، خاصة بالنسبة للقرويين ذوي النظر الحاد لمعالم المحيط، وما يستشعرونه من حميمية لجزيئات المكان.
حصل اجتهاد كذلك في أغنية الجنيريك، ذات الإيقاع الصوفي الحزين، مما ينسجم مع المضمون الدرامي للمسلسل، ونفس الشيء بالنسبة للموسيقى التصويرية التي وضعها عبد الفتاح نكادي، ماعدا بعض "السهو"، إذ تستمر نفس الموسيقى رغم تبدل المشهد والحدث، وأحيانا تغيب الموسيقى رغم الحاجة إليها.
كما نسجل عدم الإشارة بالاسم إلى مساهمين في تشخيص المسلسل كأم راضية(راضية من شخوص المسلسل!)، عدد من نساء القرى، تجار، شباب…كان من الممكن على الأقل الإشارة إلى قراهم ومدنهم. أما التمطيط في حلقات مرة في الأسبوع وطيلة سبعة شهور انطلاقا من رمضان المنصرم، فذلك هو الطامة الكبرى، كأنها عقاب لكل من يرغب في متابعة أحداث المسلسل، تتحمل مسؤوليته إدارة القناة.
____************____
نشرت بجريدة" اليسار الموحد"