الكرة والديمقراطية
مصطفى لمودن
لن أخوض في الحديث عن مستوى كرة القدم والمنتخب المغربي سواء انتصر أو انهزم ومهزلة الأجر الخيالي للمدرب.. لأن ذلك أصبح من تحصيل حاصل، وسبة في وجه فقراء المغرب وكل المحتاجين تماما كمهزلة أخرى اسمها "موازين".. لكن لتسمحوا لي بسرد الآتي، المخزن لا يريد أن يفرط في الرياضة، لأنها تثير الجماهير وأحيانا تهيجهم، وأينما كانت "الجماهير" فتمة ما يمكن استثماره سياسيا، غير أن الجرة لا تسلم كل مرة، فبقدر ما تثير الكرة الأفراح والمسرات وتلهي البعض وتكون بمثابة أداة لتفريغ الضغوطات النفسية والاقتصادية والاجتماعية..الخ. بقدر ما تثير السخط والنقد اللاذع.. فما علاقة كل هذا بالديمقراطية؟ أود أن أؤكد أنني لست من هواة "المآمرة"، ورد بعض المظاهر لتأثيرات خارجية وحبكة محكمة من قبل المغرضين أو المناوئين أو المنافسين.. إلا ما كان ظاهرا واضحا بالدليل والبرهان..
ليلة الخميس 7 ماي أصبح محمد بودريقة رئيسا لأحد أعرق الأندية المغربية، إنه الرجاء البيضاء، بعدما انسحب ثلاثة منافسيه هم سعيد حسبان وجمال الخلفاوي ومحمد الناصري، عبدت الطريق أمامه للرئاسة برفع الأيادي! عوض أن يكون هناك تنافس ديمقراطي حقيقي
بين الرؤى والمشاريع، وعلى أساس ذلك تكون "المحاسبة"، وأكثر من ذلك ترك للرئيس حرية اختيار من يشتغل معه في المكتب المسير.. قد يكون جمهور الرجاء ومحبوه لا يهمهم الأمر إطلاقا مما نتحدث عنه من إعمال الديمقراطية، ولا ينتظرون غير النتائج الإيجابية، لكن من "الخيمة تيخرج مايل" كما يقال.. وإذا كانت لم تتكرس بعد سلوكات الديمقراطية لتشكيل المكاتب المسيرة لدى الفرق الرياضية فليس مستبعدا أن تكون للسلطة يد في ذلك، وهي تراقب وتتابع وتتدخل في الشاذة والفادة (بالفن وبالعلالي).. ألم تكن نفس السلطة وراء وصول علي الفهري كمرشح واحد ووحيد ليحتل رأس جامعة كرة القدم؟ وحتى يكون ذلك منطبقا (يعني بالفن) مع قوانين الفيفا (الجامعة الدولية لكرة القدم) الصارمة، وضع الرجل على فريق "الفتح" أولا.. وبقية القصة والتعثرات والتعاقد مع مدرب جد مكلف والانغلاق وعدم الانفتاح على الرأي العام.. كل ذلك يعرفه الصغير قبل الكبير.. فلماذا كل هذا إذن؟
لأن الديمقراطية كشتلة زيتون، حينما تغرسها في التربة المناسبة وترعاها تكبر وتعطي إنتاجها.
هناك من يكره أي حديث عن الديمقراطية، لأنها تعني اختيار الاجدر والأصلح وفق تعاقد مضبوط لفترة زمنية محددة.. هذه التربية على التدرج هناك من يقف ضدها، ولا يريدها أن تكون حلا ومفتاحا ومنهاجا وطريقا.. نحو الأحسن والأفيد والأقوم.. ربما لا يعرف الكثيرون من جمهور الكرة أن التنافس على إدارة فريق كإفسي بارشلونة لكرة القدم يشبه التنافس على رئاسة جمهورية، حيث تحضر كل مواصفات التنافس والاصفافات والاستقطابات والمواجهات الإعلامية.. في المغرب تدخل السلطة لتنصيب من تريده رئيسا لفرق الكرة (بالفن أو بالعلالي) كما تدخلت مرارا لتختار رؤساء الجماعات القروية والحضرية والمجالس الإقليمية والجهوية ورؤساء البرلمان واللجان المتفرعة عنه… حتى لا تنطلق "شراردة الديمقراطية" من هنا وهناك.. وفعلا يوجد الكثيرون ممن يستفيدون من هذا الوضع، ومن يجنون الثمار من الريع السياسي والرياضي على طول المغرب وعرضه.
ألم يعين إدريس بنهيمة التكنوقراطي ليدافع عن ترشيح المغرب لاحتضان نهائيات كاس العالم؟ وبعده جيء بسعد الكتاني المصرفي السابق لنفس المهمة، لكن بدون نتيجة، والأغرب لحد الآن لا أحد يعرف كم انفق المغرب من أجل حملته لاحتضان كأس العالم.. والسبب غياب الديمقراطية..
نؤكد أننا نحب المغرب، ونريد لجميع فرقه الفوز ولرياضته التقدم والازدهار ولن يحدث ذلك إلا في أجواء ديمقراطية حتى يساهم الجميع في تنمية البلد وازدهاره، فليس من السهل اليوم أن يصعد إلى مسؤولية فرق الكرة أي كان، ومن يشكك فليجرب.
———–