الثلاثاء، 5 مارس 2013

المعلم حمار الطاحونة كما يراد له!


المعلم حمار الطاحونة كما يراد له!
 
مصطفى لمودن
بحكم مهنة التدريس التي أزاولها منذ زمن بعيد، وبفعل التعاطي النقدي مع موضوع التربية والتعليم، ومع كل الكتابات التي ساهمت بها في الموضوع، تراكمت المعطيات وظهر أن الكثير من الإشكالات التي تعترض التعليم طابعها بشري وأساسا مفتعل أو ناتج عن سوء تدبير وتقدير، فكيف ذلك؟ وما دور المدرس فيما يسمى "الفشل" الوطني في المنظومة التربوية الذي يكاد يتفق عليه الجميع؟
  بداية لا بد من التعريف ب"حمار الطاحونة"، إنه "بطل مغوار"، مسؤول بعضلاته على طحن الزيتون أو استخراج الماء من عمق بئر أو نهر.. على الحمار أن يدور لتدور طاحونة حجرية تعصر الزيتون، أو لتدور "ناعورة" خشبية تغرف الماء وتفرغه في ساقية معلقة توصل الماء إلى الحقول.. كل ذلك يتم بدوران الحمار، وإذا توقف يقف كل شيء.. لكن في نفس القوت ليس من الضروري أن يظل "مراقب" بجانب الحمار يستحثه على الدوران، لهذا يلجؤون إلى حيلة تجعل الحمار يدور حتى ولو لم يبق زيتون في الطاحونة أو ماء في البئر، يكفي أن يضعوا غشاء على عينيه حتى لا يرى ما يدور حوله، ويأمرونه بالحركة مع ضربات متتالية، ثم يعقبها صمت، وضربات أخرى.. وهكذا يبقى الحمار يدور حتى ولو بقي وحده..
  ونقصد بالمعلم (ة) المدرس المشتغل بالتعليم الابتدائي ـ مثلي تماما ـ ، كثيرون لا يعرفون ما يجري بالتعليم الابتدائي، قد يقرؤون هنا وهناك أو يسمعون عن "أزمة التعليم"، وقد يجدون من يتحدث عن البيداغوجيات وعن الكتاب المدرسي وعن الإضرابات.. الخ. وقليلا ما يكون المعلم (ة) هو  صاحب الكلمة أو القلم في هذا الخضم المتلاطم.. وإن تحدث فسيطلعون على حقائق يجهلها الكثيرون على واقع التعليم الابتدائي، حيث المشاكل تتراكم يوما بعد آخر، ويكون الضحية هم التلاميذ والمستقبل..  فما علاقة المعلم بذلك؟
 إن المعلم هو المنفذ لكل الإجراءات التي تهم التعليم، وحده من يبقى مع التلاميذ مباشرة وطيلة الوقت لينقل لهم المعارف والمهارات والقيم المنتظرة..  لكن لماذا هناك إشارة إلى تشبيه المعلم ب"حمار الطاحونة"؟
 هناك من يريد أن يتعامل مع المعلم ك"حمار الطاحونة" المشار إليه أعلاه، يريده أن يظل يدور ولو على الفراغ دون أن يكون لذلك أية فائدة على التدريس، مادام الآخرون يتنصلون من مهامهم، في التكوين ومد المدرسة/ المعلم بالوسائل التعليمية وتوفير الظروف المناسبة والفضاءات الصالحة للتدريس.. بل أكثر من ذلك وهو إغراقه في أشغال كثيرة مرهقة له وللتلاميذ، ويستحيل أن يتم تدريس كل المواد الدراسية المقررة وفق استعمال الزمن الموجود، فكيف ذلك؟
  لنعطي مثلا بمعلم المستويات الرابعة والخامسة والسادسة لأنها متقاربة..
  دون الحديث عما ينتظر معلم المستوى الأول والثاني، فذلك تعب آخر ومجال مختلف يمكن الحديث عنه لاحقا.. أما المستوى الثالث فهو حلقة وسيطة لها معطياتها الخاصة لكنها لا تخرج كثيرا عن السياق التعليمي بالابتدائي عموما.
  ولنترك الحديث عن ظروف معلم الفرنسية لذوي التخصص، فهم القادرون على تشريح الوضع.
   حتى نتملس الطريق لنتطلع على المواد التي يدرسها المعلم في المستويات التي أشرت إليها (4←6)، فمطلوب من معلم اللغة العربية أن يدرس القرآن والعقيدة والعبادات والآداب الإسلامية والحديث النبوي، هذا في مجال التربية الإسلامية. وفي وحدة اللغة، عليه تدريس القراءة بأشكالها المختلفة وهي الوظيفية والمسترسلة والشعرية والسماعية، ثم التراكيب، والصرف والتحويل، والإنشاء، والإملاء.. (والأساليب).. وفي دروس التفتح عليه تعليم التلاميذ النشاط العلمي والتربية التشكيلية، ومع الاجتماعيات عليه التطرق إلى التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة، ولا نسى في الأخير التربية البدنية.. هذا كله بشكل مزدوج، أي كل حصة مضروبة في اثنين، فإما أن يرافق المعلم فصلين من مستوى واحد إذا كانت المؤسسة كبيرة وبها تلاميذ كثر، وهو نادر جدا.. أو أن يتناوب على مستويين متتاليين مثل الخامس والسادس، علما أن المحتوى يختلف من مستوى إلى آخر في نفس المواد المدرسة.
  كل هذه الدروس توزع على مدى أسبوع، وبعضها يقدم بشكل تناوبي على فترات ليست متباعدة كثيرا كحال القراءة السماعية.. لكن ما المشكل في كل هذا؟
  ما سأتطرق إليه الآن هو ما لا يعرفه الكثيرون وما  يفضل آخرون تجاهله في إطار "كم حاجة قضيناها بتركها"؛ إنه عامل الزمن، تخصص لكل مادة ثلاثين دقيقة كمعدل أو خمسة وأربعين دقيقة في حدها الأقصى، وبنية أغلب المواد أثناء حصة الدرس تشمل التمهيد والعرض ودراسة الظواهر والخروج بالقواعد وإجراء تقويمات شفوية ثم كتابية على الدفاتر وبعد ذلك تصحيحها جماعيا وفرديا.. هذا بالنسبة لدروس اللغة مثلا.. ولكل مادة مراحل يجب إنجازها تنتهي بكتابة ملخص كما هو الحال مع الاجتماعيات.. الخ.. ما يعني أن الوقت لا يكفي لكل المواد المقررة في نفس اليوم، إذا أراد المعلم تقديمها وفق "المنهجية" المقترحة (المفروضة)، فكيف "يحل الإشكال"؟
  الجميع من المسؤولين عن "التربية الوطنية" يعرفون ذلك، ولا أحد يريد إثارته والحديث عن عواقبه، ويتضح أن واضعي المقررات والبرامج فئات متنافرة لا تنسيق بينهم ولا بعد نظر ولا إلماما بما يحدث في حجرة الدرس..
على المعلم أن يترك "أثرا" عما قدمه من دروس، ويكون هذا "الأثر/ الدليل"، هو التمارين أو الملخصات أو ما أنجزه التلاميذ.. وهنا كل يتدبر أمره بطريقته.. وعلى المغاربة أن يتخيلوا ما يقع.. والنتيجة هي هذا المستوى المتدني في التحصيل الدراسي، ومظاهره مختلفة منه عدم تمكن فئة عريضة من التلاميذ من كفايات لغوية نطقا وكتابة..
   المشكل الآخر الذي يجب ألا  نمر عليه، وهو ما يرهق المعلم ويدفعه إلى حافة الجنون، هو أنه مطالب بإعادة استنساخ محتويات تلك القوائم الطويلة والصفحات التي لا تنتهي من "المراجع المقررة"، وقد أشرنا إليها أعلاه، أي كل تلك المواد، فتجار "الكتب المدرسية"، قد تعمدوا تطويلها، وتحميلها كل ملاحظاتهم الكبيرة  منها والصغيرة، وتوجيهاتهم التي يحشونها بين ثنايا كل درس يقدمونه بل ويظلون يكررونها.. والأغرب أن يـطالب بعض المفتشين بتوفر المعلم لما يسمى جذاذات الدروس بخط يده، أي ما يستنسخ من تلك المراجع.. وهو ما يتطلب الساعات الطوال وأكواما من الأوراق..  وأحيانا يقول مفتش للمعلم علي أن أجد عندك في كل زيارة جميع الجذاذات من تاريخ زيارتي هاته..
 بالإضافة إلى كل ما سردنا، فالمعلم مطالب بإعادة قراءة كل ما يكتبه التلاميذ من ملخصات وتمارين وإنشاء.. ليصححها حرفا حرفا وجملة جملة.. (زنكة، زنكة !)
 أليس هذا أكثر من "حمار الطاحونة" الذي يعصر الزيت؟ إنهم يريدون من المعلم أن يكون فعلا كذلك، لا يريدونه مبدعا مثقفا مساهما في حل معضلات التعليم من خارج مقترحاتهم البئيسة، يريدونه أسيرا لتوجهاتهم وأمراضهم وتسلطهم.. وهم غير قادرين على حل معضلات التعليم، من ذلك توفر المعلم المتخصص في وحدات دراسية معينة، توفير الوسائل التعليمية وتحسين فضاءات المدارس الابتدائية، إلغاء مطالبة المعلم باستنساخ الجذاذات، تبسيط المقررات واختصارها، وإجراء تقييم موضوعي لمستوى التلاميذ في بداية السنة الدراسية وفي نهايتها، ويسمح للمعلم بحرية التصرف وفق الطريقة التي يراها مناسبة للتلاميذ حسب شروط الزمان والمكان، وعلى ضوء ذلك ينال المدرس الاستحقاق الذي يناسبه..
 إن تعليمنا المغربي ينحو تجاه الفشل الدريع، بسبب تكالب عقليات انتهازية متسلطة لا تعرف شيء عن نماء المعارف والقدرات ولا تنمية الروح النقدية لدى أبناء المغرب ولا التعاون مع المعلم للنهوض الفعلي بالتعليم فعلا وحقيقة. 
-----------------
نشر في  موقع الحوار المتمدن 
نشر بموقع لكم 

الأحد، 3 مارس 2013

القاص المصطفى كليتي عريسا في الرباط/ حفل توقيع"ستة وستين كشيفة"


القاص المصطفى كليتي عريسا في الرباط
حفل توقيع"ستة وستين كشيفة" 

مصطفى لمودن
زف عريس القصة المصطفى لكليتي على أحضان محبيه وقرائه إلى عرين القص الجميل في بهو مسرح محمد الخامس مساء الخميس 28 فبراير 2013، وقد حج الكثيرون من عشاق القصة لمتابعة حدث تقديم المجموعة القصصية "ستة وستين كشيفة"، وهي آخر إصدار للكاتب بعد "موال على البال" و" القفة".. إلى درجة أن الكراسي التي كانت مهيأة لم تف بالغرض فأضيفت أخرى، ورغم ذلك بقي عدد من المتتبعين وقوفا.. تناولت الكلمة أولا الكاتبة والقاصة ربيعة ريحان وقد ركزت على الجانب الإنساني لدى لكليتي، وأتاحت للحضور فرصة مشاركتهم في ذكريات حميمية جمعت ثلاثة شخوص حقيقيين هم الكاتبة وزوجها والمحتفى به لصناعة قصص حية بمدينة اخريبكة لما جمعتهم ظروف العمل هناك.. ولم يخل حديثها من مواقف ظريفة كانت شاهدة عليها، منها تحول الكاتب في حفلة عرس إلى شاهد على عقد قران زيجة جديدة وكأنه حصل في مقلب لم يكن مستعدا له.. وتحدثت كذلك عن قواسمهما المشتركة في غواية الكتابة وشراكها الفاتن..  
  تحدث ثانيا الكاتب المغرب أحمد بوزفور حيث قدم قراءة في المجموعة القصصية "ستة وستين كشيفة"، متوقفا عند جملة من التساؤلات تدور حول الدلالات الكامنة في المجموعة وحول طبيعة القصة القصيرة جدا..
 وتفضل الناقد نجيب العوفي بإجراء حفريات عميقة في المجموعة القصصية حيث توقف عند مجموعة تيمات تتميز بها "بنات" لكليتي من قبيل السخرية والغواية القصصية وحضور الشعر في النصوص القصصية وخرق المألوف في السرد القصصي واعتماد الغمز واللمز في الحكي والركوب على عنصر المكر الإيجابي قصد الالتفاف على المباشرة والخطاب السياسي.. وقد تمن في معرض حديثه هذه الفرصة التي أتاحت اللقاء بوجوه مختلفة "بعدما غاب البعض وانزووا في صندوق الانترنيت".. 
  وكاد المصطفى لكليتي يجهش بكاء لولا تمالكه نفسه وهو يشكر الحاضرين قائلا "هذه اللحظة ستبقى في ذهني ما حييت"، ليتقدم بعدها يوقع نسخا من مجموعته وقد تراص صف ممن يرغبون في اقتناء أثر أدبي شيق بين دفتين من ورق صقيل يميل لونهما إلى التراب الرملي..
 تميز الحفل بحضور أسماء وازنة في عالم الكتابة والأدب كعبد الرحيم العلام رئيس اتحاد كتاب المغرب وأحمد المرزوقي وآخرين..    


أحمد المرزوقي في حديث مع أحمد بوزفور