الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

حرية العقيدة والتخبط المفاهيمي: في الحاجة إلى العلمانية


حرية العقيدة والتخبط المفاهيمي: في الحاجة إلى العلمانية
ملاحظات حقوقية بصدد مبادرة "حركة مالي"للدفاع عن الحريات الفردية
اسلامي عبد الحفيظ (*)
تقديم: إن الدول التي لم تنخرط كلية ووفق مشروع مجتمعي في المرجعية الكونية والشمولية لحقوق الإنسان تظل حتى وهي تردد في الكثير من خطاباتها على تبني هذه المرجعية حبيسة النظرة الانتقائية النفعية التوفيقية بين مقتطفات من المرجعية الحقوقية التي تفرضها طبيعة الالتزامات الدولية وتطلعات المجتمع المنظم والناطق بحقوقه والجمعيات الحقوقية من جهة. والإرادة الرجعية للقوى الاجتماعية النافذة في الحفاظ على الأوضاع السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما هي بدون تغييرات جوهرية تذكروفي الحفاظ في نفس الوقت على الخطاب الحقوقي كخطاب إيديولوجي مائع بدون إعمال هدفه، تبين أن النظام الحالي بما أنه منخرط حتى النخاع في ليبرالية اقتصادية متوحشة من موقع الضعف إرضاء لصانعي توصيات البنك العالمي وصندوق النقد الدول ومختلف مراكز القرار الامبريالية، فهو كذلك منخرط في "ليبرالية سياسية و فكرية(اللبرلة) من خلال استعارة شعار "الدولة الديمقراطية الحداثية"  والعمل بهلقطع الطريق على كل إمكانية للتغيير الديمقراطي الحقيقي  وفي نفس الوقت  يحافظفيه وبه على الطابع التيوقراطي (الأصوليةالمخزنية و الأوتوقراطية (والحكم الفردي المطلق لنظام الحكم، هذه الازدواجية الملازمة للنظام القائم والتي تعنون بشعار متحايل  ومكرور وتمويهيالأصالة و المعاصرة " يشكل وعاء مائعا لاستيعاب الطابع التاريخي الهجينللمرجعية السياسية والثقافية للكتلة الطبقيةالسائدة ولطابع الانفصام الملازم لسلوكياتالكثير من الأحزاب والمثقفين والنخب وحتى الكثير من المواطنين الذين لا يتبنون مشروعا اجتماعيا يضعهم في قطيعة مع المرجعية الهجينة المذكورة أعلاه، ويمكن من تأبيد سيطرة كتلة طبقية معادية لحقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها، تتقن فن تمييع المرجعيات والخلط الإيديولوجي واللعب على الخطابات المتعددة والمتناقضة.
  يفسر هذا التقديم لماذا لم تذهب الدولة المغربية بعيدا في الانخراط في المرجعية الكونية لحقوق الإنسان، سواء من جهة التنصيص دستوريا على سمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على القوانين المحلية، وملائمة هذه القوانين مع المرجعية الكونية، ومن جهة أخرىالمصادقة على الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة باحترام وحماية وإعمال الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما فيها المصادقة علىكافة اتفاقيات منظمة العمل الدولية والبروتوكولات الملحقة بالعهدين الدوليين.وإدراج التربية عليها بشكل استراتيجي، بدل إخضاع المرجعية الكونية والشمولية لحقوق الإنسان للمرجعية الأصولية والظلامية في بناء المضامين والمحتويات الإعلامية والتعليمية والدراسية. وإعطاء مكانة للتربية الدينية، وإعادة إنتاج الكادر الديني بشكل لا تحضا  به حتى العلوم الحقةوالعلوم الإنسانية في بلد يعاني من معوقات التنمية الشاملة والعادلة.
إن الدولة والثقافة السائدة استطاعت أن تضع يدها وتهيمن ليس على الحقول التي هيمنت عليها تقليديا، بل حتى على الحقول التي لم تستطع الهيمنة عليها – رغم المحاولات- إلىحدود بداية التسعينات، مع انبطاح و هرولة وخيانة القوى المحسوبة على ما يسمى باليسار التقليدي لكل برنامج ديمقراطي وانخراطها الكامل في المخزنة.
1.   الأحداث:
  • قرر مجموعة من الشباب والشابات المنتسبين إلى حركة سموها " الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية " والمعروفة ب حركة " مالي " تنفيذ "عملية إفطار جماعي علنيبضواحي مدينة المحمدية يوم الأحد 13 شتنبر 2009 / 25 رمضان 1430. وقد بدأت هذه المبادرة من علىصفحات" الفايس بوك" المعروفة، وسطرتأولوياتها في الدفاع عن حرية التفكير والضمير والدين، أي حرية تغيير الديانة والمعتقد، كما أكدت أنها تهتم كذلك بالحريات السياسية في المغرب التي تعرف تراجعا كبيرا وأكدت علىأنها ليست ضد الصيام…وكان لمبادرة هذه الحركة تداعيات وتعليقات مختلفة لدى الرأي العام.
  • كما تم اعتقال بعض أعضاء هذه الحركة ويبدو أنهم في حالة متابعة و فق الفصل 222 من القانون الجنائي ومنهم الصحافي عزيزاليعقوبي وعبد الرحيم مقتفي والصحافية الناطقة باسم الحركة زينب الغزوي وصلاح أبراح ونزار بنامت….
  • الفصل 222 من القانون الجنائي ينص على أن " كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي وجاهر بالإفطار في شهر رمضان في مكانعمومي دون إذن شرعي يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من اثنتي عشر إلى مائة وعشرين درهما "
  • قامت الأجهزة المخزنية بتجنيد الأصولية الرسمية والشبه الرسمية والأحزاب المواليةوالعديد من الأقلام الصحافية لمهاجمة هذه الحركة .
2.   التعليقات :
  • أول التعليقات جاءت من السلطات المحلية التي حضرت بعين المكان – حسب قصاصات الصحف لحصار ومنع "مبادرة الإفطارهذه.
  • اعتبر المجلس العلمي الأعلى بالمحمدية وهو مؤسسة أصولية رسمية في بيان له أن هذه الخطوة "…عملا شنيعا يدخل في تحدي الله ورسوله وتترتب عنه في الشرع عقوبة صارمة…"  و اعتبر أصحاب المبادرة "جماعة من الفتانين" وأكد البيان على أن " المغرب لا يمكنه أن يقبل المجاهرة بالمعصية، لأنه يعتبر تلك المجاهرة تشجيعا على المعصية بل و تحريضا عليها…"  كما اعتبر هذه المحاولة تدخل في إطار"محاولة إبطال فريضة الصيامو اعتبر هذا العمل "يدخل ضمن مخططات المغرضين"
  • تيار المستقبل للشبيبة الاتحادية كان من أولالمنددينمن بدل الأحول !!!) بهذه الحركة و اعتبرها " حماقة مرتكبة من طرف أقلية سحيقة من الشباب و أن الوقفة " تدخل ضمن أجندات أطراف أجنبية تتربص بمشروع المغرب الديمقراطي الحداثي الوطني " و حذر الشباب من " هذه البذور العقيمة التي تهدد بالأساس ضرب المغرب في معتقداته و هويته". (هي نفس اللغة التي كانت تستعملها القوى الظلامية ضد الشبيبة الاتحادية حينما كانت تقدمية)
  • مصطفى الرميد القيادي بحزب العدالة والتنمية نفى إمكانية تغيير الفصل 222 من ق.ج ما لم يصبح الإفطار جهرا أمام العموم عاديا، ولم يفسر كيف يمكن أن يتحول الإفطار جهرا إذا لم يحذف الفصل222.  اعتبر "أن القاعدة القانونية تأخذ مادتها من المجتمع فما حرمه هذا الأخير واعتبر القيام به مسا لشعوره وجب منه بالقانون، وما يجيزه المجتمع ولا يستنكره طبيعي أن تكون هناك الإباحة له"
لا يمكن أن نقبل أشخاصا مسلمين يفطرون رمضان جهارا، لذلك المشرع لا يمكن أن يغفل الاهتمام بمشاعر 99.99 %من المغاربة لإرضاء 0.01فقط لأنهم يريدون الإفطار في نهار رمضان علانية " كما أكد أن لا مانع لديه في إفطارهم سرا. وتسائل "هل يمكن تجاوز أن الإسلام هو الدين الرسمي في المغرب"
  • عبد الباري الزمزمي رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل قال " أن شعار المملكة هو الله الوطن الملك لذا يجب احترام الدين الإسلامي  والحديث عن الحرية الفردية التي لا تقيم وزنا لمشاعر المسلمينسيدفع حتما لاحتماء البعض بهذا العذر لإبداء عدم الاحترام إزاء الوطن و كذا المؤسسة الملكية" (أين هي حدود السياسة و حدود الدين و دعا إلى معاقبتهم وفقا للقوانين الجاري بها العمل لأنهم يستفزون مشاعرالمسلمين.
  • مصطفى المعتصم المستشار الملكي يدعو الأحزاب للتحرك "للتصدي لمحاولات المس بعقيدة المغاربة" و اعتبر المحركين  "هم نفس الجهات التي سبق و أن حركت قضايا سياسية كالوحدة الترابية وأحداث سيدي افني صفرو و غيرهما…" !!! و أن عمل هذه الجهات أصبح في السنوات الأخيرة يركز على قضايا تهم التنصير والتشيع والشذوذ الجنسي وإحداث جمعية "كيف كيفوما شابه ذلك، حيث أصبح أنصارها يحاولون فرضها داخل المجتمع .
  • إسماعيل العلوي أمين عام حزب التقدم والاشتراكية وصف عمل الإفطار بأنه "عمل صبياني بشكل متميز وأنها لا تخدم قضية الحريات ولا تطور البلاد نحو الأحسنو أن المحاولة تؤدي إلىنشر الفتنة في وقت المغرب ليس في غنى عنها"
  • اعتبر بعض الصحفيين وبعض زعماء الأحزابأن هذه الحركة مثلها مثل ظاهرة المثليين والمتنصرين والشيعة وأعداء الوحدة الترابية وأحداث أيفني و صفرو… و غيرها، المفتعلة بفعل يد أجنبية مخابراتية استعمارية جديدة، وخاصة الاسبانية لخلق فتنة أخلاقية ودينية ودستورية، كما أن بعض أعضاء هذه الحركة يحملون الجنسية المزدوجة، فرنسية مغربية، وقد يكونوا تابعين للمخابرات الفرنسية !!!وهدفهم استفزاز مشاعر المغاربة؛ ويدخل هذا المنطق ضمن نظريةالمؤامرة وسياسة النعامة وإيديولوجيةالإجماع الوطني وتمتين الجبهة الداخلية والدفاع عن المقدسات المخزنية وهلم جرا؛رشيد نيني مدير جريدة المساء/ حزب الحركة الشعبية / حزب الأصالة والمعاصرة / المجلس العلمي الأعلى بالمحمدية / مصطفى معتصم المستشار الملكي / عبد الإله بنكيران أمين عام العدالة والتنمية/ محمد الأبيض الأمين العام للاتحاد الدستوري… وغيرهم.
  • علي أنوزلا  مدير الجريدة الأولى المعروف بمواقفه الجدية والمساندة لحقوق الإنسان عنون ركن أول الكلام بحدود الحرية  وطالب بعدم تحدي القانون، بل بالاكتفاء بالمطالبة بتغييره واعتبر أن " لا علاقة بين الإفطار العلني وممارسة الحرية الفردية للشخص" و تحدث عن أنه لا بد من التوازن بين الحقوق و الواجبات… لا أعرف ماذا جرى للسيد أنزولا المحترم هذه المرة، فلأول مرة أراه يتحدث بلغة "للحرية حدود" !! "يجب الانضباطالقوانين الجاري بها العمل" !! "الحريات الفردية لا تعني عدم الصيام" !! أكيد أنها لغة فقيه، ولكن لا يمكن أن تكون لغة فقيه في الحريات.
  • خديجة الرويسي رئيسة جمعية بيت الحكمة (وهي تنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة الذي أدان حركة مالي) وصفت الفصل 222 بالجائر والقانون الذي يتدخل في القناعات الشخصية للأفراد"إن الإيمان قناعة , ولا يمكن فرض قناعة ما على كل الأفراد بالقوة, لأن هذا أمر يخالف حقوق الإنسان وروح الدين الإسلامي".
  • أمينة بوعياش رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان استغربت " كيف يمكن لأقلية أن تزعزع إسلام الأغلبية واستقرار الدولة لمجرد أنها تخرج عن صف الإجماع ودعت إلى ضرورة فتح نقاش عميق حول القوانين التيتتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان و إعادة النظر في المنطق المعتمد (حماية إيمان المواطنين) ودعت إلى
إلغاء تحريك المتابعة القضائية في حق المعنيين و العمل على وضع الأسس لتدبير العلاقة بين حرية العقيدة كما تنص عليها المواثيق والعهود الدولية وبين الحرية الفردية التي لا تتعارض مع النظامالعام".وأضافت أن"هذا نقاش مجتمعي"كما دعت إلى تجاوز النفاق العام، واعتبرت أن الذين لا يقيمون فريضة الصيام كثيرين.
  • أحمد الخمليشي مدير دار الحديث الحسنيةاعتبر أن الأشخاص "عبروا عن قناعاتهم الشخصية و لكنهم بالمقابل كان عليهم مراعاة الشعور العام للآخرين، وهو ما يسمى بأخلاق الآداب العامةواعتبر أن النقاش ليس دينيا فحسب وإنما يجب النظر إلى الموضوع من زاوية المبادئ الاجتماعية، حيث لا يجب استفزاز مشاعر الآخرين…
  • الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أصدرت بيانا باسم المكتب المركزي يدين الاعتقال و المتابعة  والتحريض والهجومات المغرضة، ويدعو إلى احترام حرية التعبير والعقيدة وإلىملائمة القوانين المغربية وضمنها الدستور مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
1.   في الحقوق الشخصية وحرية العقيدة:
  • ما أن تظهر حركة ما لبعض الشباب تأتي بالجديد حتى تنبري الأقلام الصحفية المأجورة من اليمين، وكذا من بعض الأقلام المحسوبة زورا على اليسار والأقلام الظلامية والمجالس العلمية وأجهزة الأمنية وبعض الأحزابالمخزنية في شن حملة تشبه، بل تفوق فيديماغوجيتها ولخبطتها وقبحها الفكري حملات التفتيش في العصور الوسطى.  وهي الأقلام نفسها التي لا تنفك تتحدث عن حقوق الإنسان – بعد لي عنقها طبعا- على طريقة الأنظمة الغير ديمقراطية المعهودة، حين ترى ذلك يشكل لها نفعا انتهازيا أو تأثيثا لخطاب يدعي الحداثة والديمقراطية …
  • إن ما يجب التذكير به أن ديباجة الدستور الحالي تنص على انخراط المغرب في حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وهذه العبارة تعني حقوقيا الانخراط في كونية حقوق الإنسان وشموليتها، ورفض أية تجزئة لهذه الحقوق باسم الخصوصية المفترى عليها، والتي تتقن الأنظمة غير الديمقراطيةاستعمالها للاعتراض على حقوق الإنسان أو على أجزاء منها. فماذا تقول المواثيق الدولية في حرية العقيدة؟ إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص في المادة 18 على المبادئ التالية المتعلقة بالمعتقدات :
  • لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين.
  • حق كل شخص في تغيير دينه أو معتقده.
  • حريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وممارسة الشعائر والتعليم بمفرده أو مع جماعة وأمام الملأ أوعلى حدة.
وتنص المادة 19 على المبادئ التالية :
  • حق كل شخص في التمتع بحرية الرأي والتعبير، و يشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.
  • و تنص المادة 30 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي:
  • ليس في هذا الإعلان أي نص يجوز تأويلهعلى نحو يفيد انطواءه على تخويل أي دولةأو جماعة أي حق في القيام بأي نشاط أو أي فعل يهدف إلى هدم أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه.
  • و نفس الحريات مكفولة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وخصوصا في المادتين 18 و 19.
  • إن إعادة التذكير بهذه النصوص يهدف إلى فضح الترهات التي تردد بصدد حقوق الإنسان، والتي لها مرجعية أخرى بعيدا كل البعد عن المرجعية الحقوقية مثل:
  • القول بضرورة امتثال الأغلبية للأقلية فيما يتعلق بالمعتقدات، هو قول منافي للمرجعية الكونية لحقوق الإنسان، لأن حرية المعتقد هي حرية فردية أولا، وليست من الناحية الحقوقية مقيدة بمجارات العامة وأمزجتها و حساسيتها .
  • أن منطق الحريات المدنية والشخصية وخصوصا حرية الرأي والتعبير والمعتقد وتغييره، لا علاقة لها إطلاقا بمفاهيم الأغلبية والأقلية، التي تستعملها الكثير من الأقلام في غير موضعها عن جهل أو عن سوء نية أو عن عدم التشبع بكونية وشمولية حقوق الإنسان،  مثلا: كأن نتهم من يقوم ببعض الشعائر المخالفة للمذهب الإسلامي السائدأو المخالفة لشعائر المسلمين بأنه لا يحترم العقائد الشائعة! إن الآمر فيه لبس وخلط جاهل، فلا يمكن أن نتهم مغربي ليس على المذهب المالكي يقوم بالإفطار بيوم قبل عيد الفطر انسجاما مع قناعته المذهبية بأنه لا يحترم عقائد "الأغلبية الحقيقية أو المزعومة"، كما لا يمكن أن نتهم  مسلما يصلي أو يصوم في بلد فيه 99,99% من غير المسلمين بأنه لا يحترم شعائر سكان البلد!
إن الأمر له علاقة بالحرية واحترام الحريات والمعتقدات، الذي لا يخضع للمساومة التي يريد أعداء الحريات المدنية والسياسية أنيقزموها لكي يستمروا وباسم المقدس في تكميم الأفواه والحريات، ولا علاقة لذلك بتاتا بالمنطق المغلوط للأقلية والأغلبية.
  • إن أغلب هذه الأقلام التحريضية عادة ما تصور المسلمين خاصة والمغاربة عامة كأنهمكائنات غريزية غير عاقلة، وغير متسامحة،تصيبها الفتنة الجنسية لمجرد سفور فتاة، أوفتنة العصاب الديني، لمجرد تعبير بعض الشباب عن إرادة المساهمة في جعل الشارع والفضاء العام فضاء للمواطنةبمفهومها الكوني، وليس فضاء لرعايا يعيدون إنتاج العصاب الديني. ويتصورون أن هؤلاء المسلمين والمغاربة لا يؤمنون بحرية المعتقد وبالتسامح العقدي والديني كمفهوم حقوقي،أو ليسوا مؤهلين لذلك. إن مصادرة أراء المواطنين من طرف أقلام معينة، يؤكد من جهة رغبة هذه الأقلام في تأبيد العصابالديني الموجود لدى الأصولية الرسمية و شبه الرسمية، ولدى بعض النخب من جهة،أو لدى بعض الجمهور، وإقصاء الرأي العام المنادي بحرية المعتقد و تغييبه من الوجود، وهذه المصادرة هي نفسها التي استعملت لضرب العديد من الحريات المدنية (الرجوع إلى النقاش الدائر إبان مناقشة قانون الأسرة) وهي تمشي في الاتجاه المعاكسلإقرار مجتمع المواطنة الكاملة غير المنقوصة،ومجتمع حقوق الإنسان، حيث هناك دائما من يرفع سيف "الأغلبية" "الهوية الإسلامية"،"إرادة الشعب المغربي"،  "إرادة الأمة،"استفزاز الشعور العام"، "زعزعة عقيدة مسلم " للتمويه، وبدون أي أساس علمي لهذه المفاهيم، فما هو الاستفتاء الشعبي النزيه والحر الذي أكد أن 99.99% من المغاربة مسلمين على الطريقة المفسرةمخزنيا أو أصوليا أو على مزاج الأحزاب الملتفة حول الدستور الممنوح، التي ترتكز في أطروحاتها على خلفية بيولوجية في تحديد المسلم من المسلم المختلف من غير المسلم (هذا ما وجدنا عليه أبائنا !!!) في الوقت التي تتشدق فيه يوميا بالحديث عن المرجعية الكونية و الشمولية لحقوق الإنسان، التي لا تعترف بأية هوية بيولوجية وراثية للمعتقدات (والتي هي مرجعية الأطروحات الفاشية والنازية العرقية والأصولية الصهيونية الدينية ) بل تضعها فيخانة الحريات الإرادية بفعل القناعات، أي تنتج عن التفكير الحر في بلد الحريات (بلد الإنسان الحر المالك لعقله وجسده وليس الإنسان المستلب الإرادة) والتي يمكن للإنسان حسب حقوق الإنسان أن يغيرها، أي القناعات، في كل وقت يريد.
  • الفضاء العمومي هو فضاء للمواطنة وليس فضاء للأقلية أو للأغلبية: حق أي إنسان فيممارسة معتقداته علانية بمفرده أو في إطار جماعة معينة. إن الإعلان عن المعتقدات والآراء حتى وإن كانت تخالف المعتقدات السائدة، هي صفة لازمة للمجتمع الديمقراطي / مجتمع المواطنة الحقة، الذي يحترم حقوق الإنسان، وهي شرط لازم لخلق فضاء للمواطنة الحقة التي تحترم التعدد والتنوع والاختلاف بين البشر، وترفض كل مصادرة لهذا الحق، بدعاوى تعود إلى العصور الوسطى، حيث المواطنون رعايا يخضعون لسلطة مستبدة وجائرة، مثل القول بأن"التعبير" عن هذه المعتقدات يجب أن يكون سرا و ليس علنا !!! هذا المنطق الكاريكاتوري للحريات يشبه من يقول بأنه "لك كامل الحرية في التعبير عن أفكارك و قناعاتك لكن بدون كتابتها آو نشرها أو قولها للعموم !!! " وهذا يذكرنا بالتهديد الذي أصدره السلطان محمد بن عبد الرحمن لقارئي كتب الفلسفة في القرن 19 (مغرب العصور الوسطى ما قبل دخول فكرة الحريات ) حيث حذرهم من افتتان العامة بأفكارهم وكتبهم وألزمهم بقراءتها في منازلهم وبعدم ترويج هذه الكتب والأفكار. ما أشبه اليوم بالأمس مع فارق لصالح الأمس، هو أن الجميع الآن يتشدق بحقوق الإنسان.
  • أكيد أنه يجب التمييز بين التعبير عن الرأي والحق في ممارسته وبين السب والقذف المرفوضين حقوقيا لما لهما من مس بالكرامة الشخصية والإنسانية.
2.   القوانين في حاجة إلى المراجعة وليس إلى التنفيذ فقط، لأن هناك العديد منالحريات الفردية لا يجب أن تحد منها المرجعيات الإيديولوجية للقرون الوسطى ولا التفسيرات المبتسرة/المحافظة على القوانين القائمة :
  • القوانين القائمة جائرة من منطلق حقوقي:إن منطق الحرية لا يستند فقط إلى القوانين القائمة (الدستور – القانون الجنائي – قانون الصحافة – قوانين الحريات العامة كالحق في التجمع والتظاهر وتأسيس الجمعيات – مدونة الأسرة…) بل يستند إلى التزامات الدول بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان، لهذا السبب نجد الجمعيات الحقوقية تطالب ب
  • إعمال مبدأ سمو المواثيق الدولية على القوانين المحلية .
  • تغيير الدستور و تجاوز الدساتير الممنوحة والمطالبة بفصل السلط بما في ذلك الفصل بين الدين والدولة وإقرار العلمانية .
  • ملائمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان  وحذف التحفظات وإلغاء المواد المتنافية مع المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، وهذه المطالب هي نفسها التي يرفعها الصحافيون للمطالبة بتغيير القوانينالتي تحد من حرية الصحافة، فكيف يطالب بعض الصحفيين بالشيء و نقيضه ؟!
  • المطالبة بتجاوز منطق الراعي والرعية وإقرار المواطنة الكاملة غير المنقوصة، وجعل المجتمع فضاء عاما لتفتق المواطنة الحقةوالحريات الحقيقية ولزرع قيم التسامح ونبذ التعصب الديني أو غيره، وتجاوز إيديولوجية النفاق والشخصية المزدوجة من خلال إقرار العلمانية، ومن خلال الفصل الحقيقي للدين عن الدولة وتجاوز المرجعية الأصولية التأسيسية للدولة المغربية القروسطية، من خلال إقرار الدستور بشكل ديمقراطيكمدخل للحديث عن الدولة الحديثة،  أليست هذه مقدمات "المجتمع الديمقراطيالحداثيالمبشر به زورا؟
  • من الناحية الحقوقية يجب حذف كل القوانينالنافية لحرية العقيدة ولممارسة القناعاتوالحريات الشخصية :
  • إن الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان عن قناعة وليس عن ديماغوجية وموالاة عليهم التخلص من العجين المفاهيمي المصطنعلتمييع هذه المرجعية، وأن يتخلصوا من دور الكومبارس المخزني للعب الأدوار الفكرية غير النظيفة.
  • من الناحية الحقوقية فإن مطلب حذف كل القوانين التي تحد من الحريات ومن ضمنها حرية العقيدة بما فيها حرية تغيير المعتقدات وممارستها علنية، ليست مقتصرة على الفصل 222 (قانون ليوطي !!!الذي يحمي الهوية العقدية للمغاربة !!! كما يدعي البعض)  بل تمس كل المواد والفصول التي تحد من حرية المعتقد كما تنص عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان (وليس حقوق الإنسان كما تتخيلها النزعات التلفيقية) انطلاقا من الدستور الذي يجب تغييره لإقرار العلمانية وفصل الدين عنالدولة. إن الدولة ليست مهمتها حماية دين أو مذهب، بل دورها يتجلى في حماية الحرياتبما فيها حرية ممارسة المعتقدات من طرف الأفراد والجماعات، سواء أكانوا أغلبيات أم أقليات، أفرادا أم جماعات  )إن هذا مجرد تذكير لدعاة المجتمع الديمقراطي الحداثيحول نظرية الدولة الديمقراطية، ومفهوم الدولة كحامية للحريات مقابل الدولة المعادية للحريات / غير الديمقراطية.)
  • من يستطيع أن يؤكد علميا بأن القوانين المغربية ناتجة عن الإرادة التعاقدية للشعب المغربي وليس عن الهيمنة المخزنيةالفوقية؟ فالدساتير التي عرفها المغرب كلهاممنوحة واستفتاءاتها مزورة، والحكومات في المغرب لا تحكم، والبرلمان لا يشرع، والانتخابات مزورة ومتحكم فيها عن قرب،والقضاء غير مستقل كسلطة، والحرياتالعامة لا تحترم والمطالبة بتغيير القوانين بالطرق السلمية مرفوضة .
4.   انطلاقا من هذه الملاحظات أؤكد من جديد ما يلي:
  • رفض كل أساليب التحريض الرخيص الضمني والعلني وتجنيد الأقلام وخلق السيناريوهات حول "المؤامرة الأجنبيةالمكرورةوالمضحكة، لأن الأمر يتعلق بقضايا حقيقية يفكر فيها المواطنون المغاربة والشباب يوميا،فكل الهزات والانتفاضات الاجتماعية والنضالات التي عرفها المغرب نسبت إلى مؤامرات خارجية، وكأن المغاربة كتلة جامدةلا يمكن أن تحركها سوى الأيادي الأجنبية، وهذا فيه احتقار للمجتمع المغربي ولقدرته على طرح قضاياه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية،  وفيه إعادة إنتاج للأساليب البائدة في مواجهة الحركات المعارضة .
  • التضامن مع الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية من منطلق أن حقوق الإنسان كونيةوشاملة وغير قابلة للتجزئة, ومترابطة, ومتداخلة, ومتساوية في الأهمية بالنسبة إلى الكرامة الإنسانية.
  • أن المسألة الدينية والحريات الدينية يجب أنتحضيا بنقاش جدي في المغرب، هذا النقاش الذي يجب أن يفضي في النهاية إلى إقرار مشروع الدولة الديمقراطية العلمانية / دولة الحريات والمواطنة الكاملة غير المنقوصة.
  • ضرورة الكف عن توظيف الأصولية الرسمية وشبه الرسمية في إصدار بيانات تحت الطلب في قضايا مجتمعية، وإشكالات ذات طبيعة مجتمعية و سياسية وفكرية وحقوقية وليست ذات طبيعة عقدية بالضرورة. لأن ذلك يثير الشفقة خصوصا وأن الأصولية الرسمية تسكت عن قضايا مهمة تهم نهب المال العام وفساد السلطة والاستبداد والتعذيب وغيرها من الأمور الملتبسة.
  • النضال من أجل ترسيخ التربية الإستراتيجيةعلى حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها في الإعلام العمومي وفي البرامج الدراسية وفي مختلف معاهد تكوين موظفي وأطر الدولة.
  • التفكير في خلق جبهة أو شبكة للدفاع عن العلمانية في المغرب وفصل الدين عن الدولة وفصل الدين عن السياسة، كبعد ملازم لكل برنامج يدافع عن الديمقراطية الحقيقية .
                    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                     
ـ نشر الموضوع بالاتفاق مع الكاتب. 
(*) عضو اللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان
18 شتنبر 2009
ـــــــــــــــــــــ  
المدونة: كل من له وجهة نظر مختلفة مستعدون لنشرها