سلا: استفحال تعاطي المخدرات بالمؤسسات التعليمية…
وماذا بقي من المدرسة العمومية؟
إعداد :عبد الإله عسول.
تقرير عن تفشي تناول المخدرات بأنواعها من طرف التلميذات والتلاميذ، الأنواع المستعملة، رأي تلميذ وأستاذ ومدير في الأمر، الحلول الممكن اللجوء إليها قبل تفشي الخطر واستفحاله…
شارع مفتوح على كل شيء
أصبح موضوع الانتشار المقلق لتعاطي مختلف أنواع المخدرات وسط تلاميذ وتلميذات المؤسسات التعليمية ببلادنا وسلا بخاصة ( بالتحديد في الإعدادي والثانوي)، أصبح هذا الموضوع يؤرق كل الأطراف التي لها علاقة بموضوع التنشئة والتربية والتعليم، وعلى رأسها السلطات التربوية، والأمنية.. وإن بنسب متفاوتة.
كما أضحى الجميع، خصوصا الآباء والأطر الإدارية والتربوية والفاعلون الجمعويون، يتساءلون بنوع من عدم الثقة عن المصير الذي ينتظر طفولة وشباب البلاد، وهم يرون الأوضاع المتردية غير المسبوقة التي تعيشها المدرسة العمومية، والتخريب الذي يتعرض له العديد من أبناء الشعب المغربي في صحتهم وعقولهم، وما يتبع ذلك من انحراف وجرائم ومستقبل مجهول…(؟)
فالكل يسجل انتشار المخدرات ومظاهر الانحراف لدى تلاميذ وتلميذات المؤسسات التعليمية بشكل خطير، أصبح ذلك يستهدف بشكل جدي الأدوار الحيوية والمصيرية للمدرسة العمومية (التربوية، المعرفية والسلوكية ..) وهو ما يهدد في العمق التماسك الاجتماعي ومستقبل البلاد…
والسؤال المطروح "ماذا نأمل من نماذج لشباب غائب عن الوعي، فارغ معرفيا وعنيف سلوكيا..؟؟"
حالات عديدة وقفنا عليها بخصوص موضوع "إدمان التلاميذ والتلميذات ": حالات السكر البائن، تعاطي كبير للمعجون، الحشيش، السجائر، الشيشا، حبوب الهلوسة… حالات - وإن كانت قليلة، حسب العينة التي التقيناها- عاينها أساتذة، حراس عامون، أباء، أمهات ومديرين…
فهذا حارس عام وقف على تناول الخمر من طرف تلميذ بمستوى الثانية إعدادي، وهذا أستاذ ضبط كمية مهمة من "المعجون" لدى تلميذة، كما عاين آخرون حالات سكر لتلميذات، ناهيك عن تناول الحشيش، الشيشا .. ووصلت الأمور إلى تجارة الجسد في بعض الأحيان (وهو موضوع يقال أنه مرتبط بالحرية الشخصية، و لا يريد أحد الحديث عنه…)
ما العمل لوقف هذا النزيف والتدهور الخطير ؟؟
عدد من الإطراف من أباء، أساتذة، تلاميذ وجمعويين… الذين طرحنا عليهم الموضوع، رأت أن الحد من تفشي هذه الظاهرة وكوارثها الخطيرة، يتطلب تضافر جهود العديد من المعنيين، عبر خطط وبرامج عمل منظمة ومدروسة متعددة المداخل والمتدخلين (سلطات تربوية، أمنية، أطباء نفسيين وعلماء اجتماع، أباء وأمهات، اطر تربوية وإدارية وتلاميذ…
عندما ينطق الواقع…
شهادات حول ظاهرة "تعاطي المخدرات بالمؤسسات التعليمية "..:
- بالنسبة للتلميذ عصام (الثالثة إعدادي) فقد أكد أن العديد من التلاميذ بالإعدادية التي يدرس بها يتعاطون لأنواع من المخدرات.. يتم شراؤها من مروجين بمحيط المؤسسة.. وعلى رأسها "المعجون"، والسجائر والحشيش.. بل يتعاطي بعضهم لما أسماه "الهيلي" (دوليو مع سيليسيون والكولا)…
مضيفا أن زملاء له يتناولون المخدرات إما بدافع "التجريب والتقليد " أو "لنسيان مشاكل الأسرة ..مثل المعاملة السيئة لزوجة الأب.." أو "بسبب الدصارا.." كما أشار إلى أن عددا من هؤلاء يريد الخلاص من هذه "البلية" ويريد "مساعدة ومساندة"، وهو ما يمكن أن يتأتى عبر "الأنشطة التحسيسية ومراكز الاستماع.."
وبخصوص الحملات الأمنية بمحيط المؤسسة، قال – عصام - إنها لازالت في البداية وأصبح بعض المروجين يعلمون بتوقيتها، من جهة أخرى استعرض – نفس التلميذ- بعض مسميات المخدرات التي يتداولها التلاميذ فيما بينهم منها :
"قرطاسا" و"دموقا" في إشارة للمعجون… "ميت" و"كفن"، "ورقة"، "وستيلو" في إشارة للسيجارة ولفافة (نيبرو)…"الهيلي" في اشارة ل"الدوليو…"
-أما الأستاذ(ح-ه) : فقد أكد بدوره باستهلاك المخدرات في صفوف التلاميذ والتلميذات (ما بين 5 إلى 10 في المائة من تلاميذ الثالثة إعدادي بالخصوص)، ويأتي "المعجون " في مقدمة المخدرات المستهلكة، يليه التدخين ثم تناول الحشيش.. مؤكدا وجود مروجين بمحيط المؤسسة، وبقاعات الألعاب الالكترونية القريبة منها، مستغربا لعدم إغلاق هذه الأوكار (؟؟)
وأضاف، أن استعمال هذه المخدرات يؤدي بالتلاميذ إلى عدم الانضباط واللامبالاة بالدرس والميل إلى إثارة الفوضى واستفزاز المدرسين، معتبرا لجوء التلاميذ إلى تناول المخدرات، هو "نوع من التمرد على كل شيء (المدرسة، الأسرة والمجتمع ) "لكنه تمرد ليس عبر قنوات صحية، لأنه تدمير للذات والمستقبل، إذ أن هناك مجالات تمكن الشباب من تفجير طاقاته ومكبوتاته عبر الموسيقى، الرياضة، المسرح .. وأشار الأستاذ بأن "تجربة مراكز الاستماع " والأندية المدرسية .. فضاءات مناسبة لمعالجة ظاهرة التعاطي للمخدرات، مشددا على ضرورة توفير الدوريات الأمنية بمحيط المؤسسات التعليمية، وتوفير الطاقم الإداري الكافي، فهناك إعداديات بها أكثر من 2800تلميذ(ة) من بينهم 1000 في الثالثة إعدادي، ولا يتوفرون إلا على طاقم إداري جد محدود، لا يستطيع فرض احترام القانون الداخلي، نماذج إعدادية ابن الهيثم، الشهيد الحسين بن علي، ثانوية الصبيحي..
-(ع- ص) مدير إعدادية بها 1500 تلميذ(ة) (منها 600 بالثالثة ) متواجدة وسط أحياء شعبية، فقد أكد بدوره وجود ظاهرة استهلاك المخدرات بين التلاميذ، وفي المقدمة دائما "استهلاك المعجون"، لسهولة صنعه ورخص ثمنه.. مبرزا أن أسباب هذه الظاهرة تكمن في " فشل المنظومة التعليمية، وتدني المستوى، بفعل سيولة عملية النجاح دون استحقاق"..
مما يؤدي إلى الانحراف كتعبير على " الفشل الدراسي " ثم "الانقطاع الدراسي" في آخر المطاف..
السلطات التربوية والأمنية تتحرك..
وأشار إلى سلسلة من الاجتماعات المختلطة التي تم عقدها حول موضوع "الأمن المدرسي "، نظمت على مستوى كل مقاطعة حضرها " مدراء المؤسسات التعليمية "، " قياد المقاطعات "، " رؤساء الدوائر "، " ممثل عن النيابة الإقليمية "، و"آخر عن عمالة سلا "…
حيث تمت مناقشة، ظواهر العنف المدرسي،الغرباء، ترويج المخدرات بمحيط المؤسسات التعليمية، مخاطر قاعات الألعاب الالكترونية… حيث خرجت هذه الاجتماعات بتوصيات منها :
- تنظيم دوريات أمنية خاصة بالمؤسسات التعليمية في أوقات الذروة ( 10 صباحا، 4 و6 زوالا..) لتأمين خروج التلاميذ والأطر وتنظيف المحيط من الغرباء والمروجين للمخدرات…
- الاتفاق على أولوية "المعالجة التربوية " عندما يتعلق الأمر باعتقال وضبط "تلاميذ المؤسسة التعليمية "…
وأشار نفس المصدر، أن معالجة ظاهرة التعاطي المخيف للمخدرات بالوسط المدرسي، يتطلب أولا "الاعتراف بوجودها "، وتضافر الجهود بين الأسرة والمدرسة والسلطات، وتوفير إمكانيات التواصل فيما بينها وتفعيل الأنشطة المدرسية، مشددا على دور الإعلام في خلق " نقاش واسع وهادئ ورصين حول هذه الظاهرة "
-على سبيل الختم : إن أفق تحقيق " المدرسة المغربية الجديدة " و "مدرسة الاحترام" يتطلب الحفاظ على حرمتها وتقوية مكانتها واعتماد أساليب جديدة لتدبير أمن المؤسسة التعليمية، بتنسيق مع كافة الفاعلين والشركاء والمعالجة الحقيقية لظاهرة استهلاك المخدرات لدى التلاميذ بتكثيف الحملات التحسيسية والوقائية…
مع التأكيد على أن المدخل الحقيقي لمعالجة "الظاهرة المتسببة أيضا في انتشار الجريمة بأنواعها، ينطلق من المعالجة الحقيقية لانتشار المخدرات بالمؤسسات التعليمية ومحيطها …"
ملحوظة: حتى لا يقال أننا مجحفون في حق البعض، فإننا نصرح بان ثمة في بعض المؤسسات، مجهودات تبدل في إطار تفعيل الأندية المدرسية (تتضمن أنشطة تحسيسية، حقوقية ورياضية…) لكنها لا تكفي لدفع الشباب والتلاميذ إلى الانخراط الواسع فيها بشكل يجعلهم في معزل عن مخاطر المخدرات والانحراف بصفة عامة…
—————-