من دروس وتداعيات العدوان على لبنان
(تحل الذكرى الأولى لعدوان إسرائيل على أرض لبنان، ففي مثل هذه الأيام من صيف السنة المنصرة كانت الحرب على أشدها، قد تختلف التقييمات من طرف إلى آخر…وكأي مواطن عربي يحق له الإدلاء برأيه، نشرت القراءة التالية بإحدى الجرائد المحلية جدا، وذلك مباشرة بعد انتهاء الحرب، نعيد اقتراحها عليكم، على الأقل حتى لاننسي)
بشجرة الأرز والطبيعة الخلابة والحضارة والفنون والتعدد… تعرف لبنان، وانضاف إلى ذلك المقاومة الباسلة، التي صدت عدوان أعتا قوة في المنطقة، رغم الآلام والتضحيات.
لأول مرة في تاريخها تخوض إسرائيل الغاصبة حربا لمدة 33 يوما، تكبدت خلالها الخسائر وعادت خائبة، لم تسترجع الجنديين* ـ ذريعة العدوان ـ لم تقض على حزب الله، لم تمكث في أرض لبنان، ولم يحنث حسن نصرا لله حينما أكد على أن الأسيرين لن يُردا إلا بالتفاوض المباشر وتبادل الأسرى، فما هي إذا دروس وتداعيات هذا العدوان؟
ـ لا تؤتمن دولة إسرائيل، ولو عقدت المواثيق والعهود، فهي مهيأة للخبط والتقتيل والتدمير، تحاول جاهدة الاستنبات الدائم في المنطقة، بكل ما أوتيت من قوة ودهاء، لماذا تعقد معاهدات سلم مع دول كمصر والأردن، وتسعى للانفتاح على بعض الأنظمة الأخرى؟ وهي مستمرة في مراكمة السلاح بما فيه المحضور كالنووي، بل كيف تحتفظ بأراض محتلة في سوريا ولبنان…؟
ـ مقاومة إسرائي ودحرها إنجاز ممكن، شريطة توفير عدة مستلزمات، منها الثقة بالنفس، إعداد العدة، الحرص على السرية والكتمان، من اجل الدفاع عن النفس، كما فعل حزب الله، مستغلا عدة معادلات، منها التجاذب الإقليمي بين قوى فاعلة، رغم التناقضات الداخلية الخاصة بلبنان في تعدد الطوائف والتوجهات.
ـ رغم الدمار الهائل الذي يحدثه سلاح الجو والقصف عن بعد، فهو لم يعد يحسم المعركة بشكل شامل، حسب ما كان يعتقد عدد من العسكريين، استفاد مقاتلو حزب الله من التجارب السابقة للحروب، انطلاقا من أولى غارات إسرائيل على مصر سنة 1967، إلى الهجوم على العراق. لكن تَمت درسا يجب استخلاصه من طرف الدول العربية خاصة، وهي ضرورة توفير الملاجيء للمدنيين، في كل مدينة أو حي، فعلا نعيش عهد سلم، والجنوح للسلم أحسن ملاذ، غير أنه لا أحد يعرف ما يخبئه المستقبل.
ـ ضرورة توفير الدفاعات الجوية لكل الدول العربية، وقد رأينا كيف بقي لبنان عاريا، تصول في سمائه القاذفات المغيرة بكل حرية، لأن ذلك يحمي السكان والبنيات التحتية، وهنا لا بد من الإشارة إلى المدن الجديدة العملاقة المكلفة في بعض دول الخليج، وعدد من المنشآت لدول أخرى كالسدود والمطارات…كلها تحتاج إلى الحماية.
بروز دور الإعلام بشكل واضح في الحرب، كل طرف يحاول استخدامه بالكيفية التي يريد، رغم أن تعامل حزب الله مع الإعلام كان صادقا مع نفسه، من خلال خطب أمينه العام السيد حسن نصرالله، إذ يتدخل في الوقت المناسب، للتوضيح والرد والاستنهاض… وقد كانت للفضائيات ـ خاصة العربية منها ـ دور في فضح همجية الجيش الإسرائيلي للمشاهدين في العالم، لكن غياب قنوات مملوكة للعرب بلغات أجنبية يترك فراغا،تستغله الدعاية المغرضة والتعتيم المقصود(حذفت ملاحظة عن تأخر ظهور الجزيرة الدولية)، لو كانت جامعة الدول العربية في المستوى المأمول من قبل الشعوب، لتكلفت بتلك القنوات.
ـ أصبح لشبكة الإنترنيت دور مهم في الإخبار والتأثير، وقد جندت دولة إسرائيل عددا من شبابها، لتعقب الأخبار وغرف الدردشة للرد والمحاورة، حتى لا ينقلب الرأي العام الغربي خصوصا ضدها، ونفس الأمر قام به شباب عربي تطوعا.
ـ مازال الرأي العام العربي عموما متشبثا بقوميته وهويته، مدافعا مستميتا عن القضية الفلسطينية أساس المشاكل، وبقية القضايا العربية الأخرى العادلة، كلما مست الشعوب والأرض، للأسف بعض الأنظمة ظلت مترددة تنتظر تدمير حزب الله، كرمز للمقاومة الشعبية، لكن انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب في بيروت، قبيل وقف العدوان، انتقد قليلا الموقف الرسمي.
ـ تأكد لمن لا يزال متشككا الحماية والدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، وقد خاب حلم المسؤولين الأمريكيين حول تحقيق الشرق الوسط الجديد، الهادف إلى تفتيت الدول، وتقوية دور حليفتهم الأولى، وعليه لا يحق منذ الآن لأي مسؤول عربي ومختلف الفاعلين الآخرين استقبال الصهاينة والتطبيع معهم احتراما لمواقف الشعوب، وأرواح الأبرياء.
ـ حفاظ لبنان على وحدة صفوفه رغم الخسائر الفادحة، التي تكبدها في الأرواح والممتلكات، ورغم مراهنة إسرائيل على إحياء رعنات الفتن والاقتتال الداخلي، المسعى الدنيء الذي خاب بتضامن اللبنانيين وتآزرهم، وهي الوضعية التي نتمنى المحافظة عليها مستقبلا، فلبنان واحد في تعدده الرائع.
ـ هذه الحرب بكل تأكيد ستحدث تداعيات عاجلة، وأخرى آجلة على المنطقة ككل، من تقوية وتركيز دور حزب الله كمعادلة لها وزنها داخل لبنان ومحيطه، إلى إعادة توزيع الأدوار وفق التوازنات الجديدة، خاصة تأكيد دور إيران وسوريا كعاملان، مؤثران في السلم والحرب، لا يمكن إغفالهما. وسلوك نفس نهج المقاومة الناجح بالنسبة للعراق تجاه المحتل، رغم ظهور آفة الاحتراب العشائري الداخلي.
ـ لا بد من حدوث تداعيات كذلك على الوضع الداخلي لإسرائيل حيث سيسقط نجم أولمرت وبيرتس، رغم محاولاتهما الجارية لإظهار بطولة الجيش، الذي "لا يقهر"، ونفس الشيء بالنسبة للجنرالات الأساسيين كرئيس الأركان…في دولة يبنى فيها المجد الشخصي على أساس الاستحقاقات العسكرية والجرائم الدموية، كما كان عليه حال شارون وقبله آخرون.
ـ التوجه الآن جار إلى إحصاء الخسائر لدى كل طرف، وتقييم الحرب، وعودة المرحلين، وإعادة إعمار لبنان، وصخب بعض الأطراف من أجل تجريد حزب الله من سلاحه، وكيفية التعامل مع قرار مجلس الأمن رقم1701، وتبادل الأسرى، وانتشار القوات الدولية بجنوب لبنان مع الجيش الرسمي للبلد، لكن هل "اليونفل" لحماية إسرائيل أم لبنان؟ لماذا لم يتمركز حتى داخل إسرائيل؟ ومن يحمي الفلسطينيين من غطرسة جنود الدولة العبرية من الاغتيالات وهدم البيوت..؟
ظهر جليا مساندة كافة المغاربة للبنان وللمقاومة، من خلال مسيرة الدار البيضاء، ومن مؤشرات أخرى عديدة، كل طرف حسب إمكانياته، وبالتالي لا يحق لبعض الأطراف استثمار نتائج المقاومة في لبنان لإعلاء سومته الانتخابية والدعائية، إن نهج مثل هذا السلوك يخلق مزيدا من التشردم والتفرقة بين العرب والمسلمين، ويكرس تقسيما أفقيا للشعوب، ينظاف إلى التقسيم العمودي القائم من خلال الأقطار المنفصلة، لنضرب مثلا بتواضع وحكمة رجل كحسن نصرالله، الحريص على وحدة لبنان، فهو أساسا مقاوم وليس زعيم طائفة، كما قاوم عبد الكريم الخطابي في المغرب، ونلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، وهوشي منه في الفيتنام… كل مع مواطنيه الأحرار بطريقته الخاصة، وحتما لن تعاد تجربة إبادة الهنود الحمر بأمريكا كما حصل منذ خمسة قرون خلت، وذلك أهم درس يمكن استنتاجه.
مصطفى لمودن
غشت 2006
مدونة: