قصة زحف "العدل والإحسان" على "20 فبراير".
بقلم حميد هيمة.
صحيح، أن "حركة 20 فبراير"، التي تلف كل التيارات الفكرية والسياسية المناهضة للسياسات المخزنية القائمة، هي حركة مفتوحة في وجه كل أبناء الشعب المغربي، وهي منبر حر لكل ضحايا الاستبداد والفساد وانعدام الديمقراطية الحقيقية. وصحيح، أيضا، أن من يكفر بالديمقراطية، كفلسفة وآليات، لا يمكنه، بأي حال من الأحوال، أن يدافع على المشروع الديمقراطي والحداثي الذي نناضل من أجله في "حركة 20 فبراير"؛ التي تعرضت، وتتعرض، لزحف هادئ من طرف "العدل والإحسان". ومن المؤكد أن تعاطي "العدل" مع "حركة 20 فبراير"، بمدينة سيدي يحي الغرب، يشكل مرحلة تجريب واختبار مدى نجاعة هذه الأساليب في السطو والزحف، حسب رؤية مرشدها، على "حركة 20 فبراير" وطنيا.
نقترح، للتأمل والتفكير، قصة زحف جماعة ياسين على "حركة 20 فبراير"، بسيدي يحي الغرب نموذجا. قصة تأرجحت فصولها وتفاعلت أحداثها، فشلا ونجاحا، غير أنها كشفت تربص الجماعة بـ"حركة 20 فبراير".
1- بداية القصة : الزحف على " 20 فبراير".
بعد أن اتفق مجموعة من المناضلين والمناضلات، بمدينة سيدي يحي الغرب، على تأسيس نواة لــ"حركة 20 فبراير…الشعب يريد التغيير"، استدعت لجنة الإعلام والتواصل، الناشطة في مجموعة الحركة على الفايسبوك، كل الحساسيات السياسية والفكرية والاجتماعية في اللقاءات التواصلية للحركة، بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، من أجل فعل فبرايري ديمقراطي يلف كل مناضلي المدينة على قاعدة المطالب المعلنة لحركة 20 فبراير في وثائقها التأسيسية.
بيد أن نشطاء الحركة بالمدينة، الذين أظهروا نضجا ديمقراطيا منفتحا على كل الحساسيات، التقطوا إشارات غير مطمئنة من أتباع "جماعة العدل والإحسان" بالمدينة المذكورة. وكانت الحساسيات الديمقراطية، بحسن نية، تعتقد أن انزالاقات جماعة ياسين معزولة ودون خلفيات سياسوية؛ غير أن العملية كانت مدروسة وترمي إلى اختطاف الحركة وممارسة الوصايا عليها.
بعد تواتر مجموعة من الأحداث الملتبسة، استغرب أعضاء "حركة 20فبراير" بالمدينة المذكورة، أولا، من قيام أعضاء "جماعة العدل والإحسان" بإنشاء مجموعة موازية تحت اسم "20 فبراير…..تلاح". الأمر الذي أثار ردود فعل قوية في اجتماعات رسمية، اضطر معها أنصار ياسين، بتوظيف التقية، إلى الاعتذار واعتبار هذه "الخطوة" خطأ غير مقصود، حسب تصريح عضو بالجماعة؛ الذي سنفاجأ أنه يسير "ندوة" في فضاء خاص، وزع فيها الثمر والحليب، باسم "حركة 20فبراير…الشباب يريد التغيير".
ثانيا، ما سيثير الأسئلة الجوهرية عن النوايا المضمرة للجماعة، التي ستؤكدها الأحداث اللاحقة، هو إصدارها "بيان" عقب أول وقفة لــ"حركة 20 فبراير…الشعب يريد التغيير" يوم الأحد 20 مارس الماضي؛ الذي شكل الإعلان الرسمي والميداني لها بالمدينة. طبعا، الجماعة اعتبرت "البيان" مجرد انزلاق لشبابها.
ثالثا، اصطدمت أهداف "العدل والإحسان" المضمرة، في السطو على الحركة، بمحاولة تأسيس، ما أسموه، " تنسيقية الدعم المحلي" في محاولة يائسة لتثبيت وجود الجماعة في الفرع المحلي ل"حركة 20 فبراير"، و تهربوا من العضوية الفردية لأنها لا تشبع طمعهم في الاستيلاء عليها. أما المبرر، الذي يغطي كل انزلاقات أعضاء " العدل والإحسان"، الذي حفظه المناضلون من فرط تكراره، هو عدم فهم "العدليين" للآليات التنظيمية ولطبيعة "حركة 20 فبراير" نفسها.
رابعا، فجر أنصار الجماعة المذكورة طمعهم بالسيطرة على الحركة بمدينة سيدي يحي الغرب، خلال المسيرة الشعبية الحاشدة وغير المسبوقة في فاتح ماي، العيد الأممي للطبقة العاملة، بعد أن تصدروا المسيرة وشرعوا في توزيع بيان مركزي لجماعتهم. وهو ما أثار ردود فعل المشاركين في المسيرة، الذين عبروا عن احتجاجهم وسخطهم من مثل هذه الممارسات التي تمس بمصداقية الحركة وتؤكد جشع الجماعة. ولم يستسغ أنصار ياسين مضمون التنبيه، كرد فعل على توزيع البيان، الذي لا يعني "حركة 20 فبراير" (…الخ).
إن هذه السلوكات المشينة، والتي تواترت من طرف "العدل والإحسان"، كشفت عن نواياها الحقيقية في اختطاف الحركة وتسخيرها لخدمة أجندتها الخاصة. وهو ما سيتنبه إليه نشطاء الحركة، من المؤسسين لفرعها بالمدينة، فاتخذوا بعض الإجراءات التنظيمية فشلت في الحفاظ على استقلالية الحركة ووحدتها التنظيمية(…الخ).
و استمرت "العدل والإحسان"، خلال المحطات التنظيمية والنضالية اللاحقة، في محاولاتها لقرصنة "حركة 20 فبراير". كيف ذلك؟ عناصر الجواب في مسار القصة.
2- في مسار القصة: شق "حركة 20 فبراير".
مهدت "العدل والإحسان" عملية الانشقاق في "حركة 20 فبراير"، بعد إدراكها محدودية توجيه الحركة وفق رؤيتها السياسوية، بنهج أسلوب التباكي على "الإقصاء" الذي يتعرض له مريدوها، و"عدم استيعابهم" لطبيعة الحركة وآليات اشتغالها، غير أن هذا التكتيتك الملتوي كان مدخلا لشرعنة شق الحركة؛ بعد فشل الجماعة في الزحف والسطو عليها(الحركة) لاحقا.
وعمل أعضاء "العدل والإحسان"، بشكل ممتد في الزمن، على ممارسة الضغط على الحركة، في الجانب المالي، حتى يضطر نشطاء "20 فبراير" لمسايرة جشع الجماعة في توجيه الحركة محليا. ولاختزال هذا الضغط، في قالب من السخرية، تساءلنا: هل تريد "العدل والإحسان" الخلافة على منهج ياسين ب 50 درهم؟
والحقيقة، أن نشطاء الحركة قاوموا، في الجانب المالي، ضغوط جماعة ياسين؛ رغم أن أعضاء الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب يشكلون القاعدة الأساسية والفاعلة في الميدان لحركة 20 فبراير.
غير أن أهم اللحظات، التي كشفت فيها الجماعة عن تطلعها للسطو على الحركة، هو تهريب مقررات " حركة 20 فبراير"، المنبثقة عن اجتماعاتها الداخلية، وتنفيذها باسم "شباب" حي (….). و الحال أن هؤلاء "الشباب" لم يكونوا إلا أنصار الجماعة المتهمة، عن سبق إصرار وترصد، باستهداف استقلالية الحركة والعمل على توجيه محطاتها النضالية وفق أجندة أتباع الجماعة بالمدينة.
لكن المثير، في مسلسل زحف "العدل و الإحسان" على "20 فبراير" بسيدي يحي الغرب، هو توظيف الأساليب الخبيثة بتخوين مناضلين ومناضلات الحركة وفعاليات سياسية وحقوقية مناضلة؛ باتهامهم بــ"العمالة" للمخزن (…)، علما أن هذه الفعاليات نفسها أعلنت تضامنها مع الجماعة في عدة محطات (…الخ). غير أن الطمع أعمى بصيرة أتباع الجماعة وأفقدهم صبرهم للسيطرة على "20 فبراير " محليا.
ومن المؤكد أن تعاطي "العدل" مع "حركة 20 فبراير"، بالمدينة المذكورة، يشكل مرحلة تجريب واختبار مدى نجاعة هذه الأساليب في السطو والزحف، حسب رؤية مرشدها، على "حركة 20 فبراير" وطنيا .
أعلنت، بصراحة ووضوح، أن مصادر تهديد الديمقراطية في المغرب هو: الأصولية المخزنية وربيبتها الشرعية الأصولية الدينية. وارتفع منسوب قناعتي بعد معايشتي لهذه السلوكات المنفلتة عن الأخلاق والسياسة بمضمونها النبيل. هذه السلوكات تعكس، في جوهرها، حقيقة ونوايا "العدل والإحسان". ودافعت، إلى جانب المناضلين /ات، على استقلالية الحركة وعلى العضوية الفردية فيها (…).
مقتنع، كذلك، بأن "حركة 20 فبراير" هي ملك لكل مكونات الشعب المغربي التواق إلى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة، غير أنني مقتنع، أيضا، بضرورة الحفاظ على استقلاليتها؛ لأنها شرط جوهري، في تقديري، للنجاح في أهدافها وفي مقدمتها إسقاط الفساد والاستبداد والتأسيس لنظام ملكية برلمانية؛ كما هو محدد في الوثائق التأسيسية للحركة.
صحيح، أن "حركة 20 فبراير"، التي تلف كل التيارات الفكرية والسياسية المناهضة للسياسات المخزنية القائمة، هي حركة لكل أبناء الشعب المغربي، ولكل ضحايا انعدام الديمقراطية. وصحيح، أيضا، أن من يكفر بالديمقراطية، كفلسفة وآليات، لا يمكنه، بأي حال من الأحوال، أن يدافع على المشروع الديمقراطي والحداثي الذي نناضل من أجله في "حركة 20 فبراير".
3- نهاية القصة: انشقاق "العدل والإحسان"
بعد أن تيقنت عناصر الجماعة من فشل تكتيكاتها، التي أدركها المناضلون/ ات، منذ البداية، في الزحف، كما يثمثله شيخها، على "حركة 20 فبراير"، عملت على شق "حركة 20 فبراير…الشعب يريد التغيير" بالتأسيس لحركة رديفة أطلقت عليها اسم "حركة 20 فبراير… الشباب يريد التغيير"، ونظمت، تحت هذا الغطاء، ندوة سياسية أطرها عضو بالجماعة، كما أصدرت "بيانات" في مناسبات عديدة.
و كانت لحظة فاتح ماي، في المسيرة الحاشدة التي نظمتها الحركة بالمدينة، لحظة إعدام خطة "عدلنة" حركة 20 فبراير بسيدي يحي الغرب، مما أجبر الجماعة على إعادة صياغة خطتها الميتة، لكن هذه المرة بخلق انشقاق في الحركة.
وأظهرت أشرطة الفيديو والصور المنشورة، في المنتديات الاجتماعية، كل الذين تباكوا على دمقرطة "20 فبراير" يذبحون استقلاليتها ويشيعون، في مأتم تليت فيه آيات من مشروع الجماعة، المرحومة "الديمقراطية".
إنها نهاية مأساوية.