"الجزيرة" بين الدعوة والدعاية
تدخل في الشؤون الداخلية للدول باسم "حرية الإعلام"
مصطفى لمودن
قدمت قناة "الجزيرة" القطرية وصلة إخبارية لا علاقة بالمهنية ولا بأبسط شروط الإعلام الناضج، حدث ذلك قبل العاشرة مساء ليلة الثلاثاء 8 ماي 2012، فقد ارتأت أن تتحدث عن الأحزاب "الإسلامية" المشاركة في الانتخابات التشريعية بالجزائر، استعرضت هذه الأحزاب دون غيرها، تتبعت بعض تجمعاتها الدعائية، وأتاحت الفرصة لزعماء هذه الأحزاب ليتحدثوا عن "فوزهم" المرتقب، أحدهم قال إن مجموعته ستحصل على 50 %، وآخر قال إنه سيحقق الأغلبية لا محالة.. بينما أغفلت بالمطلق هذه "القناة" بقية الأحزاب المشاركة في الانتخابات.. وهي بذلك تحاول التأثير على الناخبين الجزائريين، وأكثر من ذلك اعتبرت "فوزهم" مستحقا، باعتبار ما حققه زملاؤهم "الإسلاميون" في دول ذكرتها القناة بالاسم، ومنها المغرب جار الجزائر، رغم أن الحزب "الإسلامي" بالمغرب صوت عليه مليون و600 ألف ناخب، أي 27% من المشاركين في الانتخابات فقط دون ذكر المقاطعين.. إن قناة "الجزيرة" أصبحت تمارس الدعاية المكشوفة لحلفائها السياسيين، ونقصد بهم كل من له علاقة قريبة أو بعيدة بحركات "الإخوان المسلمين"، وقد افتضح أمرها من زمن بعيد، لقد تحولت هذه القناة إلى بوق لا تهمها إطلاقا المهنية والموضوعية..
وعلاقة بالانتخابات في الجزائر كان من سوء حظ هذه "القناة" أنها أجرت عبر الهاتف أثناء الوصلة المشار إليها حوارا مع عبد الناصر جابر وهو متخصص في علم الاجتماع السياسي، من سوء حظ بوق "الإخوان" أن هذا الأستاذ المتحدث من الجزائر كان وبالا على ما قصدته القناة وسعت إليه، فقد أوضح أن بعض هؤلاء الإسلاميين يشاركون في الحكومة، ولا بد أن يتحملوا تبعات الإخفاقات الحاصلة في الجزائر، وأكثر من ذلك أنهم (الإسلاميين) مختلفون في بينهم وتفرقوا وأسسوا أحزابا بعدما كانوا مجتمعين، وأضاف بأنهم لا تهمهم غير المناصب ومصالحهم الذاتية.. وشكك في الاحتمالات والمتمنيات التي سردها بعضهم قبل تدخله، وأضاف أن أوضاع الجزائر حسبه ليست كما في بلدان أخرى، وتجري الحملة الانتخابية وسط لا مبالاة شعبية كبيرة.. ما جعل المذيع يحاول تغيير الموضوع، وعبثا حاول لأن الحقائق لا تخفى أبدا.
لقد تعمدت قناة الجزيرة تجاهل خصوم الإسلاميين في السياسة، رغم أن الجميع أبناء بلد واحد اسمه الجزائر، ومن هذه الأحزاب المشاركة في الانتخابات كذلك "جبهة القوى الاشتراكية" والتي فقدت قبل أيام زعيمها ومؤسسها الحسين آيت أحمد، وقد دخلت "الجبهة" غمار الانتخابات بعدما كانت تقاطعها لزمن طويل إلى جانب قائمة من الأحزاب..
إن "قناة الجزيرة" لا تخفي بهكذا تصرف رغبة المشرفين عليها التدخل في الشؤون الداخلية للدول بذريعة الإعلام، بل وتسعى جاهدة لنصرة حلفائها "الإسلاميين" في أفق إرجاع "الخلافة" كما يقول البعض، وكما صرح بذلك زعيم "حزب النهضة" رشيد الغنوشي في تونس الجارة الشرقية للجزائر، هذه "الخلافة إن رجعت ستكون وبالا حتى على حكام قطر "الشقيقة".