ساكنة العالم القروي بوزان تنتفض من أجل الحق في التنمية
وزان: محمد حمضي
بعد أن أحسوا بأن جماعاتهم القروية الثمانية التي يتعدى عدد سكانها أزيد من 150000 نسمة، وهو ما يشكل نصف عدد ساكنة إقليم وزان المحدث منذ ثلاث سنوات، لم تشرق عليها بعد شمس الاستقلال، ولم تستفد من انخراطهم الحماسي والتلقائي في معركة الجهاد الأكبر. وبعد أن لمسوا بأن المغرب العميق الذي تشكل منطقتهم جزءا منه، لم يترجم المسؤولون محليا وجهويا ومركزيا هذه الإرادة إلى أوراش ترتقي بالساكنة إلى درجة متقدمة من المواطنة الحقة. ولأن نسائم الإنصاف والمصالحة مع المغرب تاريخيا وجغرافيا وثقافيا وسياسيا التي هبت على المملكة مطلع القرن الجاري لم تستنشقها أنوفهم، واستنشقت بدل ذلك روائح الفساد والمهانة والإذلال. ولأن المشروع التنموي لجماعاتهم تتقاذفه « نكرات سياسية " لا ترى بالعين المجردة لفرط ابتذالها للعمل السياسي النبيل. ولأنهم لا يرضون لأنفسهم بأن يقارنوا بين الحالة التي كانت عليها البنية التحتية لمنطقتهم ومرافقها في زمن الحقبة الاستعمارية، والتردي الذي لحقها في زمن الاستقلال، لأن لا شيء أحلى وأعظم من العيش في فضائل الحرية. ولأن صبرهم نفذ، فقد قرروا تكسير جدار الصمت والخوف، وساروا في مسيرة حاشدة صباح يوم الثلاثاء 2 أكتوبر، كانت انطلاقتها من مركز عين دريج، مرورا بسيدي رضوان، وبني كلة، وصولا إلى باب العمالة لإيصال صوتهم المطالب بفك العزلة عنهم، ورفع الحصار المضروب عليهم منذ أكثر من عقد، وتعاظمت معاناتهم في الثلاث سنوات الأخيرة بعد أن دمر عن آخره المنفذ الوحيد الذي يصلهم بالعالم الخارجي، وبالضبط الطريق الجهوية رقم 408 التي تعتبر جسرهم الأوحد مع وزان عاصمة الإقليم، والمدينة الوحيدة به.
كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا حين انطلقت المسيرة بعد التجمع الذي حضره أزيد من 2000 مواطن يؤطرها / ها النسيج الجمعوي بعين المكان، رددت خلاله شعارات تندد بالتهميش الذي تتعرض له المنطفة. ولأن يوم المسيرة يصادف يوم السوق الأسبوعي فقد شلت عملية البيع والشراء بفعل المقاطعة الشاملة، وتعطلت الدراسة استجابة لنداء فرع النقابة الوطنية للتعليم ( ف د ش ) بالمجاعرة، وتطوع سائقو وسائل النقل العمومي من مختلف الأحجام ( أزيد من 300 سيارة ) بنقل المشاركين في المسيرة، وحيث كانت المسيرة تمر كانت النساء تستقبلهم بالزغاريد، فأنستهم لحمة القبائل فيما بينها معاناة و مآسي التهميش، وتعب السير في المسيرة بل الالتحاق بها قدوما على الأقدام من دواوير بعيدة جدا ومعزولة.
عامل الإقليم ما أن وصلت الطلائع الأولى للمسيرة إلى باب العمالة حتى طلب مجالسة اللجنة المشرفة على تأطير هذه المسيرة. وفعلا يقول مصدر الجريدة الموثوق، فقد أطلع أعضاء هذه اللجنة التي تعززت بحضور عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، وممثل فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على العناوين الكبرى للتقرير الأسود الذي أعده حول هذه الطريق منذ تسلم مهامه على رأس عمالة وزان في شهر يونيوه 2012، ورفعه إلى وزير التجهيز والنقل وأخبر، وأحاطهم علما بأن لجنة وزارية ستنزل إلى عين المكان يوم الخميس 4 أكتوبر، وسيعقد معها جلسة عمل خاصة لإيجاد مخرج آني يفك العزلة عن الساكنة خلال فصل الشتاء الذي نزلت على المنطقة خيوط أمطاره الأولى، وزاد موضحا بأن وزير التجهيز قد قرر استقبال ممثلي الإقليم بمجلس النواب في نفس الموضوع.
وبعد نقاش سادته الصراحة والمسؤولية التي لمسها أعضاء التنسيقية في خطاب رئيس الإدارة الترابية بالإقليم، وبعد التقاط مختلف الأطراف رسالة التعامل الحضاري لمختلف الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية مع المسيرة التي بدورها كانت متمدنة، فقد تم الاتفاق على إعطاء فسحة زمنية قصيرة لعامل الإقليم من أجل إيجاد كمرحلة أولى معالجة استباقية آنية حتى لا تتضرر الساكنة كما حدث في السنة السابقة، وهي المعالجة التي قد يصل غلافها إلى أزيد من 500 مليون سنتيم، والحل الثاني سيكون جذريا ولن يتعدى سنة 2013 لتعبد الطريق بصفة نهائية. ولم يفته الإشارة غمزا بأنه غير راض على ما تم انجازه في الشطر الأول وأنه سيدقق التحقيق في الموضوع حتى تطمئن قلوب المواطنين .
يذكر بأن اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لجهة الشمال سبق لوفد عنها أن تناول في جلسة عمل جمعته يوم 5 شتنبر الأخير مع عامل الإقليم، الوضعية الكارثية لهذه الطريق، من باب حق ساكنة المنطقة في التنمية التي يضمنها لهم الدستور والمواثيق الدولية، وأن الطريق تشكل مدخلا أساسيا للتنمية. كما أن جريدة الإتحاد الاشتراكي سبق أن تناولت على أعمدتها أكثر من مرة الوضعية الكارثية لهذه الطريق، من دون أن يعير الوزراء المتعاقبون على الوزارة الوصية اهتماما بذلك إلى أن تفجر الوضع اليوم .